الأصل المحرز وغير المحرز

الأصل المحرز وغير المحرز: الأصل المحرز من مستحدثات أصول الفقه الشيعي. وقد ساوى أكثر الأصوليين بينه وبين الأصل التنزيلي. [١]
لكن قد يفرق بينهما من حيث إنّ اللحاظ في الأصل التنزيلي هو تنزيل الحكم منزلة الواقع، كما هو الحال في «كلّ شيء لك حلال حتی تعرف أنه حرام»[٢] أو «كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنه نجس»[٣] ففي الموردين نزِّل مشكوك الحلّية والطهارة منزلة الحلال الواقعي والطاهر الواقعي، أمّا الأصل المحرز فينزل الاحتمال المقوِّم له منزلة اليقين، ففي الاستصحاب ينزَّل الاحتمال المقوّم له منزلة اليقين. [٤]

تعريف الأصل المحرز وغير المحرز

وقد وردت عدّة تعاريف له:
منها: عبارة عن الأصل الذي يكون المجعول فيه البناء العملي على أحد طرفي الشكّ على أنّه الواقع دون إثباته للواقع ولا كشفه عنه. [٥]
ومنها: الأصل الذي يكون ناظرا إلى الكشف عن الواقع. [٦]
ومنها: الحكم الظاهري الذي قد لوحظ فيه مضافا إلى أهمّية المحتمل درجة الكاشفية وقوة الاحتمال. [٧] وقد مثل للأصل المحرز بالاستصحاب و قاعدة الفراغ والتجاوز و أصالة الصحة في فعل الغير. [٨]
والأصل غير المحرز هو: ما كان المجعول فيه مجرّد تطبيق العمل على أحد طرفي الشكّ، من دون البناء على أنّه هو الواقع. [٩]
أو هو: مجرد كونه وظيفة عملية للجاهل بالواقع، وليس فيه أي جنبة كشف عنه. [١٠]
أو هو: ما لم تلحظ فيه قوّة الاحتمال، بل أهمّية المحتمل فقط. [١١]
ويمثَّل له بـ الاحتياط الشرعي والعقلي، و البراءة الشرعية والعقلية. [١٢]

ثمرات الفرق بين الأصل المحرز وغير المحرز

همَّ البعض بالتفريق بين الأصل المحرز والأصل غير المحرز من حيث الثمرة المترتبة على كلٍّ منهما، فذكروا الأمور التالية:
1 ـ قيام الأصول المحرزة مقام القطع الطريقي دون الأصول غير المحرزة.
2 ـ عدم جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الإجمالي مطلقا، سواء كان مؤداها نفي التكليف المعلوم بالإجمال ولزم من جريانها مخالفة عملية أو كان مؤداها ثبوت التكليف المعلوم بالإجمال أو لم يلزم من جريانها مخالفة عملية، فإنّ التعبّد ببقاء الواقع في كلّ واحد من أطراف العلم الإجمالي ينافي العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في أحدها، بينما لا مانع من جريان غير المحرزة هنا؛ لأنّ المجعول فيها مجرّد تطبيق العمل على أحد طرفي الشكّ، فلا مانع من التعبُّد بها في أطراف العلم الإجمالي إذا لم يلزم منها مخالفة عملية. [١٣] إلاّ أنّ الكثير من الأصوليين ناقشوا في هذا التفريق. [١٤]
3 ـ تقديم الأصل المحرز على غيره عند التعارض، وذلك إمّا من باب الحكومة أو الورود أو التخصيص، بل قدم على غيره من الأصول العقلية والشرعية غير المحرزة، وقد ذكرت عدّة تبريرات لذلك. [١٥]

ملاك الإحراز في الأصل المحرز

وهناك احتمالات ثلاثة، بل أقوال ثلاثة في بيان ملاك الإحراز في هذا الأصل:
القول الأوّل: أنّ ملاك الإحرازية في هذا الأصل هو أنّ الشارع لاحظ فيه درجة الكاشفية وقوة الاحتمال مضافا إلى لحاظ أهمّية المحتمل فيه. [١٦]
القول الثاني: أنّ ملاك الإحرازية في الأصل هو كون دليله منزّلاً لنفس الأصل منزلة اليقين من حيث الجري العملي[١٧]، لا من حيث الكشف، بمعنى: أنّه كما يجب عند حصول اليقين أن يتمّ الجري العملي على طبقه فكذا عند قيام الأصل الإحرازي. ويدّعي أصحاب هذا القول أنّ الاستصحاب أصل إحرازي بهذا المعنى.
القول الثالث: أنّ ملاك الإحرازية في هذا الأصل هو كون دليله منزلاً لنفس الأصل منزلة اليقين من حيث الكاشفية[١٨]. فلم يبق على أساس هذا القول فرق بين الأصول الإحرازية و الأمارات في المجعول، وإنّما الفرق في أنّ الشكّ قد أخذ في موضوع الأصل الإحرازي، حيث إنّ الحكم بالطهارة الظاهرية مثلاً تجعل في وعاء الشكّ في الطهارة الواقعية، في حين أنّ الشكّ لم يُؤذ في موضوع الأمارة.
ويدّعي أصحاب هذا القول أنّ الاستصحاب أصل إحرازي بهذا المعنى.
والفرق بين القول الأوّل والقولين الأخيرين، أنّ القول الأوّل لوحظت فيه قوة الاحتمال إضافة إلى أهمّية المحتمل في حين أنّ الأخيرين لوحظ فيهما تنزيل الأصل المحرز منزلة اليقين، وإن كان بين الثاني والثالث فرق من ناحية حيثية التنزيل.
وتترتب على كلّ مبنى من هذه المباني ثمرات أصولية أو فقهيّة، للاطّلاع عليها راجع مظان بحثها في الكتب الأصولية.

المصادر

  1. فوائد الأصول 4: 692، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 251، منتهى الأصول 2: 478، تهذيب الأصول الخميني 2: 318، مصباح الأصول 2: 206، المحكم في أصول الفقه 4: 198.
  2. وسائل الشيعة 17: 89 كتاب التجارة، باب 4 عدم جواز الإنفاق في الكسب الحرام ح 4.
  3. وسائل الشيعة 3: 466 كتاب الطهارة، باب 37 إنّ كلّ شيء طاهر حتّى يعلم ورود النجاسة عليه، أحاديث الباب.
  4. صدر، دروس في علم الأصول 2: 323 ـ 324.
  5. منتهى الأصول 2: 478.
  6. مصباح الأصول 2: 38.
  7. بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 17، دروس في علم الأصول 2: 325.
  8. نهاية الأفكار 4ق2: 62 ـ 63، تحريرات في الأصول 7: 358.
  9. فوائد الأصول 4: 486.
  10. مصباح الأصول 2: 40.
  11. دروس في علم الأصول 2: 325.
  12. مصباح الأصول 2: 40.
  13. فوائد الأصول 4: 693 بتصرّف.
  14. تهذيب الأصول الخميني 2: 320 ـ 321، أجود التقريرات 3: 98 ـ 99، مصباح الأصول 3: 259 ـ 261.
  15. فوائد الأصول 4: 597 ـ 601، وأنظر: دروس في علم الأصول 2: 324، زبدة الأصول الروحاني 4: 173 ـ 176.
  16. بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 17، دروس في علم الأصول 2: 325.
  17. فوائد الأصول 4: 10، 14، 486، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 18، دروس في علم الأصول 2: 324.
  18. مصباح الأصول 2: 38 و3: 154.