الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أفعال الرسول (ص)»

ط
استبدال النص - '====' ب'====='
ط (استبدال النص - '====' ب'=====')
 
(٣ مراجعات متوسطة بواسطة ٣ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
<div class="references" style="margin: 0px 0px 10px 0px; max-height: 300px; overflow: auto; padding: 3px; font-size:95%; background: #bacef8; line-height:1.4em; padding-bottom: 50px;"><noinclude>
'''أفعال الرسول:''' خصوصيةُ [[فعل الرسول]] ناشئة عن حجيته واعتباره، وإلا لم يکن فرق بين فعل الرسول وفعل سائر الناس، ولهذه الخصوصية في فعل النبي يبحث في [[علم الأصول]] عن مدی درجة اعتبار هذا الفعل هل هو حجة مطلقا ويجب العمل به أو لا؟
'''أفعال الرسول:''' خصوصيةُ [[فعل الرسول]] ناشئة عن حجيته واعتباره، وإلا لم يکن فرق بين فعل الرسول وفعل سائر الناس، ولهذه الخصوصية في فعل النبي يبحث في [[علم الأصول]] عن مدی درجة اعتبار هذا الفعل هل هو حجة مطلقا ويجب العمل به أو لا؟
</div>


=تعريف الفعل لغةً=
=تعريف الفعل لغةً=
سطر ١١: سطر ١٣:


==الفعل نوع بيان==
==الفعل نوع بيان==
نفى البعض جواز البيان بالفعل، وحُكي هذا عن أبي إسحاق الإسفراييني وأبي الحسن الكرخي<ref> التبصرة: 247.</ref>، إلاَّ أنَّ جلَّ الأصوليين يرون صحَّة بيان [[الرسول]] بالفعل<ref> الذريعة 2: 585 ـ 587، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 582 ـ 583، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 148، معارج الأصول: 120، البحر المحيط 4: 189.</ref>.
نفى البعض جواز البيان بالفعل، وحُكي هذا عن أبي إسحاق الإسفراييني وأبي الحسن الكرخي<ref> التبصرة: 247.</ref>، إلاَّ أنَّ جلَّ الأصوليين يرون صحَّة بيان [[الرسول]] بالفعل<ref> الذريعة 2: 585 ـ 587، العدّة في أصول الفقه [[الطوسي]] 2: 582 ـ 583، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 148، معارج الأصول: 120، البحر المحيط 4: 189.</ref>.
<br>إنَّ البيان من وظائف الرسول الأساسية، كما ورد في الآية الكريمة: '''«وَأنْزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إلَيْهِمْ»'''<ref> النحل: 44.</ref> وقد كان يبيِّن ويبلّغ الأحكام بأفعاله كما يبلّغ بأقواله، وقد صرَّح [[القرآن الكريم]] بذلك في مواطن، من قبيل: '''«زَوَّجْنَاكَها لِكَيْلا يَكون عَلى المُؤْمِنينَ حَرَجٌ»'''<ref> الأحزاب: 37.</ref> كما أنَّ الرسول صرَّح أو أشار إلى هذا في عدّة موارد، من قبيل قوله: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»<ref> السنن الكبرى البيهقي 2: 345، كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.</ref> وقوله «ألا أخبرتِه أنّي أفعل ذلك؟»<ref> المسند الشافعي: 240، فتح الباري 4: 121 كتاب الصوم باب المباشرة للصائم.</ref> في جواب [[اُمّ سلمة]] عندما سألها رجل عمَّن قبَّل امرأته وهو صائم.
<br>إنَّ البيان من وظائف الرسول الأساسية، كما ورد في الآية الكريمة: '''«وَأنْزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إلَيْهِمْ»'''<ref> النحل: 44.</ref> وقد كان يبيِّن ويبلّغ الأحكام بأفعاله كما يبلّغ بأقواله، وقد صرَّح [[القرآن الكريم]] بذلك في مواطن، من قبيل: '''«زَوَّجْنَاكَها لِكَيْلا يَكون عَلى المُؤْمِنينَ حَرَجٌ»'''<ref> الأحزاب: 37.</ref> كما أنَّ الرسول صرَّح أو أشار إلى هذا في عدّة موارد، من قبيل قوله: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»<ref> السنن الكبرى البيهقي 2: 345، كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، كتاب الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.</ref> وقوله «ألا أخبرتِه أنّي أفعل ذلك؟»<ref> المسند الشافعي: 240، فتح الباري 4: 121 كتاب الصوم باب المباشرة للصائم.</ref> في جواب [[اُمّ سلمة]] عندما سألها رجل عمَّن قبَّل امرأته وهو صائم.
<br>وأحيانا يكون بيانه بالإقرار أو الإنكار، فقد أقرَّ موارد كثيرة من قبيل أنَّ [[رسول اللّه]]‏ رأى قيسا يصلّي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فلم ينكر عليه<ref> سنن الترمذي 2: 285 أبواب الصلاة، باب 313 ما جاء في من  تفوته الركعتان قبل الفجر يصلّيهما بعد الفجر ح 422 ، وأنظر : اللمع: 147.</ref>. أو أنَّه روي إنَّ معاذا كان يصلّي العشاء مع النبي (ص) ثُمَّ يأتي قومه في بني سلمة فيصلّي بهم، وهي له تطوّع ولهم فريضة العشاء ولم ينكر عليه<ref> صحيح مسلم بشرح النووي 4: 134 كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام، وأنظر: اللمع: 148.</ref>.
<br>وأحيانا يكون بيانه بالإقرار أو الإنكار، فقد أقرَّ موارد كثيرة من قبيل أنَّ [[رسول اللّه]]‏ رأى قيسا يصلّي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فلم ينكر عليه<ref> سنن الترمذي 2: 285 أبواب الصلاة، باب 313 ما جاء في من  تفوته الركعتان قبل الفجر يصلّيهما بعد الفجر ح 422 ، وأنظر : اللمع: 147.</ref>. أو أنَّه روي إنَّ معاذا كان يصلّي العشاء مع النبي (ص) ثُمَّ يأتي قومه في بني سلمة فيصلّي بهم، وهي له تطوّع ولهم فريضة العشاء ولم ينكر عليه<ref> صحيح مسلم بشرح النووي 4: 134 كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام، وأنظر: اللمع: 148.</ref>.
سطر ٤٢: سطر ٤٤:
<br>وقد ناقش بعض الأصوليين في الطابع الشرعي للفعل الذي همَّ به الرسول، وفي المجال رأيان:
<br>وقد ناقش بعض الأصوليين في الطابع الشرعي للفعل الذي همَّ به الرسول، وفي المجال رأيان:
<br>'''الرأي الأوّل:''' كونه حجَّة، ذهب إليه الزركشي وذكر له مصداقا، وهو ذهاب [[الشافعي]]<ref> الأم 1: 251.</ref> إلى استحباب تنكيس الرداء مع تحويله بالنسبة إلى الخطيب عند [[الاستسقاء]]، محتجّا بما ورد من: «أنَّ النبي(ص) استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلمَّا ثقلت قلبها على عاتقه»<ref> سنن أبي داود 1: 302 كتاب الصلاة، باب جماع أبواب الصلاة الاستسقاء وتفريعها ح1164.</ref>.
<br>'''الرأي الأوّل:''' كونه حجَّة، ذهب إليه الزركشي وذكر له مصداقا، وهو ذهاب [[الشافعي]]<ref> الأم 1: 251.</ref> إلى استحباب تنكيس الرداء مع تحويله بالنسبة إلى الخطيب عند [[الاستسقاء]]، محتجّا بما ورد من: «أنَّ النبي(ص) استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلمَّا ثقلت قلبها على عاتقه»<ref> سنن أبي داود 1: 302 كتاب الصلاة، باب جماع أبواب الصلاة الاستسقاء وتفريعها ح1164.</ref>.
<br>وبذلك جعل الزركشي الهمّ من [[السنَّة]] واعتبره حجّة وذات دلالة. وفي مقام التعارض نقل عن الشافعية ومنهم الرافعي قولهم بتقديم القول على الفعل ثُمَّ الهمّ<ref> البحر المحيط 4: 211.</ref>.
<br>وبذلك جعل الزركشي الهمّ من [[السنَّة]] واعتبره حجّة وذات دلالة. وفي مقام التعارض نقل عن [[الشافعية]] ومنهم الرافعي قولهم بتقديم القول على الفعل ثُمَّ الهمّ<ref> البحر المحيط 4: 211.</ref>.
<br>'''الرأي الثاني:''' كونه غير حجّة، ذهب إلى ذلك الشوكاني، ولم يعتبره من [[أقسام السنَّة]]، معلِّلاً ذلك بأنَّه  مجرّد خطور شيء على البال من دون تنجيز له، ولايكون مصداقا لما آتانا الرسول ولا ممَّا أمر اللّه‏ سبحانه وتعالى بالتأسي به. مضافا إلى أنَّ الرسول(ص) أحيانا يخبر  بما همَّ به للزجر عنه<ref> إرشاد الفحول 1: 183.</ref>، كما ورد أنَّه قال: «لقد هممت  أن اُخالف إلى قوم لايشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم»<ref> صحيح البخاري 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة، ح618، السنن الكبرى البيهقي 3: 55 كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة من غير عذر.</ref>.
<br>'''الرأي الثاني:''' كونه غير حجّة، ذهب إلى ذلك الشوكاني، ولم يعتبره من [[أقسام السنَّة]]، معلِّلاً ذلك بأنَّه  مجرّد خطور شيء على البال من دون تنجيز له، ولايكون مصداقا لما آتانا الرسول ولا ممَّا أمر اللّه‏ سبحانه وتعالى بالتأسي به. مضافا إلى أنَّ الرسول(ص) أحيانا يخبر  بما همَّ به للزجر عنه<ref> إرشاد الفحول 1: 183.</ref>، كما ورد أنَّه قال: «لقد هممت  أن اُخالف إلى قوم لايشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم»<ref> صحيح البخاري 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة، ح618، السنن الكبرى البيهقي 3: 55 كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة من غير عذر.</ref>.


سطر ١٩٦: سطر ١٩٨:
تشارك الاُمَّة الرسول(ص) في الأفعال التي عُرف وجهها من الوجوب والندب والإباحة<ref> التبصرة: 240.</ref>. لكنَّ بعض الأشعريَّة، مثل: أبو بكر الدقّاق خالف في ذلك، وقال: بعدم المشاركة، وأنَّ الفعل الصادر عن الرسول لايكون تشريعا لنا إلاَّ بدليل<ref> أنظر: اللمع: 144.</ref>.
تشارك الاُمَّة الرسول(ص) في الأفعال التي عُرف وجهها من الوجوب والندب والإباحة<ref> التبصرة: 240.</ref>. لكنَّ بعض الأشعريَّة، مثل: أبو بكر الدقّاق خالف في ذلك، وقال: بعدم المشاركة، وأنَّ الفعل الصادر عن الرسول لايكون تشريعا لنا إلاَّ بدليل<ref> أنظر: اللمع: 144.</ref>.


====أدلَّة اشتراك أفعال النبي====
=====أدلَّة اشتراك أفعال النبي=====
1 ـ الآية الكريمة: '''«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»'''<ref> الأحزاب: 21.</ref>. ومقتضى الأسوة اشتراك الأفعال ولزوم تطابقها مع بعضها الآخر.
1 ـ الآية الكريمة: '''«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»'''<ref> الأحزاب: 21.</ref>. ومقتضى الأسوة اشتراك الأفعال ولزوم تطابقها مع بعضها الآخر.
<br>2 ـ الآية الكريمة: '''«فَاتَّبِعُوهُ»'''<ref> الأنعام: 153.</ref>. وهي تدلّ على [[لزوم متابعة الرسول]] مطلقا حتّى في الأفعال.
<br>2 ـ الآية الكريمة: '''«فَاتَّبِعُوهُ»'''<ref> الأنعام: 153.</ref>. وهي تدلّ على [[لزوم متابعة الرسول]] مطلقا حتّى في الأفعال.
سطر ٢٠٥: سطر ٢٠٧:
<br>5 ـ رجوع [[الصحابة]] عند الاستدلال إلى أفعال الرسول<ref> أنظر: التبصرة: 240 ـ 241.</ref>.
<br>5 ـ رجوع [[الصحابة]] عند الاستدلال إلى أفعال الرسول<ref> أنظر: التبصرة: 240 ـ 241.</ref>.


====أدلَّة عدم اشتراك أفعال النبي====
=====أدلَّة عدم اشتراك أفعال النبي=====
الَّذين خالفوا اشتراك الاُمَّة معه في أفعاله استدلّوا بدليلين:
الَّذين خالفوا اشتراك الاُمَّة معه في أفعاله استدلّوا بدليلين:
<br>1 ـ من المحتمل أن يكون فعله خاصّا به ولا مصلحة في الإتيان به لغيره.
<br>1 ـ من المحتمل أن يكون فعله خاصّا به ولا مصلحة في الإتيان به لغيره.
سطر ٢١٥: سطر ٢١٧:
في هذا الصنف من الأفعال، حيث لا تكون هناك قرائن تحدِّد وجه الفعل وردت عدَّة آراء:
في هذا الصنف من الأفعال، حيث لا تكون هناك قرائن تحدِّد وجه الفعل وردت عدَّة آراء:


====الرأي الأوّل: التوقُّف====
=====الرأي الأوّل: التوقُّف=====
أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى ضرورة التوقُّف حتَّى يقوم دليل، وهو لأكثر المتكلِّمين وأبي بكر الدقّاق<ref> المصدر السابق: 242.</ref>، واعتبره الزركشي رأي جمهور الشافعية<ref> أنظر: البحر المحيط 4: 183.</ref>، واختاره الرازي وحكاه عن الصيرفي وأكثر المعتزلة<ref> المحصول 1: 503.</ref>.
أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى ضرورة التوقُّف حتَّى يقوم دليل، وهو لأكثر المتكلِّمين وأبي بكر الدقّاق<ref> المصدر السابق: 242.</ref>، واعتبره الزركشي رأي جمهور الشافعية<ref> أنظر: البحر المحيط 4: 183.</ref>، واختاره الرازي وحكاه عن الصيرفي وأكثر المعتزلة<ref> المحصول 1: 503.</ref>.
<br>والقائلون بالتوقُّف اختلفوا في تفسيره، فقد فسَّروه بنحوين:
<br>والقائلون بالتوقُّف اختلفوا في تفسيره، فقد فسَّروه بنحوين:
سطر ٢٢٤: سطر ٢٢٦:
<br>2 ـ الَّذين قالوا بعدم عصمة الرسول عن الخطأ يحتملون أن يكون فعله ذنبا من ذنوبه، فيكون ذنبا بالنسبة إلينا كذلك، فلايجوز فعله<ref> المحصول الرازي 1: 503.</ref>. وهذا الدليل ينسجم مع المعنى الأوّل والثاني.
<br>2 ـ الَّذين قالوا بعدم عصمة الرسول عن الخطأ يحتملون أن يكون فعله ذنبا من ذنوبه، فيكون ذنبا بالنسبة إلينا كذلك، فلايجوز فعله<ref> المحصول الرازي 1: 503.</ref>. وهذا الدليل ينسجم مع المعنى الأوّل والثاني.


====الرأي الثاني: الحمل على الندب====
=====الرأي الثاني: الحمل على الندب=====
نسب الرازي هذا القول إلى [[الشافعي]]<ref> المصدر السابق.</ref>، وحكاه أبو اسحاق عن أبي بكر الصيرفي والقفّال والقاضي أبي حامد<ref> أنظر: التبصرة: 242.</ref>، ونسبه الزركشي إلى أكثر [[الحنفية]] و [[المعتزلة]]<ref> البحر المحيط 4: 183.</ref>.
نسب الرازي هذا القول إلى [[الشافعي]]<ref> المصدر السابق.</ref>، وحكاه أبو اسحاق عن أبي بكر الصيرفي والقفّال والقاضي أبي حامد<ref> أنظر: التبصرة: 242.</ref>، ونسبه الزركشي إلى أكثر [[الحنفية]] و [[المعتزلة]]<ref> البحر المحيط 4: 183.</ref>.
<br>استدلَّ على هذا الرأي بالموارد التالية:
<br>استدلَّ على هذا الرأي بالموارد التالية:
سطر ٢٣٤: سطر ٢٣٦:
<br>رُدَّ بأنَّا لا نعلم بالضبط أنَّ إطباقهم ناشئ عن الفعل بمجرّده، فمن المحتمل أنَّ عملهم قد استند إلى قرائن اُخرى<ref> المصدر السابق: 510.</ref>.
<br>رُدَّ بأنَّا لا نعلم بالضبط أنَّ إطباقهم ناشئ عن الفعل بمجرّده، فمن المحتمل أنَّ عملهم قد استند إلى قرائن اُخرى<ref> المصدر السابق: 510.</ref>.


====الرأي الثالث: الحمل على الوجوب وأدلته====
=====الرأي الثالث: الحمل على الوجوب وأدلته=====
وهو لابن سريج وأبي سعيد الاصطخري وأبي علي بن خيزران<ref> المصدر نفسه: 502.</ref>، ونسبه أبو إسحاق الشيرازي لمالك<ref> التبصرة: 243.</ref>.
وهو لابن سريج وأبي سعيد الاصطخري وأبي علي بن خيزران<ref> المصدر نفسه: 502.</ref>، ونسبه أبو إسحاق الشيرازي لمالك<ref> التبصرة: 243.</ref>.
<br>استُدلَّ على هذا الرأي باُمور كثيرة منها:
<br>استُدلَّ على هذا الرأي باُمور كثيرة منها:


=====الدليل الأول: الآيات القرآنية=====
=======الدليل الأول: الآيات القرآنية=======
وردت عدَّة آيات يبدو منها وجوب المتابعة:
وردت عدَّة آيات يبدو منها وجوب المتابعة:
<br>'''منها:''' قوله تعالى: '''«فَاتَّبِعُوهُ»'''<ref> الأنعام: 153.</ref>.
<br>'''منها:''' قوله تعالى: '''«فَاتَّبِعُوهُ»'''<ref> الأنعام: 153.</ref>.
سطر ٢٥٨: سطر ٢٦٠:
<br>الثانية: مفردة الإتيان ومفهومها يتأتَّى في القول؛ لأنَّنا نحفظه، وبامتثاله نكون قد أخذناه، فكأنَّ هناك أخذا وعطاءً، وهو صادق في القول دون الفعل<ref> المحصول الرازي 1: 508.</ref>.
<br>الثانية: مفردة الإتيان ومفهومها يتأتَّى في القول؛ لأنَّنا نحفظه، وبامتثاله نكون قد أخذناه، فكأنَّ هناك أخذا وعطاءً، وهو صادق في القول دون الفعل<ref> المحصول الرازي 1: 508.</ref>.


=====الدليل الثاني: ما روي من السنّة=====
=======الدليل الثاني: ما روي من السنّة=======
روي في السنَّة ما يبدو منه وجوب المتابعة:
روي في السنَّة ما يبدو منه وجوب المتابعة:
<br>'''منها:''' روي أنَّ النبي(ص) خلع نعله في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، ثُمَّ قالوا: رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا<ref> سنن أبي داود 1: 175، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل ح648، مسند أحمد 3: 398 ح10769.</ref>. فدلَّ على وجوب متابعته في فعله<ref> المعتمد 1: 351.</ref>.
<br>'''منها:''' روي أنَّ النبي(ص) خلع نعله في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، ثُمَّ قالوا: رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا<ref> سنن أبي داود 1: 175، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل ح648، مسند أحمد 3: 398 ح10769.</ref>. فدلَّ على وجوب متابعته في فعله<ref> المعتمد 1: 351.</ref>.
سطر ٢٧١: سطر ٢٧٣:
<br>الثاني: الأخبار المزبورة وردت في الحجّ والصلاة فقط، ولعلَّ هناك دليلاً دلَّ على أنَّ شرع الرسول وشرع الاُمَّة واحد في هذين الأمرين فقط، كما هو الواقع، فقد وردت رواية «صلّوا كما رأيتموني أُصلي»<ref> السنن الكبرى البيهقي 2: 345 كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.</ref> و«خذوا عنّي مناسككم»<ref> السنن الكبرى البيهقي 5: 125، صحيح مسلم بشرح النووي 8: 220، عوالي اللئالي 1: 215 و4: 34.</ref> و<ref> المحصول الرازي 1: 508.</ref>.
<br>الثاني: الأخبار المزبورة وردت في الحجّ والصلاة فقط، ولعلَّ هناك دليلاً دلَّ على أنَّ شرع الرسول وشرع الاُمَّة واحد في هذين الأمرين فقط، كما هو الواقع، فقد وردت رواية «صلّوا كما رأيتموني أُصلي»<ref> السنن الكبرى البيهقي 2: 345 كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث، صحيح مسلم بشرح النووي 4: 197، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 419، بحار الأنوار 82: 279.</ref> و«خذوا عنّي مناسككم»<ref> السنن الكبرى البيهقي 5: 125، صحيح مسلم بشرح النووي 8: 220، عوالي اللئالي 1: 215 و4: 34.</ref> و<ref> المحصول الرازي 1: 508.</ref>.


=====الدليل الثالث: الإجماع=====
=======الدليل الثالث: الإجماع=======
أجمعت الاُمَّة على لزوم اتّباعه، كما يثبت ذلك ممّا ورد عن [[الصحابة]] من اتّباعهم إيَّاه في أفعاله<ref> إرشاد الفحول 1: 168.</ref>. من قبيل رجوع [[الصحابة]] إلى فعله<ref> المحصول الرازي 1: 504.</ref>، فقد اختلفوا في التقاء الختانين ما إذا كان موجبا للغسل أم لا فرجعوا إلى [[فعل رسول اللّه]]‏ (ص)حيث روت [[اُم المؤمنين عائشة]]: «فعلته أنا ورسول اللّه‏ فاغتسلنا».
أجمعت الاُمَّة على لزوم اتّباعه، كما يثبت ذلك ممّا ورد عن [[الصحابة]] من اتّباعهم إيَّاه في أفعاله<ref> إرشاد الفحول 1: 168.</ref>. من قبيل رجوع [[الصحابة]] إلى فعله<ref> المحصول الرازي 1: 504.</ref>، فقد اختلفوا في التقاء الختانين ما إذا كان موجبا للغسل أم لا فرجعوا إلى [[فعل رسول اللّه]]‏ (ص)حيث روت [[اُم المؤمنين عائشة]]: «فعلته أنا ورسول اللّه‏ فاغتسلنا».
<br>رُدَّ هذا بالاُمور التالية:
<br>رُدَّ هذا بالاُمور التالية:
سطر ٢٧٧: سطر ٢٧٩:
<br>الثاني: أنَّ [[الصحابة]] لم يجمعوا على وجوب كلّ فعل بلغهم عن [[الرسول]]، بل أجمعوا على الاقتداء بخصوص الفعل الذي فهموا منه الوجوب أو الندب أو نحوهما<ref> إرشاد الفحول 1: 170.</ref>.
<br>الثاني: أنَّ [[الصحابة]] لم يجمعوا على وجوب كلّ فعل بلغهم عن [[الرسول]]، بل أجمعوا على الاقتداء بخصوص الفعل الذي فهموا منه الوجوب أو الندب أو نحوهما<ref> إرشاد الفحول 1: 170.</ref>.


=====الدليل الرابع: الأدلَّة العقليَّة=====
=======الدليل الرابع: الأدلَّة العقليَّة=======
هناك شواهد عقليَّة تثبت وجوب الاتّباع:
هناك شواهد عقليَّة تثبت وجوب الاتّباع:
<br>'''منها:''' البيان تارة يقع بالقول واُخرى بالفعل، وباعتبار أنَّ القول يدلُّ على الوجوب فكذلك الفعل<ref> التبصرة: 246.</ref>، بل الفعل آكد في الدلالة على المطلوب<ref> المعتمد 1: 348.</ref>.
<br>'''منها:''' البيان تارة يقع بالقول واُخرى بالفعل، وباعتبار أنَّ القول يدلُّ على الوجوب فكذلك الفعل<ref> التبصرة: 246.</ref>، بل الفعل آكد في الدلالة على المطلوب<ref> المعتمد 1: 348.</ref>.
سطر ٢٨٨: سطر ٢٩٠:
<br>رُدَّ هذا بأنَّه من غير المسلَّم كون الإتيان بمثل ما يفعله العظيم يكون تعظيما له، وأنَّ الترك إهانة له، بل أحيانا يكون الإتيان بمثل فعل العظيم حطّا لمنزلته، ومن ذلك القبيح جلوس العبد في سرير سيّده والركوب على مركبه،  فيستحقُّ العبد هنا التوبيخ على المماثلة في  الفعل<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 158.</ref>.
<br>رُدَّ هذا بأنَّه من غير المسلَّم كون الإتيان بمثل ما يفعله العظيم يكون تعظيما له، وأنَّ الترك إهانة له، بل أحيانا يكون الإتيان بمثل فعل العظيم حطّا لمنزلته، ومن ذلك القبيح جلوس العبد في سرير سيّده والركوب على مركبه،  فيستحقُّ العبد هنا التوبيخ على المماثلة في  الفعل<ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 158.</ref>.


====الرأي الرابع: الحمل على الإباحة====
=====الرأي الرابع: الحمل على الإباحة=====
وهذا القول لمالك<ref> أنظر: المحصول الرازي 1: 503.</ref>، واختاره الجويني<ref> البرهان في أصول الفقه 1: 185.</ref>، واعتبره الزركشي الراجح لدى الحنابلة<ref> البحر المحيط 4: 183.</ref>،
وهذا القول لمالك<ref> أنظر: المحصول الرازي 1: 503.</ref>، واختاره الجويني<ref> البرهان في أصول الفقه 1: 185.</ref>، واعتبره الزركشي الراجح لدى الحنابلة<ref> البحر المحيط 4: 183.</ref>،
<br>استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
<br>استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
سطر ٢٩٦: سطر ٢٩٨:
<br>ويُردُّ بأ نّه على فرض ثبوت [[الإباحة]] في حقِّه فلا دليل على وجوب ثبوتها علينا كذلك<ref> المصدر السابق: 511، إرشاد الفحول 1: 172.</ref>.
<br>ويُردُّ بأ نّه على فرض ثبوت [[الإباحة]] في حقِّه فلا دليل على وجوب ثبوتها علينا كذلك<ref> المصدر السابق: 511، إرشاد الفحول 1: 172.</ref>.


====الرأي الخامس: الحمل على الحظر====
=====الرأي الخامس: الحمل على الحظر=====
وهو قول منسوب إلى من جوَّز المعاصي على الأنبياء<ref> البحر المحيط 4: 184.</ref>، وقد نسبه ابن حزم إلى [[الباقلاني]] أو صاحبه أبي جعفر السمناني، بناءً على احتمال المعصية بالنسبة إلى الرسول<ref> الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 2.</ref>. ويرى [[أبو حامد الغزالي]] أنَّ هذا رأي من رأى الأشياء قبل الشرع محظورة<ref> المستصفى 2: 98.</ref>، ويرى البعض أنَّه سوء فهم لكلام هؤلاء، فإنَّهم يقولون بحرمة اتّباع أفعال الرسول لا أنَّ ما وقع منه يكون حراما<ref> البحر المحيط 4: 184.</ref>. ولم يتعرَّض من كتب في أفعال الرسول إلى هذا القول إلاَّ القليل منهم، ممَّا يكشف عن عدم الاعتناء به أو ندرة القائلين به.
وهو قول منسوب إلى من جوَّز المعاصي على الأنبياء<ref> البحر المحيط 4: 184.</ref>، وقد نسبه ابن حزم إلى [[الباقلاني]] أو صاحبه أبي جعفر السمناني، بناءً على احتمال المعصية بالنسبة إلى الرسول<ref> الفصل في الملل والأهواء والنحل 4: 2.</ref>. ويرى [[أبو حامد الغزالي]] أنَّ هذا رأي من رأى الأشياء قبل الشرع محظورة<ref> المستصفى 2: 98.</ref>، ويرى البعض أنَّه سوء فهم لكلام هؤلاء، فإنَّهم يقولون بحرمة اتّباع أفعال الرسول لا أنَّ ما وقع منه يكون حراما<ref> البحر المحيط 4: 184.</ref>. ولم يتعرَّض من كتب في أفعال الرسول إلى هذا القول إلاَّ القليل منهم، ممَّا يكشف عن عدم الاعتناء به أو ندرة القائلين به.