الاستصلاح
الاستصلاح: أحد القواعد الأصوليّة في استنباط الأحکام الفقهية بمعنی الحكم بمقتضى المصلحة أو أنّه اتّباع المصلحة المرسلة من جلب منفعة أو دفع مضرّة من غير أن يشهد لها أصل شرعي. وبعبارة اخری الاستصلاح اصطلاح أصولي يراد به: بناء الحكم في مسألة ليس فيها نص أو إجماع على مصلحة عامة يدركها المجتهد، وتلك المصلحة يعبّرون عنها بالمصلحة المرسلة، أي المطلقة وغير المقيّدة من قبل الشارع باعتبار أو إلغاء.
تعريف الاستصلاح لغةً
الاستصلاح: نقيض الاستفساد.[١] وفي المعجم الوسيط: «استصلح الشيءُ: تهيّأ للصلاح، واستصلح الشيء: أصلحه، وطلب إصلاحه، وعدّه صالحا».[٢] ومرجع ذلك الى معنيين: الأول عدّ الشيء صالحا، والثاني طلب المصلحة والصلاح نقيض المفسدة والفساد.
تعريف الاستصلاح اصطلاحاً
الاستصلاح: هو الاستنباط استنادا الى المصالح والمرسلة، وبناء الحكم عليها.[٣]
وقد اختلفت تعابيرهم عنه فعبّر بعضهم: بأنّه اتّباع المصلحة المرسلة[٤]، وآخر: اتّباع المصلحة المرسلة من جلب منفعة أو دفع مضرّة من غير أن يشهد لها أصل شرعي[٥]، وثالث: بأنّه الحكم بمقتضى المصلحة، التي لا يشهد لها دليل خاص بإلغاء أو إثبات، وتكون متفقة مع مقاصد الشريعة العامة. [٦] ورابع: بأنّه بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة، أي المصالح التي لم يقيّد اعتبارها بورود نص خاص بعينها، وإنّما العمدة في اعتبارها ما جاء في الشريعة من أصول عامة وقواعد كلّية. [٧]
ومن ذلك يتضح أنّ الكلام يجب أن يكون في المصلحة المرسلة، معنىً وحجية، ولاجل ذلك، ولأنّ بعض الأصوليين ذكر المصالح المرسلة في مباحث الاستدلال، جاعلاً عنوان الاستدلال عنواناً لما عدا دليل الكتاب والسنّة والإجماع والقياس، كالاستحسان و الاستصحاب والأخذ بالمصالح المرسلة، وعبّر عنه بـ «الاستدلال المرسل» كالزركشي. [٨] بينما ذكرها آخر في مباحث القياس وعبّر عنها بـ «المناسب المرسل» كالغزالي في شفاء الغليل[٩] والآمدي[١٠]، والبيضاوي[١١] وعنونها الغزالي في المستصفى بـ «الاستصلاح».[١٢]
صورة إجمالية عن الاستصلاح
الاستصلاح اصطلاح أصولي يراد به: بناء الحكم في مسألة ليس فيها نص أو إجماع على مصلحة عامة يدركها المجتهد، وتلك المصلحة يعبّرون عنها بالمصلحة المرسلة، أي المطلقة وغير المقيّدة من قبل الشارع باعتبار أو إلغاء.
يبحثه الأصوليون في القياس تارةً في المناسب الذي يعتمد عليه القياس، حيث يقسّمون المناسب إلى معتبر وملغى ومرسل، ويقصدون بالأخير المصلحة المرسلة، وبناء الحكم عليها استصلاح، ويبحثونه أخرى في الاستدلال بالمعنى الخاص، والذي هو إقامة دليل ليس بنص ولا إجماع ولا قياس، فيعدّون من هذا النوع المصالح المرسلة.
وعقد له بعضهم فصلاً خاصا عنونه: «المصالح المرسلة» في عداد الأدلة المختلف فيها.
يختلف الاستصلاح عن القياس: بأنّ للقياس أصلاً يقاس الفرع عليه بدعوى مساواته له في علّة الحكم بخلاف الاستصلاح، وكذا يختلف عن الاستحسان بأنّ الاستحسان أخصّ؛ لأنّ الاستحسان يشترط فيه معارض مرجوح يرجّح الاستحسان عليه، فهو وجه من وجوه الاجتهاد لوجه أقوى منه، فهو مقابلة قياس بقياس أو نص بقاعدة عامة، في حين أنّ الاستصلاح ليس كذلك. والاستصلاح مختلف في حجّيته ودليليته بين معتبر بل مغالٍ في حجّيته[١٣]، وبين نافٍ بل عادٍ له من الأدلة الموهومة بل هو تشريع محرّم[١٤]، وثالث مفصّل ومشترط ببعض الشروط.
معنى المصلحة المرسلة
المصلحة لغةً ضد المفسدة[١٥]، واصطلاحا: المحافظة على مقصود الشرع، كما صرّح بذلك بعض الأصوليين:
قال الغزالي: «... هي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرّة، ولسنا نعني به ذلك، فإنّ جلب المنفعة ودفع المضرّة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكلّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة».[١٦]
وقال الخوارزمي: «المراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق».[١٧]
وعرّفها الطوفي بـ «السبب المؤدي إلى مقصود الشرع عبادةً وعادةً».[١٨]
وأمّا الإرسال، فمن معانيه لغةً الإطلاق والإهمال[١٩]، وهو هنا كذلك؛ بمعنى إهمال الشارع وعدم شهادته لها بالاعتبار ولا بالإلغاء، أو إطلاقها وعدم تقييدها بشيء من ذلك.[٢٠]
هذا إجمالاً معنى المفردتين، وأمّا المركّب ـ أعني «المصالح المرسلة» ـ فقد ذكرت له عدّة تعاريف:
فقيل: «هي ما لاتستند إلى أصل كلّي ولا جزئي».[٢١]
وقيل: «إنّها كلّ منفعة داخلة في مقاصد الشرع دون أن يكون لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء».[٢٢]
وقيل: «إنّها ما لايشهد له أصل بالاعتبار ولا بإلغاء لا بالنص ولا بالإجماع».[٢٣]
أقسام المصلحة
قسّم الأصوليون المصلحة باعتبارين: الأول اعتبار الشارع وشهادته لها بالاعتبار أو الإلغاء، والثاني باعتبار قوتها وضعفها.
1 ـ أقسام المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشارع
قسِّمت المصلحة باعتبار شهادة الشرع لها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما شهد الشرع باعتباره
ومثّل له بتحريم المسكر من كلّ مشروب أو مأكول، قياسا على الخمر؛ لأنّها حرّمت لحفظ العقل الذي هو مناط التكليف، فتحريم الشرع الخمر دليل على ملاحظة هذه المصلحة. وهذا يرجع إلى القياس.[٢٤]
الثاني: ما شهد الشرع ببطلانه
ومثّل له بقول بعض العلماء لبعض الملوك لمّا جامع في نهار رمضان وهو صائم: يتعيّن عليك صوم شهرين متتابعين، فلما أنكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله، قال: لو أمرته بذلك لسهّل عليه، واستحقر إعتاق رقبة في قضاء شهوته.[٢٥]
وهذا باطل بالاتفاق، لأنّه حكم على خلاف حكم اللّه، حيث أوجب الكفارة مخيّرة من غير فصل بين المكلّفين.
وقد يعبّر عنه بـ «المناسب الملغى».[٢٦]
الثالث: ما لم يشهد له الشارع بالاعتبار ولا بالإلغاء
وهذا هو المعبّر عنه بـ «المصالح المرسلة»[٢٧]، و«المناسب المرسل»[٢٨] والذي وقع الكلام فيه.
وخلاصة هذا التقسيم أنّ المصلحة، إمّا معتبرة، أو ملغاة، أو مرسلة.
والمقصودفي هذا المقال هو الأخير دون الأولين.
2 ـ أقسام المصلحة باعتبار قوتها
تنقسم المصلحة باعتبار قوتها إلى مراتب هي:
الأولی: ما هي في رتبة الضرورات
ومثِّل لها بالضرورات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فهذه الأصول حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح. وأمثلة ذلك قضاء الشارع بقتل الكافر المضلّ، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، لأنّه يفوّت على الخلق دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص؛ إذ به حفظ النفوس، وإيجاب حدّ الشرب؛ إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حدّ الزنا، إذ به حفظ النسل والأنساب، وإيجاب زجر الغصاب والسراق؛ إذ به حفظ الأموال التي هي معاش الخلق.[٢٩]
الثانية: ما يقع في رتبة الحاجات
ومثِّل له بتسليط الولي على تزويج الصغيرة والصغير، فذلك لا ضرورة إليه لكنه محتاج إليه في اقتناء المصالح، ومثِّل له أيضا بإباحة الصيد، والتمتع بالطيبات، وجواز المساقاة والقراض والسلم، ونحو ذلك.[٣٠]
الثالثة: ما يقع في مرتبة التحسين والتزيين
وما يقع في رعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات، مثل سلب العبد أهلية الشهادة، ولكلٍّ من هذه المراتب ما يقع موقع التتمة والتكملة. [٣١]
المصادر
- ↑ انظر : الصحاح 1 : 384، لسان العرب 2 : 2221 مادة «صلح»
- ↑ المعجم الوسيط 1 : 520 مادة «صلح».
- ↑ انظر : شرح مختصر الروضة 3 : 204.
- ↑ انظر : روضة الناظر : 86 .
- ↑ انظر : قواعد الأصول : 32 .
- ↑ انظر : الاستصلاح والمصالح المرسلة : 37 ـ 39 .
- ↑ انظر : المدخل الى أصول الفقه الدواليبي : 290 .
- ↑ البحر المحيط 6 : 76 .
- ↑ شفاء الغليل : 207 .
- ↑ الإحكام 3 ـ 4 : 394.
- ↑ منهاج الوصول : 111 .
- ↑ المستصفى 1 : 257.
- ↑ كما هو رأي الطوفي من علماء الحنابلة، انظر : رسالة الطوفي : 89 .
- ↑ كما هو المنسوب إلى الشافعي، وصرّح به الغزالي، انظر : المستصفى 1 : 257.
- ↑ لسان العرب 2 : 2221 مادة «صلح».
- ↑ المستصفى 1 : 258.
- ↑ انظر : إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ رسالة الطوفي : 112.
- ↑ انظر : لسان العرب 2 : 1507 مادة «رسل».
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76، المنخول : 355.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76، إرشاد الفحول 2 : 270.
- ↑ ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية : 342.
- ↑ حاشية التفتازاني 3 : 578.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 257.
- ↑ انظر : المصدر السابق.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن : 298 ـ 299.
- ↑ انظر : البحر المحيط 6 : 76.
- ↑ الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 249.
- ↑ المستصفى 1 : 258، الموافقات 2 : 8 ـ 10، أصول الفقه الخضري بك : 300 ـ 301.
- ↑ المستصفى 1 : 258، الموافقات 2 : 10 ـ 11، أصول الفقه الخضري بك : 301.
- ↑ انظر : المستصفى 1 : 259، الموافقات 2 : 11 ـ 12.