أقسام التأويل

أقسام التأويل: المراد بـ التأويل هو حمل اللفظ على غير ظاهره؛ مثل: «يَدُ اللّهِ فوقَ أيديهم» بتأويل اليد علی القدرة؛ وقال الإمامية: إنّ التأويل لايتطرّق إلى النصّ ولا إلى المجمل، بل إلى اللفظ الظاهر فقط، بينما توسّع الأحناف في التأويل فشمل النصّ عندهم. وللتأويل أقسام سنقدّمها.

أقسام التأويل

قسم التأويل بلحاظ قوّة معناه إلى عدّة أقسام[١]:

الأوّل: التأويل القريب

وهو الذي يرجّح على المعنى الظاهر بأدنى مرجّح لقربه.

الثاني: التأويل البعيد

وهو الذي يحتاج في ترجيحه على المعنى الظاهر إلى مرجح أقوى من الظاهر.

الثالث: التأويل المتعذّر

وهو الذي لايحتمله اللفظ أصلاً وخارج عن مقتضاه، فيجب ردّه وإن كان عليه دليل.

أنحاء التأويلات

تقدّم أنّ التأويل الصحيح ما استند إلى دليل يعتضد به المعنى الذي أوّل إليه اللفظ، وهذا الدليل الذي يترجّح به المعنى الجديد على المعنى الظاهر إمّا عقل أو قياس أو إجماع أو قرينة محتفّة بالكلام سواء كانت متّصلة أو منفصلة[٢]. وقد ذكر الفقهاء عدّة نصوص وردت عن الشارع قاموا بتأويلها عن ظاهرها على أساس وجود دليل من الخارج اقتضى ذلك:
منها: ما يدلّ عليه الإجماع أو النصّ، كما في قوله(ص): «إنّما الربا في النسيئة»[٣]. فقد ذكروا أنّه لايجوز حمله على ظاهره وهو حصر الربا في النسيئة، لثبوت الربا في بيع الربوي بمثله نقدا بـ الإجماع أو النصّ، وهو قوله(ص): «ولاتبيعوا البرَّ بالبر سواءً بسواء»[٤]، فيجب أن يحمل على مختلف الجنس. وهذا وإن كان من التأويلات البعيدة إلاّ أنّه يتعيّن لوجود المرجح القوي[٥].
منها: ما تدلّ عليه القرينة المتّصلة، مثل ما روي من الخلاف بين أحمد و الشافعي، فقد ذهب أحمد إلى أنّ الواهب ليس له الرجوع فيما وهب لقوله(ص): «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه»[٦]، ولمّا أورد عليه الشافعي أنّه ليس بمحرّم أن يعود الكلب في قيئه فبطل القياس، أجاب أحمد: إنّ النبي(ص) قال في صدر الحديث: «ليس لنا مثل السوء»، وبما أنّ الرجوع في الهبة مثل سوء، وقد نفاه صاحب الشريعة عن شرعه فلايكون ثابتا فيها، فلايجوز الرجوع في الهبة، وهذه قرينة متّصلة أوجبت التأويل المذكور[٧].
منها: ما تدلّ عليه القرينة المنفصلة، مثل ما ذكره بعض الفقهاء فيمن جاء من أهل الجهاد بمشرك، وادّعى المشرك أنّه أمنه وادّعى المسلم أسره، فهنا مقتضى الظاهر تصديق قول المسلم في دعواه الأسر، لكن لما كانت هناك قرينة منفصلة تدلّ على صدق المشرك كأن يكون أكثر بطشا وظاهر القوة في جسده، فإنّ هذه القرينة تقتضي تصديق كلام المشرك ودعواه[٨].
منها: التأويل بمقتضى وجود ظاهر آخر يمنع من الأخذ بظاهر الكلام مثل قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ»[٩]، فإنّه ظاهر في تحريم جلدها أيضا سواء دبغ أو لم يدبغ، لكن يوجد احتمال أنّ الجلد غير مراد من ظهور الآية هذه، وهذا الاحتمال يؤيّد بظهور قوله(ص): «أيّما إهاب دبغ فقد طهر»[١٠] فهذا عام يتناول إهاب الميتة وغيرها، فيكون هذا الظهور مقويا لاحتمال عدم إرادة جلد الميتة من الآية[١١].
ومنها: التأويل بمقتضى وجود النصّ، كما في قوله(ص) في شاة مولاة ميمونة: «ألا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به»، فقالوا: إنّها ميتة، قال(ص): «إنّما حرم من الميتة أكلها»[١٢]. فهذا نصّ في طهارة جلد الميتة بالدبغ، ويصلح لتأويل آية: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ».
منها: التأويل بمقتضى القياس، كما يقال: إنّ عدم ذكره تعالى للإطعام في كفارة القتل ظاهر في عدم وجوبه، لكن في المقابل قد يقال: باحتمال أن يكون واجبا مسكوتا عنه، وقد يستفاد من قياسه على إثباته في كفارة الظهار والصيام؛ لأنّ الكفارات حقوق للّه‏ تعالى وثبوت الامثال واحد، فثبوت الاطعام في تلك الكفارات تنبيه على ثبوتها في كفارة القتل[١٣].

المصادر

  1. . أنظر: أنيس المجتهدين 2: 848، إرشاد الفحول 2: 49، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2: 22.
  2. . أنظر: شرح مختصر الروضة 1: 564، أنيس المجتهدين 2: 848.
  3. . سنن ابن ماجة 2: 758 ـ 759 كتاب التجارات، باب 49 من قال لا ربا إلاّ في النسيئة، ح 2257.
  4. . السنن الكبرى البيهقي 5: 276 باب ما جاء من التشديد في تحريم الربا.
  5. . أنيس المجتهدين 2: 848، وانظر: المستصفى 1: 292، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2: 493 ـ 494.
  6. . سنن ابن ماجة 2: 798 كتاب الهبات، باب 5 الرجوع في الهبة، ح 2386.
  7. . أنظر: شرح مختصر الروضة 1: 564 ـ 565.
  8. . أنظر: شرح مختصر الروضة 1: 565 ـ 566.
  9. . المائدة: 3.
  10. . سنن الدارمي 2: 85 كتاب الأضاحي، باب الاستمتاع بجلود الميتة، وسنن ابن ماجة 2: 1193 كتاب اللباس، باب 25 لبس جلود الميتة إذا دبغت، ح 3609.
  11. . انظر: شرح مختصر الروضة 1: 566.
  12. . ورد في السنن الكبرى البيهقي 1: 15 باب طهارة جلد الميتة بالدبغ باختلاف في الألفاظ.
  13. . انظر: شرح مختصر الروضة 1: 566 ـ 567.