الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإجمال»

أُضيف ٢٠ بايت ،  ٥ أبريل ٢٠٢٣
ط
استبدال النص - '====' ب'====='
لا ملخص تعديل
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
سطر ١١٨: سطر ١١٨:


===الأمر الثاني: الإجمال في القرآن والسنّة===
===الأمر الثاني: الإجمال في القرآن والسنّة===
====أ ـ الإجمال في القرآن====
=====أ ـ الإجمال في القرآن=====
لا إشكال في جريان الإجمال بالعرض في القرآن، بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص الكتاب بالسنّة، بمعنى سريان الإجمال إلى إطلاق أو عموم أو ظهور آية من آيات الأحكام، نتيجة إجمال المخصّص أو القرينة المنفصلة الواردة في السنّة الشريفة.
لا إشكال في جريان الإجمال بالعرض في القرآن، بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص الكتاب بالسنّة، بمعنى سريان الإجمال إلى إطلاق أو عموم أو ظهور آية من آيات الأحكام، نتيجة إجمال المخصّص أو القرينة المنفصلة الواردة في السنّة الشريفة.
كما يجري فيه الإجمال بمعنى عدم الإطلاق، من جهة عدم كونه في مقام التفصيل، بل في مقام تشريع أصل الحكم كما يقال ذلك بالنسبة لمثل قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»، وقوله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»<ref> آل عمران : 97.</ref>، وغيرها من الآيات التي ليست بمقام التعرض لتفصيل الحكم، وكم لها من  نظير.<br>
كما يجري فيه الإجمال بمعنى عدم الإطلاق، من جهة عدم كونه في مقام التفصيل، بل في مقام تشريع أصل الحكم كما يقال ذلك بالنسبة لمثل قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»، وقوله تعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»<ref> آل عمران : 97.</ref>، وغيرها من الآيات التي ليست بمقام التعرض لتفصيل الحكم، وكم لها من  نظير.<br>
سطر ١٤١: سطر ١٤١:
أو يقال: إنّ مفاد الآية إنّما تشمل الوقائع والأحكام التي قد تعلق الغرض ببيانها مفصّلاً ومضمونها أ نّه لا نقص في الكتاب العزيز في هذا الغرض، وأمّا ما تعلق غرضه تعالى بإخفائه لبعض المصالح فلا تنافيه الآية. مضافا إلى أنّ الآية لو كانت بصدد نفى مطلق الإجمال فمقتضاها نفي المتشابه أيضا؛ لأنّ المتشابه وإن كان له ظهور، إلاّ أ نّه في حكم المجمل كما مرّ، والمتشابه في الكتاب موجود بنص القرآن.
أو يقال: إنّ مفاد الآية إنّما تشمل الوقائع والأحكام التي قد تعلق الغرض ببيانها مفصّلاً ومضمونها أ نّه لا نقص في الكتاب العزيز في هذا الغرض، وأمّا ما تعلق غرضه تعالى بإخفائه لبعض المصالح فلا تنافيه الآية. مضافا إلى أنّ الآية لو كانت بصدد نفى مطلق الإجمال فمقتضاها نفي المتشابه أيضا؛ لأنّ المتشابه وإن كان له ظهور، إلاّ أ نّه في حكم المجمل كما مرّ، والمتشابه في الكتاب موجود بنص القرآن.


====ب ـ الإجمال في السنّة====
=====ب ـ الإجمال في السنّة=====
وأمّا الإجمال في السّنة، فقد نسب إلى داود الظاهري لزوم انتفائه عنها أيضا، مستدلاً بما مرّ في إجمال القرآن: من أنّ الإجمال بدون البيان لايفيد، ومعه تطويل، ولايقع في كلام البلغاء فضلاً عن سيد الأنبياء. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 455، شرح الكوكب المنير  :219، التحبير شرح التحرير 6 : 2753.</ref>
وأمّا الإجمال في السّنة، فقد نسب إلى داود الظاهري لزوم انتفائه عنها أيضا، مستدلاً بما مرّ في إجمال القرآن: من أنّ الإجمال بدون البيان لايفيد، ومعه تطويل، ولايقع في كلام البلغاء فضلاً عن سيد الأنبياء. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 455، شرح الكوكب المنير  :219، التحبير شرح التحرير 6 : 2753.</ref>
إلاّ أ نّه بما ذكر من جريانه في القرآن اتّضح حال السنّة أيضا، وأنّ أمثال البيانات السابقة لا تكفي في الحكم بلزوم انتفاء المجمل والمشترك والمتشابه عنها؛ لما مرّ من أنّ الأغراض العقلائيه قد تدعو إليه.
إلاّ أ نّه بما ذكر من جريانه في القرآن اتّضح حال السنّة أيضا، وأنّ أمثال البيانات السابقة لا تكفي في الحكم بلزوم انتفاء المجمل والمشترك والمتشابه عنها؛ لما مرّ من أنّ الأغراض العقلائيه قد تدعو إليه.
سطر ١٥٧: سطر ١٥٧:
هناك العديد من الآيات والروايات قد يدّعى إجمالها، ونحن نتعرض لبعض ما كان منها كقاعدة عامّة، تاركين لما ادُّعِي إجماله لخصوصية المورد:
هناك العديد من الآيات والروايات قد يدّعى إجمالها، ونحن نتعرض لبعض ما كان منها كقاعدة عامّة، تاركين لما ادُّعِي إجماله لخصوصية المورد:


====1 ـ التحليل والتحريم الوارد على الأعيان====
=====1 ـ التحليل والتحريم الوارد على الأعيان=====
وذلك كما في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»<ref> النساء : 23.</ref>، وقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ»<ref> المائدة : 3.</ref>، وقوله: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»<ref> البقرة : 275.</ref>، بناءً على عدم مصدريّة البيع والربا ـ  كما هو كذلك عرفا  ـ فقد نسب إلى عدّة من العلماء كأبي يعلى، وأبي الفرج المقدسي، والكرخي، وأبي عبداللّه‏ البصري<ref> انظر : العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 68، التبصرة : 201، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4 : 13، شرح مختصر الروضة 2 : 659، مبادئ الوصول : 156، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 1011 ، المختصر في أصول الفقه : 164 ، التحبير شرح التحرير 6 :  2761.</ref> أنّ دخول الفعل على العين يوجب الإجمال.
وذلك كما في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»<ref> النساء : 23.</ref>، وقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ»<ref> المائدة : 3.</ref>، وقوله: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»<ref> البقرة : 275.</ref>، بناءً على عدم مصدريّة البيع والربا ـ  كما هو كذلك عرفا  ـ فقد نسب إلى عدّة من العلماء كأبي يعلى، وأبي الفرج المقدسي، والكرخي، وأبي عبداللّه‏ البصري<ref> انظر : العدّة في أصول الفقه أبي يعلى 1 : 68، التبصرة : 201، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4 : 13، شرح مختصر الروضة 2 : 659، مبادئ الوصول : 156، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 1011 ، المختصر في أصول الفقه : 164 ، التحبير شرح التحرير 6 :  2761.</ref> أنّ دخول الفعل على العين يوجب الإجمال.
توضيح ذلك: أنّ التحليل والتحريم قد يردان على الأفعال، كقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ»<ref> البقرة : 187.</ref>، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ»<ref> البقرة : 228.</ref>، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً»<ref> البقرة : 229.</ref>، وقد يردان على الأعيان كالآيات السابقة.
توضيح ذلك: أنّ التحليل والتحريم قد يردان على الأفعال، كقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ»<ref> البقرة : 187.</ref>، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ»<ref> البقرة : 228.</ref>، وقوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً»<ref> البقرة : 229.</ref>، وقد يردان على الأعيان كالآيات السابقة.
سطر ١٧٢: سطر ١٧٢:
لكنه جواب غير صحيح؛ وذلك لأنّ مفاد هذا الكلام على التقديرين ـ  تقدير ورود التحريم على العين او على الفعل، وهو الأكل  ـ واحد، ضرورة أنّ حرمة العين في هذا الكلام إنّما يراد بها حرمة أكلها والتصرف فيها لا حرمة ذاتها، فيتحد المراد في حالتي الإظهار والإضمار، فلا فرق بين القولين «يحرم عصير الغير» و«يحرم أكل عصير الصغير»، فما ذكره من عدم إفادة ذلك تحريم العين ذاتا لا معنى محصّل له.
لكنه جواب غير صحيح؛ وذلك لأنّ مفاد هذا الكلام على التقديرين ـ  تقدير ورود التحريم على العين او على الفعل، وهو الأكل  ـ واحد، ضرورة أنّ حرمة العين في هذا الكلام إنّما يراد بها حرمة أكلها والتصرف فيها لا حرمة ذاتها، فيتحد المراد في حالتي الإظهار والإضمار، فلا فرق بين القولين «يحرم عصير الغير» و«يحرم أكل عصير الصغير»، فما ذكره من عدم إفادة ذلك تحريم العين ذاتا لا معنى محصّل له.


====2 ـ حديث الرفع====
=====2 ـ حديث الرفع=====
وهو ما روي عن النبي(ص) بطرق مختلفة في رفع بعض الأشياء عن أمّته، وللحديث صور مختلفة:
وهو ما روي عن النبي(ص) بطرق مختلفة في رفع بعض الأشياء عن أمّته، وللحديث صور مختلفة:
فمنها: قوله  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».<ref> فتح الباري 3 : 82 ، وانظر : أصول السرخسي 1 : 251.</ref>
فمنها: قوله  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».<ref> فتح الباري 3 : 82 ، وانظر : أصول السرخسي 1 : 251.</ref>
سطر ١٨٨: سطر ١٨٨:
ونظير ذلك في الفقه يتفق كثيرا، فإنّهم يختلفون في الحكم المستفاد من رواية بحسب اختلافهم في الاستظهار منها، وليس ذلك من الإجمال في شيء. نعم من لم يترجّح عنده أحد الوجوه السابقة وبقى متردّدا في المراد منه كان الحديث عنده من المجمل. فالإجمال إنّما هو عند من لايقدر على الاستظهار لا مطلقا. وهذا مراد من جعل الإجمال أحد وجوه المسألة. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 5 : 68.</ref>
ونظير ذلك في الفقه يتفق كثيرا، فإنّهم يختلفون في الحكم المستفاد من رواية بحسب اختلافهم في الاستظهار منها، وليس ذلك من الإجمال في شيء. نعم من لم يترجّح عنده أحد الوجوه السابقة وبقى متردّدا في المراد منه كان الحديث عنده من المجمل. فالإجمال إنّما هو عند من لايقدر على الاستظهار لا مطلقا. وهذا مراد من جعل الإجمال أحد وجوه المسألة. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 5 : 68.</ref>


====3 ـ نفي الذات====
=====3 ـ نفي الذات=====
وذلك كما في «لا صلاة إلاّ بطهور»<ref> وسائل الشيعة 1 : 368 ـ 369 كتاب الطهارة، باب 2 تحريم الدخول بغير طهارة ح3.</ref>، و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»<ref> سنن الدارمي 1 : 282 كتاب الصلاة، باب لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب باختلاف.</ref>، و«لا نكاح إلاّ بولي»<ref> سنن الدارمي 2 : 137 كتاب النكاح ، باب النهي عن النكاح بغير  ولي.</ref>، و«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»<ref> وسائل الشيعة 5 : 194 ـ 195، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 2 كراهة تأخر جيران المسجد عنه ح3، 5.</ref>، ونحوها.
وذلك كما في «لا صلاة إلاّ بطهور»<ref> وسائل الشيعة 1 : 368 ـ 369 كتاب الطهارة، باب 2 تحريم الدخول بغير طهارة ح3.</ref>، و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»<ref> سنن الدارمي 1 : 282 كتاب الصلاة، باب لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب باختلاف.</ref>، و«لا نكاح إلاّ بولي»<ref> سنن الدارمي 2 : 137 كتاب النكاح ، باب النهي عن النكاح بغير  ولي.</ref>، و«لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد»<ref> وسائل الشيعة 5 : 194 ـ 195، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، باب 2 كراهة تأخر جيران المسجد عنه ح3، 5.</ref>، ونحوها.
فالمحكي عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي عبداللّه‏ البصري إجمالها. <ref> انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 17، شرح مختصر الروضة 2 :  663.</ref>
فالمحكي عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي عبداللّه‏ البصري إجمالها. <ref> انظر : الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 17، شرح مختصر الروضة 2 :  663.</ref>
سطر ١٩٩: سطر ١٩٩:
نعم، بالنسبة لخصوص من لايقرّ بالحقيقة الشرعيّة، ولا العرفية، ولا الانصراف إلى أقرب المجازات ولا غيرها ممّا يوجب الظهور، فهو عنده مجمل لامحالة.
نعم، بالنسبة لخصوص من لايقرّ بالحقيقة الشرعيّة، ولا العرفية، ولا الانصراف إلى أقرب المجازات ولا غيرها ممّا يوجب الظهور، فهو عنده مجمل لامحالة.


====4 ـ العام بعد ورود التخصيص====
=====4 ـ العام بعد ورود التخصيص=====
وقع الكلام بينهم في أنّ العام بعد ورود التخصيص عليه هل هو حجّة في الباقي، أم لا؟
وقع الكلام بينهم في أنّ العام بعد ورود التخصيص عليه هل هو حجّة في الباقي، أم لا؟
مثلاً إذا قال المولى: (أكرم جيراني) ثمّ قال: (لا تكرم الفسّاق منهم) فهل يكون العام المزبور حجّة في غير الفسّاق، وقابلاً للاستناد إليه إذا شُك في وجوب إكرام بعضهم لبعض الجهات ، أم لا ؟ فإذا قلنا  بحجّية العام في الباقي فهو، وإلاّ فلا يمكن التمسّك به في موارد الشك، وهذا هو الإجمال الحكمي وبالعرض.
مثلاً إذا قال المولى: (أكرم جيراني) ثمّ قال: (لا تكرم الفسّاق منهم) فهل يكون العام المزبور حجّة في غير الفسّاق، وقابلاً للاستناد إليه إذا شُك في وجوب إكرام بعضهم لبعض الجهات ، أم لا ؟ فإذا قلنا  بحجّية العام في الباقي فهو، وإلاّ فلا يمكن التمسّك به في موارد الشك، وهذا هو الإجمال الحكمي وبالعرض.
سطر ٢٠٩: سطر ٢٠٩:
لابدّ لكلّ مكلّف من تعيين موقفه عملاً واعتقادا مع إجمال الدليل، ونحاول ذكره ضمن ما يلي:
لابدّ لكلّ مكلّف من تعيين موقفه عملاً واعتقادا مع إجمال الدليل، ونحاول ذكره ضمن ما يلي:


====1 ـ التوقف عن الإفتاء بالدليل المجمل====
=====1 ـ التوقف عن الإفتاء بالدليل المجمل=====
لايجوز للفقيه الاستناد في مقام الإفتاء إلى ما ليس له دلالة وظهور ذاتا، أو يكون له ظهور ولكنه غير حجّة ـ  وهو الذي عبّرنا عنه بالمجمل حكما  ـ وذلك لفرض عدم الدلالة. وكذلك المتشابه الذي له ظهور غير مراد؛ لفرض العلم بعدم إرادة ظاهره، لايجوز معه العمل بالخطاب والاستناد إليه في مقام الإفتاء، بل يجب التوقف عن الفتوى مطلقا مع انحصار الدليل في هذا الخطاب المجمل. <ref> ميزان الأصول 1 : 517، روضة الناظر : 94، البحر المحيط 3 : 456، التحبير شرح التحرير 6 : 2752، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1225.</ref>
لايجوز للفقيه الاستناد في مقام الإفتاء إلى ما ليس له دلالة وظهور ذاتا، أو يكون له ظهور ولكنه غير حجّة ـ  وهو الذي عبّرنا عنه بالمجمل حكما  ـ وذلك لفرض عدم الدلالة. وكذلك المتشابه الذي له ظهور غير مراد؛ لفرض العلم بعدم إرادة ظاهره، لايجوز معه العمل بالخطاب والاستناد إليه في مقام الإفتاء، بل يجب التوقف عن الفتوى مطلقا مع انحصار الدليل في هذا الخطاب المجمل. <ref> ميزان الأصول 1 : 517، روضة الناظر : 94، البحر المحيط 3 : 456، التحبير شرح التحرير 6 : 2752، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1225.</ref>
والدليل عليه الأدلة المانعة عن الإفتاء بغير علم من الآيات والروايات، كقوله تعالى: «قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ»<ref> يونس : 59.</ref>، وقوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ»<ref> الصف : 7.</ref>، وغيرها ممّا ورد في هذا المضمون، وكقوله  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء».<ref> المحاسن 1 : 205، وسائل الشيعة 27 : 29 ـ 30 كتاب القضاء، باب 4 عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم ح31.</ref>
والدليل عليه الأدلة المانعة عن الإفتاء بغير علم من الآيات والروايات، كقوله تعالى: «قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ»<ref> يونس : 59.</ref>، وقوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ»<ref> الصف : 7.</ref>، وغيرها ممّا ورد في هذا المضمون، وكقوله  صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء».<ref> المحاسن 1 : 205، وسائل الشيعة 27 : 29 ـ 30 كتاب القضاء، باب 4 عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم ح31.</ref>
سطر ٢١٧: سطر ٢١٧:
هذا كلّه بالنسبة للدليل المجمل في مقدار إجماله، وأمّا الدليل إذا كان غير مجمل من بعض الجهات ـ  وإن كان مجملاً من جهات أخرى  ـ فيجوز الاستناد إليه والفتوى به في مقدار دلالته، وليس ذلك من الاستناد إلى المجمل. وكذلك كاللفظ المطلق إذا لم يكن بصدد البيان من جميع الجهات، بل من بعض الجهات، فإنّه يجوز الاستناد إليه بالنسبة لما كان  بصدد بيانه. وكذلك الإجماع والسيرة فإنّهما دليلان يستند إليهما لإثبات أصل الحكم، وأمّا بالنسبة  لخصوصيات الحكم فلا يمكن الأخذ بهما؛ لفرض عدم الإطلاق فيهما، فإنّهما من الادلّة اللبيّة غير  اللفظيّة التي ليس لها لسان يُؤَخذُ بإطلاقه، بل  يجب الفتوى بمقتضاهما في القدر المتيقن ثبوتهما فيه لا أكثر. <ref> انظر : بلغة الفقيه 2 : 148، حاشية كتاب المكاسب اليزدي 2 : 142، حاشية كتاب المكاسب (الأصفهاني) 4 : 280، مستند العروة الوثقى (الصلاة) 2 : 67، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 1 : 19.</ref>
هذا كلّه بالنسبة للدليل المجمل في مقدار إجماله، وأمّا الدليل إذا كان غير مجمل من بعض الجهات ـ  وإن كان مجملاً من جهات أخرى  ـ فيجوز الاستناد إليه والفتوى به في مقدار دلالته، وليس ذلك من الاستناد إلى المجمل. وكذلك كاللفظ المطلق إذا لم يكن بصدد البيان من جميع الجهات، بل من بعض الجهات، فإنّه يجوز الاستناد إليه بالنسبة لما كان  بصدد بيانه. وكذلك الإجماع والسيرة فإنّهما دليلان يستند إليهما لإثبات أصل الحكم، وأمّا بالنسبة  لخصوصيات الحكم فلا يمكن الأخذ بهما؛ لفرض عدم الإطلاق فيهما، فإنّهما من الادلّة اللبيّة غير  اللفظيّة التي ليس لها لسان يُؤَخذُ بإطلاقه، بل  يجب الفتوى بمقتضاهما في القدر المتيقن ثبوتهما فيه لا أكثر. <ref> انظر : بلغة الفقيه 2 : 148، حاشية كتاب المكاسب اليزدي 2 : 142، حاشية كتاب المكاسب (الأصفهاني) 4 : 280، مستند العروة الوثقى (الصلاة) 2 : 67، بحوث في شرح العروة الوثقى (الصدر) 1 : 19.</ref>


====2 ـ جواز الرجوع إلى الأدلة العقلية والنقليّة الثابتة لمقام الشك====
=====2 ـ جواز الرجوع إلى الأدلة العقلية والنقليّة الثابتة لمقام الشك=====
وهذا إنّما يتفق عند فقد الدليل الخاص أو العام الخالي عن الإجمال والمعارض. <ref> انظر : فرائد الأصول 1 : 25 ـ 26.</ref>
وهذا إنّما يتفق عند فقد الدليل الخاص أو العام الخالي عن الإجمال والمعارض. <ref> انظر : فرائد الأصول 1 : 25 ـ 26.</ref>
وهي عبارة عن الأصول العملية المبيِّنة للوظيفة العمليّة ـ  دون الواقع  ـ من الاحتياط والبراءة والتخيير والاستصحاب، وكذلك أصالة الحلّ والإباحة فيما إذا كان الشك فيهما، وأصالة الطهارة عند الشك في الطهارة. أو القياس والاستحسان ونحوهما ـ  عند القائلين بها  ـ لأنّ هذه الأدلة إنّما يرجع إليها عند فقد النص أو إجماله كما صرّح به غير واحد. <ref> انظر : ميزان الأصول 2 : 910، إرشاد الفحول 2 : 91.</ref>
وهي عبارة عن الأصول العملية المبيِّنة للوظيفة العمليّة ـ  دون الواقع  ـ من الاحتياط والبراءة والتخيير والاستصحاب، وكذلك أصالة الحلّ والإباحة فيما إذا كان الشك فيهما، وأصالة الطهارة عند الشك في الطهارة. أو القياس والاستحسان ونحوهما ـ  عند القائلين بها  ـ لأنّ هذه الأدلة إنّما يرجع إليها عند فقد النص أو إجماله كما صرّح به غير واحد. <ref> انظر : ميزان الأصول 2 : 910، إرشاد الفحول 2 : 91.</ref>


====3 ـ الالتزام والاعتقاد بالواقع====
=====3 ـ الالتزام والاعتقاد بالواقع=====
لا خلاف بينهم في وجوب الاعتقاد بالواقع حال الشك فيما لابدّ فيه من الاعتقاد، كالتوحيد ونفى الجسمية عن اللّه‏ تعالى وعلمه، ونبوة النبي الخاتم '''محمّد بن عبداللّه‏  صلى‏الله‏ عليه‏ و‏آله'''، وغيرها من أصول الدين، التي يكون للاعتقاد بها دخل في أصل الإيمان والإسلام، فيجب الاعتقاد بها على التفصيل للعالم بالحال، وبما هو الواقع على الإجمال في حال الفحص، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع فيجب الاعتقاد بمضمونه، وإلاّ فيجب الاعتقاد بما هو الواقع، فمثلاً من لايعلم أنّ اللّه‏ تعالى هل يمكن أنّ يكون جسما أو يكون له مكان أم لا؟ وهل يمكن له الحلول أم لا؟ فإنّ هذا الشاك يجب أن يكون حال فحصه معتقدا بما هو الواقع، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع على نفيه يعتقد به، وإلاّ فهو على اعتقاده الإجمالي.
لا خلاف بينهم في وجوب الاعتقاد بالواقع حال الشك فيما لابدّ فيه من الاعتقاد، كالتوحيد ونفى الجسمية عن اللّه‏ تعالى وعلمه، ونبوة النبي الخاتم '''محمّد بن عبداللّه‏  صلى‏الله‏ عليه‏ و‏آله'''، وغيرها من أصول الدين، التي يكون للاعتقاد بها دخل في أصل الإيمان والإسلام، فيجب الاعتقاد بها على التفصيل للعالم بالحال، وبما هو الواقع على الإجمال في حال الفحص، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع فيجب الاعتقاد بمضمونه، وإلاّ فيجب الاعتقاد بما هو الواقع، فمثلاً من لايعلم أنّ اللّه‏ تعالى هل يمكن أنّ يكون جسما أو يكون له مكان أم لا؟ وهل يمكن له الحلول أم لا؟ فإنّ هذا الشاك يجب أن يكون حال فحصه معتقدا بما هو الواقع، ثمّ إذا ظفر بدليل قاطع على نفيه يعتقد به، وإلاّ فهو على اعتقاده الإجمالي.
وكذلك الكلام في فروع الدين، فيجب الاعتقاد تفصيلاً بما ثبت منها قطعيا، كأصل الصلاة والحج، وإجمالاً بالنسبة لما كان الدليل عليه غير واضح الدلالة أو مبتلى بالمعارض، فيجب الاعتقاد بما هو الواقع على كلّ حال؛ لأ نّه من لوازم الإيمان بما جاء به النبيّ(ص). <ref> انظر : فوائد الأصول 3 : 80 ـ 81 .</ref>
وكذلك الكلام في فروع الدين، فيجب الاعتقاد تفصيلاً بما ثبت منها قطعيا، كأصل الصلاة والحج، وإجمالاً بالنسبة لما كان الدليل عليه غير واضح الدلالة أو مبتلى بالمعارض، فيجب الاعتقاد بما هو الواقع على كلّ حال؛ لأ نّه من لوازم الإيمان بما جاء به النبيّ(ص). <ref> انظر : فوائد الأصول 3 : 80 ـ 81 .</ref>
سطر ٢٢٧: سطر ٢٢٧:
وبعبارة أخرى: هل تحرم المخالفة القطعية للعلم الإجمالي في مقام الالتزام والاعتقاد، كما تحرم مخالفته القطعية في مقام العمل، فيجب عندئذٍ الاعتقاد والالتزام بما هو الواقع، أو ينحصر الحرمة بالمخالفة العمليّة؟ وهذا بحث تعرض له الأصوليون<ref> انظر : معارج الأصول : 131، معالم الدين : 178، القوانين المحكمة : 181، مناهج الأحكام : 20، الفصول الغروية : 256، فرائد الأصول 1 : 84 ـ 87 ، كفاية الأصول : 268، مقالات الأصول 2 : 26، فوائد الأصول 3 : 80 .</ref>، وذهب بعضهم إلى عدم وجوب الموافقة الالتزامية هنا، وبعضهم إلى الوجوب على نحو الإجمال بالالتزام بما هو الواقع.
وبعبارة أخرى: هل تحرم المخالفة القطعية للعلم الإجمالي في مقام الالتزام والاعتقاد، كما تحرم مخالفته القطعية في مقام العمل، فيجب عندئذٍ الاعتقاد والالتزام بما هو الواقع، أو ينحصر الحرمة بالمخالفة العمليّة؟ وهذا بحث تعرض له الأصوليون<ref> انظر : معارج الأصول : 131، معالم الدين : 178، القوانين المحكمة : 181، مناهج الأحكام : 20، الفصول الغروية : 256، فرائد الأصول 1 : 84 ـ 87 ، كفاية الأصول : 268، مقالات الأصول 2 : 26، فوائد الأصول 3 : 80 .</ref>، وذهب بعضهم إلى عدم وجوب الموافقة الالتزامية هنا، وبعضهم إلى الوجوب على نحو الإجمال بالالتزام بما هو الواقع.


====4 ـ الامتثال الإجمالي====
=====4 ـ الامتثال الإجمالي=====
وهو الامتثال الذي يعلم بعده المكلّف ـ  علما إجماليا  ـ بتحقق مصداق المأمور به في  الخارج وإن كان لايعلم حين العمل أنّ ما يفعله مصداق  للمأمور به أم لا؟ وهو المسمّى بالاحتياط، وفي قباله الامتثال التفصيلى وهو الذي يعلم المكلّف حين  العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به، سواء كان بتكرار العمل أو بفعله مع ما يحتمل دخله من الاجزاء والشرائط.
وهو الامتثال الذي يعلم بعده المكلّف ـ  علما إجماليا  ـ بتحقق مصداق المأمور به في  الخارج وإن كان لايعلم حين العمل أنّ ما يفعله مصداق  للمأمور به أم لا؟ وهو المسمّى بالاحتياط، وفي قباله الامتثال التفصيلى وهو الذي يعلم المكلّف حين  العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به، سواء كان بتكرار العمل أو بفعله مع ما يحتمل دخله من الاجزاء والشرائط.
ولا إشكال في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي مع عدم التمكُّن من التفصيلي علما أو ظنا معتبرا؛ لانحصار الامتثال وأداء الوظيفة عندئذٍ فيه.
ولا إشكال في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي مع عدم التمكُّن من التفصيلي علما أو ظنا معتبرا؛ لانحصار الامتثال وأداء الوظيفة عندئذٍ فيه.