الاستقراء

مراجعة ١٨:٢١، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش|2}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الاستقراء: اصطلاحٌ بين المنطقيين يريدون به سراية الحکم من الجزئي إلی الکلي، وهو غير التمثيل المنطقي لأنّ التمثيل عبارة عن إثبات الحكم في جزئي لأجل ثبوته في جزئي آخر، بينما الاستقراء عبارة عن إثبات الحكم في كلّي لثبوته في جزئياته.

تعريف الاستقراء لغةً

الاستقراء: التتبع، يقال: استقريت البلاد إذا تتبعتها تخرج من أرضٍ إلى أرض. [١] وبني فلان استقريتهم: مررت بهم واحدا واحدا، وهو من الاتّباع. [٢]

تعريف الاستقراء اصطلاحاً

الاستقراء: مصطلح منطقي يراد به الحكم على كلّي بما وجد في جزئياته الكثيرة. [٣] وقد ذكره الأصوليون[٤] بألفاظ مختلفة، إلاّ أنّ جميعها يؤدي المعنى المذكور.

الألفاظ ذات الصلة


1 ـ القياس: حمل معلوم على معلوم آخر في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما، من حكم أو صفة. [٥]
وفرقه عن الإستقراء هو: أنّ القياس عبارة عن إثبات الحكم في جزئي لأجل ثبوته في جزئي آخر، بينما الاستقراء عبارة عن إثبات الحكم في كلّي لثبوته في جزئياته. [٦]
2 ـ الاستنباط: لغةً الاستخراج بجهد ومعالجة، يقال: استنبط الفقيه إذا استخرج الفقه باجتهاده وفهمه. [٧] والاستنباط يكون السير العقلي فيه من العام إلى الخاص، بينما في الإستقراء يكون السير العقلي فيه من الخاص إلى العام. [٨]
3 ـ الاستقصاء: لغةً تتبع الأثر، قال تعالى: «وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ»[٩] أي: تتبعي أثره[١٠]، ويأتي أيضا بمعنى بلوغ الغاية أو النهاية، يقال: استقصى فلان المسألة وفيها بلغ الغاية أو النهاية فيها. [١١]
فالنسبة بين الاستقصاء والاستقراء هي العموم من وجه؛ لاجتماعهما في الاستقراء التام، وافتراق الاستقصاء في موارد البحث عن أحكام كلّ جزئي بدون قصد العثور على حكم مشترك بينها، ويفترق الاستقراء عنه في الناقص فلا يطلق عليه استقصاء.
4 ـ قاعدة إلحاق الشيء بالأعمّ الأغلب: وهي قاعدة فقهية يراد بها إلحاق الفرد المشكوك بالصفة الغالبة في أفراد الكلّي عند الشك في تلبّسه بهذه الصفة[١٢]، كما لو شككنا في صفة امرأة معيّنة، هل هي قرشية فتلزمها العدة إذا طلّقت بعد الخمسين من عمرها، أم أنّها ليست قرشية فلا عدّة عليها؟ فتحمل على الغالب من النساء وهنّ غير القرشيات. والفرق بين القاعدة المذكورة والاستقراء هو: أنّ القاعدة لا تنخرم حتى مع القطع بعدم انطباق الصفة الغالبة على بعض أفراد الكلّي، بخلاف الاستقراء، فإنّ العلم بعدم الانطباق ولو على فرد واحد يمنع من استكشاف قانون عام.
وبذلك صرّح المحقّق الأصفهاني عندما قال: «إنّ ملاك إفادة الغلبة للظن مغاير لملاك إفادة الاستقراء الناقص له؛ فإنّ الغلبة تجامع القطع بمخالفة الأفراد الغالبة للأفراد النادرة دون الاستقراء الناقص».[١٣] وأيضا هناك فرق بين القاعدة والاستقراء من حيث الاعتبار والقيمة العلمية، فقد صرّح بعضهم[١٤] بأنّ القاعدة دون مرتبة الاستقراء من حيث القيمة العلمية. إلاّ أنَّه قد يستظهر من كلمات بعض المحقّقين[١٥] عدم الفرق بين القاعدة والاستقراء.

أقسام الاستقراء

قسّم الاستقراء بلحاظات مختلفة إلى عدّة أقسام:
1 ـ الاستقراء بلحاظ كمية الأفراد المستقرأة تام وناقص[١٦]، والتام منه مايلاحظ فيه جميع جزئيات الكلّي المراد إسناد الحكم إليه، أمّا الناقص فهو ما يلاحظ فيه بعض جزئياته. وهذا الأخير هو المتبادر من إطلاق لفظ الاستقراء[١٧]، وقد يعبّر عنه في اصطلاح بعض الفقهاء بـ (إلحاق الفرد بالأعم الأغلب) [١٨] أو بـ (شهادة الأصول). [١٩]
2 ـ الاستقراء بلحاظ دلالته على الحكم مباشر وغير مباشر: والمباشر ما يستقرئ فيه عدد من الأحكام الخاصة واستنتاج حكم عام منها، مثاله: أن يلاحظ الفقيه عددا كبيرا من الحالات التي يحكم فيها بمعذورية الجاهل، فيجد أنّ المناط والملاك في المعذرية هو الجهل، فيعمّ الحكم سائر حالات الجهل. أمّا غير المباشر، فهو ما يستقرئ فيه دليل لفظي يدلّ بدوره على الحكم الشرعي، مثاله التواتر. [٢٠]

حكم الاستقراء

إسناد حكم مورد الى آخر لابدّ له من مبرّر معقول، والمبرّر المنطقي في إسناد حكم الجزئيات إلى الكلّي في الاستقراء ـ بناءً على المنطق الأرسطي ـ هو إرجاع الاستقراء إلى قياس منطقي من الشكل الأول. وهذا واضح في الاستقراء التام، حيث يكون الحدّ الأوسط لإثبات الأكبر (حكم الجزئيات) إلى الأصغر (الكلّي) إنّما هو نفس الجزئيات، مثال ذلك:
الفرض إما قضاء أو أداء أو نذر (صغرى)
وكلّ قضاء أو أداء أو نذر لايؤدى على الراحلة (كبرى)
فكلّ فرض لايؤدى على الراحلة (نتيجة). [٢١]
أمّا بالنسبة للاستقراء الناقص، فالأمر فيه مختلف، باعتبار أنّ الجزئيات المستقرئة لايمكن أن تكون واسطة في إثبات حكمها الى الكلّي؛ لأنّ النتيجة سوف تصبح أكبر[٢٢] من مقدماتها، والمفروض أنّ النتيجة منطقيا تتبع أخس المقدمتين. [٢٣]
من هنا فسّر المنطق الأرسطي حصول النتيجة في الاستقراء الناقص باعتماد العقل البشري كبرى عقلية بديهية (الاتفاقي[٢٤] لايكون أكثريا ولا دائميا)، وبدخول هذه الكبرى مع الاستقراء في قياس واحد، يطلق عليه باصطلاحهم التجربة. مثاله: عندما نستقرئ ظاهرة الجهل عند المكلّف نلاحظ في أكثر الحالات اقترانها بحكم التعذير، فيحكم بالمعذرية في جميع حالات الجهل، ويمكن صياغتها منطقيا بهذه الكيفية:
حكم المعذرية لحالات الجهل أكثريٌّ (الصغرى المستقرأة)
والأكثري لا يكون اتفاقيا (الكبرى العقلية)
إذن حكم المعذرية لايكون اتفاقيا. (النتيجة)
ومع عدم كونه اتفاقيا لابدّ أن يكون ذاتيا[٢٥]، والذاتي لاينفك عن أفراد النوع الواحد، فيستنبط حكم المعذرية لجميع حالات الجهل.
إلاّ أنّ السيد الشهيد قدس‏سره يناقش في الكبرى (الاتفاقي لايكون أكثريا ولا دائميا)، معتبرا إيّاها من القضايا الحاصلة بالاستقراء، فالاعتماد عليها في المقام يستلزم الدور. [٢٦]
أمّا الأصوليون من الإمامية [٢٧] وأكثر علماء الجمهور [٢٨]، فقد ذهبوا إلى أنّ الاستقراء التام مفيد للقطع فيكون حجّة، وخالف الأقل[٢٩] منهم، مدّعين عدم إفادته القطع لاحتمال كون الفرد المتنازع فيه لايتصف بالحكم المستقرئ من بقية الأفراد.
وردّ بأنّ هذا الاحتمال من الضئالة التي تجعله بمنزلة العدم. [٣٠]
أمّا الاستقراء الناقص، فلم يدّعِ أحد إفادته أكثر من الظن، قال الأصفهاني (محمد تقي) «أقصى مايفيده الاستقراء [الناقص] الظن بالحكم...» [٣١]، وقال الزركشي «والأصح أنّه يفيد الظن الغالب، ولا يفيد القطع، لاحتمال تخلف بعض الجزئيات عن الحكم».[٣٢]
بل ذهب بعضهم إلى عدم إفادته حتى الظن. [٣٣]
وبناءً على إفادته ذلك، فقد أنكر بعض أصوليي الإمامية حجّيته[٣٤] في باب الأحكام؛ لعدم حجّية الظن إلاّ بدليل، ولا دليل على حجّية الظن الاستقرائي. [٣٥] بل احتمل دخول الاستقراء الناقص تحت القياس المنهي عنه. [٣٦]
نعم، ذهب بعضهم[٣٧] إلى أنّ مطلق الظن حجّة؛ للاعتقاد بـ انسداد باب العلم والعلمي، إلاّ ما قام الدليل على عدم حجّيته، والاستقراء الناقص يفيد الظن ولم يقم دليل على عدم حجّيته، من هنا فإنّ الاستقراء الناقص حجّة عند هؤلاء.
كما قد ذهب بعض الأصوليين كالمحقّق القمي إلى إمكان تحصيل نتيجة قريبة من القطعية بالاستقراء الناقص من خلال كثرة الفحص؛ باعتبار أنّ العلاقة بين كثرة الفحص واحتمال الخلاف عكسية، فكلّما ازداد معدل الفحص قلّ احتمال الخلاف، فربّما يصير الظن متاخما للعلم[٣٨]، وهذا يتناسب مع ما طرحه السيد الشهيد قدس‏سره وفقا لمبناه في حساب الاحتمالات، حيث اعتبر كلّ حالة من الحالات التي يجري استقراؤها قرينة احتمالية على ثبوت الحكم العام لجميع الأفراد. وبازدياد الحالات المستقرئة تزداد نسبة الوثوق بالقضية المستقرئة، بينما تتضائل نسبة احتمال نقيضها، ويتمّ ذلك من خلال حساب الاحتمالات؛ باعتبار أنّ كلّ حالة تستقريء تشكّل قيمة احتمالية تمثّل عددا كسريا دائما، من قبيل21. [٣٩]
مثال ذلك: عند ملاحظة الفقيه لحالات عديدة يقترن فيها حكم المعذرية بالجهل، فإنّه يحتمل أنّ هذا الاقتران حصل بملاك الجهل، كما يحتمل حصوله اتفاقا من دون ملاك، فتحصل نسبة احتماليه لكلّ حالة. وبضرب هذه النسبة بعضها ببعض يضعف احتمال الصدفه، ويتصاعد احتمال حصول الاقتران بملاك الجهل. فلو فرضنا احتمال مصادفة اقتران حكم المعذرية بالجهل في أحكام الصلاة بنسبة 21 وفي أحكام الصوم 21 وفي أحكام الحج 21 وفي أحكام النكاح 21 فبضرب هذه الكسور بعضها ببعض يتضائل البسط المعبر عن كون الاقتران صدفة، بينما يتضاعف المقام المعبر عن قيمة السببية ناقص احتمال الصدفة.
فتصبح النتيجة حسب المثال المذكور 161 وكلّما استقرئنا حالات أكثر كلّما ازداد احتمال السببية وتضائل احتمال الصدفة، إلى أن تصل في بعض الحالات إلى10001 ولايعد لهذا الاحتمال (احتمال الصدفة) أهمية بنظر العقل؛ لعدم تعامل الذهن البشري ـ بطبعه ـ مع احتمالات بهذه الدرجة من الضئالة، فينزله منزلة العدم. [٤٠]
وما عليه علماء الجمهور[٤١] هو حجّية الاستقراء الناقص لإفادته الظن، والعمل بالظن لازم[٤٢] عندهم، مستدلّين عليه[٤٣] بما روي عن النبي(ص): «نحن نحكم بالظاهر واللّه‏ متولي السرائر»[٤٤] وعقّب عليه في الإبهاج بقوله: «وهو حديث لا أعرفه، وقد سألت عنه شيخنا الحافظ أبا عبداللّه‏ الذهبي فلم يعرفه، ولو استدلّ بأنّ العمل بالظن واجب لما تقدم من الادلة لكفاه ذلك».[٤٥]
أمّا الاستقراء الناقص في مباحث الألفاظ، فقد صرّح الأصفهاني (محمد تقي) بحجّيته، قال: «حجّية الاستقراء في مباحث الألفاظ ممّا لا كلام فيه، وهو عمدة الأدلة في إثبات الأوضاع التركيبية»[٤٦]، ودليله على ذلك مادل على حجّية الظن في تحديد دلالات الألفاظ. [٤٧]

الهوامش

  1. الصحاح 6 : 2461 مادة «قرأ».
  2. لسان العرب 3 : 3210 مادة «قرأ».
  3. الإشارات والتنبيهات 1 : 367.
  4. كالغزالي في المستصفى : 1 : 62، والرازي في المحصول 2 : 577، والمحقّق الحلّي في معارج الأصول : 220، والزركشي في البحر المحيط 6 : 10، والسيد الخوئي في محاضرات في أصول الفقه 4 : 411، والسيد الشهيد في دروس في علم الأصول 1 : 360.
  5. إرشاد الفحول 2 : 118 ـ 119.
  6. المحصول الرازي 2 : 272.
  7. لسان العرب 4 : 3827 مادة «نبط».
  8. انظر : الأسس المنطقية للاستقراء : 85 .
  9. القصص : 11.
  10. تاج العروس 18 : 98 مادة «قصص».
  11. انظر : القاموس المحيط : 1216 مادة «قصا».
  12. انظر : مصباح الفقاهة 6 : 17.
  13. حاشية كتاب المكاسب 5 : 36.
  14. السيد الخوئي في مصباح الفقاهة 6: 16.
  15. الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين: 1: 709.
  16. انظر : المستصفى 1 : 62، الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 173، القوانين المحكمة : 291، محاضرات في أصول الفقه 4 : 411.
  17. انظر : شرح الإشارات المحقّق الطوسي 1 : 367.
  18. انظر : الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 173، البحر المحيط 6 : 10، غاية الوصول شرح لبّ الأصول : 245.
  19. انظر : الواضح في أصول الفقه 3 : 36.
  20. انظر : المعالم الجديدة للأصول : 207.
  21. هذا بناءً على أنّ أفراد الفرض منحصرة في الثلاثة، وقد أكثر الأصوليون ذ كر هذا المثال في كتبهم، انظر : المستصفى 1 : 62، المحصول الرازي 2 : 577، معارج الأصول : 220، وغيرهم.
  22. دروس في علم الأصول 2 : 150.
  23. هذه من الشروط العامة التي يذكرها المناطقة في القياس.
  24. أي الصدفة.
  25. أي معلل وله سبب.
  26. أنظر : الأسس المنطقية للاستقراء : 35.
  27. انظر : القوانين المحكمة : 291، كفاية الأصول : 178 ـ 179، محاضرات في أصول الفقه 4 : 411، المعالم الجديدة للأصول : 205.
  28. انظر : غاية الوصول شرح لبّ الأصول : 244.
  29. انظر : المصدر السابق : 244 ـ 245.
  30. انظر : المصدر نفسه.
  31. هداية المسترشدين 2 : 158.
  32. البحر المحيط 6 : 10.
  33. هذا ما ذكره الرازي في المحصول 2 : 578، والمحقّق في معارج الأصول : 220.
  34. فرائد الأصول 1 : 487، كفاية الأصول : 179، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 263، دروس في علم الأصول 1 : 363، المعالم الجديدة للأصول : 205.
  35. انظر : المعالم الجديدة للأصول : 205.
  36. انظر : فرائد الأصول 1 : 487.
  37. الميرزا القمي في القوانين المحكمة : 291، والسيد محمد الطباطبائي في مفاتيح الأصول : 527.
  38. انظر : القوانين المحكمة : 291.
  39. انظر : دروس في علم الأصول 1 : 276 ـ 277.
  40. انظر : المصدر السابق.
  41. الغزالي في المستصفى 1 : 62، والرازي في المحصول 6 : 162 بناء على إفادته الظن، والقرافي في شرح تنقيح الفصول : 448، والبيضاوي في منهاج الوصول : 163، وابن السبكي في الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 174، والزركشي في البحر المحيط 6 : 10 ـ 11، وغيرهم.
  42. انظر : المحصول الرازي 2 : 589 ، الجامع لمسائل أصول الفقه : 396.
  43. انظر : الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 174، المحصول الرازي 2 : 578.
  44. قال الغماري : حديث «نحن نحكم بالظاهر» اشتهر بين الأصوليين والفقهاء بلفظ «أمرت أن أحكم بالظاهر واللّه‏ يتولى السرائر» ولا أصل له كما قال المزي، وابن كثير، والعراقي، والحافظ السخاوي، والسيوطي. انظر : الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج : 245.
  45. الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 174 ـ 175.
  46. هداية المسترشدين 2 : 67 ـ 68.
  47. المصدر السابق 1 : 208، 214، 290.