إجمال الأدلة

من ویکي‌وحدت

الإجمال أو «إجمال الأدلة» إصطلاحٌ في علم اصول الفقه یرتبط بدلالة الألفاظ لاستنباط الأحکام الشرعیة. لأن الأدلة اللفظیة ربما تکون غیر واضحة من حیث الدلالة، فلها أحکامٌ و لفقهاء الشیعة والسنة فیها آراء نبحثها في هذا المجال. وجدیر بالذکر أنّ الأصولیین لم يحصر دراستهم للإجمال بالمجمل من الألفاظ، بل ناقشوه في موارد أخرى كذلك، من قبيل أفعال الصحابة والمعصومين وتقاريرهم المجملة أو العلم الإجمالي، فتتوزع بحوث هذا الموضوع في عدة مداخل وقد أشرنا باختزال إلى بعضٍ هنا، ولم نحصر المقال بالبحوث اللفظية.

تعریف الإجمال لغةً

الإجمال: إفعال من الجَملْ، بمعنى الجمع، يقال: جمل الشيء وأجمله، أي: جمعه من غير تفصيل. [١] ومنه قوله تعالى: «لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً»[٢] أي: مجتمعا، لا نجوما متفرقة، كالآية والسورة. [٣] وكذا قولهم «العلم الإجمالي»[٤]؛ لتعلق العلم فيه بالجامع بما فيه من الدمج والإجمال، وكذا اللفظ المجمل؛ لاحتماله الوجوه والمعاني المختلفة. [٥] وقد يأتي بمعنى الاتّئاد والاعتدال أيضا، فيقال: أجمل في الطلب، أي: اعتدل ولم يفرط، ومنه قول الشاعر: الرزق مقسوم فأجمل في الطلب. [٦]

تعریف الإجمال اصطلاحاً

عُرّف المُجمَل في لسان جماعة: «بما لم تتّضح دلالته».[٧] وظاهر التعريف أنّ المجمل يكون له دلالة ولكنها غير واضحة، فلا يشمل ما ليس له دلالة ـ وهو المهمل ـ وقد صرّح به المرداوي. [٨] كما أنّ المراد من الدلالة ليست هي الدلالة العقلية، مثل دلالة أثر القدم على المرور، ودلالة الصوت على المصوّت؛ لأنّ الكلام هنا في مداليل الألفاظ والأفعال ومفاهيمها وضعا أو عرفا، لا في لوازمها، بل صريح بعضهم أ نّه خصوص الدلالة اللفظية الوضعية؛ لأ نّها المعهود في باب الألفاظ. [٩] وكيف كان فقد أورد على هذا التعريف، بأنّ وضوح الدلالة وعدمه للمخاطب تابع لعلمه بالوضع وعدمه، وليس كلّ مجهول كذلك «مجملاً» في الاصطلاح كما لايخفى. [١٠] فالصحيح تعريفه بعدم وضوح المراد لا الدلالة، ولذلك عدل إليه جماعة كالغزالي، إذ قال: «والمجمل: هو اللفظ الصالح لأحد معنيين، الذي لايتعيّن معناه لا بوضع اللغة، ولا بعرف الاستعمال».[١١] وقريب منه تعريف أبي الحسين البصري[١٢]، والمرتضى[١٣]، وأبي يعلى[١٤]، وأبي محمد الجوزي[١٥]، وابن اللحام[١٦]، والمرداوي[١٧]، له. وقال الآخوند الخراساني: «فما ليس له ظهور مجمل، وان علم بقرينة خارجيّة ما أريد منه، كما أنّ ما له ظهور مبيّن، وإن علم بالقرينة الخارجيّة أ نّه ما أريد ظهوره، وأ نّه مؤوّل».[١٨] وقال السيد الخوئى: «المجمل: اسم لما يكون معناه مشتبها وغير ظاهر فيه، والمبيّن: اسم لما يكون معناه واضحا وغير مشتبه».[١٩] ثمّ الظاهر من هذه التعاريف ـ بل هو كالصريح في بعضها ـ أنّ المجمل اصطلاح في ما لايفهم المراد منه، فإذا كان لفظ ـ مثلاً ـ كذلك، ولكن قد اتّضح المراد منه ببعض البيانات والقرائن الخارجيّة، فإنّ ذلك لايخرجه عن الإجمال، كما أنّ اللفظ اذا كان متضح المعنى في نفسه، ولكن علم من الخارج عدم إرادة ظاهره، فلا يخرج بذلك عن البيان في نفسه. كما أنّ الواضح أنّ الإجمال صفة للّفظ، فإنّه إذا كان واضح المعنى في نفسه فهو مبيّن، وإن كان غير واضح المعنى في نفسه فهو مجمل، فلا يختلف ذلك باختلاف الأفراد والأحوال من حيث العلم بالوضع وعدمه ـ كما يظهر من بعض الأصوليين ـ [٢٠]، ضرورة عدم توقف اجمال اللفظ وعدمه على علم الأشخاص وعدمه، وإلاّ لكان القرآن مجملاً بالنسبة إلى الأعجمي غير العارف باللغة العربيّة، ولايمكن القول به. [٢١] ثمّ إنّه قد يكون الكلام الواحد بالنسبة لبعض المعنى مبيّنا وبالنسبة لبعضها مجملاً، وذلك كاللفظ الصالح لإرادة الإطلاق منه، كقوله تعالى: «أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ»[٢٢] فإنّه بالنسبة لإيجاب أصل الصلاة على المكلّفين مبيّن؛ لأ نّه بصدد البيان من هذه الجهة، وأمّا بالنسبة لقيود الصلاة فمجمل وغير قابل للاستناد إليه؛ لوضوح عدم كون الآية بصدد البيان من هذه الجهة، فهى مبيّنة بالنسبة لأصل الحكم، ومجملة بالنسبة لقيوده وتفاصيله. [٢٣] وسيجى‏ء له زيادة توضيح في أسباب الإجمال.

الالفاظ ذات الصلة

1. المهمل

المهمل من الإهمال بمعنى ترك الشيء سدىً[٢٤]، وقد يسند إلى اللفظ، فيقال: لفظ مهمل، والفرق بينه وبين المجمل: أنّ المجمل هو اللفظ أو الفعل الذي يحتاج إلى بيان في حق السامع؛ لعدم ظهوره في معنى من المعاني، مع كونه معلوما لدى المتكلم، فهو لفظ مستعمل، بخلاف المهمل الذي لم يوضع لمعنى أصلاً، فيكون بذلك خارجا عن مقام الاستعمال، ويقال له: اللفظ غير المستعمل. [٢٥]

2. المتشابه

وهو من الاشتباه بمعنى الالتباس[٢٦]، يقال: اشتبهت الأمور وتشابهت، أي: التبست ولم تتميّز. والمتشابه من الكلام مقابل المحكم، قال اللّه‏ تعالى: «مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ».[٢٧] وفسّره الشيخ الطوسي قدس‏سره: بما لايعلم المراد بظاهره، حتى يقترن به ما يدلّ على المراد منه. [٢٨] وفسّره السيد المرتضى: بما يحتمل تأويلين مشتبهين احتمالاً شديدا، وظاهره يوضع لما يمنع منه العقل. [٢٩] والأقوال في تفسير المتشابه كثيرة، وقد أنهاها بعضهم إلى أكثر من عشرة أقوال ـ وإن كانت لا تخلو من التداخل والتكرار ـ . [٣٠]

3. المشترک

المشترك قسمان: معنوي، ولفظي. فالمعنوي: ما يكون له بحسب الوضع معنىً واحد كلّى ، وله أفراد متعددة، وهي إمّا مختلفة المراتب أو متحدة المراتب ، فالأول مشكّك ، و الثاني متواطئ. [٣١] وهذا النحو من الاشتراك ليس من الإجمال في شيء؛ لأنّ الكلّي يصدق على جميع أفراده ويدلّ على الجميع، كدلالة الإنسان على جميع أفراده، ودلالة السواد على جميع مراتبه، نعم لو استعمل في بعض أفراده بالخصوص من دون قرينة معيّنة فهو من الإجمال. [٣٢] وأمّا المشترك اللفظي ـ الذي هو المراد من لفظ «المشترك» عند الإطلاق ـ فهو ما اتّحد لفظه وتعدّد معناه بحسب الوضع، بحيث يكون اللفظ حقيقةً في كلٍّ منها. [٣٣] وأمّا إذا تعدّد المعنى بغير الوضع، فهو من الحقيقة والمجاز، كما إذا كان اللفظ موضوعا لِمعنى واحد ثمّ استعمل فيمعنى آخر بالمناسبة وبالقرينة. والاشتراك هذا مِمّا يُحتاج معه إلى البيان، ونصب القرينة على المراد، فهو من أفراد المتشابه كما صرّح به المرداوي، حيث قال: «الأصح إنّ المحكم ما اتضح معناه والمتشابه عكسه؛ لاشتراكٍ أو إجمالٍ أو ظهور تشبيهٍ كصفات اللّه‏ تعالى».[٣٤] بل من المجمل على ما مرّ من تفسير المجمل باللفظ الذي لا يدلّ على المراد بنفسه ومن غير بيان، أو ما يتردد بين محتملين فأكثر؛ لأنّ المشترك حاله كذلك، وقد صرّح به بعض الباحثين المعاصرين في علم الأصول[٣٥]، وحكى الزركشي التمثيل للمجمل به عن جماعة أيضا. [٣٦]

4. محکم

المحكم مقابل المتشابه، وقد مرّ اختلاف الكلمات في تعريف المتشابه فكذلك مقابله. والذي ينبغي ذكره هنا أنّ المحكم بما له من المعنى مقابل المجمل والمتشابه قطعا، وقد يجعل من أقسامه النصّ والظاهر. [٣٧]

المصادر

  1. لسان العرب 1 : 660، القاموس المحيط : 901، المصباح المنير : 110 مادة «جمل».
  2. الفرقان : 32.
  3. معجم مفردات ألفاظ القرآن : 110 مادة «جمل».
  4. دروس في علم الأصول 1 : 191.
  5. المعتمد 1: 293، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 11، الكاشف عن المحصول الرازي 5 : 32، شرح مختصر المنتهى 3 : 107، شرح الكوكب المنير : 219.
  6. لسان العرب 1 : 660 مادة «جمل».
  7. منتهى الوصول ابن الحاجب : 136، شرح مختصر المنتهى 3 : 107، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 999، جمع الجوامع 2 : 89 ، معالم الدين : 152، القوانين المحكمة : 162، الفصول الغروية : 224، كفاية الأصول : 252.
  8. التحبير شرح التحرير 6 : 2750 ـ 2751.
  9. مطارح الأنظار 2 : 295.
  10. المصدر السابق.
  11. المستصفى 1 : 279.
  12. المعتمد 1 : 293.
  13. رسائل الشريف المرتضى 2 : 286.
  14. العدّة في أصول الفقه 1 : 66.
  15. الإيضاح لقوانين الإصلاح : 21.
  16. المختصر في أصول الفقه : 158.
  17. التحبير شرح التحرير 6 : 2750.
  18. كفاية الأصول : 252.
  19. محاضرات في أصول الفقه 5 : 386.
  20. انظر : كفاية الأصول : 252، أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 250.
  21. انظر : دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 353.
  22. البقرة : 42.
  23. انظر : الذريعة 1 : 386.
  24. الصحاح 5 : 1854، القاموس المحيط : 1189، المصباح المنير : 641 مادة «همل».
  25. الصحاح 5 : 1854، لسان العرب 4 : 4164 مادة «همل».
  26. معجم مقاييس اللغة 3 : 243، الصحاح 6 : 2236، المصباح المنير : 304 مادة «شبه».
  27. آل عمران 7.
  28. التبيان 2 : 394 ـ 395.
  29. رسائل الشريف المرتضى 2 : 286.
  30. انظر : جامع البيان الطبري 3 : 170 ـ 181، البحر المحيط 1 : 450 ـ 451، التحبير شرح التحرير 3 : 1397 ـ 1399، الميزان في تفسير القرآن 3 : 31.
  31. البحر المحيط 2 : 52.
  32. انظر : الكاشف عن المحصول 5 : 50.
  33. انظر : المحصول الرازي 1 : 96.
  34. التحبير شرح التحرير 3 : 1395.
  35. انظر : دراسات في علم الأصول الخوئي 2 : 352، محاضرات في أصول الفقه 5 : 386، المهذّب في علم أصول الفقه المقارن 3 : 1078.
  36. البحر المحيط 1 : 452.
  37. البحر المحيط 1 : 452.