الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستنباط»

ط
استبدال النص - '====' ب'====='
لا ملخص تعديل
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
سطر ١٢٣: سطر ١٢٣:
إن من ضروريات الدين المتفق عليها بين المسلمين، والتي تعد من [[خصائص الشريعة الإسلامية]] هو ما يلي:
إن من ضروريات الدين المتفق عليها بين المسلمين، والتي تعد من [[خصائص الشريعة الإسلامية]] هو ما يلي:


====(أ) بقاء الشريعة وخلود أحكام الإسلام====
=====(أ) بقاء الشريعة وخلود أحكام الإسلام=====
الإسلام شريعة عامة لكلّ الناس، من غير اختصاص بفئة دون فئة، أو قوم دون قوم؛ قال تعالى: '''«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ»'''<ref> سبأ : 28.</ref>، وقال أيضا: '''«قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا»'''<ref> الأعراف : 158.</ref> وهو دين عام لكلّ الأزمنة، لايختص تشريعه بزمان خاص؛ فعن النبيّ(ص) أنّه قال: «أيها الناس، حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة...». <ref> وسائل الشيعة 27 : 169، كتاب القضاء أبواب صفات القاضي، باب 12 وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى ح52.</ref>. وعن أبي عبداللّه‏ الصادق  عليه‏السلام: «...لايكون غيره، ولا يجيء غيره».<ref> الكافي 1 : 58 كتاب فضل العلم ، باب البدع و الرأي والمقاييس ح 19.</ref>
الإسلام شريعة عامة لكلّ الناس، من غير اختصاص بفئة دون فئة، أو قوم دون قوم؛ قال تعالى: '''«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ»'''<ref> سبأ : 28.</ref>، وقال أيضا: '''«قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا»'''<ref> الأعراف : 158.</ref> وهو دين عام لكلّ الأزمنة، لايختص تشريعه بزمان خاص؛ فعن النبيّ(ص) أنّه قال: «أيها الناس، حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة...». <ref> وسائل الشيعة 27 : 169، كتاب القضاء أبواب صفات القاضي، باب 12 وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى ح52.</ref>. وعن أبي عبداللّه‏ الصادق  عليه‏السلام: «...لايكون غيره، ولا يجيء غيره».<ref> الكافي 1 : 58 كتاب فضل العلم ، باب البدع و الرأي والمقاييس ح 19.</ref>


====(ب) شمولية الإسلام====
=====(ب) شمولية الإسلام=====
قد استوعب الإسلام جميع قضايا الإنسان صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ولم يهمل من شؤون الإنسان شيئا أبدا. فعن أبي جعفر الباقر  عليه‏السلام: «إن اللّه‏ تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ أنزله في كتابه، وبيّنه لرسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وجعل لكل شيء حدّا وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحدّ حدّا».<ref> الكافي 1 : 59 كتاب فضل العلم ، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة  ح 2.</ref>
قد استوعب الإسلام جميع قضايا الإنسان صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ولم يهمل من شؤون الإنسان شيئا أبدا. فعن أبي جعفر الباقر  عليه‏السلام: «إن اللّه‏ تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ أنزله في كتابه، وبيّنه لرسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وجعل لكل شيء حدّا وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحدّ حدّا».<ref> الكافي 1 : 59 كتاب فضل العلم ، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة  ح 2.</ref>
<br>من هنا يتحتم البحث عن المعنى الصحيح لمدخلية الزمان والمكان في عملية الاستنباط بما ينسجم مع الحقائق المتقدمة، فإنّ تغيّر أساليب الحياة الإنسانية وتطورها من البداوة والقبلية إلى المدنية والتحضر لايتنافى مع حقيقة بقاء الشريعة واستيعابها؛ لأنّ الشريعة قد استوعبت جميع الحاجات الذاتية للإنسان، ووضعت نظاما ثابتا لايتبدل لتنظيم تلك الحاجات والغرائز التي لاتفارق الإنسان ما دام إنسانا، فمن تلك الحاجات والغرائز: غريزة حفظ النسل وتشكيل الأسرة التي نظمها الإسلام بتشريع الزواج، ومنها: العلاقات الأسرية ومسألة التوارث، فأسس نظاما خاصا بالإرث، ومنها: العلاقات الاجتماعية وتأمين العدالة الاجتماعية، وقد تكفلت تأمينها تشريعات حلّية البيع والتجارة وتحريم أنواع الربا والمعاملات المفسدة، ونظام القضاء الإسلامي والحدود والتعزيرات، وغيرها من التشريعات الأخرى المرتبطة بالنظام الاجتماعي. <ref> انظر : مقدّمة نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 78 ـ 81 .</ref>
<br>من هنا يتحتم البحث عن المعنى الصحيح لمدخلية الزمان والمكان في عملية الاستنباط بما ينسجم مع الحقائق المتقدمة، فإنّ تغيّر أساليب الحياة الإنسانية وتطورها من البداوة والقبلية إلى المدنية والتحضر لايتنافى مع حقيقة بقاء الشريعة واستيعابها؛ لأنّ الشريعة قد استوعبت جميع الحاجات الذاتية للإنسان، ووضعت نظاما ثابتا لايتبدل لتنظيم تلك الحاجات والغرائز التي لاتفارق الإنسان ما دام إنسانا، فمن تلك الحاجات والغرائز: غريزة حفظ النسل وتشكيل الأسرة التي نظمها الإسلام بتشريع الزواج، ومنها: العلاقات الأسرية ومسألة التوارث، فأسس نظاما خاصا بالإرث، ومنها: العلاقات الاجتماعية وتأمين العدالة الاجتماعية، وقد تكفلت تأمينها تشريعات حلّية البيع والتجارة وتحريم أنواع الربا والمعاملات المفسدة، ونظام القضاء الإسلامي والحدود والتعزيرات، وغيرها من التشريعات الأخرى المرتبطة بالنظام الاجتماعي. <ref> انظر : مقدّمة نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 78 ـ 81 .</ref>
سطر ١٤٠: سطر ١٤٠:
هناك روايات متعدّدة تدلّ في الجملة على تأثير الزمان والمكان في تغيّر الأحكام، ويمكن تصنيفها على طوائف:
هناك روايات متعدّدة تدلّ في الجملة على تأثير الزمان والمكان في تغيّر الأحكام، ويمكن تصنيفها على طوائف:


====الطائفة الأولى من الروايات====
=====الطائفة الأولى من الروايات=====
الروايات الدالة على تغيّر الأحكام الصادرة من النبيّ(ص) بصفته حاكما، وتمتاز هذه الروايات بذكر أحكام متعدّدة تنصب على موضوع واحد لايتغير، وإنّما المتغيّر هو الحكم تبعا للمصالح والمفاسد المتغيّرة من زمان إلى آخر، والتي يشخصها الحاكم الإسلامي في إطار سلطته التشريعية، فهي بطبيعتها أحكام مؤقتة، وليست من سنخ الأحكام التعبّدية والمقدّرات الشرعية التي نصّ عليها الوحي. <ref> انظر : كشف المراد : 485 ـ 486، الموافقات 2 : 305، الاجتهاد والتقليد شمس الدين : 161 ـ 164، 168 ـ 170، مقدمة نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 83 ـ 94، أصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 2 : 1116 ـ 1118.</ref>
الروايات الدالة على تغيّر الأحكام الصادرة من النبيّ(ص) بصفته حاكما، وتمتاز هذه الروايات بذكر أحكام متعدّدة تنصب على موضوع واحد لايتغير، وإنّما المتغيّر هو الحكم تبعا للمصالح والمفاسد المتغيّرة من زمان إلى آخر، والتي يشخصها الحاكم الإسلامي في إطار سلطته التشريعية، فهي بطبيعتها أحكام مؤقتة، وليست من سنخ الأحكام التعبّدية والمقدّرات الشرعية التي نصّ عليها الوحي. <ref> انظر : كشف المراد : 485 ـ 486، الموافقات 2 : 305، الاجتهاد والتقليد شمس الدين : 161 ـ 164، 168 ـ 170، مقدمة نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 83 ـ 94، أصول الفقه الإسلامي (الزحيلي) 2 : 1116 ـ 1118.</ref>
<br>من هذه الروايات النهي عن بيع الحمر الأهلية: فقد روي عن الإمام الصادق  عليه‏السلام قوله: «نهى رسول اللّه(ص) عن أكلها [[يوم خيبر]]، وإنّما نهى عن أكلها في ذلك الوقت؛ لأ نّها كانت حمولة الناس، وإنّما الحرام ما حرّم اللّه‏ في القرآن».<ref> وسائل الشيعة 24 : 117 ـ 120 كتاب الأطعمة والأشربة، باب 4 كراهة لحوم  الحمر الأهلية و عدم تحريمها ح 1 و مثله ح 2 و 7 و10.</ref>
<br>من هذه الروايات النهي عن بيع الحمر الأهلية: فقد روي عن الإمام الصادق  عليه‏السلام قوله: «نهى رسول اللّه(ص) عن أكلها [[يوم خيبر]]، وإنّما نهى عن أكلها في ذلك الوقت؛ لأ نّها كانت حمولة الناس، وإنّما الحرام ما حرّم اللّه‏ في القرآن».<ref> وسائل الشيعة 24 : 117 ـ 120 كتاب الأطعمة والأشربة، باب 4 كراهة لحوم  الحمر الأهلية و عدم تحريمها ح 1 و مثله ح 2 و 7 و10.</ref>
<br>ومنها: المنع من حبس الأضاحي عن أهل الحاجة أزيد من ثلاثة أيام في زمان النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وعلل الإمام الصادق ذلك: إنّ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إنّما نهى عن ذلك أولاً لأنّ الناس كانوا يومئذٍ مجهودين، فأمّا اليوم فلا بأس».<ref> وسائل الشيعة 14 : 169 ـ 171 كتاب الحج، أبواب الذبح، باب 41 جواز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها ح5 ومثله ح4 و6 و7.</ref>
<br>ومنها: المنع من حبس الأضاحي عن أهل الحاجة أزيد من ثلاثة أيام في زمان النبيّ  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وعلل الإمام الصادق ذلك: إنّ رسول اللّه‏  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إنّما نهى عن ذلك أولاً لأنّ الناس كانوا يومئذٍ مجهودين، فأمّا اليوم فلا بأس».<ref> وسائل الشيعة 14 : 169 ـ 171 كتاب الحج، أبواب الذبح، باب 41 جواز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها ح5 ومثله ح4 و6 و7.</ref>


====الطائفة الثانية من الروايات====
=====الطائفة الثانية من الروايات=====
الروايات الدالة على تبدّل الحكم نتيجة زوال الملاك السابق وظهور ملاك جديد<ref> مقدمة نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 90 ـ 91.</ref>، منها: ما روي عن أبي عبداللّه‏  عليه‏السلام إنّه قال: «لاينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال اللّه‏ عزّ وجلّ: '''«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً»'''<ref> النساء : 25.</ref> والطول المهر، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل».<ref> وسائل الشيعة 20 : 508 كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، باب 45 كراهة تزويج الحرّ الأمة دوما إلاّ مع عدم الطول وخوف العنت ح5.</ref>
الروايات الدالة على تبدّل الحكم نتيجة زوال الملاك السابق وظهور ملاك جديد<ref> مقدمة نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 90 ـ 91.</ref>، منها: ما روي عن أبي عبداللّه‏  عليه‏السلام إنّه قال: «لاينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال اللّه‏ عزّ وجلّ: '''«وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً»'''<ref> النساء : 25.</ref> والطول المهر، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل».<ref> وسائل الشيعة 20 : 508 كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، باب 45 كراهة تزويج الحرّ الأمة دوما إلاّ مع عدم الطول وخوف العنت ح5.</ref>
<br>ومنها: ما روي عن أبي عبداللّه‏  عليه‏السلام عن الوبا بناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره؟، فقال: «لابأس إنّما نهى رسول اللّه(ص) عن ذلك لمكان ربية كان بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه، فقال رسول اللّه‏(ص): الفار منه كالفار من الزحف؛ كراهية أن تخلو مراكزهم».<ref> وسائل الشيعة 2 : 429 ـ 430 كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، باب 20 جواز الفرار من مكان الوباء والطاعون إلاّ مع وجوب الإقامة فيه كالمجاهد والمرابط ح1، ومثله ح2.</ref>
<br>ومنها: ما روي عن أبي عبداللّه‏  عليه‏السلام عن الوبا بناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره؟، فقال: «لابأس إنّما نهى رسول اللّه(ص) عن ذلك لمكان ربية كان بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه، فقال رسول اللّه‏(ص): الفار منه كالفار من الزحف؛ كراهية أن تخلو مراكزهم».<ref> وسائل الشيعة 2 : 429 ـ 430 كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، باب 20 جواز الفرار من مكان الوباء والطاعون إلاّ مع وجوب الإقامة فيه كالمجاهد والمرابط ح1، ومثله ح2.</ref>


====الطائفة الثالثة من الروايات====
=====الطائفة الثالثة من الروايات=====
الروايات الدالة على تبدّل الحكم لطرو بعض العناوين المحرّمة على الموضوع. <ref> من لايحضره الفقيه 1 : 173 كتاب الصلاة، باب ما يصلّى فيه ولا ما يصلّى فيه من الثياب ذيل ح68.</ref>
الروايات الدالة على تبدّل الحكم لطرو بعض العناوين المحرّمة على الموضوع. <ref> من لايحضره الفقيه 1 : 173 كتاب الصلاة، باب ما يصلّى فيه ولا ما يصلّى فيه من الثياب ذيل ح68.</ref>