الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أقسام الاستصحاب»

أُضيف ٣٤٬٠١٢ بايت ،  ٥ أبريل ٢٠٢٣
ط
استبدال النص - '====' ب'====='
لا ملخص تعديل
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
(٨ مراجعات متوسطة بواسطة ٣ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''أقسام الاستصحاب:''' الاستصحاب اصطلاح لدی الفقهاء يريدون به استمرار الحکم الذي في الآن السابق إلی الآن اللاحق، کالحکم بطهارة هذا القميص الذي کان فيما سبق متيقن الطهارة ولکن الآن مشکوک الطهارة، فنحکم حينئذ بطهارته. ولهذا الاستصحاب أقسام کثيرة نقدمها في هذا المجال للقارئ الکريم.
'''أقسام الاستصحاب:''' [[الاستصحاب]] مصطلح لدی [[الفقهاء]] يريدون به استمرار الحکم الذي في الآن السابق إلی الآن اللاحق، کالحکم [[الطهارة|بطهارة]] هذا القميص الذي کان فيما سبق متيقن الطهارة ولکن الآن مشکوک الطهارة، فنحکم حينئذ بطهارته. ولهذا الاستصحاب أقسام کثيرة نقدمها في هذا المجال للقارئ الکريم.


=أقسام الاستصحاب=
=أقسام الاستصحاب=
سطر ١٥: سطر ١٥:
<br>'''أولاً:''' أنَّ ارتفاع القدر المشترك ليس مسبَّبا عن عدم حدوث الفرد الباقي، بل هو مسبَّب عن ارتفاع الفرد الزائل.
<br>'''أولاً:''' أنَّ ارتفاع القدر المشترك ليس مسبَّبا عن عدم حدوث الفرد الباقي، بل هو مسبَّب عن ارتفاع الفرد الزائل.
<br>'''ثانيا:''' ليس كلّ أصل جارٍ في الشكّ السببي رافعا لموضوع الأصل المسبَّبي وحاكما عليه، وهناك شروط  ينبغي تحقّقها لصيرورته رافعا وحاكما، وهي غير متوافرة هنا. <ref> المصدر السابق : 415 ـ 416.</ref>
<br>'''ثانيا:''' ليس كلّ أصل جارٍ في الشكّ السببي رافعا لموضوع الأصل المسبَّبي وحاكما عليه، وهناك شروط  ينبغي تحقّقها لصيرورته رافعا وحاكما، وهي غير متوافرة هنا. <ref> المصدر السابق : 415 ـ 416.</ref>
====الشبهة العبائية أو استصحاب الفرد المردّد====
=====الشبهة العبائية أو استصحاب الفرد المردّد=====
وردت مناقشات عديدة في جريان الاستصحاب الكلّي في القسم الثاني<ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 192 ـ 200، كفاية الأصول : 406 ـ 407، الاستصحاب الخميني : 84 ـ 87 ، دروس في علم الأصول 2 : 511  ـ  513.</ref>، منها ما يعرف بالشبهة العبائية المنسوبة للسيّد إسماعيل الصدر<ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 130، حقائق الأصول 2 : 458، أنوار الأصول 3 : 344.</ref>، وهي عبارة عمَّا يلي:
وردت مناقشات عديدة في جريان الاستصحاب الكلّي في القسم الثاني<ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 192 ـ 200، كفاية الأصول : 406 ـ 407، الاستصحاب الخميني : 84 ـ 87 ، دروس في علم الأصول 2 : 511  ـ  513.</ref>، منها ما يعرف بالشبهة العبائية المنسوبة للسيّد إسماعيل الصدر<ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 130، حقائق الأصول 2 : 458، أنوار الأصول 3 : 344.</ref>، وهي عبارة عمَّا يلي:
لو علمنا بإصابة النجاسة أحد طرفي العباءة (الأيمن أو الأيسر) فطهَّرنا الطرف الأيمن، فهذا لايكفي للقول بطهارة العباءة بل تستصحب النجاسة؛ لاحتمال أن تكون النجاسة قد لاقت الطرف الأيسر، لكن إذا لاقت اليد الطرف الأيسر نحكم بطهارتها؛ لأنَّ ملاقي بعض الأطراف في الشبهة المحصورة طاهر، ومع ذلك إذا لاقت اليد الطرف الأيمن كذلك حكمنا بالنجاسة رغم طهارة الطرف الأيمن؛ وذلك بحكم استصحاب النجاسة؛ وهذا غريب جدا، فينبغي رفع اليد عن جواز استصحاب النجاسة الذي هو من نوع استصحاب الكلّي من القسم الثاني أو عن جواز استصحاب طهارة ملاقي بعض الأطراف، لرفع غرابة الأمر هنا. <ref> أنوار الأصول 3 : 344 ـ 345 وانظر : نهاية الأفكار 4 ق 1 : 130، دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 107 ـ 111.</ref>
لو علمنا بإصابة النجاسة أحد طرفي العباءة (الأيمن أو الأيسر) فطهَّرنا الطرف الأيمن، فهذا لايكفي للقول بطهارة العباءة بل تستصحب النجاسة؛ لاحتمال أن تكون النجاسة قد لاقت الطرف الأيسر، لكن إذا لاقت اليد الطرف الأيسر نحكم بطهارتها؛ لأنَّ ملاقي بعض الأطراف في الشبهة المحصورة طاهر، ومع ذلك إذا لاقت اليد الطرف الأيمن كذلك حكمنا بالنجاسة رغم طهارة الطرف الأيمن؛ وذلك بحكم استصحاب النجاسة؛ وهذا غريب جدا، فينبغي رفع اليد عن جواز استصحاب النجاسة الذي هو من نوع استصحاب الكلّي من القسم الثاني أو عن جواز استصحاب طهارة ملاقي بعض الأطراف، لرفع غرابة الأمر هنا. <ref> أنوار الأصول 3 : 344 ـ 345 وانظر : نهاية الأفكار 4 ق 1 : 130، دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 107 ـ 111.</ref>
سطر ٤٤: سطر ٤٤:
يراد منه استصحاب الأحكام الواردة في الشرائع السابقة، والتي لم يرد فيها حكم مباشر في [[الشريعة الإسلامية]]، والحكم ببقائها وعدم نسخها.
يراد منه استصحاب الأحكام الواردة في الشرائع السابقة، والتي لم يرد فيها حكم مباشر في [[الشريعة الإسلامية]]، والحكم ببقائها وعدم نسخها.
من الأمثلة التي ذكرت لأحكام الشرائع السابقة، هو القرعة الواردة في قصة زكريا<ref> آل عمران : 44.</ref> وقصَّة يونس<ref> الصافات: 141.</ref> في كتاب اللّه‏، فيستصحب هذا الحكم ويُحكم بثبوته لنا كذلك. <ref> انظر : أنوار الأصول 3 : 366.</ref>
من الأمثلة التي ذكرت لأحكام الشرائع السابقة، هو القرعة الواردة في قصة زكريا<ref> آل عمران : 44.</ref> وقصَّة يونس<ref> الصافات: 141.</ref> في كتاب اللّه‏، فيستصحب هذا الحكم ويُحكم بثبوته لنا كذلك. <ref> انظر : أنوار الأصول 3 : 366.</ref>
====التعبُّد بشرائع من قبلنا====
=====التعبُّد بشرائع من قبلنا=====
يبدو أنَّ جريان الاستصحاب في الشرائع المتقدِّمة متوقّف على القول بالتعبُّد أو عدم التعبُّد بها، وجريان الاستصحاب بحث مطروح بالنسبة إلى مَن قال بالتعبُّد أو بإمكانه نظريا على أقلِّ تقدير، والذي لم يقل به ينفي موضوع الجريان من الأصل.
يبدو أنَّ جريان الاستصحاب في الشرائع المتقدِّمة متوقّف على القول بالتعبُّد أو عدم التعبُّد بها، وجريان الاستصحاب بحث مطروح بالنسبة إلى مَن قال بالتعبُّد أو بإمكانه نظريا على أقلِّ تقدير، والذي لم يقل به ينفي موضوع الجريان من الأصل.
وقد اختلف أصوليو [[أهل السنّة]] ـ  كما هو حال [[الشيعة]]  ـ في قضية التعبُّد وانقسموا إلى طوائف:
وقد اختلف أصوليو [[أهل السنّة]] ـ  كما هو حال [[الشيعة]]  ـ في قضية التعبُّد وانقسموا إلى طوائف:
سطر ٦٣: سطر ٦٣:
والقرينة الثانية مردودة: بأنَّ العلم بالنسخ منحلّ إلى علم إجمالي وتفصيلي، فإنَّا على شكٍّ بدوي في بعض الموارد رغم علمنا تفصيلاً بنسخ الموارد الأخرى، فيمكننا إجراء الاستصحاب في الموارد الأخيرة (مشكوكة النسخ)، والشريعة السابقة وإن كانت منسوخة يقينا إلاَّ أنَّ ذلك لايوجب ارتفاع أحكامها بتمامها، و [[النسخ]] يعني عدم بقائها بتمامها لا ارتفاعها بتمامها. <ref> كفاية الأصول : 413.</ref>
والقرينة الثانية مردودة: بأنَّ العلم بالنسخ منحلّ إلى علم إجمالي وتفصيلي، فإنَّا على شكٍّ بدوي في بعض الموارد رغم علمنا تفصيلاً بنسخ الموارد الأخرى، فيمكننا إجراء الاستصحاب في الموارد الأخيرة (مشكوكة النسخ)، والشريعة السابقة وإن كانت منسوخة يقينا إلاَّ أنَّ ذلك لايوجب ارتفاع أحكامها بتمامها، و [[النسخ]] يعني عدم بقائها بتمامها لا ارتفاعها بتمامها. <ref> كفاية الأصول : 413.</ref>
والقرينة الثالثة تُردُّ: بأنَّ حكم كلّ شريعة حكم إلهي ناشئ عن مصلحة تامة، فبقاؤه في الشريعة اللاحقة ملازم لإمضائه في تلك الشريعة، وبقاؤه يكشف عن تمامية ملاكه، وعدم إمضائه يساوق عدم تمامية ملاكه في الشريعة اللاحقة، وهو خلف، فالمفروض القول ببقاء ملاكه، وإلاَّ يلزم جهل الصادع بها، وهو مستحيل. <ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 177.</ref>
والقرينة الثالثة تُردُّ: بأنَّ حكم كلّ شريعة حكم إلهي ناشئ عن مصلحة تامة، فبقاؤه في الشريعة اللاحقة ملازم لإمضائه في تلك الشريعة، وبقاؤه يكشف عن تمامية ملاكه، وعدم إمضائه يساوق عدم تمامية ملاكه في الشريعة اللاحقة، وهو خلف، فالمفروض القول ببقاء ملاكه، وإلاَّ يلزم جهل الصادع بها، وهو مستحيل. <ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 177.</ref>
====شروط جريان استصحاب شرائع من قبلنا====
=====شروط جريان استصحاب شرائع من قبلنا=====
وعلى فرض جريان الاستصحاب فهناك شروط:
وعلى فرض جريان الاستصحاب فهناك شروط:
<br>'''منها:''' أن يرد التشريع السابق عن طريق معتبر مثل القرآن والسنّة الصحيحة.
<br>'''منها:''' أن يرد التشريع السابق عن طريق معتبر مثل القرآن والسنّة الصحيحة.
<br>'''ومنها:''' أن لا تختلف في التحريم والتحليل شريعتان.
<br>'''ومنها:''' أن لا تختلف في التحريم والتحليل شريعتان.
<br>'''ومنها:''' أن يكون التحريم والتحليل ثابتا قبل تحريفهم وتبديلهم، فإن استحلّوا وحرّموا بعد النسخ والتحريف فلا عبرة به البتة. <ref> انظر : البحر المحيط 6 : 46 ـ 47.</ref>
<br>'''ومنها:''' أن يكون التحريم والتحليل ثابتا قبل تحريفهم وتبديلهم، فإن استحلّوا وحرّموا بعد النسخ والتحريف فلا عبرة به البتة. <ref> انظر : البحر المحيط 6 : 46 ـ 47.</ref>
====ثمرة البحث====
=====ثمرة البحث=====
على فرض جريان استصحاب الشرائع السابقة تذكر النقاط التالية كثمرات له:
على فرض جريان استصحاب الشرائع السابقة تذكر النقاط التالية كثمرات له:
<br>'''الأولى:''' مسألة القرعة الواردة في قوله تعالى: '''«وما كنتَ لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يَختَصِمون»'''<ref> آل عمران : 44.</ref>، وفي قصّة يونس عليه‏السلام في قوله تعالى: '''«فساهَمَ فكان مِنَ المُدحضينَ»'''<ref> الصافات : 141.</ref>، فإنَّه يستفاد من الآيتين حجية القرعة عند التنازع في كلٍّ من شريعة زكريا عليه‏السلام وشريعة يونس عليه‏السلام، فتستصحب في الشريعة الإسلامية.
<br>'''الأولى:''' مسألة القرعة الواردة في قوله تعالى: '''«وما كنتَ لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يَختَصِمون»'''<ref> آل عمران : 44.</ref>، وفي قصّة يونس عليه‏السلام في قوله تعالى: '''«فساهَمَ فكان مِنَ المُدحضينَ»'''<ref> الصافات : 141.</ref>، فإنَّه يستفاد من الآيتين حجية القرعة عند التنازع في كلٍّ من شريعة زكريا عليه‏السلام وشريعة يونس عليه‏السلام، فتستصحب في الشريعة الإسلامية.
سطر ٩٤: سطر ٩٤:
<br>'''منها:''' التفصيل بين ما إذا كان مدرك الحكم عقليا أو شرعيا.
<br>'''منها:''' التفصيل بين ما إذا كان مدرك الحكم عقليا أو شرعيا.
<br>'''ومنها:''' التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره، والكثير من التفاصيل الأخرى. <ref> راجع : التفاصيل الواردة تحت عنوان الحكم من نفس المقال.</ref>
<br>'''ومنها:''' التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره، والكثير من التفاصيل الأخرى. <ref> راجع : التفاصيل الواردة تحت عنوان الحكم من نفس المقال.</ref>
==6 ـ الاستصحاب في الألفاظ والأمور اللغوية==
المراد من الألفاظ والأمور اللغوية هنا موارد من قبيل: الشك في المعنى الموضوع له، والقرينة والنقل والظهور، وما شابه ذلك، ويشكل ابتناؤها على الاستصحاب التعبُّدي موضع البحث؛ لعدم كونها موردا للأثر الشرعي. <ref> المحكم في أصول الفقه 5 : 347.</ref>
<br>ومن الواضح أنَّ الاستصحاب إن تمَّ في هذه الأمور فهو مُثْبِت؛ لأنَّ مؤدّاه ليس أثرا شرعيا<ref> فرائد الأصول 3 : 254.</ref>، لكن المشكيني قال: «الأقرب تحقّقه في ما كان للفظ ظهور في معنى ثمَّ شكّ في بقائه؛ لاحتمال النقل أو لغير ذلك، فحينئذٍ لا مانع من استصحاب الظهور؛ لكونه موضوعا للحجية التي هي من المجعولات على التحقيق»<ref> حواشي المشكيني على كفاية الأصول 4 : 582، ونقله عنه السيّد الحكيم في المحكم في أصول الفقه 5 : 347 ـ 348.</ref>، بل قيل: باتفاق الأصوليين على جريان الأصل المُثْبِت في الأصول اللفظية. <ref> فرائد الأصول 3 : 254.</ref> لكن مع وجود أصول عقلائية من قبيل حجّية الظهور يستغنى عن استصحاب الظهور. <ref> المحكم في أصول الفقه 5 : 348 ـ 349.</ref>
==7 ـ الاستصحاب في الأمور الاعتقادية==
وهو استصحاب الأمور الاعتقادية والأفعال الجوانحية، من قبيل: اليقين بإمامة إمام والشكّ في بقاء إمامته، فيستصحب بقاء إمامته. <ref> دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 207.</ref>
نفى [[الشيخ الأنصاري]] جريان الاستصحاب في [[الأمور الاعتقادية]]؛ باعتبار انخرام بعض أركانه من قبيل انعدام الأثر الشرعي<ref> فرائد الأصول 3 : 259 ـ 260.</ref>، ورأى بعض أنَّه إن كان من قبيل النبوّة والإمامة فلا ينبغي التأمُّل والإشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه، وأنَّ الشيخ الأنصاري قد أطال الكلام في هذا الموضوع مع أنَّه لايستحق إطالةً. <ref> فوائد الأصول 4 : 531.</ref>
<br>[[الآخوند الخراساني]] فصَّل الكلام في هذا المجال وقسَّم الأمور الاعتقادية إلى قسمين:
<br>'''القسم الأوَّل:''' الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها  شرعا هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد  القلب عليها من الأعمال القلبية الاختيارية، فلا  إشكال في جريانها سواء وقعت حكما في الاستصحاب أو موضوعا، بشرط احتوائها لجميع أركان الاستصحاب من اليقين والشكّ وما شابه.
<br>وقد يكون المهم فيها شرعا وعقلاً هو القطع بها ومعرفتها، من قبيل تفاصيل يوم القيامة، فيجري الاستصحاب فيها إن كانت حكما، ولايجري إن كانت موضوعا.
<br>'''القسم الثاني:''' الأمور الاعتقادية التي يجب تحصيل اليقين فيها، من قبيل: نفس النبوَّة أو حياة إمام زمانٍ، وهذه لايجري الاستصحاب فيها؛ لأنَّ الاعتقادات كسائر الموضوعات لأجل جريان الاستصحاب فيها لابدَّ من وجود أثر شرعي. <ref> كفاية الأصول : 422.</ref>
ويمكن أن يبرّر عدم الجريان هنا: بأنَّ اليقين في هذه الأمور مأخوذ في الموضوع، والشكّ يوجب ارتفاع الموضوع، ومع الشكّ لايبقى موضوع لكي يستصحب، والاستصحاب لايوجب اليقين، كما هو واضح. <ref> حقائق الأصول 2 : 513 ـ 514.</ref>
ويستثنى من ذلك ما إذا كان المستصحَب أمرا مجعولاً من قبيل: الولاية، فبالإمكان استصحابها؛ لأنَّه لايشترط فيها تحصيل اليقين<ref> كفاية الأصول : 423.</ref>، على أنَّه لايصحّ استصحاب كلّ مجعول ما لم يترتّب عليه أثر عملي. ويبدو أنَّ عدم جريان هذا محلّ وفاق لدى الجميع. <ref> الاستصحاب كوثراني : 302.</ref>
==8 ـ استصحاب الأمور التدريجية==
الأمور التدريجية هي الأمور المبنية على التقضّي والتصرُّم كالحركة والتكلُّم<ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 151.</ref>، وهي على أربعة أقسام:
<br>1 ـ  ما لايدركه إلاَّ العلماء والفلاسفة، وهو تدريجية تمام الموجودات؛ لأنَّ وجودها يترشَّح من المبدأ الفيّاض آنا فآن، سواء أكانت لها حركة جوهرية كما في الماديات، أم لم تكن كما في المجرّدات.
<br>2 ـ ما يغفل عنه العرف لكن يدركه عند التدقيق، مثل الحركة الموجودة في السراج الكهربائي أو الزيتي.
<br>3 ـ ما يكون ظاهرا ومحسوسا لدى العرف، كجريان ماء النبع وسيلان دم الحيض.
<br>4 ـ ما يكون في الواقع من الموضوعات المقطَّعة ولكن تكون لها وحدة اعتبارية، كالقراءة والتكلّم.
<br>لا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأوَّل والثاني والثالث إذا كان هناك أثر شرعي؛ لاتّحاد الموضوع فيها، وإنَّما الإشكال في القسم الرابع، فقد أجرى بعض الاستصحاب فيه بناءً على تحقّق الوحدة العرفية وإن كانت اعتبارية، وقد ذهب إليه كثير من المحقّقين. والذي منع من جريانه احتجَّ بعدم اعتبار التسامحات العرفية هنا. وهناك مَن فصَّل بين ما إذا اتَّحد الداعي فلا يجري، كما إذا كان زيد مريدا للذهاب من النجف الى بغداد من أول الأمر، وما إذا تعدَّدت الدواعي فيجري، كما إذا كان زيد مريدا للذهاب من النجف إلى كربلاء، ثمَّ شككنا في حصول داع جديد له للذهاب من كربلاء إلى بغداد. <ref> أنوار الأصول 3 : 358ـ359، وانظر : فرائد الأصول 3 : 205 ـ 208، فوائد الأصول 4 : 439 ـ 441، نهاية الأفكار 4 ق 1 : 151 ـ 153.</ref>
==9 ـ استصحاب الأمور القارَّة المقيَّدة بالزمان==
الأمور القارّة المقيّدة بالزمان هي من قبيل وجوب الإمساك المقيّد بالنهار والشكّ في وجوبه ما بعد النهار، أو الجلوس المقيّد بإلى الزوال، والشكّ في  وجوبه إلى ما بعد الزوال أو الصلاة المقيّدة بإتيانها  داخل الوقت والشكّ في بقاء الوجوب إلى ما بعد انقضائه.
<br>يرى بعض أنَّ جريان الاستصحاب في هذا القسم كجريانه في نفس الزمان إشكالاً وجوابا. <ref> الاستصحاب الخميني : 120.</ref>
<br>لكنَّ الكثير فصَّل في الشكّ المتصوَّر هنا، وما إذا كان ناشئا من الشكّ في بقاء القيد (كالشك في بقاء الليل أو النهار)، أو ناشئا عن أمور أخرى من قبيل الشكّ في بقاء الوجوب؛ لاحتمال كون القيد من علل حدوثه، وهناك علّة أخرى تقتضي بقاءه أو لاحتمال كون الواجب بنحو تعدُّد المطلوب.
<br>كما فصِّل الشكّ في بقاء القيد إلى ثلاث حالات:
<br>'''الأولى:''' ما إذا كان منشؤه الشبهة المصداقية.
<br>'''الثانية:''' ما إذا كان منشؤه الشبهة المفهومية، مع القطع ببقاء القيد بمعنى وزواله بمعنى آخر، (كالشكّ في أنَّ النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية).
<br>'''الثالثة:''' ما إذا كان منشؤه الشكّ في أخذ أيِّ واحد من القيدين المبيَّنين مفهوما.
<br>وفي كلٍّ من هذه الحالات الثلاث إمَّا يؤخذ الزمان في  ظاهر الدليل ظرفا أو قيدا مقوّما لنفس الحكم، أو يؤخذ  في الموضوع ظرفا أو قيدا مقوّما له. وقد اختلف في جريان الاستصحاب في كلٍّ من هذه الشقوق والحالات».<ref> انظر : نهاية الأفكار 4 ق 1 : 153 ـ 161، دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 129 ـ 133، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 6 : 273 ـ 280، أنوار الأصول 3 : 359ـ361.</ref>
==10 ـ استصحاب البراءة الأصلية (أصالة النفي)==
يراد من استصحاب البراءة الأصلية استصحاب عدم اشتغال الذمة بتكليف شرعي<ref> فرائد الأصول 3 : 27.</ref>، وهو ما يدعى بأصالة النفي أو استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل<ref> نضد القواعد الفقهية : 63، القواعد والفوائد 1 : 132، تمهيد القواعد : 271، الوافية : 216.</ref>، أو العدم الأصلي<ref> أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2 : 863 .</ref>، ويكون المستصحَب فيها عدميا، ويسمَّى استصحابها «استصحاب حال العقل»<ref> القوانين المحكمة : 278، الحاشية على استصحاب القوانين الأنصاري : 266.</ref>، ومن مصاديقه استصحاب عدم التكليف في حال الصغر السابق على البلوغ<ref> فوائد الأصول 4 : 186.</ref>، وتعدُّ من الأدلَّة العقلية، وتقابلها الدلالة الشرعية<ref> الوافية : 178.</ref>، فإذا انتفت الدلالة الأخيرة رجع إلى البراءة الأصلية، ولهذا يرى الغزالي الرجوع إليها عند فقد دليل السمع. <ref> المستصفى 1 : 237.</ref>
<br>وباعتبار كون المستصحَب فيها عدميا ادُّعي عدم الخلاف في جريان هذا الاستصحاب، مستدلّين على ذلك بسيرة العلماء على التمسّك بالأصول العدمية عموما من قبيل: أصالة عدم القرينة والنقل والاشتراك وغير ذلك، فقد قال [[المحقّق الحلّي]]: أطبق العلماء على أنَّ مع عدم الدلالة الشرعية يجب بقاء الحكم على ما تقتضيه [[البراءة الأصلية]]، ولا معنى للاستصحاب إلاَّ  هذا. <ref> معارج الأصول : 208.</ref>
لكنَّ [[الإجماع]] مرفوض، فالحنفية يتوقّفون عند عدم الحكم، أي لايثبتون حكما ولاينفون حكما. <ref> أعلام الموقّعين 1 : 339.</ref>
==11 ـ الاستصحاب التعليقي أو التقديري==
وهو استصحاب الحكم الكلّي المعلَّق، ومثاله: ماء الزبيب إذا غلى، فهل يكون بمثابة عصير العنب الذي يحرم بالاتفاق وينجس على المشهور، أم لا؟ فهناك شكّ في حرمة ماء الزبيب إذا غلا.
<br>وبحث هذا القسم يأتي فيما إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية التنجيزية، أمَّا إذا قلنا بعدم جريانه فيها فمن باب أولى أن لايجري في الأحكام التعليقية. <ref> دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 133 ـ 134.</ref> وهو حجّة بناءً على جريان الاستصحاب في [[الشبهة الحكمية]]. <ref> أنوار الأصول 3 : 361.</ref>
<br>استدلَّ القائلون بـ [[الاستصحاب التعليقي]] على حجّيته بتوافر [[أركان الاستصحاب]] من اليقين السابق والشكّ اللاحق وأنَّه لا فرق من حيث [[أدلَّة الاستصحاب]]، من الأخبار والعقل، بين الاستصحاب التعليقي وغيره من الاستصحابات. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 221 ـ 224، كفاية الاصول : 411 ـ 412.</ref>
<br>أمَّا النافون لحجّية هذا الاستصحاب، فقد اعترضوا على المثبتين بعدّة اعتراضات:
<br>'''الأوَّل:''' أنَّ الموضوع المركّب ينبغي تحققه بجميع أجزائه وشرائطه، وهو في مثال العنب عبارة عن العنب والغليان، والزبيب غير العنب. <ref> فوائد الأصول 4 : 463 ـ 473.</ref>
<br>وقد رُدَّ هذا الاعتراض بنحوين:
1 ـ كونه مناقشة في المثال.
2 ـ العرف يعدُّ العنب والزبيب شيئا واحدا، وحاله حال  باقي الفواكه والخبز، وليس من قبيل انقلاب الخمر خلاًّ. <ref> أنوار الأصول 3 : 363.</ref>
<br>'''الثاني:''' تعارض الاستصحاب التعليقي مع استصحاب تنجيزي، وهو الحلّية أو طهارة العصير قبل الغليان. <ref> فرائد الأصول 3 : 223.</ref>
<br>رُدَّ هذا الاعتراض بنحوين:
<br>1 ـ استصحاب الحرمة على تقدير الغليان حاكم على استصحاب الإباحة قبل الغليان<ref> المصدر السابق.</ref>؛ وذلك باعتبار أنَّه يُلغي الشكّ في الحكم التنجيزي. <ref> بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 291.</ref>
<br>2 ـ لا معارضة بين الاستصحابين، فإنَّ الحرمة معلَّقة وتستصحب معلَّقة كذلك، والحلّية مغيّاة بعدم الغليان أي معلَّقة على عدمه، فتستصحب معلَّقة كذلك، ولا تنافي بين حلّية مغيّاة وحرمة معلَّقة على الغاية؛ إذ لايجتمعان في آنٍ  واحد. <ref> كفاية الأصول : 412.</ref>
<br>'''الثالث:''' ما فهمه المحقّق العراقي من عبارة المحقّق النائيني، في عدم تمامية أركان الاستصحاب هنا، بأنَّه يشترط في المستصحَب أن يكون أمرا خارجيا أي محمولاً ثابتا لموضوع خارجي، والحكم المعلَّق ليس له وجود في الخارج قبل تنجّزه. <ref> بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 281 ولاحظ تعليقة المحقّق العراقي على فوائد الأصول 4 : 464 ـ 466.</ref>
<br>رُدَّ هذا الاعتراض بأنحاء:
<br>1 ـ المحقّق النائيني لم يشترط كون المستصحب أمرا في الخارج، بدليل أنَّه يجري الاستصحاب في الأعدام.
<br>2 ـ لو كان مراده كما يرى المحقّق العراقي؛ فإنَّه ينقض باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل مع أنَّه ليس أمرا في عالم الخارج. <ref> بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 281، وانظر : أنوار الأصول 3 : 363 ـ 365.</ref>
==12 ـ الاستصحاب في حالات الشكّ في التقدُّم والتأخُّر==
الشكّ في التقدُّم والتأخُّر من قبيل التردُّد في موت زيد يوم الخميس أو الجمعة بعد اليقين بأصل موته، والنزاع هنا في جريان استصحاب عدم تقدُّمه على يوم الجمعة أو عدم تأخُّره عن يوم الخميس، هذا فيما إذا كان هناك أثر يترتَّب على موته بنذر وما شابه.
<br>والكلام هنا وقع في موردين:
'''الأول:''' من حيث النظر إلى المسألة بالقياس إلى نفس الزمان وأجزائه.
'''الثاني:''' من حيث النظر إلى المسألة بالقياس إلى حادث زماني آخر.
<br>'''المورد الأوَّل:''' لا شكَّ في جريان استصحاب عدم تحقُّق الحادث في الزمان الأوَّل، وهو مقتضى استصحاب الحالة المتيقنة السابقة وعدم البناء على الحالة المشكوكة.
أمَّا آثار الحدوث في الزمن الثاني وآثار التأخُّر عن الزمن الأوَّل فلا تترتَّب، ولايجري الاستصحاب هنا؛ لكونه مُثْبِتا.
لكن خُرِّج إجراء الاستصحاب وترتيب الآثار في هذا المورد بالاعتبارات التالية:
1 ـ كون الواسطة خفية، وعند خفاء الواسطة يجري [[الأصل المُثبت]] كما ذُكر في محلّه.
2 ـ وجود نسبة التضايف بين الاستصحابين، أي إذا ثبت أحدهما لزم ثبوت الآخر.
3 ـ كون الحدوث أمرا مركّبا من حدوث شيء في زمنٍ ما وعدمه في الزمان السابق، والقيد الأوَّل حاصل بالوجدان، وهو الموت في المثال، والقيد الثاني ثابت بالأصل. <ref> تبدو هذه التبريرات من كلمات الآخوند ، انظر : كفاية الأصول :  419.</ref>
<br>إلاَّ أنَّ بعض رفض هذه المبرِّرات، أمَّا خفاء الواسطة فإنَّها لم تبلغ مستوى رفض الواسطة والتغافل عنها بالكلّية، وأمَّا التضايف فمرفوض؛ لأنَّ الواقع ليس تضايفا، وأمَّا كون العنوان المستصحَب مركّبا فخلاف الظاهر؛ لكون المنتزع من العنوان هو بساطته لا تركُّبه، وهو نظير الفوقية، فالمنتزع منها البساطة لا التركُّب من أمرين. <ref> أنوار الأصول 3 : 392.</ref>
<br>'''المورد الثاني:''' وهو النظر إلى الحادث بالقياس إلى حادث زماني آخر فيشكّ في تقدُّمه أو تأخُّره عليه، من قبيل إرث الحفيد المترتب على موت الجدّ والأب، ولهذا الأمر حالتان وكلّ حالة تتشعَّب إلى أربعة فروض، والمجموع ثمانية فروض، والحالتان:
<br>1 ـ أن يكون الحادثان مجهولي التاريخ، وهذا الفرض ينقسم إلى أربعة فروض؛ لأنَّ الأثر تارةً يترتَّب على أمر وجودي، وهو التقدُّم أو التأخُّر أو التقارن، ويراد من الاستصحاب هنا نفي الأثر المترتِّب على الأمر الوجودي. وتارةً أخرى يترتَّب الأثر على أمر عدمي (أي عدم التقدُّم أو التأخُّر أو التقارن) ويراد من الاستصحاب هنا إثبات الأثر. وعلى الفروض المتقدّمة تارةً يكون الأثر مترتبا على وجود الشيء بنحو مفاد كان التامة أو على عدمه بنحو مفاد ليس التامة، وتارة أخرى يكون مترتبا على وجوده بنحو مفاد كان الناقصة أو على عدمه بنحو مفاد ليس الناقصة.
<br>2 ـ أن يكون أحد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهوله، ولهذا الفرض أربعة صور كذلك، هي ذاتها التي وردت في الفروض والصور الأربعة المتقدّمة.
<br>وفي جريان الاستصحاب في هذه الفروض نقاشات ناشئة عن وجود المقتضي للاستصحاب وعدم وجوده، أو وجود المانع وعدمه، أو وقوع فاصل زمني بين اليقين والشكّ، أي عدم اتصالهما، فبعض يشترط الاتصال بينهما، وبعض آخر يشترط الفعلية فقط دون الاتصال. وبتعبير آخر: الشكّ في جريان الاستصحاب في هذه الموارد ناشئ عن الشكّ في تحقُّق شروط جريان الاستصحاب. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 247 ـ 254، كفاية الأصول : 419 ـ 422، فوائد الأصول 4 : 503 ـ 530، نهاية الأفكار 4 ق 1 : 196 ـ 213، الاستصحاب الخميني : 170 ـ 188، دراسات في علم الأصول (الخوئي) 4 : 176 ـ 207، أنوار الأصول 3 : 392 ـ 401، آراؤنا في أصول الفقه 3 : 95 ـ 104.</ref>
==13 ـ الاستصحاب في حالات الشكّ السببي والمسبّبي==
يطلق الاستصحاب أو [[الأصل السببي والمسبَّبي]] عندما يكون لدينا استصحابان: أحدهما ينقّح الموضوع للآخر ويعالج المشكلة في مرحلة الموضوع، فيسمى سببّيا، والآخر يعالج المشكلة في  مرحلة الحكم فيسمى مسببيّا، من قبيل الشكّ في  بقاء طهارة الماء المعيّن، فنستصحب الطهارة، التي  هي موضوع للحكم بجواز شرب الماء، فيترتب جواز شربه على الاستصحاب المزبور. والاستصحاب الآخر هو جواز الشرب من الماء المعيّن الذي شكّ  في بقاء طهارته، فيستصحب جواز الشرب؛ بناءً  على الاستصحاب السابق الذي جرى في الماء.
<br>ولا إشكال في جريان الاستصحابين هنا؛ لاتحاد نتيجتهما، إنّما النقاش فيما إذا تعارضت نتائجهما، من قبيل: استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس، فإنَّ الشكّ في بقاء نجاسة الثوب وارتفاعها مسبَّب عن الشكّ في بقاء طهارة الماء وارتفاعها. وعليه يكون استصحاب طهارة الماء أصلاً سببيَّا، واستصحاب عدم طهارة الثوب أصلاً مسبَّبيَّا. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 396 ـ 399، كفاية الأصول : 430 ـ 431، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 353 ـ 359.</ref>
==14 ـ استصحاب حكم الإجماع في محلّ النزاع==
وهو استصحاب المجمع عليه في مواضع النزاع، ومثِّل له بقولنا: (الخارج من غير السبيلين لاينقض الوضوء؛ للإجماع على أنَّ الإنسان متطهِّر قبل هذا الخارج فيستصحب). <ref> نضد القواعد الفقهية : 63، القواعد والفوائد 1 : 133، تمهيد القواعد : 271، الوافية : 217.</ref>
وهو لايختلف عن أصل الاستصحاب الدارج، إلاَّ أنَّ المستصحَب هنا يُدَّعى ثبوته بالإجماع عوضا عن ثبوته بباقي الأدلَّة.
<br>نفى حجيَّته الغزالي، وأبو الطيب الطبري، والقاضي أبو علي ، وابن عقيل ، وأبو خطاب ، والحلواني ، وابن الزاغوني<ref> أعلام الموقّعين 1 : 341. وانظر : المستصفى 1 : 239، الواضح في أصول الفقه 3 : 194 ـ 195، إتحاف ذوي البصائر 3 : 1298.</ref>؛ وذلك باعتبار أنَّ وجود الخلاف بحدِّ ذاته دليل على عدم انعقاد الإجماع. <ref> المستصفى 1 : 239.</ref>
<br>لكنَّ القائلين بجريانه استدلّوا على حجيَّته في المثال المتقدِّم، بأنَّ [[الإجماع]] قائم على أنَّ الخارج من غير السبيلين لاينقض الوضوء قبل أن يخرج المشكوك فيه، والأصل استمرار الحكم إلاَّ أن يوجد النافي له، والأصل عدمه، مع أنَّ المورد المشكوك لم  يثبت قطعا كونه نافيا. <ref> الإحكام الآمدي 3ـ4 : 374.</ref>
<br>ورُدَّ دليل الغزالي: بأنَّه رغم كون الاستصحاب ليس دليلاً بحدِّ ذاته لكنَّه دليل الدليل على الحكم ، أي أنَّه  يوجب غلبة الظن ببقاء ما كان متحقّقا على حاله دون  تغيير. <ref> الإحكام الآمدي 3ـ4 : 375، أعلام الموقّعين 1 : 343ـ344.</ref>
وقد تقدَّم بعض الكلام في هذا المجال في التفصيل الثامن من التفاصيل الواردة في الاستصحاب.
==15 ـ استصحاب الزمان==
مثاله: ترتيب جواز الأكل والشرب على عدم طلوع الفجر في [[شهر رمضان]]، وفقا لقوله تعالى: '''«كُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ»'''<ref> البقرة : 187.</ref>، فعند  الشكّ  في تبيّن الخيط الأبيض نستصحب عدمه، وكذلك ترتيب وجوب الصلاة على عدم انتصاف الليل، وفقا لقوله تعالى: '''«أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ  الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»'''<ref> الإسراء : 78.</ref> أي انتصافه، فعند الشكّ في تحقّق الغسق نستصحب عدمه ونرتِّب عليه  الأثر.
<br>وقد وقع الإشكال في جريان هكذا استصحاب إثر الاختلاف في تفسير الزمان، وأنَّه موجود واحد وحقيقته التدرّج، أو أنَّه موجود مركّب من آنات قصيرة ومتباينة لا تتجزّء، فإذا قلنا بالأوَّل صحّ الاستصحاب؛ باعتبار اتحاد القضيتين، فقد تعلَّق اليقين بزمان وشكّ في بقاء ذات الزمان، أمَّا على القول الثاني فيشكل جريانه، باعتبار اختلاف القضيتين. لكن قيل: بجريانه حتَّى على القول الثاني؛ وذلك لاتحاد القضيتين عرفا رغم اختلافهما حقيقةً، فإنَّ [[المستصحَب]] هنا نفس الزمان لا قطع الزمان وأجزائه. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 203 ـ 205، وكفاية الاصول : 407 ـ 410، ونهاية الأفكار 4 ق 1 : 145 ـ 151، ودراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 122 ـ 126، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 6 : 268 ـ 280.</ref>
==16 ـ استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص واستصحاب النصّ إلى أن يرد نسخ==
هذا الاستصحاب يعني أنَّ العموم إذا ثبت استصحب حُكمه ما لم يرد تخصيص له، كما أنَّ النصَّ إذا ثبت صدوره استصحب مؤدَّاه ما لم يرد فيه نسخ<ref> روضة الناظر : 80 .</ref>، وهو مقتضى القول بالاستصحاب، ولايبدو وجود خلاف في ذلك، بل هو من المسلَّمات لدى العلماء، وعملوا وفقه خلفا عن سلف. <ref> هداية المسترشدين 1 : 211، أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2 : 862 ، إتحاف ذوي البصائر 3 : 1299 ـ 1300.</ref>
==17 ـ استصحاب الكتابي==
وهو استدلال الكتابي لإثبات دينه بالاستصحاب.<ref> مصباح الأصول 3 : 214.</ref> ومنشأ الشبهة في جريان هذا [[الاستصحاب]] هو نزاع وقع بين السيّد محمد باقر القزويني حينما قدم إلى قرية ذي الكفل (تقع بين النجف وكربلاء) في مسير زيارته، والعالم اليهودي بعد أن ادَّعى جريان استصحاب نبوَّة موسى عليه‏السلام، وأجاب عنه القزويني بجواب اقتبسه ممَّا روي عن الإمام الرضا عليه‏السلام في جواب جاثليق العالم المسيحي، وهو: «أنا مقرٌّ بنبوّة كلِّ موسى أخبر بنبوَّة نبي الإسلام، وكافر بنبوَّة كلِّ موسى لم يقرّ بنبوَّة محمد(ص) وكتابه»<ref> بحار الأنوار 10 : 302.</ref>، ولم يرتضه اليهودي؛ نظرا إلى أنَّ موسى جزئي حقيقي لا كلّي يكون له مصاديق مختلفة. <ref> أنوار الأصول 3 : 403.</ref>
<br>ذهب الأصوليون إلى بطلان هذا الاستصحاب للأمور التالية:
<br>'''أولاً:''' أنَّ منشأ يقين المسلم بنبوَّة الأنبياء السابقين هو الأخبار، وهي كما أخبرت بنبوَّة هؤلاء أخبرت بانقطاع نبوَّتهم وبنسخ شرائعهم وتحريفها كذلك. <ref> نهاية الأفكار 4 ق 1 : 221 ـ 222.</ref>
<br>'''ثانيا:''' على فرض حصول اليقين بنبوَّة الأنبياء السابقين عن غير طريق الأخبار فإنَّ المسلم لايشكُّ في بقائها، بل على يقين بارتفاعها؛ للأخبار الواردة في هذا المجال، وهذا يعني انعدام الشكّ الذي هو أحد [[أركان الاستصحاب]]. <ref> مصباح الأصول 3 : 215.</ref>
<br>'''ثالثا:''' من شرائط جريان الاستصحاب هو الفحص حتَّى اليأس، ومن خلال الفحص يثبت اليقين بنسخ الشرائع السابقة، وبه ينتفي الشكّ على فرض حصوله. <ref> أنوار الأصول 3 : 405.</ref>
<br>'''رابعا:''' إشكال اليهودي نشأ عن خطأ في نقل السيّد القزويني لكلام الإمام الرضا عليه‏السلام ممَّا جعل اليهودي يشكل بأنَّ المتيقَّن هو وجود موسى عليه‏السلام وهو جزئي حقيقي لايصدق على غير واحد، وجعله كلّيا خلاف التحقيق مع أنَّ الوارد في كلام الإمام عليه‏السلام: «أنا مقرٌّ بنبوَّة عيسى وكتابه وما بشَّر به أمَّته وأقرَّت به الحواريون» أي نبوة شخص عيسى.
<br>نعم، قد ورد في ذيل الكلام المزبور: «وكافر بنبوَّة كلِّ عيسى لم يقرّ بنبوَّة محمَّد وكتابه» لكنَّه محمول على صدره ويفسَّر به، فالمراد: الاعتراف بنبوَّة عيسى عليه‏السلام مقيّدا بإخباره بنبوَّة محمد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله. ولايمكن أن يجعل الذيل تفسيرا للصدر؛ وذلك لأنَّ من المعلوم أنَّ عيسى عليه‏السلام كان جزئيا حقيقيا لا كلّيّا. <ref> المصدر السابق : 405 ـ 406.</ref>
==18 ـ استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي==
وهو استصحاب حكم دلَّ الشرع على ثبوته ودوامه، كالملك عند جريان العقد المملِّك، وكشغل الذمة عند جريان إتلاف أو التزام، وكذلك الحكم بتكرُّر اللزوم والوجوب إذا تكرَّرت أسبابها، كتكرُّر [[شهر رمضان]] وأوقات الصلوات ونفقات الأقارب عند تكرُّر الحاجات. <ref> المستصفى 1 : 238، وانظر : نضد القواعد الفقهية : 63، القواعد والفوائد 1 : 133، تمهيد القواعد : 271، الوافية : 217.</ref>
<br>لم يتنازع الفقهاء في هذا النوع وإنَّما تنازعوا في بعض أحكامه لتجاذب المسألة أصلين متعارضين، مثاله: أنَّ مالك منع الرجل ـ  إذا شكَّ هل أحدث أم لا  ـ من الصلاة حتَّى يتوضَّأ، فاستصحاب الطهارة هنا متعارض مع لزوم تحصيل اليقين بالطهارة للدخول في الصلاة، ولايتحصَّل اليقين الأخير مع فرض الشكّ في الطهارة، كما هو فرض الاستصحاب، فتبقى الصلاة في ذمته لايفرغ منها حتى يحصِّل اتيانها بطهارة يقينيّة. <ref> أعلام الموقّعين 1 : 340.</ref>


=المصادر=
=المصادر=
<div class="reflist4" style="height: 220px; overflow: auto; padding: 3px">
{{مراجع|2}}
</div>


[[تصنيف: مصطلحات الأصول]][[تصنيف: علم أصول الفقه]][[تصنيف: أنواع الاستصحاب]]
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]][[تصنيف: علم أصول الفقه]][[تصنيف: أنواع الاستصحاب]]