الفرق بين المراجعتين لصفحة: «انسداد باب العلم والعلمي»

ط
استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}'
(أنشأ الصفحة ب''''انسداد باب العلم والعلمي:''' وهذا اصطلاحٌ أصوليٌ يشمل انسداد باب الاجتهاد علماً وظنّاً، وهذ...')
 
ط (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
 
(٤ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''انسداد باب العلم والعلمي:''' وهذا اصطلاحٌ أصوليٌ يشمل انسداد باب الاجتهاد علماً وظنّاً، وهذا العنوان طُرحَ للاستدلال علی حجية بعض القواعد الأصولية کخبر الواحد وقول اللغوي و[[الاستصحاب]]. لأنه إذا کان باب العلم منفتحاً فلا وجه للتمسک بـ [[الخبر الواحد]] أو [[قول اللغوي]] أو [[[[الاستصحاب]]]].
'''انسداد باب العلم والعلمي:''' وهذا اصطلاحٌ أصوليٌ يشمل [[انسداد باب الاجتهاد]] علماً وظنّاً، وهذا العنوان طُرحَ للاستدلال علی حجية بعض [[القواعد الأصولية]] کخبر الواحد وقول اللغوي و[[الاستصحاب]]. لأنه إذا کان باب العلم منفتحاً فلا وجه للتمسک بـ [[الخبر الواحد]] أو [[قول اللغوي]] أو [[الاستصحاب]].


=تعريف الانسداد=
=تعريف الانسداد=
سطر ٦: سطر ٦:
=نبذة تاريخية=
=نبذة تاريخية=
لايمكن ادّعاء وجود شخص خاص يعدُّ أول من ذهب إلى فكرة الإنسداد، ولم يُنسب القول بالانسداد إلى شخص معيَّن، ولذلك ورد هذا الدليل في كثير من المصادر ورُدَّ دون أن ينسب إلى أحد<ref>. هداية المسترشدين 3: 389 ـ 390، فرائد الأصول 1: 384 ـ 385، كفاية الأصول: 311، مصباح الأصول 2: 219.</ref>.  
لايمكن ادّعاء وجود شخص خاص يعدُّ أول من ذهب إلى فكرة الإنسداد، ولم يُنسب القول بالانسداد إلى شخص معيَّن، ولذلك ورد هذا الدليل في كثير من المصادر ورُدَّ دون أن ينسب إلى أحد<ref>. هداية المسترشدين 3: 389 ـ 390، فرائد الأصول 1: 384 ـ 385، كفاية الأصول: 311، مصباح الأصول 2: 219.</ref>.  
لكنَّ هناك بعض الآراء في مجالات مختلفة توحي بوجود إجمالي لهذه الفكرة منذ أمد بعيد، ساعدت هذه الأفكار على بلورة الدليل بالنحو المطروح حاليا، فمثلاً السيد المرتضى<ref>. الذريعة 2: 517 ـ 554.</ref> وابن زهرة<ref>. غنية النزوع 2: 356.</ref> وابن البرَّاج<ref>. حكاه عنه الشيخ جمال الدين العاملي في معالم الدين: 189.</ref> وابن ادريس<ref>. السرائر 1: 51.</ref> وكثير غيرهم<ref>. أنظر: معالم الدين: 189.</ref> ذهبوا إلى عدم حجيَّة خبر الواحد، وهو ما يوحي بنوع من الانسداد؛ لأنَّ رفض حجية خبر الواحد يعني رفض الظنون الحاصلة عن هذا الطريق وإن لم نأثر عنهم القول الصريح بانسداد باب العلمي أو العمل بالظن المطلق وحجيته بناءً على هذا الانسداد، بل الظاهر من كلام السيد المرتضى انفتاح باب العلم بالاحكام؛ باعتبار ما لدينا من أخبار متواترة وإجماعات ثابتة<ref>. رسائل الشريف المرتضى 3: 312 ـ 313، فرائد الأصول 1: 342 ـ 343.</ref>، لكن مع وجود حوادث غير متناهية واخبار متناهية ومحدودة لايمكن القول بكفاية الاخبار المتواترة والاجماع لسدّ الفراغ، ولذلك يُدَّعى الاجماع على حجية خبر الواحد عند الانسداد حتى من قبل السيد المرتضى وأتباعه<ref>. فرائد الأصول 1: 348، درر الفوائد الحائري 1ـ2: 393، أجود التقريرات 3: 200.</ref>.
<br>لكنَّ هناك بعض الآراء في مجالات مختلفة توحي بوجود إجمالي لهذه الفكرة منذ أمد بعيد، ساعدت هذه الأفكار على بلورة الدليل بالنحو المطروح حاليا، فمثلاً السيد المرتضى<ref>. الذريعة 2: 517 ـ 554.</ref> وابن زهرة<ref>. غنية النزوع 2: 356.</ref> وابن البرَّاج<ref>. حكاه عنه الشيخ جمال الدين العاملي في معالم الدين: 189.</ref> وابن ادريس<ref>. السرائر 1: 51.</ref> وكثير غيرهم<ref>. أنظر: معالم الدين: 189.</ref> ذهبوا إلى عدم حجيَّة خبر الواحد، وهو ما يوحي بنوع من الانسداد؛ لأنَّ رفض حجية خبر الواحد يعني رفض الظنون الحاصلة عن هذا الطريق وإن لم نأثر عنهم القول الصريح بانسداد باب العلمي أو العمل بالظن المطلق وحجيته بناءً على هذا الانسداد، بل الظاهر من كلام السيد المرتضى انفتاح باب العلم بالاحكام؛ باعتبار ما لدينا من أخبار متواترة وإجماعات ثابتة<ref>. رسائل الشريف المرتضى 3: 312 ـ 313، فرائد الأصول 1: 342 ـ 343.</ref>، لكن مع وجود حوادث غير متناهية واخبار متناهية ومحدودة لايمكن القول بكفاية الاخبار المتواترة و [[الاجماع]] لسدّ الفراغ، ولذلك يُدَّعى الاجماع على حجية خبر الواحد عند الانسداد حتى من قبل [[السيد المرتضى]] وأتباعه<ref>. فرائد الأصول 1: 348، درر الفوائد الحائري 1ـ2: 393، أجود التقريرات 3: 200.</ref>.
كما نجد عبارات في نصوص العلاَّمة الحلي من قبيل: «المناط عند انسداد باب العلم الظنّ»<ref>. إرشاد الأذهان 1: 159.</ref> ما قد يعني قوله بانسداد باب العلم، ولو جزئيا، دون أن يحدِّد موارده.
<br>كما نجد عبارات في نصوص العلاَّمة الحلي من قبيل: «المناط عند انسداد باب العلم الظنّ»<ref>. إرشاد الأذهان 1: 159.</ref> ما قد يعني قوله بانسداد باب العلم، ولو جزئيا، دون أن يحدِّد موارده.
ومثل الميرزا القمي ذهب إلى عدم حجية الظهور في حقّ غير المشافهين بالخطاب، كما هو حالنا<ref>. القوانين المحكمة: 432.</ref>، وهو نوع قول بالإنسداد أيضا، كما ذهب إلى هذا المجاهد الطباطبائي<ref>. مفاتيح الأصول: 474.</ref>. بل يبدو منه القول بحجية أخبار الآحاد بدليل الانسداد<ref>. المصدر السابق: 460.</ref>.
<br>ومثل الميرزا القمي ذهب إلى عدم [[حجية الظهور]] في حقّ غير المشافهين بالخطاب، كما هو حالنا<ref>. القوانين المحكمة: 432.</ref>، وهو نوع قول بالإنسداد أيضا، كما ذهب إلى هذا المجاهد الطباطبائي<ref>. مفاتيح الأصول: 474.</ref>. بل يبدو منه القول بحجية أخبار الآحاد بدليل الانسداد<ref>. المصدر السابق: 460.</ref>.
وبرغم أن الشيخ محمّد حسين الإصفهاني نفى فكرة اختصاص الظهور بالمشافهين إلاَّ أنَّه قال بانسداد باب العلم والعلمي وحجيَّة الظنّ المطلق، وهو تصريح بالإنسداد أيضا. وقد نوَّع في الاستدلال وفصَّل في هذا المجال<ref>. الفصول الغروية: 279 وما بعدها.</ref>.
<br>وبرغم أن الشيخ محمّد حسين الإصفهاني نفى فكرة اختصاص الظهور بالمشافهين إلاَّ أنَّه قال بانسداد باب العلم والعلمي وحجيَّة الظنّ المطلق، وهو تصريح بالإنسداد أيضا. وقد نوَّع في الاستدلال وفصَّل في هذا المجال<ref>. الفصول الغروية: 279 وما بعدها.</ref>.
وفي هذا الباب طوَّر الشيخ الأنصاري مبتنيات هذه الفكرة وقولبها في اطار مقدمات أربع وإن لم يعتقد بالفكرة أساسا<ref>. فرائد الأصول 1: 384 ـ 385.</ref>.
<br>وفي هذا الباب طوَّر الشيخ الأنصاري مبتنيات هذه الفكرة وقولبها في اطار مقدمات أربع وإن لم يعتقد بالفكرة أساسا<ref>. فرائد الأصول 1: 384 ـ 385.</ref>.
وهكذا فعل الآخوند الخراساني إذ طرح الفكرة في قالب خمس مقدّمات، مع إضافة مقدّمة على ما ورد عن الشيخ الأنصاري، وهو أيضا ممَّن لم يؤمن بفكرة الإنسداد<ref>. كفاية الأصول: 311.</ref>.
<br>وهكذا فعل [[الآخوند الخراساني]] إذ طرح الفكرة في قالب خمس مقدّمات، مع إضافة مقدّمة على ما ورد عن الشيخ الأنصاري، وهو أيضا ممَّن لم يؤمن بفكرة الإنسداد<ref>. كفاية الأصول: 311.</ref>.
كما أنَّ السيد الخوئي طوَّر بيانها بنحو آخر واعتبر إحدى أهم مقدمات باب الإنسداد، وهي انسداد باب العلمي مبتنية على أحد مبنيين، الأوَّل: عدم حجيَّة الروايات، والثاني: عدم حجية الظواهر بالنسبة إلينا. وهو أيضا ممَّن لم يؤمن بالفكرة<ref>. مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
كما أنَّ [[السيد الخوئي]] طوَّر بيانها بنحو آخر واعتبر إحدى أهم مقدمات باب الإنسداد، وهي انسداد باب العلمي مبتنية على أحد مبنيين، الأوَّل: عدم حجيَّة الروايات، والثاني: عدم حجية الظواهر بالنسبة إلينا. وهو أيضا ممَّن لم يؤمن بالفكرة<ref>. مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
أمَّا بالنسبة إلى أهل السنة فلم نعثر على عنوان الإنسداد في أصولهم لكنَّ مبادئه موجودة لديهم، فإنَّ القائلين منهم بحجية الظن لا بدَّ أن يكونوا مؤمنين بإنسداد باب العلم، ممَّا يضطرُّهم إلى الأخذ بالظنون، كالظن الناشئ عن القياس.
<br>أمَّا بالنسبة إلى [[أهل السنّة]] فلم نعثر على عنوان الإنسداد في أصولهم لكنَّ مبادئه موجودة لديهم، فإنَّ القائلين منهم بحجية الظن لا بدَّ أن يكونوا مؤمنين بإنسداد باب العلم، ممَّا يضطرُّهم إلى الأخذ بالظنون، كالظن الناشئ عن [[القياس]].
هذا مضافا إلى أنَّ عبارات بعض مثل السرخسي تشير إلى هذا الدليل، حيث اعتبر النصوص الدينية متناهية والحوادث غير متناهية، والقياس ممّا يمكن استغلاله لسدّ فراغ تناهي النصوص<ref>. أصول السرخسي 2: 139 ـ 140.</ref>.
<br>هذا مضافا إلى أنَّ عبارات بعض مثل السرخسي تشير إلى هذا الدليل، حيث اعتبر النصوص الدينية متناهية والحوادث غير متناهية، و [[القياس]] ممّا يمكن استغلاله لسدّ فراغ تناهي النصوص<ref>. أصول السرخسي 2: 139 ـ 140.</ref>.
وهناك بعض آخر، كالغزالي، طرح هذا المعنى على نحو شبهة وردت عن الشيعة في رفضهم القياس<ref>. المستصفى 1: 126 ـ 127، وأنظر: الإحكام الآمدي3ـ4: 285.</ref>.
<br>وهناك بعض آخر، كالغزالي، طرح هذا المعنى على نحو شبهة وردت عن [[الشيعة]] في رفضهم القياس<ref>. المستصفى 1: 126 ـ 127، وأنظر: الإحكام الآمدي3ـ4: 285.</ref>.
وفي مجال الإيمان بهذه الفكرة والقول بها يبدو أنَّ هناك النزر القليل الذي يقول بها، بل قد يُنفى وجود قائل بها حاليا، ولذلك يرى السيد محمد تقي الحكيم أنَّه لا أحد من المسلمين يذهب اليوم إلى انسداد باب العلم والعلمي وإن سدَّ البعض على نفسه باب الإجتهاد<ref>. الأصول العامة للفقه المقارن: 341.</ref>. لكنَّ المسلَّم به أنَّ البعض من علماء الشيعة يقول بانسداد باب العلم دون العلمي، لذلك يستدلّون بهذا على حجية الخبر والظنون القويَّة وما شابه ذلك<ref>. معالم الدين: 192، الوافية: 159، كشف الغطاء 3: 108، رياض المسائل 13: 149 ـ 150، رسائل فقهية: 63.</ref>.
<br>وفي مجال الإيمان بهذه الفكرة والقول بها يبدو أنَّ هناك النزر القليل الذي يقول بها، بل قد يُنفى وجود قائل بها حاليا، ولذلك يرى [[السيد محمد تقي الحكيم]] أنَّه لا أحد من المسلمين يذهب اليوم إلى انسداد باب العلم والعلمي وإن سدَّ البعض على نفسه باب الإجتهاد<ref>. الأصول العامة للفقه المقارن: 341.</ref>. لكنَّ المسلَّم به أنَّ البعض من علماء الشيعة يقول بانسداد باب العلم دون العلمي، لذلك يستدلّون بهذا على حجية الخبر والظنون القويَّة وما شابه ذلك<ref>. معالم الدين: 192، الوافية: 159، كشف الغطاء 3: 108، رياض المسائل 13: 149 ـ 150، رسائل فقهية: 63.</ref>.
وبرغم عدم القول بالإنسداد إلاَّ من قبل النزر القليل لكنَّ أُصوليّين مثل الشيخ الأنصاري و [[الآخوند الخراساني]] وبعض من لحقهم<ref>. فوائد الأصول 3: 280 ـ 322، مصباح الأصول 2: 222، 235 ـ 243.</ref> بنوا عليه بحوثا غير قليلة وطوّروا فكرته كثيرا، فطرحوا مثل فكرة ما إذا كان الظنّ الحاصل بالإنسداد كاشفا أم حاكما<ref>. فرائد الأصول 1: 465 ـ 468، كفاية الأصول: 321 ـ 324، مصباح الأصول 2: 220 ـ 222.</ref>، أو كيف يمكن التوفيق بين [[حجيَّة الظنّ]] الحاصل به، والشامل للظنّ الحاصل بالقياس، مع الروايات التي ردعت عن [[القياس]]؟<ref>. فرائد الأصول 1: 516 ـ 536، كفاية الأصول: 325 ـ 327.</ref> وشأن هكذا بحوث شأن الكثير من البحوث الفرضية المطروحة في الأصول والتي  لا تجد قائلاً بها أحيانا، ما جعل البعض يشكِّك في جدوى هكذا بحوث<ref>. المحكم في أصول الفقه 3: 322.</ref>، باعتبار أنَّ الذين قالوا بإنسداد باب العلم في الأخبار مثلاً، تلقّوها بالقبول أيضا من باب كونها تفيد الظنّ، الذي هو حجَّة كنتيجة لمقدّمات الإنسداد، لذلك ترك الكثير من المعاصرين نقاش هذا الموضوع أو تناولوه بشكل مجمل.
<br>وبرغم عدم القول بالإنسداد إلاَّ من قبل النزر القليل لكنَّ أُصوليّين مثل الشيخ الأنصاري و [[الآخوند الخراساني]] وبعض من لحقهم<ref>. فوائد الأصول 3: 280 ـ 322، مصباح الأصول 2: 222، 235 ـ 243.</ref> بنوا عليه بحوثا غير قليلة وطوّروا فكرته كثيرا، فطرحوا مثل فكرة ما إذا كان الظنّ الحاصل بالإنسداد كاشفا أم حاكما<ref>. فرائد الأصول 1: 465 ـ 468، كفاية الأصول: 321 ـ 324، مصباح الأصول 2: 220 ـ 222.</ref>، أو كيف يمكن التوفيق بين [[حجيَّة الظنّ]] الحاصل به، والشامل للظنّ الحاصل بالقياس، مع الروايات التي ردعت عن [[القياس]]؟<ref>. فرائد الأصول 1: 516 ـ 536، كفاية الأصول: 325 ـ 327.</ref> وشأن هكذا بحوث شأن الكثير من البحوث الفرضية المطروحة في الأصول والتي  لا تجد قائلاً بها أحيانا، ما جعل البعض يشكِّك في جدوى هكذا بحوث<ref>. المحكم في أصول الفقه 3: 322.</ref>، باعتبار أنَّ الذين قالوا بإنسداد باب العلم في الأخبار مثلاً، تلقّوها بالقبول أيضا من باب كونها تفيد الظنّ، الذي هو حجَّة كنتيجة لمقدّمات الإنسداد، لذلك ترك الكثير من المعاصرين نقاش هذا الموضوع أو تناولوه بشكل مجمل.


=الألفاظ ذات الصلة=
=الألفاظ ذات الصلة=
سطر ٢٨: سطر ٢٨:
===الأول: الإنسداد الصغير===
===الأول: الإنسداد الصغير===
وهو الإنسداد الحاصل في طريق خاص من الطرق الموصلة إلى الحكم الشرعي، كالإنسداد الحاصل في خصوص المأثور من السنة والروايات الواردة عن المعصومين<ref>. فوائد الأصول 3: 143، أصول الفقه المظفر 3ـ4: 31.</ref>،.
وهو الإنسداد الحاصل في طريق خاص من الطرق الموصلة إلى الحكم الشرعي، كالإنسداد الحاصل في خصوص المأثور من السنة والروايات الواردة عن المعصومين<ref>. فوائد الأصول 3: 143، أصول الفقه المظفر 3ـ4: 31.</ref>،.
وقد صوَّر المحقّق النائيني هذا الإنسداد في الأخبار بالنحو التالي:
<br>وقد صوَّر المحقّق النائيني هذا الإنسداد في الأخبار بالنحو التالي:
استفادة الحكم الشرعي من الخبر يتوقَّف على الاُمور التالية:
<br>استفادة الحكم الشرعي من الخبر يتوقَّف على الاُمور التالية:
أ ـ العلم بصدور الخبر.
<br>أ ـ العلم بصدور الخبر.
ب ـ العلم بجهة صدور الخبر، من حيث كونها لبيان حكم اللّه‏ الواقعي لا للتقية ونحوها.
<br>ب ـ العلم بجهة صدور الخبر، من حيث كونها لبيان حكم اللّه‏ الواقعي لا للتقية ونحوها.
ج ـ كون الخبر ظاهرا في المعنى المنطبق عليه.
<br>ج ـ كون الخبر ظاهرا في المعنى المنطبق عليه.
د ـ حجيَّة الظهور ووجوب العمل طبقه.
<br>د ـ حجيَّة الظهور ووجوب العمل طبقه.
ولأجل [[استنباط الأحكام الشرعية]] من الأخبار لابدَّ من إثبات كلٍّ من هذه المقدّمات، وعند العجز عن إثبات أحدها يحصل الإنسداد وحينئذ فلابد من جريان [[مقدمات الانسداد]]<ref>. فوائد الأصول 3: 196.</ref>.
<br>ولأجل [[استنباط الأحكام الشرعية]] من الأخبار لابدَّ من إثبات كلٍّ من هذه المقدّمات، وعند العجز عن إثبات أحدها يحصل الإنسداد وحينئذ فلابد من جريان [[مقدمات الانسداد]]<ref>. فوائد الأصول 3: 196.</ref>.


===الثاني: الإنسداد الكبير===
===الثاني: الإنسداد الكبير===
وهو انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام من جهة السنة وغيرها من الطرق المؤدّية إلى معرفة الأحكام الشرعية، بحيث يستلزم إعمال الأصول النافية أو العمل ب[[الاحتياط]] الخروج عن الدين أو العسر والحرج<ref>. المصدر السابق: 143، منتهى الأصول 2: 85.</ref>.
وهو انسداد باب العلم والعلمي في معظم الأحكام من جهة السنة وغيرها من الطرق المؤدّية إلى معرفة الأحكام الشرعية، بحيث يستلزم إعمال الأصول النافية أو العمل ب[[الاحتياط]] الخروج عن الدين أو العسر والحرج<ref>. المصدر السابق: 143، منتهى الأصول 2: 85.</ref>.
والفرق بين الإنسداد الصغير والكبير هو أنَّ مقدَّمات الإنسداد الكبير تجري في ذات الأحكام فيستنتج منها حجيَّة مطلق الظن، بينما مقدّمات الإنسداد الصغير تجري في بعض آليات [[الاستنباط]] ووسائله، وهو الأخبار مثلاً، فيستخلص منها حجيَّة مطلق الظنّ لا على العموم وفي مطلق الطرق المؤدّية إلى [[الأحكام الشرعية]] بل في خصوص الجهة التي انسدَّ باب العلم فيها، كالأخبار، ونتيجة ذلك حجية مطلق الظن الحاصل بواسطة الأخبار حتَّى الآحاد منها<ref>. فوائد الأصول 3: 197، أنوار الهداية 1: 317 ـ 318.</ref>.
<br>والفرق بين الإنسداد الصغير والكبير هو أنَّ مقدَّمات الإنسداد الكبير تجري في ذات الأحكام فيستنتج منها حجيَّة مطلق الظن، بينما مقدّمات الإنسداد الصغير تجري في بعض آليات [[الاستنباط]] ووسائله، وهو الأخبار مثلاً، فيستخلص منها حجيَّة مطلق الظنّ لا على العموم وفي مطلق الطرق المؤدّية إلى [[الأحكام الشرعية]] بل في خصوص الجهة التي انسدَّ باب العلم فيها، كالأخبار، ونتيجة ذلك حجية مطلق الظن الحاصل بواسطة الأخبار حتَّى الآحاد منها<ref>. فوائد الأصول 3: 197، أنوار الهداية 1: 317 ـ 318.</ref>.


=تقريرات جريان دليل الإنسداد=
=تقريرات جريان دليل الإنسداد=
سطر ٤٥: سطر ٤٥:
==التقرير الأوَّل==
==التقرير الأوَّل==
تقرير المحقق القمي، وهو مركَّب من ثلاث مقدَّمات:
تقرير المحقق القمي، وهو مركَّب من ثلاث مقدَّمات:
الأولى: وجود علم إجمالي بثبوت تكاليف لا نعلمها بالتفصيل.
<br>الأولى: وجود علم إجمالي بثبوت تكاليف لا نعلمها بالتفصيل.
الثانية: باب العلم بالتكاليف المزبورة منسدٌّ.
<br>الثانية: باب العلم بالتكاليف المزبورة منسدٌّ.
الثالثة: الرجوع إلى أصل البراءة في مورد هذه التكاليف باطل؛ لأنَّه يستلزم الخروج عن الدين، ولا دليل لدينا على وجوب [[الاحتياط]] هنا.
<br>الثالثة: الرجوع إلى أصل البراءة في مورد هذه التكاليف باطل؛ لأنَّه يستلزم الخروج عن الدين، ولا دليل لدينا على وجوب [[الإحتیاط]] هنا.
ولازم هذا حجيَّة كلِّ طريق يفيد الظن بالأحكام الشرعية، ومنه خبر الواحد<ref>. القوانين المحكمة: 20 ـ 21، 440 وما بعدها، وأنظر: تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23.</ref>.
<br>ولازم هذا حجيَّة كلِّ طريق يفيد الظن بالأحكام الشرعية، ومنه خبر الواحد<ref>. القوانين المحكمة: 20 ـ 21، 440 وما بعدها، وأنظر: تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23.</ref>.


==التقرير الثاني==
==التقرير الثاني==
تقرير الشيخ محمد تقي الاصفهاني، وهو يبتني على مقدمتين:
تقرير الشيخ محمد تقي الاصفهاني، وهو يبتني على مقدمتين:
الأولى: غالبا ما يكون العلم بالمفردات اللغوية منسدَّا.
<br>الأولى: غالبا ما يكون العلم بالمفردات اللغوية منسدَّا.
الثانية: شدّة الاحتياج إلى المفردات ومجرّد الحاجة إلى معرفتها لايكفي للقول بحجية الظنّ بل ينبغي ضمّ شدّة الحاجة لكي يتوجَّه القول بحجيَّته.
<br>الثانية: شدّة الاحتياج إلى المفردات ومجرّد الحاجة إلى معرفتها لايكفي للقول بحجية الظنّ بل ينبغي ضمّ شدّة الحاجة لكي يتوجَّه القول بحجيَّته.
لكنَّه قال بحجية الظنّ في الشؤون اللغوية فقط، كما هو الظاهر من عباراته، ولم يقل بعموم دليل الإنسداد ليشمل الأحكام كذلك<ref>. هداية المسترشدين 1: 213.</ref>.
<br>لكنَّه قال بحجية الظنّ في الشؤون اللغوية فقط، كما هو الظاهر من عباراته، ولم يقل بعموم دليل الإنسداد ليشمل الأحكام كذلك<ref>. هداية المسترشدين 1: 213.</ref>.


==التقرير الثالث==
==التقرير الثالث==
تقرير نسبه [[المجدِّد الشيرازي]] إلى البعض دون تحديده، ويتكوَّن من مقدَّمات أربع:
تقرير نسبه [[المجدِّد الشيرازي]] إلى البعض دون تحديده، ويتكوَّن من مقدَّمات أربع:
الأولى: [[العلم الإجمالي]] بتعبُّد الشارع إيَّانا بطرق لا  نعلمها.
<br>الأولى: [[العلم الإجمالي]] بتعبُّد الشارع إيَّانا بطرق لا  نعلمها.
الثانية: شدّة الإحتياج إلى الطرق المذكورة.
<br>الثانية: شدّة الإحتياج إلى الطرق المذكورة.
الثالثة: انسداد باب العلم بها.
<br>الثالثة: انسداد باب العلم بها.
الرابعة: [[[[الأصول العملية]]]] لا تقتضي الجريان هنا، فلايجب [[الاحتياط]] مثلاً.
<br>الرابعة: [[الأصول العملية]] لا تقتضي الجريان هنا، فلايجب [[الإحتیاط]] مثلاً.
ولازم هذه المقدّمات حجيَّة الظنّ في تشخيص الأمارات، فيقال بحجية خبر الواحد في اللغات، الذي يفيد الظن فقط، بناءً على هذا الدليل<ref>. تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23.</ref>.
<br>ولازم هذه المقدّمات حجيَّة الظنّ في تشخيص الأمارات، فيقال بحجية خبر الواحد في اللغات، الذي يفيد الظن فقط، بناءً على هذا الدليل<ref>. تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23.</ref>.


==التقرير الرابع==
==التقرير الرابع==
تقرير الشيخ الأنصاري، ويتكوَّن من أربع مقدّمات هي:
تقرير الشيخ الأنصاري، ويتكوَّن من أربع مقدّمات هي:
الأولى: [[إنسداد باب العلم]] والظنّ الخاص في معظم المسائل الفقهية.
<br>الأولى: [[إنسداد باب العلم]] والظنّ الخاص في معظم المسائل الفقهية.
الثانية: لايجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة والاقتصار على ما علمناه تفصيلاً، وهو مجموعة من الأحكام المعلومة تفصيلاً أو حصل ظنٌّ خاص بها، بحيث نجعل أنفسنا كالأطفال أو البهائم ممَّن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم.
<br>الثانية: لايجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة والاقتصار على ما علمناه تفصيلاً، وهو مجموعة من الأحكام المعلومة تفصيلاً أو حصل ظنٌّ خاص بها، بحيث نجعل أنفسنا كالأطفال أو البهائم ممَّن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم.
الثالثة: إذا وجب امتثال الأحكام المشتبه بها، فلاينبغي التزام الطرق المفروضة للجاهل، من قبيل [[الاحتياط]] أو [[التقليد]].
<br>الثالثة: إذا وجب امتثال الأحكام المشتبه بها، فلاينبغي التزام الطرق المفروضة للجاهل، من قبيل [[الإحتیاط]] أو [[التقليد]].
الرابعة: إذا بطل الرجوع إلى الطرق الشرعية المقرَّرة للجاهل حكم العقل بالرجوع إلى الامتثال الظنّي والموافقة الظنّية، ولايجوز العدول إلى الموافقة الوهمية بأن يؤخذ بالطرف المرجوح، ولا إلى الامتثال الاحتمالي أو ما شابه  ذلك<ref>. فرائد الأصول 1: 384 ـ 385.</ref>.
<br>الرابعة: إذا بطل الرجوع إلى الطرق الشرعية المقرَّرة للجاهل حكم العقل بالرجوع إلى الامتثال الظنّي والموافقة الظنّية، ولايجوز العدول إلى الموافقة الوهمية بأن يؤخذ بالطرف المرجوح، ولا إلى الامتثال الاحتمالي أو ما شابه  ذلك<ref>. فرائد الأصول 1: 384 ـ 385.</ref>.


==التقرير الخامس==
==التقرير الخامس==
تقرير [[الآخوند الخراساني]]، وهو ذات التقرير الوارد عن الشيخ الأنصاري مع اضافة المقدَّمة الاُولى، ليصبح ذات خمس مقدَّمات:
تقرير [[الآخوند الخراساني]]، وهو ذات التقرير الوارد عن الشيخ الأنصاري مع اضافة المقدَّمة الاُولى، ليصبح ذات خمس مقدَّمات:
الأولى: أنَّه يعلم إجمالاً بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.
<br>الأولى: أنَّه يعلم إجمالاً بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.
الثانية: أنَّه قد انسدَّ علينا باب العلم والعلمي فيها.
<br>الثانية: أنَّه قد انسدَّ علينا باب العلم والعلمي فيها.
الثالثة: أنَّه لايجوز لنا إهمالها وعدم التعرُّض لامتثالها أصلاً.
<br>الثالثة: أنَّه لايجوز لنا إهمالها وعدم التعرُّض لامتثالها أصلاً.
الرابعة: لايجوز الرجوع إلى الطرق المقرَّرة للجاهل بالأحكام، كـ : [[الاحتياط]] في أطراف الشبهة المحصورة أو الأصل العملي أو [[التقليد]].
<br>الرابعة: لايجوز الرجوع إلى الطرق المقرَّرة للجاهل بالأحكام، كـ : [[الإحتیاط]] في أطراف الشبهة المحصورة أو الأصل العملي أو [[التقليد]].
الخامسة: ترجيح المرجوح على الراجح والأخذ بالمشكوكات والموهومات وترك الظنّيّات يعدُّ قبيحا<ref>. كفاية الأصول: 311.</ref>.
<br>الخامسة: ترجيح المرجوح على الراجح والأخذ بالمشكوكات والموهومات وترك الظنّيّات يعدُّ قبيحا<ref>. كفاية الأصول: 311.</ref>.


=الاستدلال على مقدّمات دليل الانسداد=
=الاستدلال على مقدّمات دليل الانسداد=
سطر ٨٣: سطر ٨٣:


==دليل المقدّمة الأولى==
==دليل المقدّمة الأولى==
استدلَّ على المقدَّمة الأولى ـ  وفق تقرير الشيخ الآخوند الخراساني  ـ بأ نَّها بديهية، لكنَّ الشيخ نفسه يردُّها في هذا المورد بأنَّ [[العلم الإجمالي]] بثبوت التكاليف ينحلُّ إلى ماورد في الأخبار التي في متناول أيدينا، فلا لزوم للاحتياط على الإطلاق إلاَّ في الموارد التي وردت أخبار في لزوم [[الاحتياط]] فيها، وهذا لايستلزم العسر ولا اختلال النظام<ref>. المصدر السابق: 312.</ref>.
استدلَّ على المقدَّمة الأولى ـ  وفق تقرير الشيخ الآخوند الخراساني  ـ بأ نَّها بديهية، لكنَّ الشيخ نفسه يردُّها في هذا المورد بأنَّ [[العلم الإجمالي]] بثبوت التكاليف ينحلُّ إلى ماورد في الأخبار التي في متناول أيدينا، فلا لزوم للاحتياط على الإطلاق إلاَّ في الموارد التي وردت أخبار في لزوم [[الإحتیاط]] فيها، وهذا لايستلزم العسر ولا اختلال النظام<ref>. المصدر السابق: 312.</ref>.
ناقش المحقّق النائيني في هذه المقدّمة تبعا لما ورد عن الشيخ الأنصاري من حذف هذه المقدّمة من أصل الاستدلال؛ وذلك لأنَّه إن كان العلم بالتكاليف إجمالاً يعني العلم بثبوت الشريعة وعدم نسخها فهذا من البديهيات، فلا تعدُّ مقدَّمة، وإن كان المراد بثبوت التكاليف في الوقائع المشتبهة التي لايجوز إهمالها، فهذا يعود إلى المقدَّمة الثالثة. لذلك اقتصر على ذكر أربع مقدّمات فقط<ref>. فوائد الأصول 3: 226.</ref>.
<br>ناقش المحقّق النائيني في هذه المقدّمة تبعا لما ورد عن الشيخ الأنصاري من حذف هذه المقدّمة من أصل الاستدلال؛ وذلك لأنَّه إن كان العلم بالتكاليف إجمالاً يعني العلم بثبوت الشريعة وعدم نسخها فهذا من البديهيات، فلا تعدُّ مقدَّمة، وإن كان المراد بثبوت التكاليف في الوقائع المشتبهة التي لايجوز إهمالها، فهذا يعود إلى المقدَّمة الثالثة. لذلك اقتصر على ذكر أربع مقدّمات فقط<ref>. فوائد الأصول 3: 226.</ref>.


==دليل المقدّمة الثانية==
==دليل المقدّمة الثانية==
استدلَّ على المقدّمة الثانية بأنَّ [[انسداد باب العلم]] مسلَّم بالوجدان، فإنَّ الذي يوجب العلم بالحكم الشرعي هو النصّ الشرعي المتواتر أو المحفوف بالقرائن القطعية ظهورا وصدورا، مع أنَّا لا نملك هكذا نصوص إلاَّ في موارد محدودة، أي الظنون الخاصَّة التي ثبتت شرعيتها، وهي ذات نطاق ضيّق لايمكنها أن تفي بجميع المتطلَّبات من حيث الأحكام<ref>. كفاية الأصول: 312، مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
استدلَّ على المقدّمة الثانية بأنَّ [[انسداد باب العلم]] مسلَّم بالوجدان، فإنَّ الذي يوجب العلم بالحكم الشرعي هو النصّ الشرعي المتواتر أو المحفوف بالقرائن القطعية ظهورا وصدورا، مع أنَّا لا نملك هكذا نصوص إلاَّ في موارد محدودة، أي الظنون الخاصَّة التي ثبتت شرعيتها، وهي ذات نطاق ضيّق لايمكنها أن تفي بجميع المتطلَّبات من حيث الأحكام<ref>. كفاية الأصول: 312، مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
ناقش الشيخ الأنصاري في هذه المقدَّمة بأنَّها في مجال العلم مسلَّمة؛ وذلك لقلَّة ما يوجب العلم من الطرق، وأمَّا بالنسبة إلى الظنّ الخاص فالأمر يتوقَّف على أن لايثبت من الأدلَّة الواردة في حجيَّة الخبر ما يفي بإثبات معظم الأحكام الشرعية، والواقع أنَّ ما ثبت من خبر الواحد وباقي الظنون الخاصة يفي بذلك<ref>. فرائد الأصول 1: 386.</ref>.
ناقش الشيخ الأنصاري في هذه المقدَّمة بأنَّها في مجال العلم مسلَّمة؛ وذلك لقلَّة ما يوجب العلم من الطرق، وأمَّا بالنسبة إلى الظنّ الخاص فالأمر يتوقَّف على أن لايثبت من الأدلَّة الواردة في حجيَّة الخبر ما يفي بإثبات معظم الأحكام الشرعية، والواقع أنَّ ما ثبت من خبر الواحد وباقي الظنون الخاصة يفي بذلك<ref>. فرائد الأصول 1: 386.</ref>.
وناقش المحقق النراقي في قضيَّه [[إنسداد باب العلم]]، معتبرا الظنّ بل مطلق [[الأمارة]] المنتهية إلى العلم علما أيضا، فكما أنَّ قول الرسول(ص) بكون حكم الواقعة الفلانية كذا يوجب العلم كذلك قوله: حكم الواقعة الفلانية ما دلَّ عليه الخبر الواحد أو إعمل بما دلَّ عليه الخبر الواحد، وأنَّ الظنّ الثابت حجيّته يوجب العلم<ref>. عوائد الأيام: 377.</ref>.
<br>وناقش المحقق النراقي في قضيَّه [[إنسداد باب العلم]]، معتبرا الظنّ بل مطلق [[الأمارة]] المنتهية إلى العلم علما أيضا، فكما أنَّ قول الرسول(ص) بكون حكم الواقعة الفلانية كذا يوجب العلم كذلك قوله: حكم الواقعة الفلانية ما دلَّ عليه الخبر الواحد أو إعمل بما دلَّ عليه الخبر الواحد، وأنَّ الظنّ الثابت حجيّته يوجب العلم<ref>. عوائد الأيام: 377.</ref>.
والسيد الخوئي يرى توقُّف قضية انسداد باب العلمي على أحد أمرين:
<br>و [[السيد الخوئي]] يرى توقُّف قضية انسداد باب العلمي على أحد أمرين:
الأوّل: عدم حجيَّة الروايات في الكتب المعتبرة من حيث عدم ثبوت وثاقة رواتها أو من حيث عدم حجية خبر الثقة.
<br>'''الأوّل:''' عدم حجيَّة الروايات في الكتب المعتبرة من حيث عدم ثبوت وثاقة رواتها أو من حيث عدم حجية خبر الثقة.
الثاني: عدم حجية الظواهر بالنسبة إلينا؛ لاختصاص حجيَّة الظواهر بالمقصودين بالإفهام، من الحاضرين عهد صدور النصّ، ونحن حاليا لسنا منهم<ref>. مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
<br>'''الثاني:''' عدم [[حجية الظواهر]] بالنسبة إلينا؛ لاختصاص حجيَّة الظواهر بالمقصودين بالإفهام، من الحاضرين عهد صدور النصّ، ونحن حاليا لسنا منهم<ref>. مصباح الأصول 2: 226.</ref>.
وبناءً على هذا يثبت الإنسداد بالنسبة إلى مثل [[السيد المرتضى]]، حيث ذهب إلى عدم [[حجيَّة خبر الواحد]]<ref>. الذريعة 2: 517 ـ 554.</ref>، وبالنسبة إلى مثل المحقِّق القمي، حيث ذهب إلى اختصاص [[حجيَّة الظواهر]] بالمقصودين بالإفهام ممَّن توجَّه الخطاب إليهم بنحو المشافهة<ref>. القوانين المحكمة: 432.</ref>.
<br>وبناءً على هذا يثبت الإنسداد بالنسبة إلى مثل [[السيد المرتضى]]، حيث ذهب إلى عدم [[حجيَّة خبر الواحد]]<ref>. الذريعة 2: 517 ـ 554.</ref>، وبالنسبة إلى مثل المحقِّق القمي، حيث ذهب إلى اختصاص [[حجيَّة الظواهر]] بالمقصودين بالإفهام ممَّن توجَّه الخطاب إليهم بنحو المشافهة<ref>. القوانين المحكمة: 432.</ref>.
لكن بالنسبة إلى الأمر الأول فإنَّ هناك الكثير من الأدلَّة التي وردت في حجية خبر الثقة، وجُلّ الأصوليين ذهب إلى حجيَّته.
<br>لكن بالنسبة إلى الأمر الأول فإنَّ هناك الكثير من الأدلَّة التي وردت في حجية خبر الثقة، وجُلّ الأصوليين ذهب إلى حجيَّته.
وبالنسبة إلى الأمر الثاني فإنَّ فكرة اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام مرفوضة من قبل غالب الأصوليين، وقد ردُّوها في محلّها.
<br>وبالنسبة إلى الأمر الثاني فإنَّ فكرة اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام مرفوضة من قبل غالب الأصوليين، وقد ردُّوها في محلّها.


==دليل المقدّمة الثالثة==
==دليل المقدّمة الثالثة==
استدلَّ على المقدَّمة الثالثة بوجوه:
استدلَّ على المقدَّمة الثالثة بوجوه:
الأوَّل: [[الإجماع]] القطعي بكون إهمال معظم الأحكام وعدم الإجتناب عن الحرام يُعدُّ أمرا غير مرغوب فيه شرعا، والإجماع قائم على لزوم تركه<ref>. فرائد الأصول 1: 388.</ref>.
<br>'''الأوَّل:''' [[الإجماع]] القطعي بكون إهمال معظم الأحكام وعدم الإجتناب عن الحرام يُعدُّ أمرا غير مرغوب فيه شرعا، والإجماع قائم على لزوم تركه<ref>. فرائد الأصول 1: 388.</ref>.
الثاني: أنَّ الرجوع في جميع الموارد المشتبهة والمفروضة في المسألة إلى نفي الحكم يستلزم المخالفة القطعية في موارد كثيرة<ref>. المصدر السابق.</ref>.
<br>'''الثاني:''' أنَّ الرجوع في جميع الموارد المشتبهة والمفروضة في المسألة إلى نفي الحكم يستلزم المخالفة القطعية في موارد كثيرة<ref>. المصدر السابق.</ref>.
رُدَّ الوجهان بأنَّه رغم صحَّة الإجماع هناك علم إجمالي منجّز مطلق أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه، فإنَّ هذا العلم يوجب اقتحام الشبهات وترك بعضها والعمل وفق البعض الآخر، والطرق والظنون الخاصَّة التي اعتبرها الشارع حجَّة تكفي لردع ما يمكن أن يُتوهَّم هنا من وجود المخالفة القطعية<ref>. عوائد الأيام: 378 ـ 379، فرائد الأصول 1: 389 ـ 390، كفاية الأصول: 312.</ref>.
<br>رُدَّ الوجهان بأنَّه رغم صحَّة الإجماع هناك علم إجمالي منجّز مطلق أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه، فإنَّ هذا العلم يوجب اقتحام الشبهات وترك بعضها والعمل وفق البعض الآخر، والطرق والظنون الخاصَّة التي اعتبرها الشارع حجَّة تكفي لردع ما يمكن أن يُتوهَّم هنا من وجود المخالفة القطعية<ref>. عوائد الأيام: 378 ـ 379، فرائد الأصول 1: 389 ـ 390، كفاية الأصول: 312.</ref>.


==دليل المقدّمة الرابعة==
==دليل المقدّمة الرابعة==
استدلَّ على المقدَّمة الرابعة بأنَّ العمل بالطرق المزبورة والمقرَّرة للجاهل توجب محاذير.
استدلَّ على المقدَّمة الرابعة بأنَّ العمل بالطرق المزبورة والمقرَّرة للجاهل توجب محاذير.
فالرجوع إلى [[الاحتياط]] دائما يوجب العسر واختلال النظام.
فالرجوع إلى [[الاحتياط]] دائما يوجب العسر واختلال النظام.
وبطلان [[التقليد]] واضح؛ من حيث إنَّ القائل بالانسداد يخطّئ مدّعي الانفتاح، فرجوعه إليه يكون من قبيل رجوع العالم إلى الجاهل.
<br>وبطلان [[التقليد]] واضح؛ من حيث إنَّ القائل بالانسداد يخطّئ مدّعي الانفتاح، فرجوعه إليه يكون من قبيل رجوع العالم إلى الجاهل.
والقرعة ممَّا لم تبتنِ عليها الأحكام، كما هو ثابت بالضرورة، وحجّية القرعة خاصَّة في موارد محدودة من موارد الشبهة الموضوعية<ref>. القضاء في الفقه الإسلامي الحائري: 768، مصباح الأصول 3: 343، زبدة الأصول (السيد محمّد صادق الروحاني) 4: 301.</ref>.
<br>والقرعة ممَّا لم تبتنِ عليها الأحكام، كما هو ثابت بالضرورة، وحجّية القرعة خاصَّة في موارد محدودة من موارد الشبهة الموضوعية<ref>. القضاء في الفقه الإسلامي الحائري: 768، مصباح الأصول 3: 343، زبدة الأصول (السيد محمّد صادق الروحاني) 4: 301.</ref>.
والرجوع إلى [[الأصول العملية]] المثبتة للتكليف وغير المحرزة، مثل: [[قاعدة الاشتغال]] لا إشكال فيه، لكنَّ مواردها محدودة، وإن كان من الأصول المحرزة، مثل: [[الاستصحاب]] فيجري أيضا؛ باعتبار اعتماده على الحالة السابقة إذا علمنا بعدم انتقاضها، بل أحيانا يجري الاستصحاب كذلك إذا علم بانتقاضها في بعض أطراف العلم الإجمالي، إذا قيل: بأنَّ المانع من جريان الاستصحاب في اطراف [[العلم الإجمالي]] هو لزوم المخالفة العملية فقط؛ وذلك لأنَّه هنا مثبت للتكليف فلا تلزم من جريانه مخالفة عملية، وأمَّا إذا قيل: بأنَّ العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة بحدِّ ذاته مانع عن جريان [[الاستصحاب]] ولو لم يلزم منه مخالفة عملية فلايجري، ما يعني جريانه في موارد خاصَّة لا مطلقا<ref>. كفاية الأصول: 313 ـ 315، مصباح الأصول 2: 227 ـ 232.</ref>.
<br>والرجوع إلى [[الأصول العملية]] المثبتة للتكليف وغير المحرزة، مثل: [[قاعدة الاشتغال]] لا إشكال فيه، لكنَّ مواردها محدودة، وإن كان من الأصول المحرزة، مثل: [[الاستصحاب]] فيجري أيضا؛ باعتبار اعتماده على الحالة السابقة إذا علمنا بعدم انتقاضها، بل أحيانا يجري الاستصحاب كذلك إذا علم بانتقاضها في بعض أطراف العلم الإجمالي، إذا قيل: بأنَّ المانع من جريان الاستصحاب في اطراف [[العلم الإجمالي]] هو لزوم المخالفة العملية فقط؛ وذلك لأنَّه هنا مثبت للتكليف فلا تلزم من جريانه مخالفة عملية، وأمَّا إذا قيل: بأنَّ العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة بحدِّ ذاته مانع عن جريان [[الاستصحاب]] ولو لم يلزم منه مخالفة عملية فلايجري، ما يعني جريانه في موارد خاصَّة لا مطلقا<ref>. كفاية الأصول: 313 ـ 315، مصباح الأصول 2: 227 ـ 232.</ref>.
ورُدَّت بأنَّها مقدَّمة صادقة جزئيا، فالرجوع إلى [[الاحتياط]] دائما يوجب اختلال النظام والعسر الوافر، ولايمكن الرجوع إليه دائما، لكن بالإمكان الرجوع إليه في موارد خاصَّة محدَّدة في محالّها، وكذلك باقي الطرق يمكن استخدامها لتحديد الوظائف الشرعية، طبقا للمجاري المحدَّدة لها، وللاستصحاب مجاريه الخاصَّة وردت في محالّها، ولا مانع من جريانه فيها، وثبتت حجّيّتها شرعا، أي أنَّه يثبت بها الظنّ الخاصّ، ومعه لايصل الدور إلى [[التقليد]] أو القرعة أو ما شابه<ref>. فرائد الأصول 1: 403 ـ 430، كفاية الأصول: 312 ـ 315، فوائد الأصول 3: 243 ـ 280.</ref>.
<br>ورُدَّت بأنَّها مقدَّمة صادقة جزئيا، فالرجوع إلى [[الإحتیاط]] دائما يوجب اختلال النظام والعسر الوافر، ولايمكن الرجوع إليه دائما، لكن بالإمكان الرجوع إليه في موارد خاصَّة محدَّدة في محالّها، وكذلك باقي الطرق يمكن استخدامها لتحديد الوظائف الشرعية، طبقا للمجاري المحدَّدة لها، وللاستصحاب مجاريه الخاصَّة وردت في محالّها، ولا مانع من جريانه فيها، وثبتت حجّيّتها شرعا، أي أنَّه يثبت بها الظنّ الخاصّ، ومعه لايصل الدور إلى [[التقليد]] أو القرعة أو ما شابه<ref>. فرائد الأصول 1: 403 ـ 430، كفاية الأصول: 312 ـ 315، فوائد الأصول 3: 243 ـ 280.</ref>.


==دليل المقدّمة الخامسة==
==دليل المقدّمة الخامسة==
استدلَّ على المقدَّمة الخامسة بأنَّ العقل يستقلُّ بلزوم الإطاعة الظنيَّة وترجيحها على الإطاعة الوهمية أو الشكيَّة ؛ لأنَّ عدم ترجيحها يستلزم ترجيح المرجوح، وهو قبيح.
استدلَّ على المقدَّمة الخامسة بأنَّ العقل يستقلُّ بلزوم الإطاعة الظنيَّة وترجيحها على الإطاعة الوهمية أو الشكيَّة ؛ لأنَّ عدم ترجيحها يستلزم ترجيح المرجوح، وهو قبيح.
رُدَّ هذا بأنَّه مع وجود طرق ثبتت حجّيتها شرعا وانحلال العلم الإجمالي بما في الكتب المعتبرة من روايات وأصول عملية تجري في مواردها لا يأتي الدور إلى الإطاعة الاحتمالية<ref>. كفاية الأصول: 315.</ref>.
<br>رُدَّ هذا بأنَّه مع وجود طرق ثبتت حجّيتها شرعا وانحلال العلم الإجمالي بما في الكتب المعتبرة من روايات وأصول عملية تجري في مواردها لا يأتي الدور إلى الإطاعة الاحتمالية<ref>. كفاية الأصول: 315.</ref>.
وفي الردّ على هذه المقدّمة قسَّم الشيخ الأنصاري مراتب الامتثال إلى أربع:
<br>وفي الردّ على هذه المقدّمة قسَّم الشيخ الأنصاري مراتب الامتثال إلى أربع:
الأولى: الامتثال التفصيلي، الحاصل بما يعلم تفصيلاً.
<br>الأولى: الامتثال التفصيلي، الحاصل بما يعلم تفصيلاً.
الثانية: الامتثال العلمي الإجمالي، ويحصل ب[[الاحتياط]].
<br>الثانية: الامتثال العلمي الإجمالي، ويحصل ب[[الإحتياط]].
الثالثة: الامتثال الظنّي، الحاصل بالإتيان بما يُظنُّ كونه تكليفا.
<br>الثالثة: الامتثال الظنّي، الحاصل بالإتيان بما يُظنُّ كونه تكليفا.
الرابعة: الامتثال الاحتمالي، كالتعبُّد بأحد طرفي المسألة من الوجوب والتحريم، أو التعبُّد ببعض محتملات المكلَّف به عند عدم وجوب [[الاحتياط]] أو عدم إمكانه.
<br>الرابعة: الامتثال الاحتمالي، كالتعبُّد بأحد طرفي المسألة من الوجوب والتحريم، أو التعبُّد ببعض محتملات المكلَّف به عند عدم وجوب [[الاحتياط]] أو عدم إمكانه.
ومع وجود مرحلة متقدِّمة لايجوز العدول عنها إلى مرحلة متأخِّرة، وفيما يخصُّ ما ورد في المقدَّمة الخامسة، فإنَّ المراحل الثلاث الأولى ممكنة فلايصل الدور، ولايجوز العدول عنها إلى المرحلة الرابعة<ref>. فرائد الأصول 1: 431 ـ 435.</ref>.
<br>ومع وجود مرحلة متقدِّمة لايجوز العدول عنها إلى مرحلة متأخِّرة، وفيما يخصُّ ما ورد في المقدَّمة الخامسة، فإنَّ المراحل الثلاث الأولى ممكنة فلايصل الدور، ولايجوز العدول عنها إلى المرحلة الرابعة<ref>. فرائد الأصول 1: 431 ـ 435.</ref>.


=موارد الاستدلال بدليل الانسداد=
=موارد الاستدلال بدليل الانسداد=
==1 ـ مطلق الظنّ==
==1 ـ مطلق الظنّ==
مطلق الظنّ يعني الظنّ الناشئ عن أيِّ طريق يفيد الظنّ، سواء كان خبر آحاد أو شيئا آخر، وقد سيق دليل الانسداد أساسا للاستدلال على حجّية هذا النوع من الظنّ؛ وذلك باعتبار انسداد باب العلم ولزوم الأخذ بما هو  دونه<ref>. القوانين المحكمة: 439 وما بعدها، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.</ref>.
مطلق الظنّ يعني الظنّ الناشئ عن أيِّ طريق يفيد الظنّ، سواء كان خبر آحاد أو شيئا آخر، وقد سيق دليل الانسداد أساسا للاستدلال على حجّية هذا النوع من الظنّ؛ وذلك باعتبار انسداد باب العلم ولزوم الأخذ بما هو  دونه<ref>. القوانين المحكمة: 439 وما بعدها، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.</ref>.
لكن الردود الواردة عليه غير قليلة، وقد مضى ذكر بعضها في تقريرات دليل الانسداد<ref>. فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، كفاية الأصول: 312 ـ 315، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.</ref>.
<br>لكن الردود الواردة عليه غير قليلة، وقد مضى ذكر بعضها في تقريرات دليل الانسداد<ref>. فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، كفاية الأصول: 312 ـ 315، المحكم في أصول الفقه 3: 305 ـ 322.</ref>.


==2 ـ ظن المجتهد==
==2 ـ ظن المجتهد==
سطر ١٣١: سطر ١٣١:
==3 ـ حجيَّة خبر الواحد==
==3 ـ حجيَّة خبر الواحد==
تارة يستدلُّ بدليل الانسداد الصغير على حجّية الظنّ بصدور الخبر عن المعصوم، وتارة اُخرى يستدلُّ بالانسداد الكبير على حجّية مطلق الظنّ الذي قد يكون خبر الواحد أحد مصادره<ref>. معالم الدين: 192، الوافية: 159.</ref>.
تارة يستدلُّ بدليل الانسداد الصغير على حجّية الظنّ بصدور الخبر عن المعصوم، وتارة اُخرى يستدلُّ بالانسداد الكبير على حجّية مطلق الظنّ الذي قد يكون خبر الواحد أحد مصادره<ref>. معالم الدين: 192، الوافية: 159.</ref>.
لكنَّ شأن الاستدلال به هنا شأن باقي الموارد التي استدلَّ به وتعرَّض فيها إلى نقود شديدة<ref>. فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، فوائد الأصول 3: 196 وما بعدها، كفاية الأصول: 312 ـ 315.</ref>.
<br>لكنَّ شأن الاستدلال به هنا شأن باقي الموارد التي استدلَّ به وتعرَّض فيها إلى نقود شديدة<ref>. فرائد الأصول 1: 386 ـ 435، فوائد الأصول 3: 196 وما بعدها، كفاية الأصول: 312 ـ 315.</ref>.


==4 ـ القياس==
==4 ـ القياس==
يمكن أن يستدلَّ بدليل الانسداد على حجّية القياس؛ باعتبار إفادته حجّية مطلق الظنّ حتَّى الناتج عن الأقيسة التي تفيد الظنّ، وهذا الدليل لم يرد عن القائلين بالقياس (بعض أهل السنّة) بهذا النحو بل بعبارات يبدو منها هذا المعنى، مثل ما ورد عن السرخسي<ref>. أصول السرخسي 2: 139 ـ 140.</ref>، والغزالي<ref>. المستصفى 2: 126 ـ 127.</ref>، والآمدي<ref>. الإحكام الآمدي 3ـ4: 285.</ref>، وكقول الشهرستاني: «فعلم قطعا ويقينا أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لايقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعا أ نّه لم يرد في كلّ حادثة نصٌّ، ولايتصوّر ذلك أيضا، والنصوص إذا كانت متناهية وما لايتناهى لايضبطه ما يتناهى علم قطعا...»<ref>. الملل والنحل الشهرستاني 1: 180.</ref>، كما ساقه بعض أصوليي الشيعة ـ مثل: السيّد محمّد تقي الحكيم ـ بنحو فرضي وباعتباره ممَّا يمكن أن يُستدلَّ به على مبناهم في العمل بالظنّ.
يمكن أن يستدلَّ بدليل الانسداد على حجّية القياس؛ باعتبار إفادته حجّية مطلق الظنّ حتَّى الناتج عن الأقيسة التي تفيد الظنّ، وهذا الدليل لم يرد عن القائلين بالقياس (بعض أهل السنّة) بهذا النحو بل بعبارات يبدو منها هذا المعنى، مثل ما ورد عن السرخسي<ref>. أصول السرخسي 2: 139 ـ 140.</ref>، والغزالي<ref>. المستصفى 2: 126 ـ 127.</ref>، والآمدي<ref>. الإحكام الآمدي 3ـ4: 285.</ref>، وكقول الشهرستاني: «فعلم قطعا ويقينا أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لايقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعا أ نّه لم يرد في كلّ حادثة نصٌّ، ولايتصوّر ذلك أيضا، والنصوص إذا كانت متناهية وما لايتناهى لايضبطه ما يتناهى علم قطعا...»<ref>. الملل والنحل الشهرستاني 1: 180.</ref>، كما ساقه بعض أصوليي الشيعة ـ مثل: السيّد محمّد تقي الحكيم ـ بنحو فرضي وباعتباره ممَّا يمكن أن يُستدلَّ به على مبناهم في العمل بالظنّ.
لكنَّ يُردُّ هذا الأخير من قبل أصوليي [[الشيعة]] بوجهين:
<br>لكنَّ يُردُّ هذا الأخير من قبل أصوليي [[الشيعة]] بوجهين:
الأول: عدم صحَّة [[دليل الإنسداد]] أصلاً.
<br>الأول: عدم صحَّة [[دليل الإنسداد]] أصلاً.
الثاني: على فرض صحَّة دليل الإنسداد فإنَّ هناك روايات غير قليلة وردت عن [[أهل البيت]] عليهم‏السلام ردعت عن العمل بالقياس<ref>. الأصول العامة للفقه المقارن: 341.</ref>.
<br>الثاني: على فرض صحَّة دليل الإنسداد فإنَّ هناك روايات غير قليلة وردت عن [[أهل البيت]] عليهم‏السلام ردعت عن العمل بالقياس<ref>. الأصول العامة للفقه المقارن: 341.</ref>.
وقد سعى الشيخ الأنصاري و [[الآخوند الخراساني]] وغيرهما للتوفيق بين ما ورد من روايات رادعة وما يقتضيه [[دليل الإنسداد]] على فرض قبوله، فإنَّ قبوله يولّد إشكالاً، من حيث استلزام حكم العقل بكون الظنّ بمثابة العلم، حجيَّة هذا الظنّ، بينما ورد ردع ومنع عن العمل بالقياس المولّد لهكذا ظنّ، فكيف يمكن التوفيق بينهما؟
<br>وقد سعى الشيخ الأنصاري و [[الآخوند الخراساني]] وغيرهما للتوفيق بين ما ورد من روايات رادعة وما يقتضيه [[دليل الإنسداد]] على فرض قبوله، فإنَّ قبوله يولّد إشكالاً، من حيث استلزام حكم العقل بكون الظنّ بمثابة العلم، حجيَّة هذا الظنّ، بينما ورد ردع ومنع عن العمل بالقياس المولّد لهكذا ظنّ، فكيف يمكن التوفيق بينهما؟
وقد وفِّق بين الأمرين تارة بمنع حرمة العمل بالقياس مع القول بالإنسداد، وتارة اُخرى بأنَّ القياس لايفيد الظنّ أصلاً، وثالثة بأنَّ باب العلم في مورد القياس مفتوح، ورابعة بأنَّ الإنسداد يفيد حجيَّة الأدلَّة الظنيَّة دون مطلق الظنّ، وخامسة بأنَّ دليل الإنسداد يفيد حجيَّة الظنّ الذي لم يقم دليل على عدم حجيّته، وسادسة بأنَّ النهي عن القياس يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدرَكة على تقدير العمل به<ref>. فرائد الأصول 1: 516 ـ 536، كفاية الأصول: 325 ـ 327.</ref>. ومن الواضح أنَّ مع القول بفساد مقدّمات دليل الإنسداد لا طائل لبحوث من هذا القبيل.
<br>وقد وفِّق بين الأمرين تارة بمنع حرمة العمل بالقياس مع القول بالإنسداد، وتارة اُخرى بأنَّ القياس لايفيد الظنّ أصلاً، وثالثة بأنَّ باب العلم في مورد القياس مفتوح، ورابعة بأنَّ الإنسداد يفيد حجيَّة الأدلَّة الظنيَّة دون مطلق الظنّ، وخامسة بأنَّ دليل الإنسداد يفيد حجيَّة الظنّ الذي لم يقم دليل على عدم حجيّته، وسادسة بأنَّ النهي عن القياس يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدرَكة على تقدير العمل به<ref>. فرائد الأصول 1: 516 ـ 536، كفاية الأصول: 325 ـ 327.</ref>. ومن الواضح أنَّ مع القول بفساد مقدّمات دليل الإنسداد لا طائل لبحوث من هذا القبيل.


==5 ـ الاستصحاب==
==5 ـ الاستصحاب==
حُكي الاستدلال بدليل الإنسداد على حجيَّة [[الاستصحاب]] من باب أنَّ مقتضى إدراك العقل لمقدمات الإنسداد حجيَّة الظنّ الحاصل من مثل الاستصحاب؛ باعتباره راجحا على الظنون والشكوك البدوية التي يقتضي دليل الإنسداد حجيّتها.
حُكي الاستدلال بدليل الإنسداد على حجيَّة [[الاستصحاب]] من باب أنَّ مقتضى إدراك العقل لمقدمات الإنسداد حجيَّة الظنّ الحاصل من مثل الاستصحاب؛ باعتباره راجحا على الظنون والشكوك البدوية التي يقتضي دليل الإنسداد حجيّتها.
لكن رُدَّ هذا الاستدلال بما رُدَّ به أصل الاستدلال بالانسداد مضافا إلى أنَّ الدور لايصل إلى الشكوك البدوية مع وجود ظنون معتبرة وحجَّة<ref>. تحريرات في الأصول 8: 322، الأصول العامة للفقه المقارن: 446 ـ 447.</ref>.
<br>لكن رُدَّ هذا الاستدلال بما رُدَّ به أصل الاستدلال بالانسداد مضافا إلى أنَّ الدور لايصل إلى الشكوك البدوية مع وجود ظنون معتبرة وحجَّة<ref>. تحريرات في الأصول 8: 322، الأصول العامة للفقه المقارن: 446 ـ 447.</ref>.


==6 ـ قول اللغوي==
==6 ـ قول اللغوي==
استدلَّ بدليل الإنسداد الصغير على حجيَّة قول اللغوي، من حيث إنَّ الحاجة إلى قول اللغوي في الشؤون الشرعية أكثر من أن يحصى، وقد انسدَّ باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا، فإذا أفاد قوله الظنّ اعتبر من باب حجيَّة مطلق الظن<ref>. هداية المسترشدين 1: 213، تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23، كفاية الأصول: 287.</ref>.
استدلَّ بدليل الإنسداد الصغير على حجيَّة قول اللغوي، من حيث إنَّ الحاجة إلى قول اللغوي في الشؤون الشرعية أكثر من أن يحصى، وقد انسدَّ باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا، فإذا أفاد قوله الظنّ اعتبر من باب حجيَّة مطلق الظن<ref>. هداية المسترشدين 1: 213، تقريرات المجدِّد الشيرازي 1: 23، كفاية الأصول: 287.</ref>.
لكنَّ رُدَّ هذا بأنَّ انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقَّف عليها العلم بالحكم لايوجب حجيَّة مطلق الظنّ، مع أنَّ الواقع انفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في [[الكتاب والسنَّة]] ولو بمعونة القرائن الخارجيَّة<ref>. نهاية الأفكار 3: 96، وسيلة الوصول 2: 489، منتهى الأصول 2: 153.</ref>. ومع انفتاح باب العلم بالأحكام لا وجه للرجوع إلى قول اللغوي، سواء كان باب العلم مسدودا أو مفتوحا، فلايترتَّب أثر على انسداد باب العلم في اللغة<ref>. مصباح الأُصول 2: 132 ـ 133، تحريرات في الأُصول 6: 349 ـ 350.</ref>.
<br>لكنَّ رُدَّ هذا بأنَّ انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقَّف عليها العلم بالحكم لايوجب حجيَّة مطلق الظنّ، مع أنَّ الواقع انفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في [[الكتاب والسنَّة]] ولو بمعونة القرائن الخارجيَّة<ref>. نهاية الأفكار 3: 96، وسيلة الوصول 2: 489، منتهى الأصول 2: 153.</ref>. ومع انفتاح باب العلم بالأحكام لا وجه للرجوع إلى قول اللغوي، سواء كان باب العلم مسدودا أو مفتوحا، فلايترتَّب أثر على انسداد باب العلم في اللغة<ref>. مصباح الأُصول 2: 132 ـ 133، تحريرات في الأُصول 6: 349 ـ 350.</ref>.


==7 ـ قول الرجالي==
==7 ـ قول الرجالي==
استدل بدليل الانسداد الصغير على حجية قول الرجالي، كقوله بأن الرواية وردت عن زرارة، وذلك بنفس النحو الذي ورد الاستدلال على حجية قول اللغوي<ref>. كفاية الأصول: 328، وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول 1: 558 ـ 560، حقائق الأصول 2: 208، منتهى الدراية 5:  585 ـ 586.</ref>.
استدل بدليل الانسداد الصغير على حجية قول الرجالي، كقوله بأن الرواية وردت عن زرارة، وذلك بنفس النحو الذي ورد الاستدلال على حجية قول اللغوي<ref>. كفاية الأصول: 328، وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول 1: 558 ـ 560، حقائق الأصول 2: 208، منتهى الدراية 5:  585 ـ 586.</ref>.


=المصادر=
== الهوامش ==
{{الهوامش}}
{{الهوامش|2}}
<references />
</div>
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]