الفرق بين المراجعتين لصفحة: «القرآن»

أُزيل ٣ بايت ،  ١٦ ديسمبر ٢٠٢٣
ط
نقل Heydari صفحة القرآن الکریم إلى القرآن دون ترك تحويلة
لا ملخص تعديل
ط (نقل Heydari صفحة القرآن الکریم إلى القرآن دون ترك تحويلة)
 
(١٢ مراجعة متوسطة بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''القرآن الکریم''' كلام اللّه المنزّل على رسوله [[النبي محمد المصطفى]] (صلى الله عليه و آله)، والمعجزة الخالدة، وهو المصدر الأوّل من مصادر التشريع عند المسلمين، والعروة الوثقى التي يتمسّك بها لجمع ولمّ شمل [[الأُمّة الإسلامية]]. وقد عدّ كثير من المفكّرين والباحثين أنّ أهمّ سبب في انحطاط المسلمين في هذه العصور إنّما هو الابتعاد عن كتاب اللّه وعدم العمل به.<br><br>
[[ملف:قرآن کتاب آسمانی.jpg|لاإطار|يسار]]
</div>
'''القرآن الکریم''' كلام اللّه المنزّل على رسوله [[النبي محمد المصطفى]] (صلى الله عليه و آله)، والمعجزة الخالدة، وهو المصدر الأوّل من مصادر التشريع عند المسلمين، والعروة الوثقى التي يتمسّك بها لجمع ولمّ شمل [[الأُمّة الإسلامية]]. وقد عدّ كثير من المفكّرين والباحثين أنّ أهمّ سبب في انحطاط المسلمين في هذه العصور إنّما هو الابتعاد عن كتاب اللّه وعدم العمل به.
=الهَدَفُ منَ إنزالِ  الْقُرآنِ الْكَريمِ=
 
==الهَدَفُ منَ إنزالِ  الْقُرآنِ الْكَريمِ==
'''الهدف من إنزال الْقرآن الكريم''' هو هداية الناس وإخراجهم من ظلمات الشرك والمعاصي إلى نور التوحيد والطاعات لتتحقق لهم بذلك سعادة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».   
'''الهدف من إنزال الْقرآن الكريم''' هو هداية الناس وإخراجهم من ظلمات الشرك والمعاصي إلى نور التوحيد والطاعات لتتحقق لهم بذلك سعادة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».   
وأيضاً ليتدبَّرَ العباد ويتعظوا ويتذكروا ويستعدوا ليوم القيامة. قال تعالى: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ».
وأيضاً ليتدبَّرَ العباد ويتعظوا ويتذكروا ويستعدوا ليوم القيامة. قال تعالى: «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ».


=فضل القرآن الكريم في روايات الفريقين=
==فضل القرآن الكريم في روايات الفريقين==
 
 
===عن طريق الإمامية===
===عن طريق الإمامية===
'''القرآن حبل الله المتين''' قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «[[القرآن الکریم|القرآن]] مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، ان هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين».  
'''القرآن حبل الله المتين''' قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «[[القرآن الکریم|القرآن]] مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، ان هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين».  
سطر ٣٥: سطر ٣٤:
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».


=القرآن نورٌ ليس معه الظلمة=
==القرآن نورٌ ليس معه الظلمة==
 
===عن طريق الإمامية===
===عن طريق الإمامية===
'''[[القرآن الکریم|القرآن]] نورٌ ليس معه الظلمة''': قال علي (عليه السلام): «أنْزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُه... ونُوراً لَيْسَ مَعَه ظُلْمَةٌ».  
'''[[القرآن الکریم|القرآن]] نورٌ ليس معه الظلمة''': قال علي (عليه السلام): «أنْزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُه... ونُوراً لَيْسَ مَعَه ظُلْمَةٌ».  
سطر ٤٧: سطر ٤٥:
وهب عن أبي هريرة: «من تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة ومن استمع الآية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة».
وهب عن أبي هريرة: «من تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة ومن استمع الآية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة».


=القرآن أحسن الحديث و أبلغ الموعظة=
==القرآن أحسن الحديث و أبلغ الموعظة==
===عن طريق الإمامية===
===عن طريق الإمامية===
[[قال علي (عليه السلام)]]: «تعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص».  
[[قال علي (عليه السلام)]]: «تعلموا كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص».  
سطر ٥٥: سطر ٥٣:
'''عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف''' مرسلا: «إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه».
'''عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف''' مرسلا: «إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه».


=القرآن ملجأ في المحن والفتن=
==القرآن ملجأ في المحن والفتن==
 
===عن طريق الإمامية===
===عن طريق الإمامية===
'''القرآن ملجأ  في المحن والفتن''' عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وما حل مصدق  ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن».  
'''القرآن ملجأ  في المحن والفتن''' عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وما حل مصدق  ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن».  
سطر ٦٣: سطر ٦٠:
عن علي (عليه السلام) قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فقال «فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم، فعليكم ب[[القرآن الکریم|القرآن]] فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار، وهو الدليل إلى خير سبيل، وهو الفصل ليس بالهزل له ظهر وبطن فظاهره حكم، وباطنه علم عميق، بحره لا تحصى عجائبه ولا يشبع منه علماؤه».
عن علي (عليه السلام) قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فقال «فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم، فعليكم ب[[القرآن الکریم|القرآن]] فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار، وهو الدليل إلى خير سبيل، وهو الفصل ليس بالهزل له ظهر وبطن فظاهره حكم، وباطنه علم عميق، بحره لا تحصى عجائبه ولا يشبع منه علماؤه».


=القرأن مأدبة الله=
==القرأن مأدبة الله==
===عن طريق الإماميه===
===عن طريق الإماميه===
'''لقرآن مأدبة الله الکريمه''' قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «[[القرآن الکریم|القرآن]] مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم».  
'''لقرآن مأدبة الله الکريمه''' قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «[[القرآن الکریم|القرآن]] مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم».  
سطر ٦٩: سطر ٦٦:
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ ثنا أَبُو الْيَقْظَانِ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،  عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه و آله وسلم) قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مأْدُبَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ».  
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ ثنا أَبُو الْيَقْظَانِ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،  عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه و آله وسلم) قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مأْدُبَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ».  
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَلْخِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ، فَهُوَ آمِنٌ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَلْخِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، نا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ، فَهُوَ آمِنٌ».
=القرآن هادٍ لقوم و مضلٌّ لآخرين=
 
==القرآن هادٍ لقوم و مضلٌّ لآخرين==
===عن طريق الإمامية===
===عن طريق الإمامية===
'''[[القرآن الکریم|القرآن]] هادٍ لقوم و مضلٌّ لآخرين''' عن الحسن  العسكري (عليه السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من استشفى به شفاه الله، ومن آثره على ما سواه هداه الله، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه الله».   
'''[[القرآن الکریم|القرآن]] هادٍ لقوم و مضلٌّ لآخرين''' عن الحسن  العسكري (عليه السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من استشفى به شفاه الله، ومن آثره على ما سواه هداه الله، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه الله».   
سطر ٧٦: سطر ٧٤:
[[محمد بن الحنفية]] عن علي (عليه السلام): «من محل  به القرآن صدق ومن جعل القرآن أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار».  
[[محمد بن الحنفية]] عن علي (عليه السلام): «من محل  به القرآن صدق ومن جعل القرآن أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار».  
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله وسلم)  قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله وسلم)  قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ».
=القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ=
 
==القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ==
'''القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ''' القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، وقد تضمَّنت آياته الكريمة كل ما يحتاجه الناس من أمر دينهم ودنياهم، وما يحقق مصالحهم، وتضمن أيضاً كثيرا من الحقائق التاريخية والعلمية التي قد اكتشف الناس بعضها لما تطورت الاكتشافات العلمية، وقد يكون الباقي عليهم أكثر لأنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلاً. والمسلم لا يتغير إيمانه بأنّ القرآن كتاب صدق ذكرت فيه أمور كثيرة، ولكن الاطلاع على كلّ ذلك قد لا يتاح إلاّ في الأزمنة والآجال التي أرادها الله. وفي ما ذكر كفاية لمن كان ذا أذنٍ صاغيةٍ إلى الحق، وإن يكفر به قوم فقد وكل الله به قوما ليسوا به كافرين.
'''القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ''' القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، وقد تضمَّنت آياته الكريمة كل ما يحتاجه الناس من أمر دينهم ودنياهم، وما يحقق مصالحهم، وتضمن أيضاً كثيرا من الحقائق التاريخية والعلمية التي قد اكتشف الناس بعضها لما تطورت الاكتشافات العلمية، وقد يكون الباقي عليهم أكثر لأنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلاً. والمسلم لا يتغير إيمانه بأنّ القرآن كتاب صدق ذكرت فيه أمور كثيرة، ولكن الاطلاع على كلّ ذلك قد لا يتاح إلاّ في الأزمنة والآجال التي أرادها الله. وفي ما ذكر كفاية لمن كان ذا أذنٍ صاغيةٍ إلى الحق، وإن يكفر به قوم فقد وكل الله به قوما ليسوا به كافرين.


=القرآن شافع مشفع=
==القرآن شافع مشفع==
'''القرآن شافعٌ مشفعٌ''' قال علي (عليه السلام): «واعلموا أن القرآن شافع مشفع، وقائل مصدق. وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه».  
'''القرآن شافعٌ مشفعٌ''' قال علي (عليه السلام): «واعلموا أن القرآن شافع مشفع، وقائل مصدق. وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه».  
حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة الربعي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في أول يوم من شهر رمضان في مسجد الكوفة فحمد الله بأفضل الحمد وأشرفها وأبلغها واثني على بأحسن الثناء وصلى على محمد نبيه (صلى الله عليه وآله) ثم قال أيها الناس: «أيها الصائم تقرب إلى الله بتلاوة كتابه في ليلك ونهارك قان كتاب الله شافع مشفع يوم القيامة لأهل تلاوته فيعلون درجات الجنة بقرائة آياته...»  
حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة الربعي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في أول يوم من شهر رمضان في مسجد الكوفة فحمد الله بأفضل الحمد وأشرفها وأبلغها واثني على بأحسن الثناء وصلى على محمد نبيه (صلى الله عليه وآله) ثم قال أيها الناس: «أيها الصائم تقرب إلى الله بتلاوة كتابه في ليلك ونهارك قان كتاب الله شافع مشفع يوم القيامة لأهل تلاوته فيعلون درجات الجنة بقرائة آياته...»  
سطر ٨٩: سطر ٨٨:
وتحدى به أهل زمانه ومن بعدهم إلى قيام الساعة؛ فالله سبحانه وتعالى تحدَّى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فلم يستطيعوا، على الرغم من أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق وأفصحهم، والقرآن إنما نزل بلغتهم، ومع ذلك فقد أعلنوا عجزهم التام، قال الله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا».  <br>
وتحدى به أهل زمانه ومن بعدهم إلى قيام الساعة؛ فالله سبحانه وتعالى تحدَّى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فلم يستطيعوا، على الرغم من أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق وأفصحهم، والقرآن إنما نزل بلغتهم، ومع ذلك فقد أعلنوا عجزهم التام، قال الله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا».  <br>
وهذا التحدي الذي تحدى الله تعالى به كفار قريش باقٍ إلى قيام الساعة، فلم يستطع أحد من الخَلق أنْ يأتي بشيءٍ مثله، أو قريب منه بوجهٍ من الوجوه، ولو كان القرآنُ كلامَ بشرٍ لاستطاع بلغاء البشر أنْ يأتوا بمثله أو قريب منه. فقال الله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ».   
وهذا التحدي الذي تحدى الله تعالى به كفار قريش باقٍ إلى قيام الساعة، فلم يستطع أحد من الخَلق أنْ يأتي بشيءٍ مثله، أو قريب منه بوجهٍ من الوجوه، ولو كان القرآنُ كلامَ بشرٍ لاستطاع بلغاء البشر أنْ يأتوا بمثله أو قريب منه. فقال الله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ».   
==المستفاد من کلمات العلماء==
==المستفاد من کلمات العلماء==  
<nowiki>==المستفاد من کلمات العلماء==</nowiki>
 
المستفاد من کلمات العلماء ما هو نفيس في بيان دليل صدق النبي (صلى الله عليه وآله) وكون ما أتى به من القرآن إنّما هو من عند الله تعالى؛ ونحن نسوقه هذه الإستفادة ليزداد البصير في أمره بصيرة ولا يبقى للريبة بعدُ موضعٌ. هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدّي الكافرين بالتنزيل الكريم، وقد تحدّاهم الله تعالى في غير موضع منه، فقال في سورة القصص: '''«قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».<sup>'''<sup>[1]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة الإسراء: '''«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً».<sup>'''<sup>[2]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة هود: '''«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».<sup>'''<sup>[3]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة يونس: '''«وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».'''<sup><sup>[4]</sup></sup> وكلّ هذه الآيات مكيّةٌ، ثمّ تحدّاهم أيضا في المدينة بقوله: '''«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ».''' إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم وهم فُرسان الكلام، وأربابُ النّظام، وقد خصُّوا من البلاغة والحكم، ما لم يَخُصُّ به غيرهم من الأمم، <br>
المستفاد من کلمات العلماء ما هو نفيس في بيان دليل صدق النبي (صلى الله عليه وآله) وكون ما أتى به من القرآن إنّما هو من عند الله تعالى؛ ونحن نسوقه هذه الإستفادة ليزداد البصير في أمره بصيرة ولا يبقى للريبة بعدُ موضعٌ. هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدّي الكافرين بالتنزيل الكريم، وقد تحدّاهم الله تعالى في غير موضع منه، فقال في سورة القصص: '''«قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».<sup>'''<sup>[1]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة الإسراء: '''«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً».<sup>'''<sup>[2]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة هود: '''«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».<sup>'''<sup>[3]</sup>'''</sup>''' وقال في سورة يونس: '''«وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».'''<sup><sup>[4]</sup></sup> وكلّ هذه الآيات مكيّةٌ، ثمّ تحدّاهم أيضا في المدينة بقوله: '''«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ».''' إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم وهم فُرسان الكلام، وأربابُ النّظام، وقد خصُّوا من البلاغة والحكم، ما لم يَخُصُّ به غيرهم من الأمم، <br>
وأوتو من ذرابة اللسان ما لم يؤتَ إنسانٌ، ومن فصلِ الخطاب، ما يقيّد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقةً، وفيهم غريزةٌ وقوّةٌ، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلُّون به إلى كل سبب، فيخطبون بديهاً في المقامات وشديدَ الخَطبِ ويرتجزون به بين الطعن والضَّرب، ويمدحون، ويقدحون، ويتوسلون، ويتوصّلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال، ويطوّقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال، فيخدعون الألباب، ويذلِّلون الصِّعاب، ويذهبون الإحن، ويهيجون الدّمن ويجرّئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيّرون الناقص كاملا، ويتركون النبيهَ خاملاً، منهم البدويّ: ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ، والمنزع القويّ، ومنهم الحضريّ: ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرّف في القول القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوّة الدامغة، والقدح الفالج، والمهبع الناهج، لا يشكُّون أنّ الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قدحوا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كلّ باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفنّنوا في الغثّ والسمين، وتقاولوا في القلّ والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنّهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء، ولم ينبض منهم عرق العصبيّة مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة، وإلقائه الشراشر على المعازّة والمعارّة، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط: إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرّد لهم الحجّة أولا، والسيف آخرا، فلم يعارضوا إلا السيف وحده، فما أعرضوا عن معارضة الحجّة إلا لعلمهم أنّ البحر قد زخر فطمّ على الكواكب، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب، وبذلك يظهر أنّ في قوله تعالى: '''«وَلَنْ تَفْعَلُوا»''' معجزة أخرى، فإنَّهم ما فعلوا، وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، قال الحافظ ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: '''«وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»؛''' ففكَّر ساعةً ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها، قال: وما هو؟ فقال: '''«يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر»؛''' ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب!<sup><sup>[5]</sup></sup> وحيث عجز عرب ذلك العصر، فما سواهم أعجز في هذا الأمر! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم، أو ذو إستسلام، فدلّ على أنّه ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقا لرسوله، وتحقيقا لمقوله وهذا الوجه ـ أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حدّ خرج عن طوق البشر ـ كاف وحده في الإعجاز، وقد انضمّ إليه أوجه: منها إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر، ومنها: كونه لا يملّه السمع مهما تكرر، ومنها: جمعه لعلوم لم تكن معهودة، عند العرب والعجم، ومنها: إنباؤه عن الوقائع الخالية، وأحوال الأمم، والحال أنّ من أنزل عليه، (صلى الله عليه وآله) كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، لاستغنائه بالوحي، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى، وبذلك يعلم أنّ القرآن أعظم المعجزات، فإنّه آية باقية مدى الدهر، يشاهدها كلّ حين بعين الفكر كلّ ذي حجر، وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها، فلم يبق منها إلا الخبر.  
وأوتو من ذرابة اللسان ما لم يؤتَ إنسانٌ، ومن فصلِ الخطاب، ما يقيّد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقةً، وفيهم غريزةٌ وقوّةٌ، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلُّون به إلى كل سبب، فيخطبون بديهاً في المقامات وشديدَ الخَطبِ ويرتجزون به بين الطعن والضَّرب، ويمدحون، ويقدحون، ويتوسلون، ويتوصّلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال، ويطوّقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال، فيخدعون الألباب، ويذلِّلون الصِّعاب، ويذهبون الإحن، ويهيجون الدّمن ويجرّئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيّرون الناقص كاملا، ويتركون النبيهَ خاملاً، منهم البدويّ: ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ، والمنزع القويّ، ومنهم الحضريّ: ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرّف في القول القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوّة الدامغة، والقدح الفالج، والمهبع الناهج، لا يشكُّون أنّ الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قدحوا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كلّ باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفنّنوا في الغثّ والسمين، وتقاولوا في القلّ والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنّهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء، ولم ينبض منهم عرق العصبيّة مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة، وإلقائه الشراشر على المعازّة والمعارّة، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط: إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرّد لهم الحجّة أولا، والسيف آخرا، فلم يعارضوا إلا السيف وحده، فما أعرضوا عن معارضة الحجّة إلا لعلمهم أنّ البحر قد زخر فطمّ على الكواكب، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب، وبذلك يظهر أنّ في قوله تعالى: '''«وَلَنْ تَفْعَلُوا»''' معجزة أخرى، فإنَّهم ما فعلوا، وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، قال الحافظ ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: '''«وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»؛''' ففكَّر ساعةً ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها، قال: وما هو؟ فقال: '''«يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر»؛''' ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب!<sup><sup>[5]</sup></sup> وحيث عجز عرب ذلك العصر، فما سواهم أعجز في هذا الأمر! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم، أو ذو إستسلام، فدلّ على أنّه ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقا لرسوله، وتحقيقا لمقوله وهذا الوجه ـ أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حدّ خرج عن طوق البشر ـ كاف وحده في الإعجاز، وقد انضمّ إليه أوجه: منها إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر، ومنها: كونه لا يملّه السمع مهما تكرر، ومنها: جمعه لعلوم لم تكن معهودة، عند العرب والعجم، ومنها: إنباؤه عن الوقائع الخالية، وأحوال الأمم، والحال أنّ من أنزل عليه، (صلى الله عليه وآله) كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، لاستغنائه بالوحي، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى، وبذلك يعلم أنّ القرآن أعظم المعجزات، فإنّه آية باقية مدى الدهر، يشاهدها كلّ حين بعين الفكر كلّ ذي حجر، وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها، فلم يبق منها إلا الخبر.