اقتضاء الأمر المرّةَ أو التكرارَ

مراجعة ١٨:٣٣، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '=المصادر=↵{{الهوامش}}' ب'== الهوامش == {{الهوامش}}')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

اقتضاء الأمر المرّةَ أو التكرارَ: والمراد من الأمر أعم من المادة والصيغة، فالبحث عن الاقتضاء شامل للمادة والصيغة. والسؤال هو هل کانت دلالة الأمر المطلق علی الوجوب کـ: «اشتر اللحمَ من السوق» تقتضي تکرار الشراء أو يکفي فيه مرةً واحدةً؟

اقتضاء الأمر المرّة أو التكرار

اختلف الأصوليون في دلالة الأمر المطلق غير المقترن بقرينة على لزوم الإتيان به وامتثاله مرّة واحدة أو على تكرار الإتيان به.
والأكثر وإن طرحوا هذا البحث تحت عنوان الصيغة، ونصَّ البعضُ على اختصاص هذا البحث بالصيغة[١] إلاّ أنّ الحجج الواردة في هذا المجال لا يبدو اختصاصها بالصيغة، بل تعمُّ مادة الأمر كذلك[٢] .
وقد وردت في هذا المجال عدّة آراء عن الأصوليين:
الرأي الأوّل: كون الأمر لا يقتضي بظاهره أكثر من فعل مرّة، والزيادة تحتاج إلى دليل. نسب إلى الشافعي [٣] ، وذهب إليه السرخسي ونسبه إلى علماء مذهبه (الحنفية) [٤] ، كما ذهب إليه الشيخ الطوسي [٥] .
استدلّ على هذا الرأي باُمور:
الأوّل: شاهد الحال يقتضي إفادة الأمر مرّة دون التكرار، بحيث إذا قال السيّد لغلامه: «اسقني ماءً» لا يعقل منه الطلب أكثر من مرّة، ولو كرّر العبد لعُدَّ سفيهاً.
الثاني: لو اقتضى الأمر استغراق جميع الأوقات ووجب فعله في سائر الأوقات لاستغرق جميع الأماكن والأحوال ولوجب فعله على سائر الأحوال وفي سائر الأماكن، وهذا ما لا يقوله أحد.
الثالث: لو وجب التكرار لجاز تطليق الزوجة أكثر من مرّة، وهو خلاف الإجماع.
الرابع: الأمر بالشيء أمر بإحداثه، فيجري في ذلك مجرى الخبر عن إحداثه، فكما أنّ الخبر عن إحداثه لا يقتضي أكثر من مرة كذلك الأمر.
الخامس: قول النبي(ص) حيث سأله سراقة بن مالك بن جشعم المدلجي في الحجّ: ألعامنا هذا يا رسول اللّه‏ أم للأبد؟ فقال (ص): «بل لعامنا هذا، ولو قلت نعم لوجب». وهذا يكشف عن أنّ بيانه كان كافياً للفعل مرّة واحدة في ذلك العام، ولو كان الأمر يقتضي التكرار لما احتاج إلى ذلك[٦] .
الرأي الثاني: كون الأمر يقتضي التكرار، لكن قيِّد بالإمكان، لتخرج أوقات ضروريات الإنسان[٧] ، قال به أبو اسحاق الشيرازي ونسبه إلى بعض أصحابه (الشافعيين) [٨] ونسبه الشيخ الطوسي إلى قوم شذاذ[٩] ، وحكاه السرخسي عن المزني[١٠] ، ونسبه السبكي إلى اُستاذه وجماعة من الفقهاء والمتكلّمين[١١] ، ونُسب في (المسودة) إلى أكثر الأصحاب (الحنبليين) وبعض الشافعية [١٢]. استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
الأوّل: الحديث الذي استدلّ به أصحاب القول باقتضاء الأمر المرّة، وبرّروا الاستدلال به بقولهم: لو لم تكن صيغة الأمر في قول الرسول: «حجّوا» محتملاً للتكرار أو موجباً له لأنكر عليه الرسول سؤاله، مع أنّ الرسول أجابه بقوله: «بل مرّة» ما يعني اقتضاء كلامه التكرار[١٣] .
واستدلَّ كذلك بروايات أخرى من قبيل قول الرسول (ص) بعد ما جيء بشارب الخمر: «اضربوه»[١٤] فكرّر المسلمون الضرب عليه، ما يعني فهم التكرار من الأمر.
وردّ هذا بأنّ هناك قرينة معنوية تفيد التكرار، وهي الزجر التي لا تحصل بمرّة واحدة[١٥] .
كما احتمل البعض إمكانية الاستدلال لهذا الرأي بقوله(ص) «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»[١٦].
لكن رُدّ بضعفه أوّلاً وبظهوره في الاستحباب ثانياً[١٧].
الثاني: قياس الأمر على النهي؛ باعتباره يقتضي التكرار، لكن رفض هذا الدليل من حيث عدم صحّة القياس في اللغة[١٨] .
الثالث: استصحاب وجوب الطبيعة بعد الإتيان بها مرّة.
وهو ما احتمله البعض كدليل يمكن الاستدلال به على هذا الرأي، لكن ردّه أوّلاً: بأنّ الاستصحاب يقتضي لزوم الفور أوّلاً.
وثانياً: أنّ فرض تعلّق الوجوب بالطبيعة على إطلاقها مستلزم للعلم بسقوطه بالمرّة، واحتمال بقاء الوجوب إنّما يكون لاحتمال تعلّقه بالطبيعة بقيد التكرار، وهو مخالف للإطلاق وللأصل العملي الذي يقتضي البراءة عن اعتبار قيد المرّة أو التكرار أو مانعيتهما[١٩].
وذكر الآمدي للذاهبين إلى هذا الرأي أدلّة أخرى معتبراً إيّاها شُبهاً وردَّها[٢٠] .
الرأي الثالث: التوقُّف. وقد ذهب إلى هذا السيّد المرتضى [٢١] ونُسب إلى الأشعرية[٢٢] ، ونسبه الزركشي إلى القاضي أبي بكر وجماعة الواقفية[٢٣] .
استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
الأول: أنّ الأمر لا يدلّ بظاهره على العدد، فلا يمكننا تحميله ما لا يقتضيه.
الثاني: أنّ الأمر حقيقة مشتركة بين المرّة والتكرار، وقد ورد في القرآن الدلالة عليهما، فلا يمكن القول بأحدهما إلاّ بقرينة.
الثالث: يحسن للمستمع أن يسأل عن المرّة والتكرار ممّن أطلق الأمر ولم يحدد، ممّا يعني اشتراك اللفظ للدلالة على كلا المعنيين.
الرابع: حسن تقييد الآمر أمره بالمرّة أو التكرار، بأن يقول: «افعله مرة» أو «افعله أبداً»، ولو كان موضوعاً لأحدهما لما حسن تقييده به[٢٤] .
الخامس: كون الصيغة وضعت لأحدهما فقط ونجهل لأيّهما فنتوقّف[٢٥] .
الرأي الرابع: كونه لا يقتضي المرّة ولا التكرار، أي كونه حقيقة في القدر المشترك ، وهو طلب الإتيان بالأمر.
ذهب إليه الجويني[٢٦] ، والآمدي[٢٧] ، و الشيخ أبو منصور[٢٨] ، والشاشي[٢٩] ، واعتبره ابن الهمام هو المختار عند الحنفية[٣٠] ، ونسبه الشوكاني إليهم كذلك[٣١] ، كما أنّه مذهب جلّ متأخّري الشيعة، مثل: الآخوند الخراساني[٣٢] والسيّد الخوئي[٣٣] والشهيد محمّد باقر الصدر[٣٤] .
استدلّوا على هذا الرأي باُمور:
الأوّل: العرف والظاهر، فإذا قال الرجل لزوجته: «طلّقي نفسك» فقالت: «طلّقت» يقع الواحدة، ولو نوى الثلاث، صحّت نيّته[٣٥] .
الثاني: إطباق أهل العربية على أن هيئة الأمر لا دلالة لها إلاّ على طلب شيء خاصّ في زمان خاصّ، ولا تدلُّ على غير مجرّد الفعل[٣٦] .
الثالث: لو كان الأمر المطلق دالاًّ على المرّة كان تقيُّده بها تكراراً، وتقييده بالمرّات نقضاً، والملازمة بيّنة، واللازم باطل ، مع أنّه يصحّ قول « افعل ذلك مرّة » أو « افعل ذلك مرّات».
الرابع: ورد شرعاً وعرفاً صيغة الأمر للمرّة والتكرار، فقد ورد الأمر للتكرار شرعاً، كما في قوله تعالى: «وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ»[٣٧]، و«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»[٣٨].
وورد الأمر للتكرار عرفاً، مثل قولهم: «احفظ دابتي» و«أحسن إلى الناس».
وورد الأمر للدلالة على المرّة شرعاً، كالآية الكريمة: «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ»[٣٩].
كما ورد الأمر للمرّة عرفاً في مثل قولهم: «ادخل الدار» وقول السيّد للعبد: «اشتر اللحم» فيلزم القول بأنّه حقيقة فيهما أو مجاز في أحدهما، وهما خلاف الأصل، فيقال بالقدر المشترك، ولا يكون خلاف الأصل. لكنّ ردّ البعض هذا بأنّه إذا استعمل في طلب خاصّ (للمرّة أو التكرار) يكون قد استعمل في غير ما وضع له، فيلزم المجاز[٤٠] .
الخامس: كون الأمر يدلُّ على طلب الطبيعة دون الفرد، والطبيعة مرددة بين المرّة والتكرار[٤١] .
وورد مجمل هذا الدليل عن جلّ متأخّري الشيعة بأنحاء مختلفة مع تفاصيل دقيقة وبيان لكيفية التعامل مع الأمر الخالي عن القرينة الدالة على المرّة أو التكرار، فقد ورد عن السيّد الخوئي أنّ الأمر إذا خلى عن قرينة تفيد المرّة والتكرار كان المرجع الإطلاق ودفع احتمال التقييد، ويحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد واحد أو أفراد متعددة طولية أو عرضية، وإذا كان الأمر مجملاً أو مهملاً يصل الدور إلى الأصل العملي الذي يقتضي البراءة عن اعتبار قيد زائد على صرف الطبيعة من الوحدة أو التعدد[٤٢] .
والشهيد الصدر أشار إلى هذا الدليل بعد تعرضه لقضية انحلال بعض التكاليف (الوجوبية والتحريمية) بتعدُّد أفراد الموضوع وعدم انحلال بعضها الآخر[٤٣] .
وفصَّل السيّد الحكيم البحث من حيث إنّ المرّة والتكرار قد يكونان من شؤون المكلّف به المستفاد من المادّة أو نحوها، وقد يكونان من شؤون التكليف المستفاد من الصيغة ونحوها، وعلى كلّ حال يرى عدم دلالة الأمر على المرّة أو التكرار، وأنّ الأمر يدلُّ على طلب الطبيعة[٤٤] .

التكرار في الأمر المعلَّق

الكلام في المرّة والتكرار خاصٌّ بما إذا كان الأمر مطلقاً، أمَّا إذا كان معلّقاً فإذا كان معلقاً على علّة اتّبع العلّة دائماً، وإن كان معلّقاً على شرط أو صفة أفاد التكرار كذلك في الموارد المقتضية له، مثل «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»[٤٥] لكن لا من حيث الصيغة ذاتها، بل من حيث التعليق، أمّا إذا لم يكن التعليق مقتضياً للتكرار فلا تكرار، من قبيل قول السيّد لعبده: «اشتر اللحم إن دخلت السوق» فالأمر هنا لا يقتضي التكرار وإن كان معلّقاً[٤٦] . وقد فصَّل الزركشي هنا ونقل عدّة أقوال في هذا المجال[٤٧] .

الهوامش

  1. . البرهان في أصول الفقه 1: 71.
  2. . المحكم في أصول الفقه 1: 257.
  3. . البحر المحيط 2: 386.
  4. . أصول السرخسي 1: 20.
  5. . العدّة في أصول الفقه 1: 199 ـ 200.
  6. . أنظر: العدة في أصول الفقه 1: 199 ـ 200، البرهان في أصول الفقه 1 : 72، ميزان الأصول 1: 231.
  7. . إرشاد الفحول 1: 347.
  8. . اللمع: 49 ـ 51.
  9. . أنظر: العدة في أصول الفقه 1: 200.
  10. . أصول السرخسي 1: 20.
  11. . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 48.
  12. . المسوّدة: 18.
  13. . أصول السرخسي 1: 20.
  14. . صحيح البخاري 6: 2488، كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال ح6393.
  15. . الفائق في أصول الفقه 1: 212.
  16. . صحيح البخاري 6: 2658 باب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب 3 ح6858، بحار الأنوار 22: 31.
  17. . المحكم في أصول الفقه 1: 259 ـ 260.
  18. . التقرير والتحبير 1: 384.
  19. . المحكم في أصول الفقه 1: 259 ـ 260.
  20. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 376 ـ 380.
  21. . الذريعة 1: 100.
  22. . المسوّدة: 18.
  23. . البحر المحيط 2: 388.
  24. . الذريعة 1: 100 ـ 101.
  25. . الإبهاج في شرح المنهاج 2: 50.
  26. . البرهان في أصول الفقه 1: 74.
  27. . الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 378 ـ 379.
  28. . أنظر: ميزان الأصول 1: 231.
  29. . أصول الشاشي: 107 ـ 109.
  30. . التقرير والتحبير 1: 383.
  31. . إرشاد الفحول 1: 346 ـ 347.
  32. . كفاية الاصول: 77 ـ 78.
  33. . مصباح الأصول 1ق1: 343 ـ 344.
  34. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 2: 121 ـ 132.
  35. . أصول الشاشي: 98 ـ 100.
  36. . التقرير والتحبير 1: 383، إرشاد الفحول 1: 349.
  37. . البقرة: 43.
  38. . البقرة: 183.
  39. . البقرة: 196.
  40. . الابهاج في شرح المنهاج 2: 58.
  41. . كفاية الأصول: 77 ـ 78.
  42. . مصباح الأصول 1ق1: 343 ـ 344.
  43. . بحوث في علم الأصول الهاشمي 2: 121 ـ 132.
  44. . المحكم في أصول الفقه 1: 258 ـ 259.
  45. . الإسراء: 78.
  46. . أنظر: الذريعة 1: 109 ـ 115، ميزان الأصول 1: 242 ـ 244، إرشاد الفحول 1: 351 ـ 352.
  47. . البحر المحيط 2: 388 ـ 392.