أصول المذهب

من ویکي‌وحدت

أصول المذهب: المراد من أصول المذهب هي القواعد الّتي تستخدمها المذاهب الفقهية والأصولية لإثبات ما يستنبطونه من الأحکام، يعنی هذه القواعد هي الأساس لما يستنبطونه من الأحکام. مثلاً الکتاب والسنة يعدّان من أصول المذهب المشترکان بين جميع المذاهب، وهکذا سائر الأصول مثل الإجماع و القياس و الاستحسان.

تعريف أصول المذهب

لم يضبط المعنى الاصطلاحي لأصول المذهب، رغم أنَّ تاريخ استخدامه يعود إلى أصوليين متقدّمين، مثل: ابن إدريس الحلّي[١] (من أعلام القرن السادس) ومحيي الدين النووي[٢] (من أعلام القرن السابع). الإبهام وعدم الضبط الذي يعود إلى فقدان التعريف النظري، انسحب إلى التحديد العملي للأصول، لذلك قد نرى اختلافا بين الأصوليين في تحديد أصول مذهب واحد.
استقراء موارد استخدام هذا الاصطلاح في الفقه والأصول يكشف غالبا عن كون مراد الأصوليين والفقهاء منه الإشارة إلى ما يعتمده المذهب من قواعد أصولية أساسية كثيرة التوظيف والأداء، وهي ممَّا اختلفت فيها المذاهب الفقهية عموما، سواء في أصل القاعدة والمبدأ، مثل القياس الذي يرتضيه بعضها وترفضه بعضها الآخر، أو مثل السنّة التي تختلف فيها المذاهب لا من حيث الأصل، بل من حيثيات اُخرى، كقبول أو عدم قبول خبر الواحد كطريق للكشف عنها، أو من حيث قبول الأخبار الواردة عن طرق دون اُخرى.

النقاط التي لها تأثير في فهم معنی المراد


وفي هذا المجال هناك عدّة نقاط جديرة بالالتفات:

النقطة الأولى

تعدُّ القاعدة أصلاً من أصول المذهب فيما إذا بُرِّزت من قبل علماء ذلك المذهب واعتبرت ممَّا يُعرف به المذهب لسعة نطاق استخدامها ومؤدَّاها في فقه المذهب، ولايكفي اعتقاد أتباعه بها، فإنَّ العرف مثلاً ممَّا قال به الحنبلية، لكن لايُعدُّ من أصول المذهب الحنبلي، لكونه غير مبرَّز بالنحو الذي بُرِّز في المذاهب التي اعتبرته من أصولها، فقد وردت عن علماء هذا المذهب عبارات من قبيل: «... القبض مطلق في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف»[٣] و «ما لا حدَّ له في الشرع يُردُّ إلى العرف»[٤] و«كلّ اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف».[٥]
وكذلك الحال بالنسبة إلى الشافعية و الشيعة أيضا التي تتدارس موضوع العرف بعناوين من قبيل السيرة العقلائية، مع اختلاف في موارد الاستخدام والمؤدَّى.

النقطة الثانية

ينظر في اعتبار أصل من الأصول إلى ما ذهب إليه غالب علماء ذلك المذهب وإن لم يُثبَّت من قبل مؤسِّس المذهب أو خالف فيه بعض مجتهدي المذهب، فالاستصحاب ممَّا لم يبرز في كلمات الشافعي كأحد الأصول التي يعتمدها في فقهه التي حدّدها بخمسة هي: الكتاب والسنّة و الإجماع وقول بعض الصحابة و القياس. [٦] لكنَّ الاستصحاب ممَّا ذهب إليه أكثر الشافعية. ومن الطبيعي أن نجد في بعض الأصول اختلاف علماء المذهب الواحد، وأحيانا ذهاب بعضهم إلى غير ما يذهب إليه المؤسِّس أو الأكثر.

النقطة الثالثة

في مجال اعتبار أصل لدى مذهب غالبا ما ينظر إلى قدماء ومتقدّمي علماء المذهب، أمَّا متأخّريهم وبخصوص المعاصرين منهم من المذاهب السنّية الأربعة فقد تلاشت لديهم الحدود في كثير من الموارد، وقد يتبادل علماؤها في الأخذ والعطاء، ولا نجد التزاما وتقيّدا شديدا في هذا المضمار.

النقطة الرابعة

باعتبار عدم ضبط مفهوم أصول المذهب تبقى المسألة موضع خلاف، والاختلاف مشهود عند مقارنة كتابات الذين كتبوا في هذا المجال، وأصول المذاهب المدرجة هنا كانت نتيجة تتبُّع قد تخالف تتبُّع الآخرين، وقد اُشير إلى موارد الاختلاف بين الكُتَّاب في هذا الباب عند ذكر أصول المذهب المختلف في أصوله.

النقطة الخامسة

الترتيب الوارد هنا بين الأصول هو الذي يبدو ممَّا ذهب إليه أرباب المذاهب المدرجة وممَّن كتب في هذا المجال، وأهمّية الترتيب تظهر في باب التعارض والترجيح بين الأدلَّة، ولم ندخل في تفاصيل الترتيب بينها، بل اكتفينا بمجمل القول في هذا المجال، والتفاصيل متروكة إلى بحوث من قبيل التعارض. وعلى سبيل المثال، فإنَّ مالكا يقدِّم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد[٧]، رغم أنَّ الأخير مشمول بالسنة، وهي مقدَّمة على عمل أهل المدينة عند الأكثر. هذا مع أنَّ الترتيب بحدِّ ذاته من موارد الاختلاف بين المذاهب بل في المذهب الواحد، فقد اختلف بعض من كتب في هذا المجال في بيان الترتيب، وقد أشرنا إلى موارد من هذا الاختلاف عند بيان أصول بعض المذاهب.

النقطة السادسة

تركنا التوثيق بالنسبة إلى أصل القرآن الكريم؛ باعتباره موضع اتّفاق المذاهب، والاختلاف في هذا الأصل ليس من باب الصدور، بل من أبواب اُخرى من قبيل تفسيره وتأويله، هذا مضافا إلى أنَّ جلَّ الأصوليين تركوا البحث عن حجّيّته، وذلك باعتبار التسالم على هذا الموضوع.

النقطة السابعة

قد يكون هناك اختلاف مبنائي في تعاريف ومفاهيم أو مصاديق كلٍّ من الأصول الواردة، وقد أحلنا هذا الأمر إلى محالها، فالإجماع مثلاً يعرَّف بمثل اتّفاق العلماء، لكن ممَّا يختلف فيه الشيعة والسنَّة أنَّ الإجماع لدى الشيعة ليس حجَّة بحدِّ ذاته، بل بما هو كاشف عن رأي المعصوم، ولو لم يكن كاشفا لافتقد الحجّية.

النقطة الثامنة

ما ورد هنا سرد مجمل لبعضٍ من أهمّ المذاهب، مرتَّبة حسب تاريخ ولادة ووفاة زعيمها أو زعمائها، ومن الطبيعي وجود مذاهب أخرى بحاجة إلى دراسة في هذا المجال.

أصول المذهب الشيعي

لقد قسَّم أصوليو الشيعة أصول مذهبهم إلى ثلاثة أقسام:

1. الأصول الکاشفة: الکتاب والسنة والإجماع والعقل

القسم الأوَّل: الأصول الكاشفة عن الحكم الواقعي كشفا تامّا أو ناقصا، وهي:
أ ـ الكتاب: وهو ممَّا أجمعت عليه طوائف المسلمين لا الشيعة فحسب، ولاشكّ في قطعية صدوره، لكن الشكّ في بعض دلالاته الظنّية الظاهرة في المراد دون النصّية.
ب ـ السنة: وهي أيضا ممَّا أجمع عليها المسلمون كافَّة إذا كانت قطعية الصدور، بأن كانت متواترة تفيد اليقين، والاختلاف في حجيَّة ما يوجب الظنّ مثل خبر الواحد[٨]، فقد خالف بعض الشيعة وقال: بعدم حجّيته، مثل السيّد المرتضى[٩] وابن البرّاج[١٠] وابن زهرة[١١] وابن إدريس. [١٢]
ج ـ الإجماع: ويختلف الإجماع الذي يذهب إليه الشيعة مع الإجماع الذي يذهب إليه جلّ أهل السنّة في أنَّه لا يُعدُّ حجَّة إلاَّ إذا كشف عن رأي المعصوم، فهو ـ من وجهة نظرهم ـ ليس دليلاً مستقلاً، بل كاشفا عن السنّة. [١٣]
د ـ العقل: وهو عبارة عمَّا يحكم به العقل بنحو مستقل ودون الحاجة إلى مقدّمات شرعية، والذي تُدعى أحكامه وقضاياه بـ المستقلاَّت العقلية، أو بنحو غير مستقل وبالضم إلى مقدّمات شرعية، وهو ما تُدعى أحكامه وقضاياه بـ غير المستقلاَّت العقلية. [١٤]

2. الأصول التنزيلية

القسم الثاني: الأصول التنزيلية، ويُراد منها القواعد التي تنزِّل مؤدَّاها منزلة الحكم الواقعي، ولا تثبت الحكم الواقعي حقيقة، وهي غير قليلة، تدخل جلّها في القواعد الفقهية، مثل: أصالة الصحّة، و قاعدة الفراغ والتجاوز[١٥]، والمورد البارز الذي يدخل في الأصول، هو الاستصحاب. وقد ذهب إليه أصوليو الشيعة، مع أنَّهم قد اختلفوا في بعض جزئياته وأقسامه. [١٦]

3. الأصول العملية

القسم الثالث: الأصول العملية، ويُراد منها القواعد الأصولية التي تحدِّد الوظيفة العملية للمكلَّف عند انعدام النصّ أو الدليل الشرعي على الحكم، ولايراد منها الكشف عن الحكم الواقعي للشريعة، ما يعني إمكانية تطابقها وعدم تطابقها مع الحكم الواقعي وليس من شأنها تحديد الحكم الواقعي، بل الوظيفة العملية فحسب، وهي:
أصالة البراءة الشرعية، وهي: تبرئة ذمّة المكلَّف من التكليف والالتزام.
أصالة الاحتياط الشرعية، وهي: إلزام المكلَّف بالعمل بما يقتضيه الاحتياط.
أصالة التخيير، وهي: عبارة عن منح الرخصة للمكلَّف في اختيار الفعل أو الترك، عند دوران التكليف بين محذورين (الوجوب والحرمة).
وبرغم اشتراك هذه الأصالات في كون موردها انعدام الدليل على الحكم الشرعي إلاَّ أنَّ مجاريها تختلف، وهناك شروط تفرض جريان أحدها دون الاُخريات. [١٧]

المصادر

  1. السرائر 1: 77، 203، 240، 246 وموارد أخرى.
  2. المجموع شرح المهذّب 15: 51.
  3. الكافي في فقه ابن حنبل 2: 209.
  4. المصدر السابق: 224.
  5. المغني ابن قدامة 1: 321 ـ 322.
  6. الرسالة: 357 ـ 387.
  7. ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية: 204.
  8. العدة في أُصول الفقه الطوسي 1: 69 ـ 155، معارج الأُصول: 138 ـ 152، أُصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 64 ـ 97.
  9. الذريعة 2: 517 ـ 554.
  10. حكاه في معالم الدين: 189.
  11. غنية النزوع 2: 356.
  12. السرائر 1: 51.
  13. الذريعة 2: 603 ـ 656، معالم الدين: 172 ـ 181، دروس في علم الأصول 2: 158 ـ 159.
  14. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 128 ـ 142، الأصول العامة للفقه المقارن: 265 ـ 283.
  15. الأُصول العامة للفقه المقارن: 80.
  16. معارج الأصول: 206، كفاية الأصول: 384 ـ 433، بحوث في علم الأصول الهاشمي 6: 9 ـ 338.
  17. فرائد الأصول 2: 17 ـ 404، كفاية الأصول: 355 ـ 357، دروس في علم الأصول 2: 320 ـ 494، مباحث الأصول الصدر، الجزء 3 و4.