مالك بن نبي

مالك بن نبي مفكّر إسلامي بارز، يعدّ أحد المفكّرين الإسلاميّين الذين قدّموا رؤاهم لنهضة بلادهم على هدي القرآن الكريم للخروج من مأزق التخلّف والتبعية، فاهتمّ بالوقت باعتباره ممرّاً يدخل المجتمع من خلاله التاريخ أو يخرج منه، وبالفعّالية على أنّها فهم جوهر الإنسان، وبالتاريخ وعلاقتهما الواحد بالآخر، وبالحضارة على أنّها جملة العوامل المادّية والمعنوية التي تتيح للمجتمع أن يوفّر لكلّ فرد من أعضائه الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدّمه.

مالك بن نبي
الاسم مالك بن نبي‏
الاسم الکامل مالك بن نبي‏
تاريخ الولادة 1905م/1322ق
محل الولادة قسنطینه (الجزائر)
تاريخ الوفاة 1973م/1393ق
المهنة متفکر، کاتب
الأساتید
الآثار من مؤلّفاته: الظاهرة القرآنية، لبّيك، الفكرة الأفروآسيوية، فكرة كومنولث إسلامي، ميلاد مجتمع، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي، دور المسلم ورسالته في القرن العشرين، شروط النهضة، وجهة العالم الإسلامي، مشكلة الثقافة، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، مذكّرات شاهد القرن، المسلم في عالم الاقتصاد، بين الرشاد والتيه، مجالس دمشق، مجالس تفكير، دراسة حول النصرانية، آفاق جزائرية، من أجل التغيير، القضايا الكبرى، الإسلام والديمقراطية.
المذهب سنی

الولادة

ولد مالك بن نبي في «قسنطينة» بالجزائر عام 1905 م.

الدراسة

ودرس القضاء بالمعهد الإسلامي المختلط، وفي عام 1928 م تعرّف على الشيخ عبدالحميد بن باديس، وعرف قيمته التربوية والإصلاحية، وانتقل إلى باريس، فنال شهادة الهندسة الكهربائية من المعهد العالي للهندسة سنة 1931 م، وتزوّج هناك من فرنسية أسلمت واتّخذت خديجة اسماً لها، فلم تنجب له،
فتزوّج من ثانية بعد وصوله إلى مصر سنة 1956 م، وفي باريس أصدر عدداً من كتبه المهمّة.

نشاطاته

وقد أعطته ثقافته المنهجية قدرة على إبراز مشكلات العالم المتخلّف بوصفها قضية حضارية، فوضع كتبه كلّها تحت عنوان كلّي هو «مشكلات الحضارة».
وفي عام 1956 م لجأ إلى القاهرة، فأقام بها، وأصدر فيها بعض كتبه، وكان غالب ما يكتب بالفرنسية والتي ترجمها إلى العربية المفكّر المصري الدكتور بعدالصبور شاهين.
عاد إلى الجزائر بعد استقلالها سنة 1963 م، فعيّن مديراً عامّاً للتعليم العالي، واستقال من منصبه عام 1967 م متفرّغاً للعمل الفكري حتّى وفاته عام 1973 م في عاصمة الجزائر بعد زيارة للبنان سنة 1971 م أودع خلالها وصيته للمحامي عمر المسقاوي «نائب‏
ووزير»، والذي تولّى نقل أعماله مع آخرين إلى العربية ونشرها عام 2000 م.

مؤلفاته

من مؤلّفاته: الظاهرة القرآنية، لبّيك، الفكرة الأفروآسيوية، فكرة كومنولث إسلامي، ميلاد مجتمع، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي، دور المسلم ورسالته في القرن العشرين، شروط النهضة، وجهة العالم الإسلامي، مشكلة الثقافة، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، مذكّرات شاهد القرن، المسلم في عالم الاقتصاد، بين الرشاد والتيه، مجالس دمشق، مجالس تفكير، دراسة حول النصرانية، آفاق جزائرية، من أجل التغيير، القضايا الكبرى، الإسلام والديمقراطية.
إنّ العالم الاسلامي الذي عرف أوّل قطيعة داخلية إبّان معركة صفّين في 659 م قد توقّف عن التقدّم في نظر مالك بن نبي منذ نهاية دولة الموحّدين في 1269 م.
فمنذ ذلك التاريخ كفّت روح الاسلام الخلّاقة عن إحياء المسلمين، ففقد المسلمون روح المبادرة وعاشوا على الذكرايات والتغنّي بالماضي. كما أصبحوا علاوة على ذلك فريسة سهلة للاستعمار، وعاملتهم أوروبّا على هذا الأساس. ولئن زادت أوروبّا من حالة الفوضى التي آل إليها مصيرهم بلجوئها إلى استعمارهم، فقد أرغمتهم أيضاً بالمقابل على البحث عن طريقة عيش تتناسب وشروط حياتهم الجديدة.
وقد سلكوا في هذا السبيل طريقين:
طريق الإصلاح وطريق الحداثة، لكن أيّاً من هذين التيّارين لم يذهب إلى مصدر وحيه بالذات كيما يعطي النتائج المرجوّة منه، فقد ظلّت الفوضى هي السائدة في صفوفهم، وتتجلّى هذه الفوضى في حياة المسلمين اليومية في أشكال عدّة،
يذكر مالك بن نبي من بينها: الخضوع لقانون الصدفة، انعدام المبادرة، التعلّق بالشي‏ء لا بالفكرة، النزوع إلى القول لا إلى الفعل، الشلل على الصعيدين الخلقي والفكري. ولئن عجزت أوروبّا عن أن تنير أمام المسلمين طريق التجديد، نظراً إلى أنهّا لم تعط العالم إلّا «سديمها المميّز» عندما جعلت من «مشعل الحضارة شعلة محرقة»، يتعيّن على المسلمين أن يهتدوا بأنفسهم إلى هذا الطريق بدون أن يعزلوا أنفسهم داخل عالم ينزع إلى التوحيد، وبدون أن ينفصلوا عن حضارة تمثّل رغم كلّ شي تجربة إنسانية عظيمة. ويتعين عليهم،
على العكس من ذلك، أن‏
يحدّدوا علاقاتهم مع هذه الحضارة، وأن يسعوا إلى تحقيق «إصلاح صوفي الطابع» يسمح لهم بأن يعيشوا الإسلام «الدين الكامل» بروحه الحقيقية. ويقول مالك: إنّ تخلّفهم الراهن لا يسمح لهم بأن يؤدّوا دورهم على النحو المنشود، لكن الإحساس بالقيمة الأخلاقية الذي بقي حياً عندهم، والذي «يفتقر إليه روح الحداثة القديم،
إنّ هذا الإحساس الذي يجعلهم يقدّمون الواجبات على الحقوق قد يتيح لهم فرصة إيجاد الحلول لمشكلاتهم، بل لمشكلات البشرية قاطبة».
ومن هذا المنظور يكون للعالم الاسلامي الذي هو «قيد التحّول» «مستقبل».
لقد كانت السياسات الاستعمارية (الفرنسية في الغرب، والإنجليزية في الشرق) تحرص على تمزيق العلاقات الوثيقة بين أجزاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج باتّباع نهج سياسي معيّن يتمثّل في فرض واقع الغربة اللسانية، وذلك بتعميم اللغة الفرنسية في المغرب العربي بأقسامه المعروفة «المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا»، وكانت فرنسا تحلم بفرنسة هذه البلدان، تمهيداً لإدماجها في كيانها بصورة نهائية، وقد قطعت في هذه السبل شوطاً بعيداً، وكذلك فعلت بريطانيا،
أو حاولت أن تفعل بنشر لسانها الإنجليزي.
ومهما سجّل التاريخ من جهود الدولتين في تذويب الشخصية العربية في محلول «آري- لاتيني»، فإنّ كلّ الجهود باءت بالفشل، وسرعان ما علت نبرة الكفاح والتحرّر ورجعت الأوطان العربية المسلمة إلى اللسان العربي وإلى الهوية الإسلامية.
والناظر إلى شخصية مالك بن نبي يجد أنّها قد جسدّت هذه المراحل كلّها.
ولقد سُئل ذات يوم عن السرّ في التحوّل عن المهنة التي تخصّص فيها «الهندسة الكهربائية» إلى الاشتغال بالعمل الفكري، فقال: «نظرت فوجدت أنّ بلادي بحاجة إلى مهندس لأفكارها أكثر من حاجتها إلى مهندس كهربي!».
ويبدو أنّ مالكاً قد تخرّج مهندساً في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، وأنّه أكبّ على دراسة العلوم الاجتماعية وقراءة المراجع التاريخية والأنثروبوليجية خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، كما كان قد درس مجموعة من أعمال المستشرقين حول‏
الإسلام وحول شخصية النبي صلى الله عليه و آله،
حتّى إنّه اندمج في المشكلة الدينية، وكأنّه كان يهيّئ نفسه للقيام بدور للدفاع عن الإسلام، وتأكيد صدق الوحي القرآني، وهي القضية التي شغلت أكثر المستشرقين ليثبتوا عكسها.
ولعلّ الدافع الأساسي الذي دفع مالكاً في هذا الاتّجاه ما كان يكنّه من إعجاب عميق بالشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان يمثّل رمزاً للعمق التاريخي الذي ينتمي إليه الشعب الجزائري رغم محاولات الفرنسة المستمرّة.
وقد تعرّف في باريس على الشيخ محمّد عبد اللَّه دراز والذي كان يدرس بالسوربون تخصّص الفلسفة حوالي عام 1947 م، فتوطّدت بينهما أواصر الصداقة.
وعن سرّ كتابة مالك لبحوثه بالفرنسية وعن بعض أفكاره يقول الأُستاذ عبد الصبور شاهين: «ولا مجال للتساؤل هنا عن علاقة مالك باللغة العربية،
فقد كان عالماً معزولًا تماماً عن العرب والعربية، وقد حال الاستعمار الفرنسي بين الشعوب المغربية بعامّة والشعب الجزائري بخاصّة وبين الاتّصال باللسان العربي بأيّ صورة، وهذا هو الذي يدعونا إلى تقرير حقيقة هي: أنّ مالكاً حين لقيته أوّل عام 1957 م لم يكن يعرف شيئاً قليلًا أو كثيراً من اللغة العربية، اللهمّ إلّابضع كلمات من اللهجة الجزائرية. وقد كان يعيش منذ بداية دراسته الجامعية في وسط فرنسي وبلغة فرنسية، ومع زوجة فرنسية، وقلم فرنسي.
ولا شك أنّه قد شعر بأنّ اتّجاهه إلى التأليف والكتابة لا قارئ له في الوسط الفرنسي، وإن كان محرّراً بالفرنسية. فشدّ رحاله إلى مصر حوالي عام 1955 م،
إبّان انعقاد مؤتمر باندونج، وقد كان يؤذن بولادة اتّجاه جديد، هو عالم «الحياد الإيجابي»، وكان للقاهرة دور كبير في تلك الحركة السياسية العالمية التي تزعّمها نهرو- سوكارنو- عبد الناصر.
وعكف مالك على وضع كتابه عن أثر مؤتمر باندونج في خلق الاتّجاه الإفرسيوي، وكان ذلك بعنوان «فكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونج»، وطبعته مصلحة الاستعلامات في سلسلة «دراسات مختارة» باللغة الفرنسية.
ومع تعدّد المحاولات الفكرية في الأعمال التي قدّمها فإنّ أحداً لم يعرف عنها شيئاً، فقرّاء الفرنسية في مصر قليلون، وحينئذٍ كان لا بدّ من الاتّجاه إلى اللغة العربية عن طريق التماس من يقوم بترجمة هذه الكتابات المهمّة والمتنوّعة.
وهكذا كان ميلاد مالك في اللغة العربية، وفي الحياة العربية أيضاً.
ولم يسبق مالكاً أحد من الكتّاب والأُدباء والمفكّرين الجزائريّين إلى الساحة العربية، لا سيّما وأنّ مجموعة كتبه التي ترجمت أواخر الخمسينيات قد ظهرت تباعاً.
ولذلك صادفت كتبه المترجمة رواجاً غير عادي؛ لانفرادها بالسوق الإسلامية من ناحية، ولتشجيع المؤسّسات الحكومية لها من ناحية أُخرى، وبخاصّة وزارتا الأوقاف والتعليم. وقد ظهرت ترجمة كتاب «الظاهرة القرآنية» بمقدّمة رائعة كتبها المرحوم الأُستاذ محمود محمّد شاكر عن «إعجاز القرآن» مع ما ظفرت به من تحقيق وتعديل الأخطاء الاستشراقية، ومازال هذا الكتاب يصدر في طبعات متوالية، ومن جهات عديدة، على مدى الخمسة والأربعين عاماً الماضية.
والجدير بالذكر في هذا المقام أنّ بعض كتب الأُستاذ مالك مثل «مشكلة الثقافة، وميلاد مجتمع، والصراع الفكري، وفكرة كومنولث»- وهي كتب بارزة في قائمة المؤلّف- لم تر النور إلّافي الترجمة العربية، أمّا الأصل الفرنسي فلم يعمل المؤلّف على نشره؛ لأنّ مضمون هذه الكتب موجّه أساساً إلى العرب والمسلمين، لا إلى الفرنسيّين.
ويبدو أنّ مالكاً شعر بأنّ دوره في توجيه الحياة العربية الإسلامية لا ينبغي أن يقتصر على الكتابة، بل لا بدّ من أن يكون خطابه موجّهاً إلى الجماهير من المثقّفين، فبدأ يتحرّك نحو الشرق (لبنان وسورية)، وقد اهتمّ أصدقاؤه هنالك بتسجيل محاضراته ونشرها في كتيّبات،
تشكّل في مجموعها معالجة للواقع الإسلامي في تلك المجتمعات على ضوء الفكر الحضاري الذي كان معنياً بترديد مقولاته، وهي دائماً دائرة حول التقابل بين: الإسلام والضياع- الحضارة والتخلّف- الأشياء والأفكار- التكديس والبناء- العلم والضمير- الصناعة والأخلاق- المادّي والغيبي... وأكثر هذه الأفكار وارد في كتبه الأُولى التي أشرنا إلى ترجمتها، فقد أضاف إلى ترجمة «شروط النهضة» مقالة بعنوان: «من التكديس إلى‏
البناء»، وقابل في الظاهرة القرآنية بين «المذهب المادّي والمذهب الغيبي»، وهي لمحات تتّسم بالذكاء والتعمّق في أزمة الإنسان المسلم في عصر ما بعد الموحّدين، أي: حتّى عصرنا هذا الذي تتصارع فيه المذاهب والجدليات.

بعض آرائه

وكان المبدأ الذي يعتمد عليه دائماً هو المبدأ القرآني: «إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم».
رحم اللَّه مالكاً رحمة تكافئ ما تميّز به من إيمان عميق بفكرته، وأمل عظيم في بعث هذه الأُمّة الإسلامية، وإحياء تراثها في واقعها، للتغلّب على مشكلات التخلّف الحضاري».
وقد كانت هناك خاصّة نفسية من لوازم الأُستاذ مالك، وقد أثّرت في شخصيته تأثيراً بالغاً، يكاد يصل إلى مستوى العقدة النفسية! ذلك أنّ الرجل كان يكره الاستعمار ويحاربه، وكان يوجّه انتقاده إلى المجتمعات الإسلامية لما أصابها من عقدة «القابلية للاستعمار».
لقد كان يؤكّد دائماً أنّ البلاء ليس مقصوراً على القوى الاستعمارية التي تفرض «الاستعمار» على الشعوب المستضعفة، بل إنّ هذه الشعوب هي التي تغري الاستعمار بالعدوان عليها، بما أصاب نفسيتها من ضعف يغري أعداءها بافتراسها،
وتلك العقدة هي التي أطلق عليها مالك: «القابلية للاستعمار»، وقد كان يرقب أحوال هذه الشعوب، بل لقد كان يرقب أحوال الأفراد في مختلف البلدان، ويفسّر ما هم عليه من رضا بالهوان والضعف والجهل، وما تسير عليه سياسات الزعماء والحكّام من مهادنة للعدوّ ومخادعة للجماهير،
بأنّ ذلك هو من أثر «القابلية للاستعمار»، فكأنّه كان يحارب في جبهتين في وقت واحد.
إنّ حسّاسيته تجاه هذه العقيدة كانت تجسّد له وجود الاستعمار في كلّ مكان، ووراء كلّ باب، وفي ضمير كلّ من يتعامل معه، بل بلغ به الأمر إلى حدّ أن يشكّ في كثير ممّن يقتربون منه، وكأنّهم مرسلون من «الاستعمار» لإيقاع الأذى به، وقد كتب في مثل هذه المواقف رأيه عن «الاغتيال بوسائل العلم».

المراجع

(انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي 5: 226، موسوعة السياسة 5: 682- 683، ملحق موسوعة
السياسة: 221- 222، الموسوعة العربية العالمية 22: 121، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 3: 299- 313، نثر الجواهر والدرر 2: 997، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 883- 888، موسوعة الأعلام 1: 74 و 4: 110، المعجم الوسيط فيما يخص الوحدة والتقريب 2: 25- 26).