الفرق بين المراجعتين لصفحة: «السيد محمد باقر الصدر»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٣٥: سطر ٣٥:
=ولادته ونشأته=
=ولادته ونشأته=


ولد السيد محمد باقر الصدر، في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ(1932) وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة، وقد حمل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول، وكان عابداً زاهداً عالماً عاملا، ومن علماء الإسلام البارزين.
ولد السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ(1932)، وتوفّي والده وله من العمر أربع سنوات، فتولّت والدته الفاضلة تربيته، وتعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.
 
وكان جده لأبيه وهو السيد إسماعيل الصدر، زعيماً للطائفة، ومربياً للفقهاء، وفخراً للشيعة، زاهداً ورعاً ظالعاً بالفقه والأصول، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق.


=دراسته=
=دراسته=


تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.
عندما أتمّ دراسته التمهيدية هاجر إلى‏ النجف الأشرف عام 1365 ه لمواصلة دراساته العليا، فدرس على يد كبار العلماء، والذين من جملتهم: الشيخ محمّد رضا آل ياسين (خال المترجموالشيخ عبّاس الرميثي، والسيّد أبو القاسم الخوئي، وحصل على إجازة الاجتهاد وهو في سنّ مبكّرة، وقام بتدريس أُصول الفقه سنة 1378 ه وهو ابن ستّ وعشرين سنة، وبدأ بتدريس الفقه سنة 1381 ه، وأصبح علماً بارزاً في النبوغ والتحقيق والتدقيق، وواحداً من مراجع الدين المرموقين.
 
- في سنة 1365 (1944) ترك الكاظمية المقدسة واستقر النجف الأشرف: لإكمال دراسته، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من هما: آية الله الشيخ [[محمد رضا آل ياسين]] ( قدس سره وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ( رضوان الله تعالى عليه).
 
-أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ (1958) والأصولية ـ عند آية الله السيد الخوئي ( رحمه الله).


=تدريسه=
=تدريسه=

مراجعة ٠٩:٤١، ١ مارس ٢٠٢١

محمّد باقر بن حيدر بن إسماعيل بن محمّد (صدر الدين) بن صالح الموسوي الكاظمي النجفي الصدر المعروف بالشهيد الصدر أو الشهيد الرابع: من أبرز علماء الإسلام في العصر الحديث . كانت له قدرة فائقة في طرح الأفكار والنظريات في المجالات العلمية والفكرية التي تناولها، كالفقه وأُصوله والتفسير والفلسفة والاقتصاد والمنطق وغيرها، فأوجد مدرسة إسلامية تتمتّع بمواصفات الشمولية والأصالة والعمق والحركة والحيوية والإبداع والأُسلوب المشرق وتلبية حاجات الأُمّة ومتطلّبات عصرها الحاضر، الأمر الذي جعلها موضع إعجاب وتقدير العلماء والمفكّرين وحملة الأقلام في العالم العربي والإسلامي .

السيّد محمّد باقر الصدر


الاسم محمّد باقر الصدر
الاسم الکامل محمّد باقر حيدر إسماعيل الصدر
تاريخ الولادة 1933م/1351ق
محلّ الولادة الکاظمیة (العراق)
تاريخ الوفاة 1980م/1400ق
المهنة فقیه و أصولي، مرجع تقلید
الأساتذة الشیخ محمّد رضا آل یاسین،‌السیّد أبوالقاسم الخوئي
الآثار فدك في التاريخ، غاية الفكر في علم الأُصول، فلسفتنا، اقتصادنا، الأُسس المنطقية للاستقراء، البنك اللاربوي في الإسلام، بحوث في شرح العروة الوثقى، الفتاوى الواضحة، دروس في علم الأُصول
المذهب شیعي

ولادته ونشأته

ولد السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ(1932)، وتوفّي والده وله من العمر أربع سنوات، فتولّت والدته الفاضلة تربيته، وتعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.

دراسته

عندما أتمّ دراسته التمهيدية هاجر إلى‏ النجف الأشرف عام 1365 ه لمواصلة دراساته العليا، فدرس على يد كبار العلماء، والذين من جملتهم: الشيخ محمّد رضا آل ياسين (خال المترجم)، والشيخ عبّاس الرميثي، والسيّد أبو القاسم الخوئي، وحصل على إجازة الاجتهاد وهو في سنّ مبكّرة، وقام بتدريس أُصول الفقه سنة 1378 ه وهو ابن ستّ وعشرين سنة، وبدأ بتدريس الفقه سنة 1381 ه، وأصبح علماً بارزاً في النبوغ والتحقيق والتدقيق، وواحداً من مراجع الدين المرموقين.

تدريسه

بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمسًا وعشرين عاماً، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول بتاريخ في نهاية 1378(1957) وأنهاها في 1391.

طلابه

من أبرز طلابه : السيد كاظم الحائري، والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي، والسيد محمد باقر الحكيم.

دوره في تأسيس حزب الدعوة

في 12 ديسمبر عام 1957 عقد أول اجتماع في كربلاء في بيت آية الله السيد محسن الحكيم لمناقشة مسألة تأسيس حزب إسلامي، حضر هذا الاجتماع: السيد محمد باقر الصدر والسيد مرتضى العسكري والسيد مهدي الحكيم، وتمخض عنه وضع اللبنات الأساسية لحزب الدعوة الإسلامية وكان السيد الصدر يدير الاجتماعات التحضيرية والتأسيسية لهذا الحزب ويرسي قواعده وأسسه التنظيمية وفي 14 تموز 1958 أخذ الحزب شكله التنظيمي النهائي.

وقد ظهرت حزب الدعوة الإسلامية بقوة في الساحة العراقية بعد أن أفل نجم جماعة العلماء وأصبحت الدعوة بديلا عن تلك الحركة التي كانت تحظى بدعم مراجع وعلماء النجف كآية الله محسن الحكيم وآية الله الخوئي وغيرهما.

وكان السيد الصدر يعتقد بأهمية وضرورة إقامة حكومة إسلامية رشيدة، تحكم بما أنزل الله عز وجل، تعكس كل جوانب الإسلام المشرقة، وتبرهن على قدرته في بناء الحياة الإنسانية النموذجية، بل وتثبت أن الإسلام هو النظام الوحيد القادر على ذلك، وقد أثبت كتبه ( اقتصادنا، وفلسفتنا، البنك اللاربوي في الإسلام، وغيرها) ذلك على الصعيد النظري.

وكان يعتقد أن قيادة العمل الإسلامي يجب أن تكون للمرجعية الواعية العارفة بالظروف والأوضاع المتحسسة لهموم الأمة وآمالها وطموحاتها، والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من مفاهيم، وهذا ما سماه السيد الشهيد بمشروع « المرجعية الصالحة ".

ومن الأمور التي كانت موضع اهتمام السيد الشهيد ( رضوان الله عليه ) وضع الحوزة العلمية، الذي لم يكن يتناسب مع تطور الأوضاع في العراق ـ على الأقل ـ لا كماً ولا كيفاً، وكانت أهم عمل في تلك الفترة هو جذب الطاقات الشابة المثقفة الواعية، وتطعيم الحوزة بها.

مسألة خروج الصدر من حزب الدعوة من الأمور التي أثارت التساؤلات فهناك من يرى أن المرجع السيد محسن الحكيم دعا السيد الصدر والسيد مهدي الحكيم إلى عدم الانتماء إلى الأحزاب السياسية، فكان خروج الصدر من هذا المنطلق. وقد جاء ذلك لأمرين إما أنه شعر بخطر على السيد الصدر وحزب الدعوة الإسلامية من قبل حزب البعث ،فأراد أن يكون الصدر أبا راعيا للحركة من خارجها وإما أنه لم يدع أولاده وأطرافه أن تنتمي إلى حزب سياسي حفاظا على الصفة العمومية للمرجعية.

الصراع مع النظام البعثي

للسيد محمد باقر الصدر مواقف سياسية كبيرة ضد النظام العراقي، في عام ـ 1969م بدا ينسق مع المرجع السيد محسن الحكيم لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، عقب توجيه التجسس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم، منقبل نظام حزب البعث، وليؤكد علي مستوى تغلغل المرجعية الدينية وامتدادها في أوساط الأمة، وقوتها وقدرتها الشعبية وحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )، وكان حاشداً ومهيباً ضمّ كل طبقات المجتع العراقي وأصنافه.

بعد حادثة اغتيال مرتضى المطهري في إيران، قرر السيد الصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة وذلك لأنه كان من رجال الثورة ومنظريها وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة.

ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيام انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 م ـ إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من إيران، ومنها برقية الإمام الخميني، علماً أن جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد، لأن النظام العراقي كان قد احتجزها، لكن السيد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة إيران / القسم العربي .

وأصدر الصدر فتوي بحرمة الانتماء لحزب البعث، وأعلن ذلك على رءوس الأشهاد، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك، وحزب البعث في أوج قوته وكان ذلك جزءاً من العلة وأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده.

اعتقاله

الاعتقال الأول: بعد نجاح الثورة الإيرانية في يناير 1979م، تم اعتقال السيد محمد باقر الصدر بتاريخ 17 رجب 1399هـ الموافق 13-يونيو-1979م، وبعد التحقيق معه تم الإفراج عنه وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية.

الاعتقال الثاني: في 25-مارس-1980م على خلفية أحداث النجف تم اعتقال السيد محمد باقر الصدر وتم إرساله إلى بغداد وقامت شقيقته السيدة "بنت الهدى" بتهديد الحزب والأمن بأن المظاهرات ستبدأ في الكاظمية والنجف وكربلاء غداً إذا لم يتم إطلاق سراحه وفعلاً في اليوم الثاني بدأت حشود من المتظاهرين في التجمع ولكن كانت أجهزة الأمن والحزب لهم بالمرصاد فتم اعتقال أكثر من ألفي متظاهر .

وبدأت المحافظات الشيعية تغلي وتفور لإطلاق سراحه وبتحريض قوي ومنظم من شقيقته وبناءً على هذا وخوفاً من المشاكل أمر فاضل البراك مدير الأمن العام بإطلاق سراحه وإعادته إلى النجف .

وقد تم وضعه تحت الاقامة الجبرية من قبل الحكومة العراقية في يونيو 1979، وبعد عشرة أشهر في الإقامة الجبرية، تم اعتقاله في 19 5 أبريل 1980 م، ثم صدر أمر قضائي بتقديمه للمحاكمة بتهمه العمالة والتخابر مع دولة أجنبية، وحُكم عليه بالإعدام من قبل القاضي "علي السيد هادي السيد وتوت" حسب قانون العقوبات ذي رقم 111 لسنة 1961م.

وعقب الحكم عليه تم اعدامه مساء يوم 9 أبريل 1980 مع أخته بنت الهدى رميا بالرصاص بأمر من الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

مؤلّفاته

ألّف آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) العديد من الكتب القيمة في مختلف حقول المعرفة، وكان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية وهذه الكتب هي: فدك في التاريخ: وهو دراسة لمشكلة (فدك) والخصومة التي قامت حولها في عهد الخليفة الأول، ودروس في علم الأصول" ثلاث اجزاء" الجزء الاول. وبحث حول المهدي: وهو عبارة عن مجموعة تساؤلات مهمة حول الإمام المهدي. ونشأة التشيع والشيعة.. نظرة عامة في العبادات.

وكتاب فلسفتنا: وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية.

وكتاب اقتصادنا: وهو دراسة موضوعية مقارنة، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام، في أسسها الفكرية وتفاصيلها.

وكتاب الاسس المنطقية للاستقراء: وهي دراسة جديدة للاستقراء، تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله تبارك وتعالي.

ورسالة في علم المنطق: اعترض فيها على بعض الكتب المنطقية، ألفها في الحادية عشرة من عمره الشريف.

وكتاب البنك اللاربوي في الإسلام: وهذا الكتاب أطروحة للتعويض عن الربا، ودراسة لنشاطات البنوك على ضوء الفقه الإسلامي، وغيرها من المؤلفات في المجالات المختلفة.

السيّد الصدر والوجد الإسلامية

قد كان له إيمان بضرورة تدعيم الوحدة الإسلامية، وركّز على وحدة الشعور التي ينبغي أن تقود إلى‏ وحدة الموقف عند الأُمّة إزاء قضاياها المصيرية، ورأى ضرورة الاستعلاء على حالة التمحور حول الذات (شخصية كانت أم مذهبية أم إقليمية) والارتقاء إلى‏ مستوى الاهتمام بالكيان الكلّي للأُمّة، ودعا إلى‏ زجّ الأُمّة الإسلامية في حركة جهادية واحدة تقف وجهاً لوجه أمام قوى الكفر العالمي ومخطّطاته الرامية إلى‏ تجزئة الأُمّة، حيث يقول في نداء له وجّهه إلى‏ الشعب العراقي: «إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى‏ أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك».
والمتأمّل في البحوث التي أنجزها الشهيد الصدر يجد مصداقية التقريب والوحدة، فقد انطلق في دراساته وبحوثه لأكثر القضايا خطورة وحسّاسية من أُفق الإسلام، وما تمليه مقتضياته وروحه ومنطقه العامّ، وقام بالتعرّض لدراسات في حقول المعرفة الإسلامية، تهدف إلى‏ تأسيس قناعات مشتركة بين أبناء الإسلام، أو تثبت أُسس ومقرّرات شرعية مقبولة تصحّ منطلقاً لقيام دراسات ذات سعة تقريبية، وتهيئ لتحقيق أرضية وقناعات مشتركة يتحرّك عليها المسلمون الواعون وينطلقون منها جميعاً في عملية المواجهة وفي بلورة المواقف الموحّدة أو الحلول العملية لإشكاليات الحياة المعاصرة.
وقد كان له رحمه الله منهج خاصّ جرى عليه في تأصيل النظريات وتقرير الأحكام، وهو منهج يقوم على مبدأ «البدائل الاجتهادية»، والإفادة من آراء فقهاء الأُمّة وعلمائها، والانفتاح على الآراء الناضجة، وقد قدم الشهيد كتاب «اقتصادنا» كنموذج على ذلك. وقد استفاد فيه من عدّة مصادر سنّية: «الأحكام السلطانية» للماوردي، و «المغني» لابن قدامة المقدسي، و «الأُمّ» للشافعي، و «المحلّى» لابن حزم، و «المدوّنة الكبرى‏» لمالك، و «نهاية المحتاج» للرملي، و «مواهب الجليل» للحطّاب، وغيرها.
والذي يقرأ خطابات الشهيد الموجّهة لأطياف الشعب العراقي يجد بوضوح ما كان يدور في خلد هذا الرجل العظيم من أفكار ورؤى وحدوية وتقريبية.
وكان يقول: «أيّها الشعب العظيم، إنّي أُخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية، بكلّ فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنّتك وشيعتك؛ لأنّ المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر... وإنّي منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأُمّة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسنّي على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حين دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعاً، وعن العقيدة التي تضمّهم جميعاً...». وفي مقطع آخر يقول: «فأنا معك يا أخي وولدي السنّي بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي.... إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك. وأُريد أن أقولها لكم- يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر-: إنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السنّي، إنّ الحكم السنّي الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأوّل أبي بكر، وكلّنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي. إنّ الحكم السنّي الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السنّي الذي كان يقوم على أساس الإسلام....».
وممّا لا ريب فيه أنّ هذه الوثيقة تعتبر من أهمّ الوثائق التي يمكن أن تساهم في معالجة الحواجز النفسية بين أبناء الأُمّة الإسلامية، وذلك لأنّ السيّد الصدر حينما أصدر هذا البيان كان قد صمّم على الاستشهاد في سبيل اللَّه؛ لإيمانه بأنّ المرحلة الجهادية والسياسية تتطلّب ذلك، بل كان يهدف حقّاً إلى معالجة مشكلة الفرقة والتشتت من جانب، وتوحيد الأُمّة في إطار الإسلام من جانب آخر.
وممّا لا شكّ فيه أنّ لهذا التخاطب الأبوي والأخوي أثراً إيجابياً فعّالًا في تمزيق الحاجز النفس وتبديد قوّته، فما أجمل أن تجد الأُمّة بمختلف مذاهبها قائداً شيعياً بل علماً
من أعلامها يخاطب الجميع بروح الأُبوّة والأُخوّة، فيقول: «أنا لكم جميعاً».
وذكر السيّد أنّ الخلاف العقائدي والسياسي في إطار الدين لايجوز أن يحول دون التعاون والتكاتف في سبيل خدمة الإسلام والدفاع عنه. واستشهد لذلك بمثالين: أوّلهما:
ما كان في صدر الإسلام، حيث قال: «حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأوّل أبي بكر...»، وثانيهما: حينما تعرّض الحكم العثماني لضربات الإنجليز، فوقف علماء الشيعة إلى جانب الحكم العثماني، وأفتوا بوجوب الدفاع عنه؛ لأنّه رافع لراية الإسلام، فقال: «إنّ الحكم السنّي الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام...»، لماذا؟ لأنّ الهدف «أن نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي».
والموضوعية تقتضي الاعتراف بأنّ هذا الخطاب المفتوح والصريح لا يحلّ مشكلة الخلافات المذهبية بين المسلمين، ولكنّه يشكّل البوّابة الكبيرة التي يمكن الدخول من خلالها والقضاء على المشكلة النفسية وفتح آفاق الحوار الموضوعي للاتّفاق ولو على الحدّ الأدنى من الوفاق والائتلاف.
ثمّ بيّن (رضوان اللَّه عليه) أنّ من أهمّ أسباب تعميق الخلافات وتهويلها هو الاتّجاهات السياسية والقادة الذين تحكمهم مصالحهم الخاصّة، فقال: «إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك، وأُريد أن أقولها لكم- يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السنّي...».
ومن المؤكّد أنّ الإمام الشهيد الصدر قد لا يؤمن بالكثير من اجتهادات الصحابة أو مواقفهم من مختلف القضايا ويعتبرها اجتهاداً في مقابل النصّ، والتي منها: الموقف من قضية النصّ على إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله، فهو يعتقد أنّه الوريث الحقيقي للنبي والحارس الأمين لمسيرة الإسلام من بعده، إلّاأنّ هذا الاعتقاد لم يجعله في‏
موقف الرافض للكيان الآخر، ولم ير في ذلك مبرّراً لعدم توحّد الأُمّة تحت راية «لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه» العقيدة التي أجمعت الأُمّة على الإيمان بها.
هذا، وقد كتب السيّد الشهيد الصدر رضى الله عنه في أوائل شبابه بحثاً عن فدك أسماه «فدك في التاريخ» عالج فيه قضية فدك علاجاً موضوعياً فريداً، ولعلّ أهمّ ما ميّز البحث في إطار ما نحن فيه من معالجة الحواجز النفسية أنّه لم يستعمل عبارات من شأنها جرح عواطف ومشاعر السنّة، فنراه يعبّر عن الخلفاء بعبارات مناسبة اعتادوها عند ذكرهم لهم، وهو يريد أن يعبّر عن الأُسلوب الأمثل في كيفية التخاطب بعيداً عن كلّ ما من شأنه تفريق المسلمين أو جرح مشاعرهم أو الإساءة إلى معتقداتهم.
يقول سماحة الشيخ التسخيري: «إنّي وفّقّت للاستفادة من أساتذة كبار وعلماء أفذاذ، لكنّ أُستاذين جليلين منهم تركا أكبر الأثر في حياتي العلمية والفكرية بل والروحية، وهما:
الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، والمرحوم آية اللَّه الشهيد المطهّري.
ولقد كانا شبيهين إلى حدّ بعيد في كثير من الخصائص، ومنها: تقارب الشهادتين، الجهاد حتّى آخر نفس وعن وعي، التنظير والاتنقال من المفردة إلى القانون، الموسوعية والتأليف في مختلف الجوانب، العمق والاستدلال المتين، الاهتمام الجادّ بالفلسفة الإسلامية وعرضها بشكل واضح وبنّاء، التضلّع في الفقه، التعبّد العرفاني، الولاء لأهل البيت، الاهتمام بقضايا الأُمّة الفكرية والعلمية، الصحوة الإسلامية العالمية، الإصلاح الحوزوي في النجف وقم، التخطيط المستقبلي لبناء المجتمع الإسلامي المطلوب، الخلق والتواضع الكامل وخصوصاً للعلم والعلماء، العمل في سبيل الوحدة الإسلامية، حبّ ودعم الثورة الإسلامية والإمام الخميني الراحل، الوقوف بوجه الأفكار اليسارية واليمينية والهجينة وردّ دعاياتها، إقامة الجسور مع المفكّرين والشباب والجامعات وتغذيتهم بالثقافة الإسلامية الأصيلة، التجديد في الفكر الديني.
ويمكن تلخيص هدف عملية التجديد الديني عندهما في أمرين:
1- اكتشاف النظرة الأصيلة للدين في مجمل قضايا الحياة.
2- استبعاد الرواسب الدخيلة نتيجة العادات والتقاليد، والبعد الزمني عن عصر النصّ، والفهم الخاطئ، وغير ذلك. وكان الشهيد المطهّري يطرح جملة الإمام أميرالمؤمنين:
«ولبس الإسلام لُبس الفرو مقلوباً» (نهج البلاغة، الخطبة: 7).
وقد رسما لتحقيق ذلك خطوطاً كثيرة، منها:
1- التأكيد على قدسية الوحي والنصّ الديني، وفتح المجال أمام نقد الفكر المبتني عليه.
2- التركيز على العقل والبرهنة الصدرائية والتجديد في علم الكلام والربط بين العقل والعلم والدين مع تحديد مجال كلّ منها.
3- التأكيد على فلسفة العلوم والأخلاق والتاريخ والعلاقات الاجتماعية، بل وفلسفة أصل الاتّجاه الديني.
4- التأكيد على العودة للمصادر الأصيلة.
5- تفعيل عملية الاجتهاد في كلّ النواحي، وتخليصه من ضيق الأُفق، وإعطاؤه المرونة اللازمة.
6- التأكيد على الهدف الإنساني للشريعة والحكمة العملية والعدالة الاجتماعية والحرّية الإنسانية والاجتماعية والمعنوية وحقوق الإنسان والفطرة وغير ذلك.
7- التأكيد على التمييز بين المتغيّر والثابت، وبين رؤية الإسلام وسلوك المسلمين.
8- التأكيد على إصلاح التعليم الديني والارتقاء بالحوزات العلمية.
9- التأكيد على شمولية الإحياء لمختلف العلوم الإسلامية.
10- التأكيد على تحسيس المجتمع بالسلوكيات الضارّة، والأفكار الدخيلة، والشعارات الباطلة، والتفاسير القشرية للإسلام أو التسطيحية للفكر الإسلامي.
11- مناقشة الأفكار والاتّجاهات اللاإسلامية، من قبيل: القومية الضيّقة، الاتّجاهات اليسارية، الاتّجاهات الالتقاطية التركيبية الغريبة، المناهج المتأثّرة بالفلسفات الغربية، والحداثة، وأمثالها.
12- التخطيط لإقامة الجسور بين الدراسات الدينية التقليدية والدراسات الجامعية، ونقل إيجابيات كلّ منهما للآخر.
13- الانفتاح على الأفكار المطروحة، وبناء عملية حوارية منطقية معها لاكتشاف المشتركات والإفادة من التجارب الفكرية.
14- تعميق قضية الوحدة الإسلامية والاهتمام بقضايا الأُمّة المصيرية كقضية فلسطين، ودفع العلماء للقيام بدورهم كورثة للأنبياء.
والمقصود بعملية التجديد في فكر الشهيدين احتواؤها على المعاني الإيجابية التالية:
1- تغيّر الأحكام بتغيّر الموضوعات.
2- استنباط رأي الإسلام في الموضوعات المستحدثة أو الأفكار الحديثة كالتعدّدية والديمقراطية أو حتّى بعض النظريات العلمية.
3- المرونة في تطبيق الإسلام.
4- التصرّف الأفضل للحاكم الشرعي في منطقة المباحات أو حتّى التكليفيات وفقاً للمصلحة.
5- مراعاة مقاصد الشريعة الكبرى‏ والعدالة والحقّ والاتّجاه الإنساني في الشريعة.
6- مناقشة بعض المسلّمات، كالإجماعات المعلّلة، وتوجيه النقد للفكر الديني الإسلامي.
7- التفريق بين ما صدر عن المعصوم كإمام وما صدر عنه كحكم شرعي عامّ.
8- ملاحظة الترابط بين الأحكام، وعدم التركيز على البعض دون ملاحظة الآخر، والنظر للإسلام كأُطروحة.
9- التأكّد من عدم تدخّل الشروط النفسية والزمكانية عند النقل بالمعنى، والتأكّد من عدم وجود قرائن صارفة، وملاحظة دور الزمان والمكان في الأحكام.
10- إعمال الذوق الشرعي المسلّم به، والمعتمد على الأدلّة الأُخرى في ترجيح النصوص.
11- تأويل النصّ إذا خالف عقلًا أو إجماعاً أو سيرة قطعية معتبرة.
12- ملاحظة أقسام الأحكام الأوّلية والثانوية والسلطانية، وتقديم ما حقّه التقديم».



ولد في الكاظمية سنة 1933 م، وتوفّي والده وله من العمر أربع سنوات، فتولّت والدته الفاضلة تربيته، وتلقّى في ريعان صباه العلوم الإسلامية على يد أخيه السيّد إسماعيل الصدر، وعندما أتمّ دراسته التمهيدية هاجر إلى‏ النجف الأشرف عام 1365 ه لمواصلة دراساته العليا، فدرس على يد كبار العلماء، والذين من جملتهم: الشيخ محمّد رضا آل ياسين (خال المترجم)، والشيخ عبّاس الرميثي، والسيّد أبو القاسم الخوئي، وحصل على إجازة الاجتهاد وهو في سنّ مبكّرة، وقام بتدريس أُصول الفقه سنة 1378 ه وهو ابن ستّ وعشرين سنة، وبدأ بتدريس الفقه سنة 1381 ه، وأصبح علماً بارزاً في النبوغ والتحقيق والتدقيق، وواحداً من مراجع الدين المرموقين.
كان حريصاً على المصالح العامّة، راسخ الإيمان، شديد الثقة باللَّه، مائلًا إلى التقشّف والبساطة في العيش، ذا عاطفة جيّاشة صادقة وعزيمة ملتهبة وشجاعة نادرة.
وقد كانت له قدرة فائقة في طرح الأفكار والنظريات في المجالات العلمية والفكرية التي تناولها، كالفقه وأُصوله والتفسير والفلسفة والاقتصاد والمنطق وغيرها، فأوجد مدرسة إسلامية تتمتّع بمواصفات الشمولية والأصالة والعمق والحركة والحيوية والإبداع والأُسلوب المشرق وتلبية حاجات الأُمّة ومتطلّبات عصرها الحاضر، الأمر الذي جعلها موضع إعجاب وتقدير العلماء والمفكّرين وحملة الأقلام في العالم العربي والإسلامي.
ويعدّ السيّد الفاتح لميدان الدراسات الاستقرائية في دائرة الفكر الإسلامي، والمجدّد في مجال علم الأُصول، والمطوّر لأساليب دراسته ودراسة علم الفقه، والمكتشف للأُسس العامّة للمذهب الاقتصادي في الإسلام. فذاع صيته وأصبح مناراً فكرياً شامخاً في شتّى‏ ميادين المعرفة.
وكان له نشاط سياسي بارز، حيث أبدى شجاعة فائقة في مواجهة الحكومة، قدّم على أثرها نفسه الزكية في سبيل ذلك، حيث أقدم النظام على إعدامه وأُخته بنت الهدى سنة 1980 م، ففقد العالم الإسلامي أحد أبرز رجال الفكر والعلم والإصلاح.
من مؤلّفاته: فدك في التاريخ، غاية الفكر في علم الأُصول، فلسفتنا، اقتصادنا، الأُسس المنطقية للاستقراء، البنك اللاربوي في الإسلام، بحوث في شرح العروة الوثقى، الفتاوى الواضحة، دروس في علم الأُصول، المدرسة الإسلامية، الإسلام يقود الحياة، التفسير الموضوعي للقرآن، بحث حول المهدي، بحث حول الولاية، تعليقة على منهاج الصالحين، موجز أحكام الحجّ، منابع القدرة في الدولة الإسلامية، المعالم الجديدة في الأُصول.

السيّد الصدر والوجد الإسلامية

قد كان له إيمان بضرورة تدعيم الوحدة الإسلامية، وركّز على وحدة الشعور التي ينبغي أن تقود إلى‏ وحدة الموقف عند الأُمّة إزاء قضاياها المصيرية، ورأى ضرورة الاستعلاء على حالة التمحور حول الذات (شخصية كانت أم مذهبية أم إقليمية) والارتقاء إلى‏ مستوى الاهتمام بالكيان الكلّي للأُمّة، ودعا إلى‏ زجّ الأُمّة الإسلامية في حركة جهادية واحدة تقف وجهاً لوجه أمام قوى الكفر العالمي ومخطّطاته الرامية إلى‏ تجزئة الأُمّة، حيث يقول في نداء له وجّهه إلى‏ الشعب العراقي: «إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى‏ أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك».
والمتأمّل في البحوث التي أنجزها الشهيد الصدر يجد مصداقية التقريب والوحدة، فقد انطلق في دراساته وبحوثه لأكثر القضايا خطورة وحسّاسية من أُفق الإسلام، وما تمليه مقتضياته وروحه ومنطقه العامّ، وقام بالتعرّض لدراسات في حقول المعرفة الإسلامية، تهدف إلى‏ تأسيس قناعات مشتركة بين أبناء الإسلام، أو تثبت أُسس ومقرّرات شرعية مقبولة تصحّ منطلقاً لقيام دراسات ذات سعة تقريبية، وتهيئ لتحقيق أرضية وقناعات مشتركة يتحرّك عليها المسلمون الواعون وينطلقون منها جميعاً في عملية المواجهة وفي بلورة المواقف الموحّدة أو الحلول العملية لإشكاليات الحياة المعاصرة.
وقد كان له رحمه الله منهج خاصّ جرى عليه في تأصيل النظريات وتقرير الأحكام، وهو منهج يقوم على مبدأ «البدائل الاجتهادية»، والإفادة من آراء فقهاء الأُمّة وعلمائها، والانفتاح على الآراء الناضجة، وقد قدم الشهيد كتاب «اقتصادنا» كنموذج على ذلك. وقد استفاد فيه من عدّة مصادر سنّية: «الأحكام السلطانية» للماوردي، و «المغني» لابن قدامة المقدسي، و «الأُمّ» للشافعي، و «المحلّى» لابن حزم، و «المدوّنة الكبرى‏» لمالك، و «نهاية المحتاج» للرملي، و «مواهب الجليل» للحطّاب، وغيرها.
والذي يقرأ خطابات الشهيد الموجّهة لأطياف الشعب العراقي يجد بوضوح ما كان يدور في خلد هذا الرجل العظيم من أفكار ورؤى وحدوية وتقريبية.
وكان يقول: «أيّها الشعب العظيم، إنّي أُخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهادية، بكلّ فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنّتك وشيعتك؛ لأنّ المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر... وإنّي منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأُمّة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسنّي على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حين دافعت عن الرسالة التي توحّدهم جميعاً، وعن العقيدة التي تضمّهم جميعاً...». وفي مقطع آخر يقول: «فأنا معك يا أخي وولدي السنّي بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي.... إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك. وأُريد أن أقولها لكم- يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر-: إنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السنّي، إنّ الحكم السنّي الذي مثّله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأوّل أبي بكر، وكلّنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي. إنّ الحكم السنّي الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السنّي الذي كان يقوم على أساس الإسلام....».
وممّا لا ريب فيه أنّ هذه الوثيقة تعتبر من أهمّ الوثائق التي يمكن أن تساهم في معالجة الحواجز النفسية بين أبناء الأُمّة الإسلامية، وذلك لأنّ السيّد الصدر حينما أصدر هذا البيان كان قد صمّم على الاستشهاد في سبيل اللَّه؛ لإيمانه بأنّ المرحلة الجهادية والسياسية تتطلّب ذلك، بل كان يهدف حقّاً إلى معالجة مشكلة الفرقة والتشتت من جانب، وتوحيد الأُمّة في إطار الإسلام من جانب آخر.
وممّا لا شكّ فيه أنّ لهذا التخاطب الأبوي والأخوي أثراً إيجابياً فعّالًا في تمزيق الحاجز النفس وتبديد قوّته، فما أجمل أن تجد الأُمّة بمختلف مذاهبها قائداً شيعياً بل علماً
من أعلامها يخاطب الجميع بروح الأُبوّة والأُخوّة، فيقول: «أنا لكم جميعاً».
وذكر السيّد أنّ الخلاف العقائدي والسياسي في إطار الدين لايجوز أن يحول دون التعاون والتكاتف في سبيل خدمة الإسلام والدفاع عنه. واستشهد لذلك بمثالين: أوّلهما:
ما كان في صدر الإسلام، حيث قال: «حمل علي السيف للدفاع عنه، إذ حارب جندياً في حروب الردّة تحت لواء الخليفة الأوّل أبي بكر...»، وثانيهما: حينما تعرّض الحكم العثماني لضربات الإنجليز، فوقف علماء الشيعة إلى جانب الحكم العثماني، وأفتوا بوجوب الدفاع عنه؛ لأنّه رافع لراية الإسلام، فقال: «إنّ الحكم السنّي الذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصاً من أجل الحفاظ على راية الإسلام...»، لماذا؟ لأنّ الهدف «أن نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي».
والموضوعية تقتضي الاعتراف بأنّ هذا الخطاب المفتوح والصريح لا يحلّ مشكلة الخلافات المذهبية بين المسلمين، ولكنّه يشكّل البوّابة الكبيرة التي يمكن الدخول من خلالها والقضاء على المشكلة النفسية وفتح آفاق الحوار الموضوعي للاتّفاق ولو على الحدّ الأدنى من الوفاق والائتلاف.
ثمّ بيّن (رضوان اللَّه عليه) أنّ من أهمّ أسباب تعميق الخلافات وتهويلها هو الاتّجاهات السياسية والقادة الذين تحكمهم مصالحهم الخاصّة، فقال: «إنّ الطاغوت وأولياءه يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السنّة أنّ المسألة مسألة شيعة وسنّة؛ ليفصلوا السنّة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك، وأُريد أن أقولها لكم- يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر: إنّ المعركة ليست بين الشيعة والحكم السنّي...».
ومن المؤكّد أنّ الإمام الشهيد الصدر قد لا يؤمن بالكثير من اجتهادات الصحابة أو مواقفهم من مختلف القضايا ويعتبرها اجتهاداً في مقابل النصّ، والتي منها: الموقف من قضية النصّ على إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه و آله، فهو يعتقد أنّه الوريث الحقيقي للنبي والحارس الأمين لمسيرة الإسلام من بعده، إلّاأنّ هذا الاعتقاد لم يجعله في‏
موقف الرافض للكيان الآخر، ولم ير في ذلك مبرّراً لعدم توحّد الأُمّة تحت راية «لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه» العقيدة التي أجمعت الأُمّة على الإيمان بها.
هذا، وقد كتب السيّد الشهيد الصدر رضى الله عنه في أوائل شبابه بحثاً عن فدك أسماه «فدك في التاريخ» عالج فيه قضية فدك علاجاً موضوعياً فريداً، ولعلّ أهمّ ما ميّز البحث في إطار ما نحن فيه من معالجة الحواجز النفسية أنّه لم يستعمل عبارات من شأنها جرح عواطف ومشاعر السنّة، فنراه يعبّر عن الخلفاء بعبارات مناسبة اعتادوها عند ذكرهم لهم، وهو يريد أن يعبّر عن الأُسلوب الأمثل في كيفية التخاطب بعيداً عن كلّ ما من شأنه تفريق المسلمين أو جرح مشاعرهم أو الإساءة إلى معتقداتهم.
يقول سماحة الشيخ التسخيري: «إنّي وفّقّت للاستفادة من أساتذة كبار وعلماء أفذاذ، لكنّ أُستاذين جليلين منهم تركا أكبر الأثر في حياتي العلمية والفكرية بل والروحية، وهما:
الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، والمرحوم آية اللَّه الشهيد المطهّري.
ولقد كانا شبيهين إلى حدّ بعيد في كثير من الخصائص، ومنها: تقارب الشهادتين، الجهاد حتّى آخر نفس وعن وعي، التنظير والاتنقال من المفردة إلى القانون، الموسوعية والتأليف في مختلف الجوانب، العمق والاستدلال المتين، الاهتمام الجادّ بالفلسفة الإسلامية وعرضها بشكل واضح وبنّاء، التضلّع في الفقه، التعبّد العرفاني، الولاء لأهل البيت، الاهتمام بقضايا الأُمّة الفكرية والعلمية، الصحوة الإسلامية العالمية، الإصلاح الحوزوي في النجف وقم، التخطيط المستقبلي لبناء المجتمع الإسلامي المطلوب، الخلق والتواضع الكامل وخصوصاً للعلم والعلماء، العمل في سبيل الوحدة الإسلامية، حبّ ودعم الثورة الإسلامية والإمام الخميني الراحل، الوقوف بوجه الأفكار اليسارية واليمينية والهجينة وردّ دعاياتها، إقامة الجسور مع المفكّرين والشباب والجامعات وتغذيتهم بالثقافة الإسلامية الأصيلة، التجديد في الفكر الديني.
ويمكن تلخيص هدف عملية التجديد الديني عندهما في أمرين:
1- اكتشاف النظرة الأصيلة للدين في مجمل قضايا الحياة.
2- استبعاد الرواسب الدخيلة نتيجة العادات والتقاليد، والبعد الزمني عن عصر النصّ، والفهم الخاطئ، وغير ذلك. وكان الشهيد المطهّري يطرح جملة الإمام أميرالمؤمنين:
«ولبس الإسلام لُبس الفرو مقلوباً» (نهج البلاغة، الخطبة: 7).
وقد رسما لتحقيق ذلك خطوطاً كثيرة، منها:
1- التأكيد على قدسية الوحي والنصّ الديني، وفتح المجال أمام نقد الفكر المبتني عليه.
2- التركيز على العقل والبرهنة الصدرائية والتجديد في علم الكلام والربط بين العقل والعلم والدين مع تحديد مجال كلّ منها.
3- التأكيد على فلسفة العلوم والأخلاق والتاريخ والعلاقات الاجتماعية، بل وفلسفة أصل الاتّجاه الديني.
4- التأكيد على العودة للمصادر الأصيلة.
5- تفعيل عملية الاجتهاد في كلّ النواحي، وتخليصه من ضيق الأُفق، وإعطاؤه المرونة اللازمة.
6- التأكيد على الهدف الإنساني للشريعة والحكمة العملية والعدالة الاجتماعية والحرّية الإنسانية والاجتماعية والمعنوية وحقوق الإنسان والفطرة وغير ذلك.
7- التأكيد على التمييز بين المتغيّر والثابت، وبين رؤية الإسلام وسلوك المسلمين.
8- التأكيد على إصلاح التعليم الديني والارتقاء بالحوزات العلمية.
9- التأكيد على شمولية الإحياء لمختلف العلوم الإسلامية.
10- التأكيد على تحسيس المجتمع بالسلوكيات الضارّة، والأفكار الدخيلة، والشعارات الباطلة، والتفاسير القشرية للإسلام أو التسطيحية للفكر الإسلامي.
11- مناقشة الأفكار والاتّجاهات اللاإسلامية، من قبيل: القومية الضيّقة، الاتّجاهات اليسارية، الاتّجاهات الالتقاطية التركيبية الغريبة، المناهج المتأثّرة بالفلسفات الغربية، والحداثة، وأمثالها.
12- التخطيط لإقامة الجسور بين الدراسات الدينية التقليدية والدراسات الجامعية، ونقل إيجابيات كلّ منهما للآخر.
13- الانفتاح على الأفكار المطروحة، وبناء عملية حوارية منطقية معها لاكتشاف المشتركات والإفادة من التجارب الفكرية.
14- تعميق قضية الوحدة الإسلامية والاهتمام بقضايا الأُمّة المصيرية كقضية فلسطين، ودفع العلماء للقيام بدورهم كورثة للأنبياء.
والمقصود بعملية التجديد في فكر الشهيدين احتواؤها على المعاني الإيجابية التالية:
1- تغيّر الأحكام بتغيّر الموضوعات.
2- استنباط رأي الإسلام في الموضوعات المستحدثة أو الأفكار الحديثة كالتعدّدية والديمقراطية أو حتّى بعض النظريات العلمية.
3- المرونة في تطبيق الإسلام.
4- التصرّف الأفضل للحاكم الشرعي في منطقة المباحات أو حتّى التكليفيات وفقاً للمصلحة.
5- مراعاة مقاصد الشريعة الكبرى‏ والعدالة والحقّ والاتّجاه الإنساني في الشريعة.
6- مناقشة بعض المسلّمات، كالإجماعات المعلّلة، وتوجيه النقد للفكر الديني الإسلامي.
7- التفريق بين ما صدر عن المعصوم كإمام وما صدر عنه كحكم شرعي عامّ.
8- ملاحظة الترابط بين الأحكام، وعدم التركيز على البعض دون ملاحظة الآخر، والنظر للإسلام كأُطروحة.
9- التأكّد من عدم تدخّل الشروط النفسية والزمكانية عند النقل بالمعنى، والتأكّد من عدم وجود قرائن صارفة، وملاحظة دور الزمان والمكان في الأحكام.
10- إعمال الذوق الشرعي المسلّم به، والمعتمد على الأدلّة الأُخرى في ترجيح النصوص.
11- تأويل النصّ إذا خالف عقلًا أو إجماعاً أو سيرة قطعية معتبرة.
12- ملاحظة أقسام الأحكام الأوّلية والثانوية والسلطانية، وتقديم ما حقّه التقديم».

المصدر

(انظر ترجمته في: أعيان الشيعة 9: 184- 185، معجم رجال الفكر والأدب 2: 809- 811، ملحق موسوعة السياسة: 482، شخصيات من الخليج: 534- 541، مع علماء النجف الأشرف 2: 548- 553، موسوعة طبقات الفقهاء 14: 606- 609، تتمّة الأعلام 2: 130 و 3: 234، إتمام الأعلام: 342، كفاح علماء الإسلام: 285- 298، فقهاء ومناهج: 39- 146، رجالات التقريب: 93- 105 و 401- 409، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 2: 85- 86).