عبد الرحمان تاج

عبد الرحمان تاج: كان واحداً من أبرز فقهاء الشريعة الإسلامية وأساتذتها المعاصرين، كما أنّه من اللغويّين المجتهدين وأعضاء مجمع اللغة العربية الخالدين. عاش الدكتور عبد الرحمان تاج شيخاً سابقاً للأزهر في عهد أربعة من خلفائه في هذا المنصب، وتوفّي في عهد خليفته الرابع الشيخ عبد الحليم محمود.

الشيخ عبد الرحمان تاج
الاسم عبد الرحمان تاج‏
الاسم الکامل عبد الرحمان حسين علي تاج الحنفي
تاريخ الولادة 1896م/1314 هـ
محلّ الولادة أسيوط(مصر)
تاريخ الوفاة 1975م/1395 هـ
محلّ الوفاة القاهرة
المهنة شیخ الأزهر، وفقيه، ولغوي
الآثار البابية وعلاقتها بالإسلام، السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي،

الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، مذكّرة في الفقه المقارن، تاريخ التشريع الإسلامي، مناسك الحجّ وحكمها، الإسراء والمعراج، حكم الربا في الشريعة الإسلامية

المذهب سنّي

مدخل حول الأزهر ومشيخته

مع تولّي أسرة محمّد علي باشا الحكم في مصر، تغيّرت عملية اختيار شيخ الأزهر، حيث كان يتمّ بتدخّل من الوالي، ومع الجهود المبذولة لتطوير جامع الأزهر وإصلاحه، ظهرت جماعة كبار العلماء سنة (1239هـ = 1911م) في عهد المشيخة الثانية للشيخ سليم البشري، ونصّ قانون الأزهر وقتها على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين جماعة كبار العلماء، حيث يتمّ اختياره بطريق الانتخاب من بين هيئة كبار العلماء المرشّحين لشغل المنصب على أن يكون حاملاً للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين مسلمين، وأن يكون من خرّيجي إحدى الكلّيات الأزهرية المتخصّصة في علوم أصول الدين والشريعة والدعوة الإسلامية واللغة العربية، وأن يكون قد تدرّج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الأزهرية، وكان ذلك يضمن ما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر من العلم والمعرفة والسمعة وحسن الخلق.

وبصدور القانون رقم 103 لسنة 1961م الخاصّ بتطوير الأزهر، ألغيت هيئة كبار العلماء وحلّ محلّها ما عرف باسم: مجمع البحوث الإسلامية، ويتكوّن من 50 عضواً على الأكثر، كان من بينهم في بداية نشأته حوالي 20 من غير المصريّين من كبار علماء العالم الإسلامي، ولا تسقط عضوية أيّ منهم إلّا بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الصحّي.

ومجمع البحوث هو الذي يقرّر إسقاط العضوية، وهو الذي يملأ المكان الشاغر بانتخاب أحد المرشّحين سواء بالاقتراع السرّي أو بأغلبية الأصوات، ويتمّ اختيار شيخ الأزهر بشكل عامّ من بين أعضاء المجمع، ويكون رئيس الجمهورية وحده هو صاحب القرار، وعلى أن يعيّن ولا يقال. ويُعيّن شيخ الأزهر في منصبه بعد صدور قرار من رئيس الجمهورية، ويعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش.

وقد جعل هذا القانون شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كلّ ما يتّصل بالشئون الدينية وفي كلّ ما يتعلّق بالقرآن وعلوم الإسلام.

اسمه وميلاده

عبد الرحمان حسين علي تاج. ولد سنة 1896م بأسيوط، وينتسب لأسرة من بلدة (منية الحيط) إحدى قرى مركز إطسا بمحافظة الفيّوم، انتقل والده مع جدّه للعمل في إقامة قناطر أسيوط.

نشأته ومراحل تعليمه

نشأ الشيخ عبد الرحمان تاج في أسيوط، وحفظ القرآن بها وهو في العاشرة من عمره، ثمّ جوَّده وتلقَّى بعض الروايات في قراءاته على يد كبار القُرَّاء، كما تلقَّى بعض مبادئ العلوم الدينية والعربية، وحفظ عدداً من متون العلوم، وانتقلت أسرته إلى الإسكندرية، فانتقل معها والتحق بالسنة الثانية الابتدائية بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1910م، وكان المعهد يمتاز عن بقية المعاهد بما تمَّ فيه من إصلاح سبق به غيره، وبما تهيّأ له من أساتذة مرموقين أحسن المسؤولون اختيارهم، فأجادوا وسائل الشرح والتوضيح والتوجيه السلوكي لطلّابه، وكان هذا المعهد الكبير يضمّ جميع مراحل التعليم.

ظلّ الشيخ عبد الرحمن تاج يواصل الدراسة فيه، وكان حريصاً على أن يقرأ الدروس قبل أن يتلقّاها على أساتذته، ويناقشهم فيها أثناء الدرس مناقشة الفاهم الواعي، فكان أساتذته يثقون به حتّى أتاحوا له أن يُلقيَ الدروس في آخر كلّ أسبوع أمامهم نيابة عنهم، وشهدوا له بالنبوغ، وكان ترتيبه الأوّل في معظم مراحل التعليم، حتّى نال الشهادة العالمية سنة 1923م، وكان أوّل الفائزين في هذا العام.

قبس من حياته

كانت حركة الإصلاح في الأزهر قائمة على قدم وساق، وكان من نتائج هذه الحركة إلغاء مدرسة القضاء الشرعي، وإقامة قسم للتخصّص في القضاء الشرعي، فالتحق الشيخ عبد الرحمان تاج به ونال منه شهادة التخصّص سنة 1926م، وأدَّى فريضة الحجّ في هذه السنة، وتمّ تعيينه بمعهد أسيوط الديني عقب تخرّجه، وظلَّ مُدَرِّساً بهذا المعهد حتّى تمَّ نقله إلى القاهرة مُدرِّساً بقسم التخصّص للقضاء في كلّية الشريعة الإسلامية. وفي سنة 1935م عُيِّنَ عضواً بلجنة الفتوى مُمَثّلاً للمذهب الحنفي مع قيامه بعمله في كلّية الشريعة.

وفي سنة 1936م وقع الاختيار عليه ليكون عضواً في بعثة الأزهر إلى جامعة السوربون بفرنسا، فصحب أسرته معه، وكانت مكوّنة منه ومن زوجته وثلاثة أطفال، فدرس اللغة الفرنسية وأجادها، ثمّ واصل دراسته الجامعية، وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت واشتدّت، فلم تعقه أعباء الأسرة ولا أهوال الحرب عن التعمّق في دراساته حتّى نال الدكتوراه في الفلسفة وتاريخ الأديان عن بحثه القيّم (البابية والإسلام) سنة 1942م، وعاد من باريس سنة 1943م، فعُيِّن مُدَرِّساً بكلّية الشريعة في قسم تخصّص القضاء الشرعي، وعضواً بلجنة الفتوى كما كان، ثمّ سكرتيراً فَنِيًّاً لها، ثمّ عُيِّن مُفَتِّشاً للعلوم الدينية والعلوم العربية بالمعاهد الدينية، ثمّ قائماً بإدارة كلّية الشريعة، ثمّ بإدارة معهد الزقازيق، ثمّ عُيِّن شَيخاً للقسم العامّ والبعوث الإسلامية بالأزهر ومُشرفاً على بعث البعوث الدينية للأقطار الإسلامية، فوضع الأسس الدقيقة الكفيلة بتحقيق الغاية من هذه البعوث، وفي هذا الأثناء كتب رسالته القيّمة في (السياسة الشرعية) حيث نال بها عضوية جماعة كبار العلماء سنة 1951م، ثمّ اختير أُستاذاً للشريعة الإسلامية بكلّية الحقوق بجامعة عين شمس، مع بقائه عضواً بجماعة كبار العلماء، وعضواً بلجنة الفتوى، ثمّ وقع عليه الاختيار ليكون عضواً في لجنة الدستور إلى أن أتمّت عملها.

أخلاقه

كان الشيخ عبد الرحمان تاج يتمتّع بخلق قويم إلى جانب علمه الغزير، وقد صقلته التجارب العديدة التي خاض غمارها، وسمت به عقيدته الدينية إلى آفاق عالية، فقد كان شديد التمسّك بالشعائر الإسلامية والفضائل الدينية علماً وعملاً وتطبيقاً، فكان إماماً في المعارف العلمية وقدوة طيّبة في الآداب السلوكية، وكان مع تواضعه يعتزّ بكرامته كلّ الاعتزاز، وخاصّة مع كبار المسؤولين.

عاش الشيخ الدكتور عبد الرحمان تاج هادئ الطبع، هادئ الصوت، ذا قدرة فائقة على الاستشهاد وعلى الإحاطة بالمصادر البعيدة عن التناول، وكان تواضعه واعتزازه بأزهريته يدفعانه إلى عدم توقيع مقالاته بلقب الدكتور رغم حصوله على دكتوراه من السوربون.

مؤلّفاته

- البابية وعلاقتها بالإسلام (بالفرنسية)، وهي رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس.

- السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي، وهي الرسالة التي نال بها عضوية كبار العلماء.

- الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.

- مذكّرة في الفقه المقارن.

- تاريخ التشريع الإسلامي.

- مناسك الحجّ وحكمها.

- الإسراء والمعراج.

- حكم الربا في الشريعة الإسلامية.

- رسالة في أفعل التفضيل واستعماله.

ولايته للمشيخة

في أثناء عمله عضواً في لجنة الدستور صدر مرسوم جمهوري بتعيينه شيخاً للأزهر سنة 1954م.

ومن آثاره النافعة في النهوض بالأزهر: أنّه قرّر تدريس اللغات الأجنبية فيه، وعُني بإصلاح النظم الإدارية وقواعد الامتحانات به، وفي عهده تمّ الإنفاق على إنشاء مدينة البعوث الإسلامية لسكنى الطلّاب الوافدين للدراسة بالأزهر من شتّى أقطار الأرض، وكان أوّل من فكَّر في إدخال نظم التربية العسكرية بالأزهر.

وظلّ الشيخ عبد الرحمان تاج شيخاً للأزهر حتّى صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيراً في اتّحاد الدول العربية عند قيامه سنة 1958م إلى أن ألغت الجمهورية العربية المتّحدة (جمهورية مصر العربية) هذا الاتّحاد سنة 1961م. وفي سنة 1963م انتخب عضواً بمجمع اللغة العربية، ثمّ اشترك فيه في لجنة القانون والاقتصاد ولجنة الأصول ولجنة المعجم الكبير، ثمّ اختير عضواً بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

وظلَّ الشيخ عبد الرحمان تاج يواصل عمله في صبر وأناة بمجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية، وكتب أبحاثاً قيّمة ودراسات عميقة في تفسير القرآن الكريم وعلوم اللغة، وصحَّح بها كثيراً من الأخطاء الشائعة.

مشاركته في الاحتفال باستقلال إندونيسيا

شارك الشيخ الدكتور عبد الرحمان تاج في احتفالات إندونيسيا بالاستقلال على رأس وفد من الأزهر، وذلك تلبية لدعوة من الزعيم الإندونيسي أحمد سوكارنو، وكان الوفد المصري الرسمي برياسة جمال سالم، وهو يومئذ الشخصية الثانية بعد جمال عبد الناصر، لكن الاستقبال الحارّ وجه تلقائياً إلى وفد الأزهر وإلى رئيسه، ممّا جعل جمال سالم، فيما تواترت روايته، يضيق به ويحاول عرقلة وجوده، ووصل الحدّ إلى أنّ جمال سالم سأله في ضيق: مَنْ رئيس الوفد؟ أنا أم أنت؟ فأجابه الشيخ : كلّ منّا رئيس فيما جاء له! وقد حاول جمال سالم إعادة أعضاء الوفد الأزهري قبل نهاية الاحتفالات، لكن الشيخ تصدّى له.

مشاركته في بيان علماء الأزهر حول قضية فلسطين

يذكر للشيخ الدكتور عبد الرحمان تاج وأساتذته وأنداده من العلماء موقفهم السياسي الحازم والمشئول من قضية فلسطين، وقد أصدر مع نخبة من العلماء هذا البيان:

”يا معشر المسلمين.. قضي الأمر، وتآلبت عوامل البغي والطغيان على فلسطين وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومنتهى إسراء خاتم النبيّين (صلوات الله وسلامه عليه).

قضي الأمر وتبيّن لكم أنّ الباطل مازال في غلوائه، وأنّ الهوى ما فتئ على العقول مُسيطر، وأنّ الميثاق الذي زعموه سبيلاً للعدل والإنصاف ما هو إلّا تنظيم للظلم والإجحاف، ولم يبق بعد اليوم صبر على تلكم الضيمة التي يُريدون أن يرهقونا بها في بلادنا، وأن يجثموا بها على صدورنا، وأن يُمزّقوا بها أوصال شعوبٍ وحّد الله بينها في الدين واللغة والشعور.

إنّ قرار هيئة الأمم المتّحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحقّ ولا العدالة، ففلسطين مِلكُ العرب والمسلمين بذلوا فيها النفيس والغالية والدماء الزكية، وستبقى- إن شاء الله- مُلْكَ العرب والمسلمين رغم تحالف المُبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن يُنازعهم فيها أو يُمزّقها.

وإذا كان البُغاة العُتاة قصدوا بالسوء من قبل هذه الأماكن المُقدّسة فوجدوا من أبناء العروبة والإسلام قساورة ضراغم زادوا عن الحمى، وردّوا البغي على أعقابه، مُقلم الأظافر، مُحطّم الأسنّة، فإنّ في السويداء اليوم رجالاً وفي الشرى أساداً، وإنّ التاريخ لعائد بهم سيرته الأولى، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون”.

وقد كان الموقّعون على هذا البيان:

الشيخ محمّد مأمون الشنّاوي شيخ الجامع الأزهر.

الشيخ محمّد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية.

الشيخ عبد الرحمان حسن وكيل شيخ الجامع الأزهر.

الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية السابق.

الشيخ محمّد عبد اللطيف دراز مدير الجامع الأزهر والمعاهد الدينية.

الشيخ محمود أبو العيون السكرتير العامّ للجامع الأزهر والمعاهد الدينية.

الشيخ عبد الجليل عيسى شيخ كلّية اللغة العربية بالجامع الأزهر.

الشيخ الحسيني سلطان شيخ كلّية أصول الدين.

الشيخ عيسى منّون شيخ الشريعة.

الشيخ محمّد الجهني شيخ معهد القاهرة.

الشيخ عبد الرحمان تاج شيخ القسم العامّ.

الشيخ محمود الغمراوي المفتّش بالأزهر.

فضلاّ عن أعضاء جماعة كبار العلماء، و في مقدّمتهم الشيخان: إبراهيم حمروش، ومحمود شلتوت.

وفاته

توفّي الشيخ عبد الرحمان تاج في صباح يوم الأربعاء، العاشر من جمادى الأولى سنة 1395هـ، الموافق 20 من مايو سنة 1975م.

وقد أقام مجمع اللغة العربية حفلاً كبيراً لتأبين الراحل عبد الرحمان تاج، تحدَّث فيه الدكتور إبراهيم مدكور والشيخ علي الخفيف، وعقَّب عليهما الأستاذ حسن عبد الرحمان تاج ابن الشيخ.

مصادر ترجمته

- الأزهر في اثني عشر عاماً، نشر إدارة الأزهر.

- شيوخ الأزهر، أشرف فوزي.

- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتّى الآن، علي عبد العظيم.

المصدر

المقال مقتبس مع تعديلات من موقعي: www.mubasher.aljazeera.net/www.dar-alifta.org