عبد الحليم محمود

ولد عبد الحليم محمود بعزبة أبو أحمد قرية السلام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية يوم 2 جمادى الأولى 1328هـ الموافق 12 مايو 1910م وتوفى يوم الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 هـ الموافق 17 أكتوبر 1978م بعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج في 16 من ذي القعدة 1398هـ، الموافق 17 من أكتوبر 1978م عقب إجرائه عملية جراحية وصلي عليه بالجامع الأزهر، وأجريت له المراسم الرسمية، ليكون بذلك الشيخ السادس والأربعون للجامع الأزهر على عقيدة أهل السُّنة والجماعة.

عبد الحليم محمود.jpeg
الاسم عبد الحليم محمود
الاسم الکامل عبد الحليم محمود
تاريخ الولادة 1328ه/1910م
محلّ الولادة أبي حمد/مصر
تاريخ الوفاة 1398ه/1978م
المهنة فقيه، شيخ الأزهر
الآثار التفكير الفلسفي، الفيلسوف المسلم، السنّة في تاريخها ومكانتها، التصوّف عند ابن سينا، التصوّف الإسلامي، الإسلام والعقل، سيّدنا زين العابدين، أوروبّا والإسلام، جهادنا المقدّس، الإيمان، القرآن والنبي، العبادة، الإسلام والشيوعية
المذهب سنّي

نشأته وتعليمه نشأته وتعليمه نشأ في قريته عزبة أبو أحمد، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه، وحفظ القرآن والتحق بالأزهر، عام 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق عام 1925م، فألحقه والده به، لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكنه تقدم لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فحصل عليها في عام 1928م في سنة واحدة؛

ويقول عن ذلك "فلما نقلت إلى السنة الأولى من القسم الثانوي، رأيت أن الوقت فيها بالنسبة لي ضائع أو شبه ضائع؛ لأن ما لدي من علوم ومعرفة تتخطى حدود المقرارات في هذه السنة وما يليها وكانت نُظُم الأزهر تبيح للطالب بالسنة الأولى الثانوية، أن يتقدم مباشرة لامتحان الشهادة الثانوية الأزهرية من الخارج  ونجحت وأرضى ذلك آمال والدي وشعوره نحوي، والحمد لله".

ودرس خلال تلك الفترة علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وفى عام 1932م حصل على العالمية ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي ودْرس هناك تاريخَ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وفي عام 1938م التحق بالبعثة الأزهرية في فرنسا، وأستطاع النجاح في المواد المؤهلة لدراسة الدكتوراه وفكر في البداية في عمل أطروحته في الدكتوراه عن «فن الجمال» لكن رفض الموضوع، ففكر أن تكون في مجال «مناهج البحث» فرفض الموضوع وبعد التفكير في أكثر من موضوع أختار على «التصوف الإسلامي» و اختار موضوع عنوانه «أستاذ السائرين: الحارث بن أسد المحاسبي»، وأثناء إعداد الرسالة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر سنة 1939م، ولكنه أصرَّ على إتمام الرسالة، ليحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية يوم 8 من يونيه سنة 1940م . وبعد عودته عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات جامعة الأزهر ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية «أصول الدين» عام 1951م، أصبح عميدا لكلية أصول الدين عام 1384هـ 1964م وكان يقي محاضراته في كلية أصول الدين، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومعهد تدريب الأئمة، ثم شغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية ثم أمين عام له فقام بدراسة أوضاعه وقام بإعادة هيكلة جهازه الإداري وأنشأ مكتبته وأقنع المسئولين في الدولة بتخصيص قطعة أرض بحي «مدينة نصر» للمَجمع؛ لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية، وتأسيس قاعات للاجتماعات؛، وعلى الرغم من تعينه وكيل للأزهر الشريف عام 1390 هـ الموافق 1970م لم يهمل الاهتمام بمجمع البحوث ثم تم تعينه وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر وأثناء توليه وزارة الأوقاف قام بالعديد من الإصلاحات الهامة منها 1- العناية بالمساجد وصيانتها وأنشأ عددا منها 2- ضم عدد كبير من المساجد الأهلية الى وزارة الأقاف 3- تجديد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي 4- أنشأ مساجد وزارة الاوقاف فصولا للتقوية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلاف من الطلاب إلى المساجد 5- استرداد أوقاف الوزارة التي كان يديرها الإصلاح الزراعي وأنشأ هيئة لإدارة هذه الأوقاف. مناصبه تولى الشيخ عبد الحليم محمود العديد من المواقع التنفيذية والدعوية منها 1- عضوية مجمع البحوث الإسلامية 2- الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية 3- وكيل للأزهر الشريف عام 1390 هـ الموافق 1970م 4- وزير الأوقاف وشئون الأزهر. فترة ولايته تولى مشيخة الأزهر الشريف لمدة 5 سنوات من 22 صفر 1393هـ - 27 مارس 1973م الى يوم الثلاثاء 15 ذو القعدة 1397 هـ - 17 أكتوبر 1978م وكان الأزهر يعاني العديد من الأزمات منها 1- صدور قانون الأزهر وما نتج عنه من توسع في التعليم المدني ومعاهده العليا 2- إلغاء جماعة كبار العلماء 3- تقليص سلطات شيخ الأزهر في إدارة شئونه 4- الصدام مع وزير الأوقاف وشئون الأزهر ولكن الشيخ بدأ على الفور بالعديد من الإصلاحات منها 1- تكوين الجهاز الفني والإداري لأمانة مجمع البحوث الإسلامية 2- تجهيز مكتبة علمية ضخمة من كبار المؤلفين والباحثين 3- توفير الكفاءات العلمية التي تتلاءم مع رسالة المجمع العالمية 4- عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، مع الانتظام الدوري في انعقاده بانتظام 5- تخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية 5- إنشاء مكتبة الأزهر الكبرى، في قطعة أرض مجاورة للأزهر 6- التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية

وقام الشيخ عبد الحليم محمود عقب توليه مشيخة الأزهر بالبدء في إقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي  قل عددها بسبب التوسع في التعليم المدني، وبالتالي عجزت المعاهد الدينية عن  إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بالأعداد الكافية من الطلاب الازهرين، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم غير مؤهلين بمعرفة  دينية وعربية  نظرا لعدم تلقيهم تعليم ديني بمعاهد الازهر فقام الشيخ بجولات في القرى والمدن  لدعوة الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية،  نظرا لان ميزانية الأزهر لم تكن تسمح بتحقيق في التوسع في التعليم الأزهري، فتجاوب المواطنين مع دعوته ، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل. 

نشاطه الدعوى والعلمي 1- تنظيم المؤسسات الدينيَّة بالعراق . 2- تمثيل الأزهر في مهرجان الإمام الغزالي الذي عقد بدمشق عام 1961م. 3- عمل أستاذًا زائرًا بباكستان بدعوة من وزير الأوقاف والشئون الإسلامية. 4- عمل أستاذًا زائرًا للمركز الإسلامي بماليزيا 5- حضور إشهار 4000آلاف مواطن ماليزي بدعوة من حكومتها عام 1974م 6- - وضع قواعد بناء التعليم الديني في قطر 7- عمل محاضرا بالكويت في شهر رمضان الكريم . 8- افتتاح الموسم الثقافي لعام 1974م، بدولة الإمارات العربية 9- شارك في مؤتمر السيرة النبوية بباكستان في فبراير سنة 1976م. سافر إلى لندن لحضور مهرجان العالم الإسلامي في 30 من مارس عام 1976م. 10- سافر إلى مكة المكرمة لحضور مؤتمر" رسالة المسجد"، في 16 من أبريل سنة 1976م. 11- حضور المؤتمر الاقتصادي الإسلامي الذى أنعقد في لندن، في الفترة من 30 من يونيه إلى 16 من يوليو سنة 1977م، والتقى بعلماء اللاهوت، وأساتذة مقارنة الأديان بالجامعات البريطانية وقدم مقترحات مهمَّة لوضع أسس مقتبسة من الإسلام حول النهضة الاقتصادية كبرى للشعوب الإسلامية.

مواقفه مواقفه كان للشيخ عبد الحليم محمود العديد من المواقف منها:

 الإمام والحفاظ على مكانة شيخ الأزهر 
عقب تولى الشيخ  مهام المشيخة  حتى صدر قرار من رئيس الجمهورية في 17 جمادى الآخرة 1394هـ  الموافق 7 يوليو 1974م يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر،  فما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية  الرئيس محمد أنور السادات في 16 يوليو عام 1974م، ثم شفعها بخطاب آخر، قدَّمه إلى رئيس الجمهورية، شَارِحًا فيه موقفه، وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كلِّه، لأن القرار الجمهوري السابق يغُضُّ من هذه القيادة ويعوقُها عن أداء رسالتها الروحية في مصر وسائر الأقطار العربية والإسلامية، وقبل هذا أخطَرَ وكيلَ الأزهر بموقفه؛ ليتحمل مسؤوليته حتى يتم تعيين شيخ آخر.
ورُوجع الإمام في أمر استقالته، وتوسط لديه العديد من الوسطاء فأصرَّ علي موقفه ؛ وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض  الحصول على راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين برفع دعوى "حسبة "أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، مطالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية وأمام هذا الموقف من الشيخ  اضطر الرئيس محمد  أنور السادات إلى أعادة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارًا أعاد  الى شيخ الأزهر صلاحياته  جاء فيه " شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر و يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة" 

وبذلك انتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه حتى صدر قرار جمهوري بعد وفاة الشيخ بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.

الشيخ وقانون الأحوال الشخصية كان للأزهر في عهد الشيخ عبد الحليم محمود رؤية واضحة ومواقف محددة تجاه القضايا التي تمس الدين وأحوال الناس وأمر المسلمين، فعندما حاولت الدكتورة عائشة راتب إصدار قانون الأحوال الشخصية دون الرجوع إلى الأزهر، تصدى له الشيخ ومنع إقراره من مجلس الشعب لأنه تضمن قيودا على حقوق الزوج ويُمنَع تعدد الزوجات على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية وقال "لا قيودَ على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 101)"

وأصدر بيانًا من الأزهر الشريف حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور،  وعلى الرغم من أن البيان تم منع نشره  في الصحف الا أن الحكومة اجتمعت للنظر فيه   وأصدرت بيانًا أكدت فيه على انها لا تفكر على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح  الشيخ في  منع القانون قبل صدوره .

الإمام والبابا شنودة الإمام والبابا شنودة كان للشيخ عبد الحليم محمود رؤية محددة في المناهج الدينية ورفض دعوة البابا شنودة بطريرك الاسكندرية والكرازة المرقسية السابق بتأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، وعندما زاره الدكتور مصطفى كمال حلمي وزير التربية والتعليم آنذاك لمعرفة رأيه رفض الامر وقال له " من آذنك بهذا، ومن الذي طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة"

الشيخ ورفض تجاوز المحكمة العسكرية ضد الأزهر رفض الشيخ عبد الحليم محمود انتقاد المحكمة العسكرية التي تصدت للحكم في قضية جماعة "التكفير والهجرة " عندما قالت " إنه كان على المسئولين عن الدعوة الدينية أن يتعهدوا الأفكار بالبحث والتدبر بدلا من إهمالها وعدم الاعتناء بمجرد بحثها، ولمزت المحكمة علماء الأزهر بقولها: "ووا أسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة".

وهو ما رفضه الإمام الأكبر بشدة،  وأصدر بيان أكد فيه على أن بالرغم من أن المحكمة استعانت بعدد من علماء الأزهر لإبداء الرأي في فكر هذه الجماعة، غير أن المحكمة لم تسترح لرأيهم، وكررت ذلك أكثر من مرة، وكانت في عجلة من أمرها؛ الأمر الذي جعلها تصدر أحكاما دون استئناس برأي الأزهر  وهو ما يعنى التعجل وعدم التثبت من قبل المحكمة، وبالتالي لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر، وأنها تجهل الموضوع الذي تصدرت لمعالجته، وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسئولية ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.

واتهم الإمام المحكمة بأنها لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرا كافيا يقوم عليه بحث العلماء، أو أساسا متكاملا تصدر عليه أحكام.

الإمام وتطبيق الشريعة الإسلامية كان الشيخ من الدعاة المتمسكين بتطبيق الشريعة الإسلامية في الخطب والمحاضرات بل إنه طلب من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء الإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، قائلا لهما "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا".

وقام الامام بتكوين لجنة بمجمع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في شكل مواد قانونية تسهل  استخراج الأحكام الفقهية وأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.

الشيخ والحرب الأهلية في لبنان رفض الإمام عبد الحليم محمود إراقة الدماء بين المسلمين والمسيحيين ودعا الأطراف المتنازعة في التوقف عن إراقة الدماء وتخريب معالم الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان على الخروج من أزمته، وفاء بحق الإسلام وحق الأخوة الوطنية والإنسانية، وقياما ببعض تبعات الزعامة والقيادة التي هي أمانة الله في أعناقهم.

وقام الشيخ بإرسال برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده  فيها العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات المعادية على أرض لبنان.

الإمام والأزمة المغربية الجزائرية عندما على الإمام الأكبر الشيخ عبد العليم محمود بالأزمة العنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغربية التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة. سارع الشيخ بإرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله. وأرسل أيضا برقية إلى الرئيس السادات يطالبه بالتدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: "تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب والمسلمين الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين بمناسبة الصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب". ورد السادات على برقية شيخ الأزهر ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: "تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق."

ولم يكتفى بذلك بل أرسل برقية إلى الملك خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية آنذاك يدعوه للتدخل إلى حقن الدماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما.

الإمام والتصوف الإمام والتصوف يعد الإمام عبد الحليم محمود ممن تناول قضية التصوف بالشرح والتحليل في منهج الإمام الغزالي وسفيان الثوري، وأبي الحسن الشاذلي، وأبي مدين الغوث ويذكر بدايته مع التصوف عندما اختار موضوع رسالته للدكتوراه قائلا "بعد تردد بين هذا الموضوع أو ذاك، هداني الله - وله الحمد والمنة - إلى موضوع التصوف الإسلامي، فأعددت رسالةً عن (الحارث بن أسد المحاسبي) فوجدت في جوِّ (الحارث بن أسد المحاسبي) الهدوءَ النفسي، والطمأنينة الروحية، هدوء اليقين، وطمأنينة الثقة، لقد ألقى بنفسه في معترك المشاكل، التي يثيرها المبتدعون والمنحرفون، وأخذ يصارع مناقشًا مجادلًا، وهاديًا مرشدًا؛ وانتهيت من دراسة الدكتوراه، وأنا أشعر شعورًا واضحًا بمنهج المسلم في الحياة، وهو منهج الاتباع، لقد كفانا الله ورسوله كل ما أهمنا من أمر الدين، وبعد أن قرَّ هذا المنهج في شعوري، واستيقنته نفسي، أخذتُ أدعو إليه كاتبًا ومحاضرًا، ومدرسًا، ثم أخرجت فيه كتاب «التوحيد الخالص» وما فرحت بظهور كتاب من كتبي، مثل فرحي يوم ظهر هذا الكتاب، لأنه خلاصة تجربتي في الحياة الفكرية". ويقول عن التصوف: "إنه نظام الصفوة المختارة، إنه نظام هؤلاء الذين وهبهم الله حسًّا مرهفًا، وذكاءً حادًّا، وفطرة روحانية، وصفاء يكاد يقرب من صفاء الملائكة، وطبيعة تكاد تكون مخلوقة من نور". ويعرف الصوفي بقوله "الصوفي هو الذي التزم بتعاليم الإسلام سيرةً وسلوكًا، وقولًا وعملًا، وهو الذي يستحضر ذكر ربه في كل وقت؛ فإذا وصل المؤمن إلى إسلام حقيقي يجعله مستحضرًا ربه في كل وقت فلن يهتم بمعصيته، ولن يأمر بمنكر، ولن ينهى عن معروف" وقال أيضًا:

"فالصوفي لا يكون صوفيًّا بالقراءة أو الدراسة والبحث، حتى ولو كانت هذه القراءة والدراسة في الكتب الصوفيَّة نفسها، وفي المجال الصوفي خاصَّة، وقد يكون شخص من أعلم الناس بهذه الكتب، درسها دراسة باحث متأمل، وعرف قديمها وحديثها، وميز بين الزائف منها والصحيح، وصنفها زمنًا وميزها أمكنة، وهو مع ذلك لا سهم له، في قليل ولا في كثير في المجالات الصوفية" وقال: "التصوف ليس ثمرة لثقافة كسبيَّة؛ إن الوسيلة إليه ليست هي الثقافة، ولكن الوسيلة إليه إنما هي العمل، إن الطريق إليه إنما هو السلوك، والمعرفة الناشئة عن العمل والسلوك هي إلهام، وهي كشف، وهي ملأ أعلى انعكس على البصيرة المجلوَّة فتذوقه الشخص حالًا، وأحس به ذوقًا، وأدركه إلهامًا وكشفًا"

قالوا عنه الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت: "عالم، مفكر، قوي الحجة، متحدث لبق". الإمام الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي: "عالِم، ذكي، ذو شخصية جارفة، مهيب، صاحب رأي في العلم، وصاحب رأي في السياسة، بليغ الأسلوب، أما صوته في الخطابة وفي الدرس، فإنه نغمةٌ موسيقية عذبة، ولعل الإذاعة تتنبه إلى ذلك فتعيد إذاعة ما عندها من خطبه وأحاديثه، بين الحين والحين، لينعم الناس بنعمة جميلة، ويستفيدوا علمًا غزيرًا."

الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق:

"عالم، فيلسوف، حيي، حليم، كريم بماله ووقته لطلبة العلم، خرَّج جيلًا من النابهين في الجامعة، وأسهم في الحركة العلمية بجهود عظيمة؛ ألَّف، وحاضر، وكتب المقالات، ووجَّه تلاميذه إلى التحقيق، والتأليف، والترجمة، وفتح مكتبته الغنية بشتى الكتب، ونوادرها، لكل طالب علم مجدّ". الإمام الأكبر الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار "كان سريع التحرك بوجدانه إلى ما ينبغي أن يكون عندما يطرأ أمر أو تزحف حادثة من أحداث الحياة، وكانت حركته بوجدان صافٍ وفكرٍ مدرك وصفاء نفس عميق، وما ذكرت يومًا أنه غضب عندما غضبت، أو انفعل عندما خولف في الرأي؛ كان يبدد الغضب ويصرف الانفعال بابتسامة رقيقة ترتسم على شفتيه، معبرةً عن معنًى دقيق من الأخوة والصفاء، وراءها فيض جارف من العواطف الأخوية، والعبارات الشفافة الملطفة، التي تبدد كل غيم وتوضح كل لبس."

المفكر خالد محمد خالد: "بالأمس رحل عن الدنيا رجل من الأخيار، رجل اتقى الله وآمن برسوله، فآتاه الله كفلين من رحمته، وجعل له نورًا يمشي به، كالأنفاس الطاهرة الهادئة والنسمات الوادعة في صمته وصوته وجميع سمته، كان وَفِيَّ السير على هذا الطريق، غير ملقٍ بالَه لنقد الناقدين ولوم اللائمين، لم تكن له شخصيتان؛ بل شخصية واحدة، اتسقت اتساقًا باهرًا مع نور الشريعة والحقيقة معًا، وكان يذكر - كلما ذكر - الإخلاص والطهر والتقى؛ ذلكم هو الإمام الأكبر عبد الحليم محمود و عاش حياته متبتلًا مخبتًا أوَّابًا، وكان يحمل كل خصائص العلماء الذين كتب لهم أن يكونوا للناس قدوة وأمة وروَّادًا.

الشيخ حامد محيسن:

" عالم، مستقل التفكير، لا يعرف التقليد في رأي، ولا يسوق الرأيَ دون برهان".

الشيخ سليمان نوار:

"أديب، طاهر القلب، له ذوق في البلاغة راق".

الدكتور محمد عبد الله دراز:

"يمثل الاتزان المتزن، والخلق الكريم، ثَقَّف نفسه كأحسن ما تكون الثقافة، آراؤه موفقة، يتدفق في البيان عذبًا شهيًّا لا يمل".

الشيخ محمد عبد اللطيف دراز:

"ثائر مناضل، خطيب ممتاز، لا يسأم من مساعدة الآخرين، ولا يتوانى عن السعي في مصالح الضعفاء، حديثه ممتع، وفي أسلوبه عذوبة". مؤلفاته مؤلفاته للشيخ عبد الحليم محمود العديد من المؤلفات بلغت أكثر من 100 مؤلف في التصوف ويُعَدُّ من أسبق رواده في العصر الحديث في الكتابات عن الصوفية، فقد تبدى مثالًا للصوفية المُقَيَّدةِ بكتاب الله، البعيدة عن الإفراط والتفريط، حتى لُقِّبَ بـ«غزالي مصر»، و«أبي المتصوفين»، فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته، بالإضافة إلى الكتب الفلسفية، وبعض الكتب باللغة الفرنسية، ومنها 1- محمد رسول الله 2- قصة ترجمها عن الفرنسية، من تأليف أندريه موروا، عام 1365هـ - 1946م، وكان أول ما نُشر له. 3- أسرار العبادات في الإسلام وهو من أهم المراجع التي تتناول علم الفلسفة من منظور إسلامي؛ حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفي في الإسلام، ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه؛ ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسَبْقَها الفلسفة الغربية في كثير من طرق التفكير. 4- الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام وتعرَّض فيه للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام 5- فتاوى عن الشيوعية وتعرَّض للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام 6- السنة في مكانتها وتاريخها وهو يتناول السنة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم 7- دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم. 8- الحمد لله هذه حياتي وهو الكتاب الذى استعرض فيه الإمام سيرته الذاتية في كتابه جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه في الإصلاح أكثرَ منه استعراضًا لمسيرة حياته 9- منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع وهو الذى عبر عن منهجه التفصيلي في الإصلاح 10- تحقيق كتاب "لطائف المنن" لابن عطاء الله السكندري 11- تحقيق كتاب "المنقذ من الضلال" لحجة الإسلام الامام الغزالي 12- الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها لألبير ريفو وهو مترجم من الفرنسية 13- الأخلاق في الفلسفة الحديثة لأندريه كريسون وهو مترجم من الفرنسية 14- أوروبا والإسلام 15- التوحيد الخالص 16- الإسلام والعقل 17- القرآن والنبي 18- المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي. 19- موقف الاسلام من العلم 20- فتاوى عن الشيوعية 21- الفضيل بن عياض 22- ذو النون المصري 23- سيدي احمد الدردير ابو البركات 24- الرعاية لحقوق الله 25- الانبياء و الرسل 26- الليث بن سعد 27- الاسراء و المعراج 28- القرآن في شهر القرآن 29- زين العابدين 30- سعيد بن المسيب 31- عبدالسلام بن بشيش 32- وربك الغفور ذو الرحمة 33- تفسير سورة آل عمران 34- العبادة أحكام و اسرار 35- شمس الدين الحنفي 36- القرآن والنبي 37- فتاوى الإمام عبد الحليم محمود الجزء الأول والثانى 38- أستاذ السائرين الحارث المحاسبي 39- سهل بن عبدالله 40- سفيان الثوري 41- بشر بن الحارث الحافي 42- عبدالله بن المبارك 43- لطائف المنن



فقيه محقّق متصوّف، من شيوخ الأزهر، ومن دعاة التقريب.
ولد سنة 1910 في (أبي حمد) بلبيس إحدى‏ قرى «الشرقية» بمصر، ونشأ في أُسرة متديّنة، وحفظ القرآن الكريم، وتخرّج بالمعهد الديني بالزقازيق، والتحق بالأزهر ونال شهادة العالمية سنة 1934 م، وسافر إلى باريس ونال درجة الدكتوراه بالتصوّف الإسلامي من جامعة السوربون عام 1940 م، وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية، وعاد إلى مصر، فعيّن مدرّساً في كلّية اللغة العربية بالأزهر، ثمّ أُستاذاً في كلّية أُصول الدين سنة 1951 م، فعميداً لها سنة 1964 م، وعيّن وكيلًا للأزهر، وأصبح وزيراً للأوقاف، فشيخاً للجامع الأزهر سنة 1973 م، وعمل أُستاذاً زائراً في جامعات ليبيا والسودان وماليزيا وأندونيسيا والفلبّين، ووضع القواعد لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة وغدا أميناً عامّاً له، وشكّل عدّة لجان تتّصل بشؤون نشاطات الأزهر العلمية، منها: لجنة إحياء التراث الإسلامي، ولجنة المسجد الأقصى، ولجنة التعريف بالإسلام، ولجنة الحضارة والمجتمعات الإسلامية، ولجنة دائرة المعارف الإسلامية.
وكان رجلًا زاهداً عابداً جريئاً صريحاً... ألّف لجنة لصياغة الشريعة الإسلامية في صورة قوانين، ولكن لم يقرّها مجلس الشعب المصري، وعارض قانون تطوير الأزهر، وهدّد بتقديم استقالته إذا تبع الأزهر وزير شؤون الأزهر، فاستجاب له السادات. كما عارض قانون الأحوال الشخصية ولم يصدر إلّابعد وفاته.
توفّي سنة 1978 تاركاً جملة من المؤلّفات، منها: التفكير الفلسفي، الفيلسوف المسلم، السنّة في تاريخها ومكانتها، التصوّف عند ابن سينا، التصوّف الإسلامي، الإسلام والعقل، زين العابدين، أوروبّا والإسلام، جهادنا المقدّس، الرسول صلى الله عليه و آله، الإيمان، القرآن والنبي، العبادة، الإسلام والشيوعية.
كما له عدّة تحقيقات باشرها بنفسه وبمشاركة آخرين، منها: «المنقذ من الضلال» للغزالي، «الفلسفة الهندية» للبيروني، «اللمع» للطوسي، «المغني» للقاضي عبدالجبّار، «الرسالة القشيرية» للقشيري.
وترجم عن الفرنسية: وازن الأرواح، الفلسفة اليونانية، محمّد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، الأخلاق في الفلسفة الحديثة.
ووضع كتاباً بالفرنسية، وهو «الحارث بن أسد المحاسبي».
وقد كتب سيرته الذاتية في كتاب «الحمد للَّه... هذه حياتي».
يقول الدكتور محمّد عبدالمنعم الخفّاجي واصفاً نشاطات الشيخ عبدالحليم: «دعا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وأنّ فيها النجاة من براثن الاستعمار والدواء من أمراض العصر... وسعى‏ للصلح بين الدول العربية المتنازعة، ودعا إلى وحدة الصفّ، وناشد حكّام العالم العربي خاصّة والإسلامي عامّة أن يرأبوا الصدع، وأن ينبذوا الخلاف فيما بينهم؛ لتعود للأُمّة الإسلامية قوّتها وتستطيع أن تواجه الأخطار المحدقة بها».
وفي نظر الدكتور عبد الحليم يتمثّل المثل الأعلى لمن يطلب الحكمة في «الكشف عن الإله، ثمّ الاتّصال به» كما عبّر عن ذلك أفلوطين في دقّة وعمق بالغين... وبناءً عليه يعرّف الدكتور عبد الحليم الفلسفة بأنّها: «المحاولات التي يبذلها الإنسان عن طريق العقل وعن طريق التصفية ليصل بها إلى معرفة اللَّه». فهذه المحاولات هي الفلسفة، والنتيجة هي الحكمة.
وعندما يطبّق التعريف المشار إليه على محاولات الفلاسفة يرى أنّ الغزّالي- وذلك باعتبار أنّه استكمل شطري الطريق- آصل في الميدان الفلسفي من ابن سينا ومن أرسطو ومن ديكارت؛ نظراً لأنّ كلّاً من هؤلاء لم يقطع إلّانصف الطريق، أي: المحاولات عن طريق العقل فقط. وكلّ الفلاسفة العقليّين في رأي الدكتور عبد الحليم محمود أنصاف فلاسفة، في حين يرى أنّ الفلسفة الهندية مثلًا تعدّ فلسفة كاملة؛ لأنّها حقّقت الكشف عن الإله ثمّ الاتّصال به. وقد صوّر ابن طفيل في رسالته «حي بن يقظان» الطريق الكامل‏
المشتمل على طريق العقل وطريق التصفية معاً. وإذا كان الأمر كذلك فإنّ علماً مثل علم أُصول الفقه لا يُعدّ فلسفة؛ لأنّه ليس كشفاً عن الإله ولا اتّصالًا به.
ويذهب الدكتور عبد الحليم محمود إلى حدّ القول الجازم بأنّ «الفلسفة لا رأي لها في أيّ من المسائل الجزئية، وهي لا رأي لها في أيّ موضوع من الموضوعات الكلّية.... فمادام كلّ رأي فلسفي يعارضه رأي فلسفي آخر ويعارض الرأيين رأي ثالث فلسفي وهكذا، فتكون النتيجة أنّه لا رأي للفلسفة».
والعقل في رأيه عاجز تماماً عن الوصول إلى يقين في المسائل الميتافيزيقية والأخلاقية. فكلّ ما ينتهي إليه البحث العقلي في هذا الصدد يعدّ من قبيل الأُمور الظنّية التي تختلف فيها آراء الباحثين وتتعارض مع بعضها، وليس للعقل دور إلّافي مجال الحضارة المادّية التي هي بأكملها من عمل العقل. والسبيل إلى الوصول إلى الحقّ في الميتافيزيقا والأخلاق هو سبيل الدين.
ويؤكّد الدكتور عبد الحليم محمود أنّ هذا هو منهجه الخاصّ في حياته الفكرية، وهو «منهج الاتّباع» يسير فيه تبعاً لتوجيهات القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة. وقد خصّص لشرح وجهة نظره هذه كتابه «الإسلام والعقل» الذي يقول عنه: إنّه لم يفرح في يوم من الأيّام لظهور كتاب له بمقدار ما فرح حين ظهر هذا الكتاب في طبعته الأُولى.
ويقول في سيرته الذاتية: إنّ «كلّ ما كتبه عن التصوّف وعن الشخصيات الصوفية يسير في فلك هذا المنهج: منهج الاتّباع. وهذا المنهج يفترض مقاومة الغزو الفكري» الذي يتمثّل في العقائد وفي نظام المجتمع وفي مجال التشريع... فالغزو الفكري في العقائد يتمثّل في التراث الفلسفي اليوناني الذي نقل إلى العربية في مجال ما بعد الطبيعة. فهذا التراث نتاج بشري متناقض يتّسم بكلّ ما يتّسم به النتاج البشري من خطأ وضلال.
أمّا الغزو الفكري في نظام المجتمع فإنّه يتمثّل في فرض نظام المجتمعات الأوروبّية علينا. وهذا يعني- إذا سرنا في تيّاره- أن نفقد ذاتيتنا ونصبح بلا شخصية، وبالتالي نفقد
رسالتنا التي هي رسالة الإسلام والتي من أجلها كانت الأُمّة الإسلامية، وبدونها تفقد الأُمّة الإسلامية مبرّرات وجودها.
وأمّا الغزو الفكري في مجال التشريع فإنّه يتمثّل في كلّيات الحقوق التي تعدّ دراستها كلّها- كما يقول- من قبيل الغزو الفكري والاستعمار الفكري. فالقوانين الأوروبّية يخصّص لها عشرون ساعة في الأُسبوع، في حين يخصّص للتشريع الإسلامي ساعتان فقط أُسبوعياً، وهذا يعني أنّ هذه الكلّيات تفرض على الطالب أن يستعمر الأوروبيّون فكره في مجال التشريع، وأن يلغي ذاتيته الإسلامية في هذا المجال. ومنهج الاتّباع يقتضينا أن ننظر في جدّ في أمر هذه الكلّيات حتّى تكون تمثيلًا حقيقياً للوطنية والإسلام والعروبة.
ويرفض الدكتور عبد الحليم محمود أن يكون هناك تعارض بين العلم والدين نظراً لاختلاف موضوع كلّ منهما. فموضوع العلم هو المادّة، وموضوع الدين هو العقائد والأخلاق والتشريع ونظام المجتمع والتقوى وصلاح الفرد وصلته باللَّه تعالى.... الخ. فهذان مجالان مختلفان تماماً، فليست هناك إذاً مشكلة بالنسبة للإسلام. وهذه القضية- قضية النزاع بين الدين والعلم- قضية غريبة تماماً عن الجوّ الإسلامي، وقد كان لها في أوروبّا ظروفها الخاصّة التي أفرزتها هناك. ومن هنا لا يجوز إثارتها في الشرق دون فهم حقيقي لجذورها في تلك البلاد.

المراجع

(انظر ترجمته في: الأزهر في ألف عام 2: 393- 397، موسوعة ألف شخصية مصرية: 360- 361، شخصيات لها تاريخ لعبد الرحمان المصطاوي: 172- 173، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 1: 217- 234، أعلام التراث: 145- 146، نثر الجواهر والدرر 1: 639- 642، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 639- 642، عظماء الإسلام: 416- 417، تتمّة الأعلام 1: 270- 272، إتمام الأعلام: 222، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1: 357).