أقسام الإحتیاط

أقسام الإحتیاط: الإحتیاط اصطلاح في علم اصول الفقه وتعریفه الأخذ بالمتیقن والجمع بین التکالیف، وله انقسامات بلحاظ العقل والشرع سنشیر إلیها.

تقسیمات الإحتیاط

يقسّم الإحتياط بعدّة تقسيمات:

التقسيم الأول: تقسيمه بلحاظ الحكم

يقسّم الاحتياط بلحاظ الحكم إلى قسمين: [١]

الأول: الاحتياط المندوب

ويُعبّر عنه بالورع، كغسل اليدين ثلاثا إذا قام المكلّف من النوم قبل إدخالهما في الإناء للوضوء، والجمع بين أقوال العلماء عند اختلافهم في الحكم، واجتناب كلّ مفسدة موهمة وفعل كلّ مصلحة موهمة.

الثاني: الاحتياط الواجب

وهو ما كان وسيلة إلى تحقيق ما تحقق وجوبه، وترك ما تحقق تحريمه. وهو الذي يدخل في قاعدة الاشتغال أو الشبهة المحصورة، كما يتبيّن ذلك من الأمثلة التي ذكرها ابن عبدالسلام[٢] وغيره[٣] للاحتياط الواجب.

التقسيم الثاني: تقسيمه بلحاظ الوظيفة

يقسّم الاحتياط بلحاظ الوظيفة إلى قسمين:

الأول: الاحتياط الشرعي

وهو حكم الشارع بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكاليف، أو اجتنابها عند الشك بها والعجز عن تحصيل واقعها، مع إمكان الإتيان بها جميعا أو اجتنابها. [٤] وقد تناولنا البحث حول هذا القسم في «الحكم».

الثاني: الاحتياط العقلي

وهو يطلق في كلمات الأصوليين على معنيين: المعنى الأول: وهو حكم العقل بفعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته، بقطع النظر عن حكم الشارع بالبراءة أو الاشتغال. وهو الذي يصطلح عليه قديما بـ «أصالة الحظر»[٥]، وحديثا بـ «حق الطاعة».[٦] والاحتياط بهذا المعنى يقابل «البراءة العقلية» أو قاعدة «قبح العقاب بلا بيان».[٧] إلاّ أنّ الفرق بين الاحتياط بهذا المعنى وبين الاحتياط الشرعي هو: أنّ الأول مجعول بلحاظ الوظيفة الأولية لحالات الشك، بينما الثاني مجعول بلحاظ الوظيفة الثانوية لحالات الشك في التكليف، أي أن الحاكم في الأول هو العقل، والحاكم في الثاني هو الشرع. [٨] المعنى الثاني: وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف إذا كان ممكنا. [٩] أو هو حكم العقل بتنجّز الواقع المشكوك على المكلّف وحسن عقابه على مخالفته. [١٠] وهو الذي قد يصطلح عليه بـ «أصالة الاشتغال».[١١] والاحتياط بهذا المعنى يقابل «الاحتياط الشرعي». ويذكر أنّ الإحتياط بهذا المعنى وظيفة مجعولة من قبل العقل الحاكم بلزوم التحرّز واجتناب مخالفة أحكام الشارع المنجّزة وليس حكما شرعيا، ومعنى كونه وظيفة أ نّه جعل من أجل المحافظة على أحكام الشارع الواقعية، ولايستند جعله إلى وجود مصلحة أو مفسدة في المؤدّى. [١٢] ويبحث في هذا الاحتياط في عدّة موارد: [١٣] المورد الأول: الشبهات البدوية قبل الفحص. المورد الثاني: العلم الإجمالي بالتكليف والشك في المتعلّق. المورد الثالث: العلم التفصيلي بالتكليف والشك في الامتثال. والضابط في أصالة الاشتغال أ نّها تجري في موارد الشك في المكلّف به مع إحراز التكليف. والرأي المعروف في أصالة الاشتغال هو وجوب الموافقة القطعية ولزوم الاحتياط، إلاّ مع وجود مانع عقلي كما في دوران الأمر بين المحذورين، أو مانع شرعي كما في قاعدة الفراغ والتجاوز. [١٤]

=الفرق بین الإحتیاط العقلي والإحتیاط الشرعي=

وهناك عدّة فروق يمكن أن تتصور بين الاحتياط العقلي (أصالة الاشتغال) وبين الاحتياط الشرعي: الأول: أنّ مورد الاحتياط العقلي (أصالة الاشتغال) هو الشك في المكلّف به مع القطع بالتكليف، بينما مورد الاحتياط الشرعي هو الشك في التكليف. [١٥] الثاني: أنّ الاحتياط العقلي (أصالة الاشتغال) واجب بحكم العقل ووظيفة مجعولة من قبله، بينما الاحتياط الشرعي وظيفة مجعولة من قبل الشرع. [١٦] الثالث: الاحتياط العقلي (أصالة الاشتغال) طريق محض لايترتب على مخالفته سوى ما يترتّب على مخالفة الواقع، بينما الاحتياط الشرعي ربّما يقال بترتب العقاب على مخالفته في نفسه. [١٧]

التقسيم الثالث: تقسيمه بلحاظ إدراك الواقع وعدمه

يمكن أن يقسّم الاحتياط بلحاظ إدراك الواقع وعدمه إلى قسمين: [١٨] الأول: الاحتياط الحقيقي: وهو الذي يوجب إدراك الواقع على كلّ تقدير، كما في تكرار العمل لأجل إحراز الامتثال. الثاني: الاحتياط الإضافي: وهو الذي لايوجب إدراك الواقع على كلّ تقدير بل يكون أقرب إلى إدراك الواقع، كما في احتياط المقلّد بين فتاوى العلماء، فإنّه بذلك لايحصل له القطع بإدراك الواقع؛ لاحتمال خطأ الجميع.

التقسيم الرابع: تقسيمه بلحاظ نوع الحكم المحتاط له

يمكن أن يقسّم الاحتياط بلحاظ نوع الحكم المحتاط له إلى ثلاثة أقسام: [١٩]

الأول: الاحتياط للحكم

وهو الذي يكون مرجعه إلى الشك في التكليف وعدم إمكان تشخيص الحالة لدى المكلّف، فيحتاط لذلك حذرا من مخالفة ما هو ثابت في واقع الأمر.

الثاني: الاحتياط لمناط الحكم

وهو الذي يكون مرجعه إلى الشك في المكلّف به مع إحراز التكليف، كما في اختلاط الأمور الخارجية واشتباهها بين الحلال والحرام.

الثالث: الاحتياط لمآل الحكم

وهو الذي يكون مرجعه إلى التزام أقصى أنواع الحيطة والحذر من أجل التحرّز عن الوقوع في الحرام وضمان عدم فوات الواجب، وهو الذي يكون بسدّ الذرائع وفتحها.

المصادر

  1. قواعد الأحكام ابن عبدالسلام 2 : 12 ـ 13.
  2. قواعد الأحكام 2 : 13 ـ 16.
  3. الحدائق الناضرة 1 : 71 ـ 72، فواتح الرحموت 2 : 182.
  4. الأصول العامة للفقه المقارن : 479.
  5. العدّة في أصول الفقه الطوسي 2 : 742، شرح اللمع 2 : 977.
  6. دروس في علم الأصول 2 : 336، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 79.
  7. انظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 23.
  8. يمكن استكشاف هذا الفرق من طريقة تقسيم السيد الصدر للشك البدوي، انظر : دروس في علم الأصول 2 : 336، 346.
  9. الأصول العامة للفقه المقارن : 505.
  10. مصباح الأصول 2 : 40.
  11. انظر: مصباح الأصول 2: 40 ـ 41، الأصول العامة للفقه المقارن: 505.
  12. الأصول العامة للفقه المقارن : 520.
  13. مصباح الأصول 2 : 40، الأصول العامة للفقه المقارن : 505.
  14. انظر : فوائد الأصول 4 : 7 ـ 8 .
  15. يمكن استكشاف هذا الفرق من بيان النائيني لمجرى الأصول العملية، انظر : فوائد الأصول 4 : 6.
  16. انظر : الأصول العامة للفقه المقارن : 486، 520.
  17. انظر : أجود التقريرات 3 : 429.
  18. المصدر السابق : 540 ـ 541.
  19. الاحتياط إلياس بلكا : 365 ـ 367.