تاريخ نشأة الأخباريين

في هذه المقالة سيتبين موضوع نشأة الأخباريين، ومراحل تطوراتهم. و الأخباري يطلق علی جماعة من فقهاء الشيعة الذين يستندون في استنباطاتهم الفقهية بالأخبار والحديث، وهذا کبعض فقهاء أهل السنة المشهور بـ : أهل الحديث.

تاريخ نشأة الأخباريين

يدَّعي الأخباريون أنّ جذور حركتهم تمتد إلى عصر الأئمة عليهم‏ السلام[١]، بل ادّعى بعضهم أ نّها ترجع إلى عصر النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فهو رئيس الأخباريين. [٢] إلاّ أنّ هذه الدعوى واجهت الرفض المطلق، وأ نّها تستهدف كسب طابع من الشرعية للحركة، وكتوجيه لهذا الرفض ذُكر أنَّ ما سبق من تأريخ للأخباريين لاينهض ليكوّن جذورا للحركة؛ فإنَّ هناك فرقا جوهريا بين الأخبارية التي نادى بها الأمين الأسترابادي رائد الحركة الأخبارية، وبين الأخبارية في عصر الأئمة عليهم‏السلام، وهو أنّ الأخبارية في عصر الأئمة كانت تعني ممارسة الأخبار وتدوينها ونقلها دون إعمال الدقة في صحيحها وسقيمها. وأمّا الأخبارية التي تبنّاها الأسترآبادي، فهي أخبارية منهجية لها أسسها ودعائمها[٣]، وأنّ من سبق كان محدّثا، والمحدّثون غير الأخباريين[٤]، الأمر الذي يؤكّده واحد من أكبر زعماء الأخباريين، حيث ذكر في معرض كلامه عن الأسترآبادي: أ نّه أول من فتح باب الطعن على المجتهدين، وتقسيم الفرقة إلى أخباري ومجتهد. [٥] والأصوليون وإن اتفقوا على رفض ما ادّعاه الأسترآبادي من جذور لحركته، إلاّ أنّهم يتفقون على أنّ الأخبارية كحركة وتيار قد مرّت بمرحلتين.

المرحلة الأولى: الأخبارية المتطرّفة

والتي يمثّلها الأمين الأسترآبادي وأكثر من جاء بعده من الأخباريين إلى زمان المحدّث البحراني. والملامح الكلية لهذه المرحلة هى أنّه «ينكر على الناس أن يركنوا إلى العقل وتفكيره، ويلتجأ إلى تفسير التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس، بمعنى الاقتصار على الأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها في كلّ شيء والجمود على ظواهرها، ثم ادّعى ترقّي أخباريي هذه المرحلة إلى ادّعاء أنّ كلّ تلك الأخبار مقطوعة الصدور على ما فيها من اختلاف، بل عدم الأخذ بظواهر القرآن وحده من دون الرجوع إلى الأخبار الواردة، ثمّ ضربوا بعد ذلك علم الأصول عرض الجدار بادّعاء أنّ مبانيه كلّها عقلية لاتستند إلى الأخبار... ثمّ ينكرون الاجتهاد وجواز التقليد».[٦]

المرحلة الثانية: الأخبارية المعتدلة

التي يمثّلها المحدّث البحراني، حيث ذكر أنّه كان في أول الأمر ممّن ينتصر لمذهب الأخباريين، وأنّه قد أكثر البحث فيه مع بعض المجتهدين: «إلاّ أنّ الذي ظهر له ـ بعد إعطاء التأمل حقّه في المقام وإمعان النظر في كلام علمائنا الأعلام ـ هو إغماض النظر عن هذا الباب، وإرخاء الستر دونه والحجاب».[٧] الأمر الذي جعل بعض المحقّقين يقول في حقه وحق الملامح الكلية للمدرسة في هذه المرحلة أنّه: «المحقّق الكامل المحدّث الفقيه... وكان غالبا على طريقة أصحابنا المجتهدين، وأنّ كتبه مشحونة من أقوالهم وتحقيقاتهم في أحكام الدين... وأكثر من الطعن والقدح والرد على الأمين الأسترآبادي... وقد ذهب أو مال في جملة من المطالب الأصولية، وكثير من المسائل الفرعية إلى خلاف ما اختاره كثير منهم أو معظمهم».[٨] نعم، ذهب بعض إلى أنّ للحركة مرحلة ثالثة بعد مرحلة الشيخ يوسف البحراني، تتمثل بالميرزا محمد الأخباري، الذي كان شديدا جدا مع الأصوليين[٩]، إلاّ أنّ الصحيح أ نّه لايمثّل المدرسة الأخبارية، بل هو أحد الشخصيات المتطرفة لهذه المدرسة.

المصادر

  1. الفوائد المدنية : 97. راجع : المعالم الجديدة للأصول : 102.
  2. الفوائد الطوسية : 446.
  3. المعالم الجديدة للأصول : 102، تأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 385 وما بعدها.
  4. مقدمة رياض المسائل 1 : 104 ـ 105.
  5. لؤلوة البحرين : 117 ـ 118.
  6. مقدمة جامع السعادات 1 : 9 بتصرّف.
  7. الحدائق الناضرة 1 : 167 بتصرّف.
  8. مقابس الأنوار : 18 بتصرّف، وراجع لمعرفة الملامح الكلية للمدرسة في هذه المرحلة ما ذكره الفضلي في كتابه : هكذا قرأتهم 2 : 145 و ما بعدها . و أبوالقاسم گرجي : تاريخ فقه و فقها : 237.
  9. أدوار الاجتهاد : 244.