حكم البدعة

مراجعة ٠٦:٥١، ٧ يونيو ٢٠٢١ بواسطة Rashedinia (نقاش | مساهمات) (نقل Rashedinia صفحة حکم البدعة إلى حكم البدعة: استبدال النص - 'ک' ب'ك')

حکم البدعة: وهو اصطلاحٌ أصوليٌ وفقهيٌ مقابل السنّة، والمراد بها إدخال ما ليس من الدين في الدين، وحکمها تارة يجري في حرمتها واخری في فساد العمل بالبدعة. فنقدّم البحث للقارئ الکريم في هذين المقامين.

حكم البدعة

ويقع البحث عنه في مقامين: الأوّل: حرمة البدعة وعدمها، الثاني: فساد العمل المبدع فيه وعدمه.

المقام الأوّل: حرمة البدعة وعدمها

قد مرّ الكلام عن تعريف البدعة، وقابلية اتّصافها على بعض التعاريف من أهل السنّة بـ الأحكام الخمسة، فعلى هذا القول لا معنى للقول بحرمة البدعة بقول مطلق.
وأمّا على المسلك الذي يعرفها: بإدخال ما ليس من الدين في الدين، وما في معناه، فالظاهر عدم الخلاف بينهم في الحرمة، ولذلك اُرسل في كلمات جماعة إرسال المسلّمات[١]، بل في الرياض: «للاتفاق على حرمة التشريع»[٢]، وفي الجواهر: «ضرورة معلومية حرمة التشريع»[٣].
نعم، قد يظهر من بعضهم الإشكال في حرمتها الشرعية المولوية بعد تسليمه للحرمة العقلية، بمعنى استحقاق فاعلها للذمّ والعقاب في حكم العقل[٤]، كما يظهر من بعضهم التردّد في حرمتها الشرعيّة المولويّة بناءً منه على تفسيرها بالالتزام القلبي[٥]، ولعلّ نظره إلى ما ورد من العفو عن العقاب على مجرّد العزم، ولكن يرد عليه: أنّ العفو غير مُناف للحرمة الشرعية، بل لعلّ نفس أخبار العفو من أدلّ الأدلّة على الحرمة؛ إذ لو لم يحرم لم يكن عقاب، ولا معنى حينئذٍ للعفو كما لايخفى.

أدلة حرمة البدعة

قد يستدلّ على حرمة البدعة بالآيات والأخبار الواردة في ذمّ البدعة والمبتدعين[٦] كبحث فقهي، وهذا بحث لانتعرّض له هنا ونتركه في مقامه.
وقد يستدلّ على حرمتها بقبحها عقلاً؛ لأنّها تصرّف في ما هو سلطان المولى من تشريع الأحكام ووضع القوانين، وهذا هتك لحرمته وظلم عليه[٧]، فإذا انضمّ إلى هذه المقدّمة ما ثبت في علم الاُصول ـ على خلاف فيه ـ من الملازمة بين حكم العقل والشرع ثبتت الحرمة الشرعية أيضا.
وقد يفصّل في الحرمة بين ما إذا كان التشريع في مقام الأمر والجعل فيكشف قبحه العقلي حينئذٍ عن الحرمة شرعا، وبين ما إذا كان التشريع في مقام الامتثال الذي هو بمثابة المعلول للأحكام الشرعية ـ لا العلّة ـ فلايكشف القبح في هذا المقام عن حرمة العمل شرعا[٨].
وبعبارة اُخرى: الحرام إنّما هو التصرّف في ما هو سلطان المولى، وما هو سلطان المولى إنّما هو مقام الجعل والأمر لا مقام الامتثال[٩].
وقد أُجيب عنه بما ذكره النائيني من أنّ نفس البدعة والتشريع في أيّ مقام كانت تشتمل على مفسدة موجبة لجعل حكم مولوي على طبقها وهو الحرمة؛ لأ نّها من أفراد الكذب والافتراء فيستقل العقل بقبحه والشرع بحرمته[١٠]، ولكن لايخفى أنّ هذا الجواب إنّما يصحّ بناءً على تفسير البدعة والتشريع بما يجعلهما من مصاديق الكذب والافتراء على اللّه‏ القبيحين عقلاً، وأمّا بناءً على افتراقهما مفهوما فقد يشكل الاستدلال على حرمة البدعة بأدلّة حرمة الافتراء، بل ينحصر الوجه في حرمتها بما مرّ من قبح التصرّف في سلطان المولى.
وقد يجاب عن ذلك بأنّ هذا إنّما هو فيما إذا لم نقل بأنّ النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، وأمّا عليه فيصدق حينئذٍ على أفراد البدعة الافتراء على اللّه‏ أيضا، لمكان انطباق أفراد البدعة على أفراد الافتراء خارجا، فتكون محكومة بحكمها، كما لا يخفى.
هذا كلّه بناءً على صدق البدعة القبيحة ـ وبالتالي المحرّمة ـ على العمل الخارجي، وأمّا بناءً على القول بأنّ البدعة عنوان للبناء القلبي، فقد مرّ الإشكال عن بعضهم في حرمتها في نفسه[١١]، وقد مرّ وجهه وجوابه.

سراية القبح والحرمة إلى الخارج وعدمه

بناءً على القول بكون البدعة عنوانا للبناء القلبي وأنّها محرّمة أيضا، يقع الكلام في أنّ قبح البناء القلبي وحرمته هل يسري إلى العمل الخارجي ليحكم بحرمته أيضا أو يبقى على العمل القلبي؟ وهذا أمر له التأثير التامّ في البحث المقبل ـ وهو فساد العمل فيه وعدمه ـ إذ لايبقى مجال للفساد بناءً على عدم الحرمة خصوصا في المعاملات كما لايخفى.
وكيف كان قد يناقش في السراية المزبورة بادّعاء أنّ البدعة إذا فرض انطباقها على البناء القلبي، فلا محالة يكون العمل الخارجي خارجا عن حقيقة البدعة والتشريع، ولا وجه للقول بسراية القبح والحرمة من عنوان إلى عنوان آخر مغاير معه، كما هو مطّرد في سائر الأحكام العقلية[١٢]. نعم، المستفاد من المحقّق النائيني الالتزام بالسراية استنادا إلى إمكان كون القصد والداعي من الجهات المغيّرة لحسن العمل وقبحه، فلا بُعد في كون التعبّد بعمل ليس من الشرع ـ أو لم يعلم كونه منه ـ موجبا لانقلاب العمل عمّا هو عليه من الإباحة، وطريان جهة مفسدة بذلك عليه تقتضي قبحه عقلاً وحرمته شرعا، واستشهد لذلك بقول الإمام عليه‏السلام في عداد القضاة: «ورجل قضى بالحقّ وهو لايعلم فهو في النار»[١٣]، حيث إنّ القضاء بالحقّ ليس في نفسه محرما، ولكن حيث كان ممّن لايعلم الحقّ فأوجب ذلك قبح نفس القضاء أيضا، فصار العمل المباح حراما[١٤].
ولكن اُجيب عنه بأنّ الالتزام بالكليّة المزبورة ـ وهو طريان القبح على بعض العناوين المباحة لبعض الجهات ـ لايستلزم الالتزام به في خصوص المقام، وبعبارة اُخرى: الاشكال في الصغرى لا الكبرى، مضافا إلى أنّ الخبر المزبور لايدلّ على أكثر من حرمة هذا القضاء، وهذا أمر لاينكر، حيث إنّ القضاء بما لايعلم قد دلّت على حرمته الأخبار وإن صادف الواقع، وهذا الخبر أحدها، وأمّا أنّ الحرمة المزبورة إنّما كانت من باب سراية القبح والحرمة من النية إلى العمل الخارجي ـ وهو القضاء في هذا الخبر ـ فهو أوّل الكلام[١٥].

المقام الثاني: فساد العمل المبدع فيه وعدمه

وهو تارة في العبادة واُخرى في المعاملة.
وعلى كلّ حال إمّا أن تكون البدعة في أصل العمل، أو في جزئه وشرطه، أو في وصفه، أو في ما هو خارج عنه من مقدّماته ومؤخّراته ومقارناته.
وهذا بحث ليس هنا محلّ ذكره؛ إذ هو من صغريات البحث الاُصولي المعروف بـ (اقتضاء النهي للفساد وعدمه) وقد وقع البحث عنه هناك بجميع صوره، فراجع.
نعم، الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه هنا هو أنّ ما ذكروه هناك ـ من اقتضاء النهي التحريمي المولوي للفساد وعدمه ـ هل يشمل النهي التشريعي أو لا؟ وقد اُجيب عنه هناك بنعم، ضرورة أنّ الجهة المبحوث عنها في مبحث الاقتضاء هي حرمة العمل المنهي عنه، وأنّ حرمته الشرعية هل تلازم الفساد أو لا؟ وأما أنّ وجه الحرمة الشرعية المزبورة هل هو مفسدة كامنة في نفس العمل بما له من العنوان الأولي الذاتي، أو مفسدة في عنوان عام آخر ـ كالتشريع ونحوه ـ منطبق على العمل، بحيث توجب اتّصافه بنفسه بالحرمة، بحيث يكون النهي من قبيل النهي النفسي لا الغيري؟ فهو أمر لا دخل له في الجهة المبحوث عنها في المسألة كما لايخفى. وقد صرّح بذلك بعض محقّقي الاُصوليين[١٦].
نعم، مع إنكار حرمة التشريع من أصله، أو إنكار سراية النهي من العنوان إلى المعنون، أو الالتزام بأنّ التشريع عنوان للبناء القلبي فحسب، وأنّه لايسري قبحه‏الخارج أصلاً ـ كما مرّ الكلام عن بعض ذلك ـ فلايبقى مجال لإلحاق الحرمة التشريعية بالحرمة الذاتية كما لايخفى. والتفصيل في محلّه.

المصادر

  1. . أنظر: رياض المسائل 1: 193، عوائد الأيّام: 319 ـ 326، مستند الشيعة 5: 436، جواهر الكلام 1: 58، 32: 116، مستند العروة الوثقى 4: 449 ـ 450.
  2. . أنظر: رياض المسائل 4: 68.
  3. . أنظر: جواهر الكلام 18: 98.
  4. . در الفوائد في الحاشية على الفرائد: 77 ـ 79.
  5. . منتقى الاُصول 3: 193.
  6. . أنظر: الكافي 1: 56 ـ 58 كتاب فضل العلم، باب البدع والرأي والمقاييس و2: 375 كتاب الإيمان والكفر، باب مجالسة أهل المعاصي.
  7. . أنظر: درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 77 ـ 78، فوائد الاُصول 3: 120، نهاية الدراية 2: 398، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 465، بحوث في علم الاُصول 3: 123.
  8. . أنظر: فوائد الاُصول 3: 120 ـ 121، التنقيح في شرح العروة الوثقى 5: 443.
  9. . أنظر: بحوث في الفقه الإصفهاني: 42.
  10. . أنظر: فوائد الأصول 3: 121.
  11. . أنظر: منتقى الاُصول 3: 193.
  12. . أنظر: نهاية الأفكار 1 ـ 2: 467، تهذيب الاُصول 2: 85 ـ 86.
  13. . وسائل الشيعة 27: 22 كتاب القضاء، باب 4 عدم جواز القضاء و الإفتاء بغير علم بورود الحكم عن المعصومين عليهم‏السلام من أبواب صفات القاضي ومايجوز أن يقضي به، ح 6.
  14. . فوائد الاُصول 3: 121 ـ 122.
  15. . أنظر: تهذيب الاُصول 2: 85 ـ 86.
  16. . أنظر: كفاية الاُصول: 186 ـ 187، محاضرات في أصول الفقه 5: 14 ـ 15.