الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستحباب»

أُزيل ١٠٩ بايت ،  ٣١ مايو ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٢: سطر ٢:


==أولاً: التعريف لغةً واصطلاحاً==
==أولاً: التعريف لغةً واصطلاحاً==
الاستحباب بمعنى الاستحسان<ref> لسان العرب 1 : 713، المصباح المنير : 117 مادة «حبب».</ref>، وإذا تعدى بـ (على) فهو بمعنى الإيثار. <ref> مختار الصحاح : 69 مادة «حبب».</ref>
الاستحباب بمعنى [[الاستحسان]]<ref> لسان العرب 1 : 713، المصباح المنير : 117 مادة «حبب».</ref>، وإذا تعدى بـ (على) فهو بمعنى الإيثار. <ref> مختار الصحاح : 69 مادة «حبب».</ref>
وأما في الاصطلاح فهو اقتضاء الخطاب الشرعي الفعل اقتضاءً غير جازم. <ref> شرح مختصر الروضة 1 : 265، شرح الجلال المحلّي 1 : 130 ـ 133.</ref> وقريب منه ما قاله الشهيد الصدر من الإمامية في  تعريفه من أ نّه: حكم شرعيّ يبعث نحو الشيء الذي  تعلق به بدرجة دون الإلزام. <ref> دروس في علم الأصول 1 : 65.</ref>
وأما في الاصطلاح فهو اقتضاء الخطاب الشرعي الفعل اقتضاءً غير جازم. <ref> شرح مختصر الروضة 1 : 265، شرح الجلال المحلّي 1 : 130 ـ 133.</ref> وقريب منه ما قاله الشهيد الصدر من [[الإمامية]] في  تعريفه من أ نّه: حكم شرعيّ يبعث نحو الشيء الذي  تعلق به بدرجة دون الإلزام. <ref> دروس في علم الأصول 1 : 65.</ref>
والذي اعتاد عليه أكثر الأصوليين هنا هو تعريف المستحب أو المندوب باعتباره متعلق الاستحباب أو الندب. ويمكن تقسيم هؤلاء إلى طائفتين:
والذي اعتاد عليه أكثر الأصوليين هنا هو تعريف المستحب أو المندوب باعتباره متعلق الاستحباب أو الندب. ويمكن تقسيم هؤلاء إلى طائفتين:
'''الطائفة الأولى: '''حاولت تمييز المستحب عن أصل الواجب من دون التفات أو عناية لها بذكر قيد يميّزه عن الواجب التخييري ـ  والذى يُعَدّ قسما من الواجب  ـ وهذه الطائفة منقسمة إلى أقسام:
'''الطائفة الأولى: '''حاولت تمييز المستحب عن أصل الواجب من دون التفات أو عناية لها بذكر قيد يميّزه عن الواجب التخييري ـ  والذى يُعَدّ قسما من الواجب  ـ وهذه الطائفة منقسمة إلى أقسام:
أ ـ من ركّز على عنصرَي الرجحان وجواز الترك، كالرّازي من أهل السنّة، والعلاّمة الحلّي من الإمامية فعرّفاه بأ نّه: الرّاجح فعله شرعا مع جواز تركه. <ref> المحصول 1 : 18 و20، تهذيب الوصول : 51.</ref>
أ ـ من ركّز على عنصرَي الرجحان وجواز الترك، كالرّازي من أهل السنّة، والعلاّمة الحلّي من [[الإمامية]] فعرّفاه بأ نّه: الرّاجح فعله شرعا مع جواز تركه. <ref> المحصول 1 : 18 و20، تهذيب الوصول : 51.</ref>
ب ـ من ركّز على عنصر المثوبة وعدم العقوبة، كابن بدران والطوفي، حيث قالا: ما يثاب على فعله ولايعاقب على تركه<ref> شرح مختصر الروضة 1 : 353، المدخل إلى مذهب الامام أحمد بن حنبل : 62.</ref>، أو عنصر المدح وعدم الذمّ، كما في تعريف البيضاوي له بانّه: ما يمدح فاعله ولايذمّ تاركه<ref> منهاج الوصول : 18.</ref>، أو عنصر عدم اللّوم كما في تعريف الجويني له حيث قال: هو الفعل المقتضَى شرعا من غير لوم على تركه. <ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 107.</ref>
<br>ب ـ من ركّز على عنصر المثوبة وعدم العقوبة، كابن بدران والطوفي، حيث قالا: ما يثاب على فعله ولايعاقب على تركه<ref> شرح مختصر الروضة 1 : 353، المدخل إلى مذهب الامام أحمد بن حنبل : 62.</ref>، أو عنصر المدح وعدم الذمّ، كما في تعريف البيضاوي له بانّه: ما يمدح فاعله ولايذمّ تاركه<ref> منهاج الوصول : 18.</ref>، أو عنصر عدم اللّوم كما في تعريف الجويني له حيث قال: هو الفعل المقتضَى شرعا من غير لوم على تركه. <ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 107.</ref>
ج ـ من ركّز على عنصر عدم الجزم في الطلب وعرّفه بأ نّه: ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم. <ref> تقريب الوصول : 100، الإبهاج في شرح المنهاج 1 : 52، حواشي الشرواني 5 : 36.</ref>
ج ـ من ركّز على عنصر عدم الجزم في الطلب وعرّفه بأنّه: ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم. <ref> تقريب الوصول : 100، الإبهاج في شرح المنهاج 1 : 52، حواشي الشرواني 5 : 36.</ref>
'''الطائفة الثانية:''' من كانوا ملتفتين إلى أنّ من أقسام الواجب ـ الواجب التخييري ـ فحاولوا إعطاء تعريف للمستحب يميّزه عن الواجب تمييزا دقيقا فيخرج به قسماه التعييني والتخييري. وهؤلاء على قسمين:
'''الطائفة الثانية:''' من كانوا ملتفتين إلى أنّ من أقسام الواجب ـ الواجب التخييري ـ فحاولوا إعطاء تعريف للمستحب يميّزه عن الواجب تمييزا دقيقا فيخرج به قسماه التعييني والتخييري. وهؤلاء على قسمين:
أ ـ من ركّز على عنصر جواز الترك مع إضافة قيد (لا إلى بدل) إليه، وهؤلاء بعض من علماء الإمامية، كالشيخ محمد حسن النجفي حيث قال: «إنّ المستحب ما جاز تركه لا إلى البدل».<ref> جواهر الكلام 2 : 33 ـ 34.</ref>
أ ـ من ركّز على عنصر جواز الترك مع إضافة قيد (لا إلى بدل) إليه، وهؤلاء بعض من علماء الإمامية، كالشيخ محمد حسن النجفي حيث قال: «إنّ المستحب ما جاز تركه لا إلى البدل».<ref> جواهر الكلام 2 : 33 ـ 34.</ref>
سطر ٢٨: سطر ٢٨:
للاستحباب أقسام ومراتب:
للاستحباب أقسام ومراتب:
===أقسام الاستحباب===
===أقسام الاستحباب===
قسّم الأصوليّون من [[الإماميّة]] الاستحباب إلى قسمين: استحباب نفسي، واستحباب للغير.
قسّم الأصوليّون من [[الإمامية]] الاستحباب إلى قسمين: استحباب نفسي، واستحباب للغير.
والأول: مثل استحباب الطهارة عند الحدث.
والأول: مثل استحباب الطهارة عند الحدث.
والثاني: مثل استحباب غُسل الجنابة للصلاة المستحبة. <ref> القوانين المحكمة : 137.</ref>
والثاني: مثل استحباب غُسل الجنابة للصلاة المستحبة. <ref> القوانين المحكمة : 137.</ref>
سطر ٦٠: سطر ٦٠:
كما ردّ الثاني بأنّنا نوافق على أنّ ما أدّاه الإنسان من [[المندوب]] صار للّه‏ تعالى، وأنّ ذلك لايتمّ إلاّ بلزوم الباقي، ولكنّنا نخالفهم في الباقي، ونقول: إنّ إبطال ما صار للّه‏ تعالى جائز، لأنّ للإنسان أن لايفعله أولاً، فيكون له أن يبطله بعدد فعله، فلم يكن الإتمام لازما لذلك.
كما ردّ الثاني بأنّنا نوافق على أنّ ما أدّاه الإنسان من [[المندوب]] صار للّه‏ تعالى، وأنّ ذلك لايتمّ إلاّ بلزوم الباقي، ولكنّنا نخالفهم في الباقي، ونقول: إنّ إبطال ما صار للّه‏ تعالى جائز، لأنّ للإنسان أن لايفعله أولاً، فيكون له أن يبطله بعدد فعله، فلم يكن الإتمام لازما لذلك.
ومحلّ الخلاف ما عدا الحج والعمرة، فأمّا إتمامهما بعد الشّروع فيهما فهو واجب<ref> راجع : القواعد والفوائد 1 : 99، شرح الكوكب المنير : 127، نضد القواعد الفقهية : 186، شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 153 ـ 154، الحدائق الناضرة 8 : 123.</ref>، قال ابن أبي  جمهور: والنفل لايجب بالشروع فيه، إلاّ الحج  والعمرة إجماعا. <ref> الأقطاب الفقهية : 76.</ref>
ومحلّ الخلاف ما عدا الحج والعمرة، فأمّا إتمامهما بعد الشّروع فيهما فهو واجب<ref> راجع : القواعد والفوائد 1 : 99، شرح الكوكب المنير : 127، نضد القواعد الفقهية : 186، شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 153 ـ 154، الحدائق الناضرة 8 : 123.</ref>، قال ابن أبي  جمهور: والنفل لايجب بالشروع فيه، إلاّ الحج  والعمرة إجماعا. <ref> الأقطاب الفقهية : 76.</ref>
وقد اختلف الإمامية في وجوب إتمام الاعتكاف بعد الشروع فيه. وقد تحدّث الشهيد الأول عن هذا بقوله: «وفي [[الاعتكاف]] للأصحاب ثلاثة أوجه: الوجوب بالشروع، والوجوب بمضي يومين، وعدم الوجوب، وأوسطها وسطها».<ref> القواعد والفوائد 1 : 99.</ref>
وقد اختلف [[الإمامية]] في وجوب إتمام الاعتكاف بعد الشروع فيه. وقد تحدّث الشهيد الأول عن هذا بقوله: «وفي [[الاعتكاف]] للأصحاب ثلاثة أوجه: الوجوب بالشروع، والوجوب بمضي يومين، وعدم الوجوب، وأوسطها وسطها».<ref> القواعد والفوائد 1 : 99.</ref>
ولايمثّل وجوب الإتمام في هذه الموارد انتقاضا للأصل القائل بعدم وجوب إتمام المستحبّ بعد شروعه<ref> اثنا عشر رسالة الداماد 2 : 50.</ref>، بل ذلك من باب الخروج بدليل خاص؛ قال البحراني من الإمامية: لا شيء من [[المستحب]] يجب بالشروع فيه إلاّ ما خرج بدليل خاص. <ref> الحدائق الناضرة 8 : 123.</ref>
ولايمثّل وجوب الإتمام في هذه الموارد انتقاضا للأصل القائل بعدم وجوب إتمام المستحبّ بعد شروعه<ref> اثنا عشر رسالة الداماد 2 : 50.</ref>، بل ذلك من باب الخروج بدليل خاص؛ قال البحراني من الإمامية: لا شيء من [[المستحب]] يجب بالشروع فيه إلاّ ما خرج بدليل خاص. <ref> الحدائق الناضرة 8 : 123.</ref>


سطر ٧٠: سطر ٧٠:
'''الأول:''' أنّه ليس مكروها، وإنّما المكروه ترك سنّة الهدى فقط، وهذا قول الأحناف<ref> انظر : المصدر السابق 1 : 653.</ref>
'''الأول:''' أنّه ليس مكروها، وإنّما المكروه ترك سنّة الهدى فقط، وهذا قول الأحناف<ref> انظر : المصدر السابق 1 : 653.</ref>
'''الثاني:''' أنّه ليس مكروها بقول مطلق، وهذا رأي جمهور الأصوليين من أهل السنّة<ref> انظر : المنخول : 137، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 94، روضة الطالبين 2 : 475.</ref>، كما أنّه رأي أكثر الإمامية، يقول الشهيد الثاني: ترك المستحب لايعد مكروها.<ref> روض الجنان 2 : 559.</ref> ويقول السيد علي الطباطبائي: القول بأنّ ترك المستحب مكروه خلاف التحقيق<ref> رياض المسائل 1 : 170.</ref>، ويقول الشيخ محمد حسن النجفي: ليس ترك المستحب مكروها عندنا<ref> جواهر الكلام 9 : 129.</ref>، ومثله الميرزا القمي. <ref> غنائم الأيام 3 : 546 ـ 547.</ref>
'''الثاني:''' أنّه ليس مكروها بقول مطلق، وهذا رأي جمهور الأصوليين من أهل السنّة<ref> انظر : المنخول : 137، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 94، روضة الطالبين 2 : 475.</ref>، كما أنّه رأي أكثر الإمامية، يقول الشهيد الثاني: ترك المستحب لايعد مكروها.<ref> روض الجنان 2 : 559.</ref> ويقول السيد علي الطباطبائي: القول بأنّ ترك المستحب مكروه خلاف التحقيق<ref> رياض المسائل 1 : 170.</ref>، ويقول الشيخ محمد حسن النجفي: ليس ترك المستحب مكروها عندنا<ref> جواهر الكلام 9 : 129.</ref>، ومثله الميرزا القمي. <ref> غنائم الأيام 3 : 546 ـ 547.</ref>
ورغم ذلك فقد ذهب أصحاب هذا القول إلى كون تركه خلاف الأَولى، قال [[ابن عابدين]]: لا شك أنّ ترك المندوب خلاف الأَولى<ref> حاشية ردّ المحتار 1 : 653.</ref>، ومثله ابن نجيم المصري<ref> البحر الرائق 2 : 34 ـ 35.</ref>، كما قال [[الشهيد الثاني]] من [[الإمامية]]: ترك المستحب خلاف الأَولى<ref> روض الجنان 2 : 559.</ref>. وقد يتمّ التعبير عن ذلك بتعابير أخرى، يقول البجنوردي: ترك [[المستحب]] ليس بمكروه مع أنّ نقيضه أفضل<ref> القواعد الفقهية 5 : 54.</ref>، ويقول المحقّق الأصفهاني: إنّ كمال الإيمان يقتضي رعاية [[المندوب]] كرعاية الواجب، فلو ترك المستحب فهو منافٍ لكمال [[الإيمان]]، وصحّ نفيه عنه. <ref> حاشية كتاب المكاسب 5 : 186.</ref>
ورغم ذلك فقد ذهب أصحاب هذا القول إلى كون تركه خلاف الأَولى، قال [[ابن عابدين]]: لا شك أنّ ترك المندوب خلاف الأَولى<ref> حاشية ردّ المحتار 1 : 653.</ref>، ومثله ابن نجيم المصري<ref> البحر الرائق 2 : 34 ـ 35.</ref>، كما قال [[الشهيد الثاني]] من [[الإمامية]] : ترك المستحب خلاف الأَولى<ref> روض الجنان 2 : 559.</ref>. وقد يتمّ التعبير عن ذلك بتعابير أخرى، يقول البجنوردي: ترك [[المستحب]] ليس بمكروه مع أنّ نقيضه أفضل<ref> القواعد الفقهية 5 : 54.</ref>، ويقول المحقّق الأصفهاني: إنّ كمال الإيمان يقتضي رعاية [[المندوب]] كرعاية الواجب، فلو ترك المستحب فهو منافٍ لكمال [[الإيمان]]، وصحّ نفيه عنه. <ref> حاشية كتاب المكاسب 5 : 186.</ref>
'''الثالث:''' أنّه مكروه، وهذا ما قد يبدو من بعض الإمامية كالمحقّق الحلّي<ref> المعتبر في شرح المختصر 2 : 257 حيث حكم بكراهة كلّ فعل يؤدي إلى ترك مستحب وضع الكفين على الفخذين محاذيتين للركبتين في الصلاة.</ref>، وغيره<ref> مفاتيح الأصول : 294.</ref>، وهو كذلك رأي بعض المتقدمين من أهل السنّة<ref> شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 135.</ref>، ويمكن القول بأنّ الخلاف بين هذا القول والقول الثاني لفظي؛ وذلك لبعض التعابير التي وقعت من قبل بعض من أصحاب هذا القول على كلا المستويين ـ  الإمامية وأهل السنّة  ـ فأمّا على مستوى الإمامية؛ فقد قالوا: إنّ هذه الكراهة ـ  الثابتة لترك المستحب  ـ ليست بمعنى المبغوضيّة الذاتيّة التي تثبت بدليل خاص، بل بمعنى المرجوحيّة والتي تطلق على ترك الأَولى، وأمّا على مستوى أهل السنّة؛ فلأنّ القائلين بكراهية تركه قد سمّوا الكراهة الثابتة بدليل خاص بالكراهة الشديدة، ممّا قد يشعر بأنّ نظرهم من الكراهة ترك الأَولى.
'''الثالث:''' أنّه مكروه، وهذا ما قد يبدو من بعض [[الإمامية]] كالمحقّق الحلّي<ref> المعتبر في شرح المختصر 2 : 257 حيث حكم بكراهة كلّ فعل يؤدي إلى ترك مستحب وضع الكفين على الفخذين محاذيتين للركبتين في الصلاة.</ref>، وغيره<ref> مفاتيح الأصول : 294.</ref>، وهو كذلك رأي بعض المتقدمين من أهل السنّة<ref> شرح الجلال المحلّي على جمع الجوامع 1 : 135.</ref>، ويمكن القول بأنّ الخلاف بين هذا القول والقول الثاني لفظي؛ وذلك لبعض التعابير التي وقعت من قبل بعض من أصحاب هذا القول على كلا المستويين ـ  [[الإمامية]] وأهل السنّة  ـ فأمّا على مستوى الإمامية؛ فقد قالوا: إنّ هذه الكراهة ـ  الثابتة لترك المستحب  ـ ليست بمعنى المبغوضيّة الذاتيّة التي تثبت بدليل خاص، بل بمعنى المرجوحيّة والتي تطلق على ترك الأَولى، وأمّا على مستوى أهل السنّة؛ فلأنّ القائلين بكراهية تركه قد سمّوا الكراهة الثابتة بدليل خاص بالكراهة الشديدة، ممّا قد يشعر بأنّ نظرهم من الكراهة ترك الأَولى.


====المسألة الثانية: ترك المستحب بالكلّ====
====المسألة الثانية: ترك المستحب بالكلّ====
وقد اختلفوا في جواز ذلك على أقوال أربعة:
وقد اختلفوا في جواز ذلك على أقوال أربعة:
'''الأول:''' أنّه غير جائز مطلقا، وهذا قول الشاطبي، حيث ذهب إلى أنّ ترك المندوب بالكلّ غير جائز وإن كان غير لازم بالجزء. وقد نصّ على ذلك بقوله: «إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكلّ، كالأذان في المساجد والجوامع وغيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوّع، والنكاح، والوتر، وسنّة الفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنّها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها، ألا ترى أنّ في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال عليه إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، من داوم على تركها يجرح ولا تقبل شهادته؛ لأنّ في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول من داوم على ترك الجماعة فهمّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان لايغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلاّ أغار، والنكاح لايخفى ما فيه ممّا هو مقصود للشارع، من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك، فالترك له جملة مؤثر في أوضاع الدّين إذا كان دائما، أمّا إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك».<ref> الموافقات 1 : 132 ـ 133.</ref>
'''الأول:''' أنّه غير جائز مطلقا، وهذا قول الشاطبي، حيث ذهب إلى أنّ ترك المندوب بالكلّ غير جائز وإن كان غير لازم بالجزء. وقد نصّ على ذلك بقوله: «إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكلّ، كالأذان في المساجد والجوامع وغيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوّع، والنكاح، والوتر، وسنّة الفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنّها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها، ألا ترى أنّ في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال عليه إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، من داوم على تركها يجرح ولا تقبل شهادته؛ لأنّ في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول من داوم على ترك الجماعة فهمّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان لايغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإلاّ أغار، والنكاح لايخفى ما فيه ممّا هو مقصود للشارع، من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك، فالترك له جملة مؤثر في أوضاع الدّين إذا كان دائما، أمّا إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك».<ref> الموافقات 1 : 132 ـ 133.</ref>
'''الثاني:''' أنّه جائز مطلقا، وهذا قول الشيخ محمد حسن النجفي من [[الإمامية]]، حيث قال: «الإنصاف ضرورة عدم المعصية في ترك جميع المندوبات، أو فعل جميع المكروهات من حيث الإذن فيهما، فضلاً عن ترك صنف منها ولو للتكاسل والتثاقل منه»<ref> جواهر الكلام 41 : 30.</ref>. وقد مال إليه بعض  آخر. <ref> كتاب الشهادات الكلبايكاني : 70.</ref>
'''الثاني:''' أنّه جائز مطلقا، وهذا قول الشيخ محمد حسن النجفي من [[الإمامية]] ، حيث قال: «الإنصاف ضرورة عدم المعصية في ترك جميع المندوبات، أو فعل جميع المكروهات من حيث الإذن فيهما، فضلاً عن ترك صنف منها ولو للتكاسل والتثاقل منه»<ref> جواهر الكلام 41 : 30.</ref>. وقد مال إليه بعض  آخر. <ref> كتاب الشهادات الكلبايكاني : 70.</ref>
'''الثالث:''' أنّه جائز ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنّن، وهذا قول جماعة من الإمامية، كما يبدو من المحقق السبزواري حيث قال: «ذكر الأصحاب أنّ ترك المندوبات لايقدح في العدالة ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنّن، لدلالته على قلة المبالاة بأمر الدّين»<ref> كفاية الأحكام 2 : 748.</ref>، وقال أيضا: «ولايعتبر في العدالة الإتيان بالمندوبات، إلاّ أن يبلغ تركها حدّا يؤذن بقلة المبالاة  بالدّين والاهتمام بكمالات الشرع، كترك المندوبات أجمع».<ref> ذخيرة المعاد : 305.</ref>
'''الثالث:''' أنّه جائز ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنّن، وهذا قول جماعة من الإمامية، كما يبدو من المحقق السبزواري حيث قال: «ذكر الأصحاب أنّ ترك المندوبات لايقدح في العدالة ما لم يبلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالسنّن، لدلالته على قلة المبالاة بأمر الدّين»<ref> كفاية الأحكام 2 : 748.</ref>، وقال أيضا: «ولايعتبر في العدالة الإتيان بالمندوبات، إلاّ أن يبلغ تركها حدّا يؤذن بقلة المبالاة  بالدّين والاهتمام بكمالات الشرع، كترك المندوبات أجمع».<ref> ذخيرة المعاد : 305.</ref>
'''الرابع:''' أ نّه غير جائز حتى لو تمثل هذا الترك في الاعتياد على ترك صنف من المندوبات (لا كلّها)، وهذا رأي الشهيد الثاني من الإمامية، حيث قال: «ترك المندوبات لايقدح في التقوى، ولايؤثر في العدالة، إلاّ أن يتركها أجمع فيقدح فيها، لدلالته على  قلة المبالاة بالدّين والاهتمام بكمالات الشرع، ولو اعتاد ترك صنف منها، كالجماعة والنوافل ونحو ذلك، فكترك الجميع، لاشتراكهما في العلّة المقتضية لذلك».<ref> مسالك الأفهام 14 : 171 ـ 172.</ref>
'''الرابع:''' أ نّه غير جائز حتى لو تمثل هذا الترك في الاعتياد على ترك صنف من المندوبات (لا كلّها)، وهذا رأي الشهيد الثاني من الإمامية، حيث قال: «ترك المندوبات لايقدح في التقوى، ولايؤثر في العدالة، إلاّ أن يتركها أجمع فيقدح فيها، لدلالته على  قلة المبالاة بالدّين والاهتمام بكمالات الشرع، ولو اعتاد ترك صنف منها، كالجماعة والنوافل ونحو ذلك، فكترك الجميع، لاشتراكهما في العلّة المقتضية لذلك».<ref> مسالك الأفهام 14 : 171 ـ 172.</ref>
سطر ٩٢: سطر ٩٢:
'''الخامس:''' أنّ الندب تخيير بدليل جواز تركه، فالمكلّف مخيّر بين الفعل والترك، بينما الأمر استدعاء وطلب. والتخيير والطلب متنافيان. <ref> انظر : المحصول الرازي 1 : 220 ـ 221.</ref>
'''الخامس:''' أنّ الندب تخيير بدليل جواز تركه، فالمكلّف مخيّر بين الفعل والترك، بينما الأمر استدعاء وطلب. والتخيير والطلب متنافيان. <ref> انظر : المحصول الرازي 1 : 220 ـ 221.</ref>
====الرأي الثاني: أنّ المستحب مأمور به حقيقةً====
====الرأي الثاني: أنّ المستحب مأمور به حقيقةً====
وهذا مذهب جمهور الشافعية<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104 ـ 105، البحر المحيط 1 : 286.</ref> والقاضي الباقلاني<ref> انظر : التقريب والإرشاد 1 : 291 ـ 292، ونسبه إليه الزركشي في البحر المحيط 1 : 286.</ref>، ومعهم المالكية<ref> إحكام الفصول : 210 ـ 211، منتهى الوصول : 39، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref> والحنابلة<ref> العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 85 ، شرح مختصر الروضة 1 : 354، المسوّدة : 7، فواتح الرحموت 1 : 111.</ref> وبعض من الإمامية كالعلاّمة الحلّي<ref> مختلف الشيعة 4 : 48.</ref> والشيخ محمد حسن النجفي<ref> جواهر الكلام 35 : 377.</ref>، وبه قال أبو هاشم وغيره، ونقله ابن القشيريّ وغيره عن المعتزلة<ref> انظر : البحر المحيط 1 : 286.</ref>، وقد استدلّ لهذا الرأي بوجوه:
وهذا مذهب جمهور الشافعية<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104 ـ 105، البحر المحيط 1 : 286.</ref> والقاضي الباقلاني<ref> انظر : التقريب والإرشاد 1 : 291 ـ 292، ونسبه إليه الزركشي في البحر المحيط 1 : 286.</ref>، ومعهم المالكية<ref> إحكام الفصول : 210 ـ 211، منتهى الوصول : 39، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref> والحنابلة<ref> العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 85 ، شرح مختصر الروضة 1 : 354، المسوّدة : 7، فواتح الرحموت 1 : 111.</ref> وبعض من [[الإمامية]] كالعلاّمة الحلّي<ref> مختلف الشيعة 4 : 48.</ref> والشيخ محمد حسن النجفي<ref> جواهر الكلام 35 : 377.</ref>، وبه قال أبو هاشم وغيره، ونقله ابن القشيريّ وغيره عن المعتزلة<ref> انظر : البحر المحيط 1 : 286.</ref>، وقد استدلّ لهذا الرأي بوجوه:
'''الأول:''' أنّ فعل المندوب يسمى طاعة وعبادة من العبادات التي يثاب الإنسان على فعلها بالاتفاق، وليس طاعة لذات الفعل وخصوص نفسه، وإلاّ كان طاعة بتقدير ورود النهي عنه، ولا لصفة من الصفات التي يشاركه فيها غيره من الحوادث، وإلاّ كان كلّ حادث طاعة، ولا لكونه مرادا للّه‏ تعالى، وإلاّ كان كلّ مراد الوقوع طاعة، وليس كذلك ولا لكونه مثابا عليه، فإنّه لايخرج عن كونه طاعة، وإن لم يثب عليه، ولا لكونه موعودا بالثواب عليه؛ لأ نّه لو  ورد فيه وعد لتحقق، لاستحالة الخلف في خبر الشارع، والثواب غير لازم له بالإجماع، والأصل عدم ما سوى ذلك. فتعيّن أن يكون طاعة لما فيه من امتثال الأمر، فإنّ امتثال الأمر يسمى طاعة، ولهذا  يقال: فلان مطاع الأمر، فكان المندوب مأمورا به لذلك. <ref> راجع : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104، المستصفى 1 : 90، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref>
'''الأول:''' أنّ فعل المندوب يسمى طاعة وعبادة من العبادات التي يثاب الإنسان على فعلها بالاتفاق، وليس طاعة لذات الفعل وخصوص نفسه، وإلاّ كان طاعة بتقدير ورود النهي عنه، ولا لصفة من الصفات التي يشاركه فيها غيره من الحوادث، وإلاّ كان كلّ حادث طاعة، ولا لكونه مرادا للّه‏ تعالى، وإلاّ كان كلّ مراد الوقوع طاعة، وليس كذلك ولا لكونه مثابا عليه، فإنّه لايخرج عن كونه طاعة، وإن لم يثب عليه، ولا لكونه موعودا بالثواب عليه؛ لأ نّه لو  ورد فيه وعد لتحقق، لاستحالة الخلف في خبر الشارع، والثواب غير لازم له بالإجماع، والأصل عدم ما سوى ذلك. فتعيّن أن يكون طاعة لما فيه من امتثال الأمر، فإنّ امتثال الأمر يسمى طاعة، ولهذا  يقال: فلان مطاع الأمر، فكان المندوب مأمورا به لذلك. <ref> راجع : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 104، المستصفى 1 : 90، شرح مختصر المنتهى 2 : 214.</ref>
'''الثاني:''' أنّ أهل اللغة مطبقون على تقسيم الأمر إلى أمر إيجاب وأمر ندب، ولازمه كون المندوب قسما من المأمور به؛ حيث إنّ مورد التقسيم مشترك. <ref> التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 1 : 343.</ref>
'''الثاني:''' أنّ أهل اللغة مطبقون على تقسيم الأمر إلى أمر إيجاب وأمر ندب، ولازمه كون المندوب قسما من المأمور به؛ حيث إنّ مورد التقسيم مشترك. <ref> التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 1 : 343.</ref>
سطر ١٠١: سطر ١٠١:


==المصادر==
==المصادر==
 
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: مستحبات]][[تصنيف: مندوبات]][[تصنيف: أقسام الاستحباب]][[تصنيف: اصطلاحات الأصول]][[تصنيف: علم الأصول]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل