شروط الإجتهاد

من ویکي‌وحدت

شروط الإجتهاد: ینبغي للمجتهد أن یکون جامعاً للشروط الآتية ذکرُها حتی تکون فتواها صحیحةً منبعثةً من بطن الشریعة المقدسة. وهناک اثناعشر شرطاً لاستنباط الأحکام یجب وجودها في الفقیه والمستنبط للأحکام الشرعیة الإسلامیة.

الشرط الأوّل: معرفة آيات الأحكام

هناك اتجاهان في تحديد نطاق آيات الأحكام:

الاتجاه التحديدي

يذهب هذا الاتجاه إلى القول بأنّ لآيات الأحكام عدداً معلوماً، فمنهم من حدّد عدد آياتها بـ 300 آية، ومنهم من حددها بـ 500 آية كالغزالي[١] والرازي[٢] والعلاّمة الحلّي[٣]، وأوصلها بعض إلى ما يقارب 600 آية. [٤]. وقد مال إلى هذا الاتجاه أكثر العلماء، وذهبوا إلى أنّ معرفة آيات الأحكام تكفي في عملية الاجتهاد، ولايشكّل الجهل بالآيات الأخرى مانعا في طريق الاجتهاد.

الاتجاه التوسيعي

يذهب هذا الاتجاه إلى القول بأنّه ليس لآيات الأحكام عدد معلوم، ويمكن أن تكون أكثر آيات القرآن الكريم مصدرا لاستنباط الأحكام، ومن أصحاب هذا الاتجاه الشوكاني[٥] وابن بدران[٦] من علماء السنّة، وكان دليلهم أن لأكثر آيات القرآن الكريم قابلية أن تكون مصدرا للاستنباط.

المراد من معرفة آيات الأحكام

والمراد من معرفة آيات الأحكام معرفة معانيها، ولقد أشار الكثير من علماء الشيعة والسنّة إلى شرطية معرفة آيات الأحكام ومعرفة معانيها في الاجتهاد[٧] وهذه المعرفة تندرج تحتها معرفتان:

(1) معرفة معاني مفردات آيات الأحكام: والمراد بها معرفة ما للمفردات في هذه الآيات القرآنية من المعاني الشرعية، أو المعاني العرفية أو اللغوية. ومن هنا يتجلّى ضرورة الاطّلاع على العرف الشرعي، والعرف العام، ومصطلحات اللغة.

(2) معرفة معاني التراكيب القرآنية: ويمكن معرفة معاني التراكيب القرآنيّة من خلال قسمين: الأول: معرفة المعاني الأولية للقرآن الكريم: ويحقّق علم النحو هذا النوع من المعرفة. [٨] الثاني: معرفة المعاني القرآنية العميقة: ويمكن تصوّر جوانب كثيرة لهذا القسم، أهمّها معرفتان: الأولى: معرفة الناسخ والمنسوخ: وقد ذكر هذا الشرط أيضا علماء الفريقين من الشيعة والسنّة معا. [٩] وقد أضاف بعض معرفة المحكم والمتشابه والظاهر والمؤول ونحوها، ممّا يتوقف عليه فهم المعنى والعمل بموجبه، كالمجمل والمبين والعامّ والخاصّ. [١٠] الثانية: معرفة أسباب النزول: وهي تعني معرفة الموارد التي نزلت الآيات بشأنها. فلا شك أ نّه لايمكن الوصول إلى الهدف الأساسي للآية في كثير من الموارد دون الاستعانة بهذه المعرفة. ولذلك فقد اعتبرها الأصوليون من السنّة والشيعة شرطا للاجتهاد. [١١] ويوجد كلام في اشتراط حفظ القرآن للمجتهد. [١٢]

الشرط الثاني: معرفة السنّة

وقد ذهب إلى ذلك الأصوليون من الشيعة والسنّة[١٣]، وكما هو الحال في معرفة القرآن الكريم قد صرّح الكثير بأنّ اللازم معرفة ما يرتبط بالأحكام من السنّة. [١٤] وهناك كلام في اشتراط حفظ السنّة ومتون الأحاديث. [١٥]

الشرط الثالث: علم الأصول

يعتقد العلماء من السنّة والإماميّة أنّ معرفة علم الأصول من شروط الاجتهاد، وقد حظي هذا الشرط أهمية قصوى، حتّى صار يعد واحدا من أهم شروط الاجتهاد وركيزة أساسية في عملية الاستنباط[١٦]، وبلغ إلى حدٍّ اعتبروه ميزان الفقه ومعيارا لمعرفة ما يفسد الفقه[١٧]، بحيث لا يمكن بدونه استنباط الأحكام[١٨]، وسيّما في هذا الزمان. [١٩]

الشرط الرابع: علم المنطق

ظهر حول شرطية المنطق للاجتهاد قولان: الأول: عدم اشتراط معرفة المنطق. وقد اختار عدد من علماء الشيعة والسنّة هذا القول، فمن الشيعة الأخباريّون[٢٠] وبعض الأصوليّين، كالشهيد الثاني[٢١]، والسيّد الخوئي[٢٢]، ومن السنّة ابن الصلاح[٢٣]، والنووي[٢٤]، وآل تيمية[٢٥]، وقد استدلّ أصحاب هذا الاتجاه بدليلين: الدليل الأوّل: ليس تعلّم المنطق ومصطلحاته وقوالبه أمرا ضروريا؛ وذلك لأنّ الفكر والاستدلال يراعي قواعده بذاته. وصفوة القول: إنّ المنطق لايحتوي على شيءٍ سوى المصطلحات العلمية التي لايحتاجها المجتهد في أيّ وجه من الوجوه. الدليل الثاني: لقد جرى الاستنباط في العصور الأولى من الإسلام دون الاعتماد على المنطق. [٢٦] القول الثاني: اشتراط معرفة المنطق. وقد استقرب هذا القول كثير من علماء الشيعة؛ مثل العلاّمة الحلّي[٢٧]، والفاضل الهندي[٢٨]، والفاضل التوني[٢٩]، والوحيد البهبهاني[٣٠]، والمشكيني[٣١]، والإمام الخميني[٣٢]، ووافق عدد من علماء السنّة أيضا على هذا القول؛ مثل الغزالي[٣٣]، والرازي[٣٤]، والبيضاوي[٣٥]، والأسنوي[٣٦]، والبدخشي. [٣٧] واستدلّ أصحاب هذا القول بأ نّه لايمكن اجتناب الخطأ في الاجتهاد دون الاستعانة بعلم المنطق. [٣٨] وقد وصف الغزالي المنطق بأ نّه معيار وميزان العلوم. [٣٩] ويمكن بالتأمّل في هذا الدليل ملاحظة بطلان دليل من يذهب إلى عدم ضرورة المنطق في الاجتهاد، حيث إنّ في اعتقادهم جريان المنطق في عملية التفكير ذاتيا إشكالاً، وهو أ نّه يجب أن لا نطمئنّ بانطباق المنطق في كلّ المواضع بشكل صحيح، سيّما في المواضع التي يسلك الفكر فيها طرقا وعرة مملوءة بالعقبات ، فيجب أن نعرض الفكر على معيار منطقي باستمرار، وإلاّ وقعنا في الخطأ ؛ لأنّ الاعتماد على الجريان الآلي للمنطق إنّما يكون ويصحّ في الاستدلالات الاعتيادية والسهلة، وأمّا في الأمور المعقّدة، وفي الحالات التي تزدحم الأفكار مع بعضها، فلا سبيل للباحث سوى اللجوء إلى القواعد المنطقية. ويشير دليل القول الثاني (ضرورة المنطق) إلى هذه النقطة الأساسية، وهي أ نّه ما دام لم نعتمد على المنطق، فلا ضمان لصحّة الاستدلال في جميع الموارد. والوحيد البهبهاني يرى أنّ علم الأصول من جملة العلوم التي تكون مركزا ومجمعا لما يحصل من الشكوك والتساؤلات، وعلى هذا الأساس فإنّ الاستدلال لايستحكم فيه إلاّ بإزاء القواعد المنطقية. [٤٠] وقد ذهب في تأكيده على المنطق إلى حدٍّ اعتبر اجتناب التقليد في الفقه والعلوم المرتبطة به ـ والتي من جملتها علم الأصول ـ منوطا بالحفاظ على قواعد علم المنطق، فيقول: «... والاحتياج إليه لتصحيح المسائل الخلافية وغيرها من العلوم المذكورة، إذ لايكفي التقليد، سيّما في الخلافيات».[٤١]

الشرط الخامس: استقامة الفهم

بما أنّ عملية الاجتهاد ذات مسار مليء بالمنعطفات، فلا يتمكن من اجتياز كلّ هذه المنعطفات والمسارات الملتوية، إلاّ من تمتع بذهن وقّاد ومنطقي، وفي مقابل ذلك هناك أفراد ـ وبرغم امتلاكهم مستوى عالٍ من العلم ـ يمتازون بالانحراف وعدم الاستقامة؛ لذا لن يصلوا إلى الاجتهاد الواقعي مطلقا، وبعبارة أخرى: فإنّ هذه الأفكار المنحرفة والسلائق الرديئة في الاجتهاد، تفشل بمقدار نجاح العلماء ذوي البصائر في هذا المسير. يقول الوحيد البهبهاني في هذا الخصوص: «... أن لايكون معوج السليقة؛ فإنّه آفة للحاسة الباطنة».[٤٢] ثمّ يذهب إلى أبعد من ذلك ويقول: «أعظم الشرايط استقامة الفهم وجودة النظر».[٤٣] كما أنّ النراقي اشترط في الاجتهاد عدم الانحراف واعوجاج السليقة، فقال: «...أن لايكون معوج السليقة مخالف الفهم للأكثر... فإنّ اعوجاج السليقة آفة للحاسة الباطنة».[٤٤]

صور اعوجاج السليقة والانحراف نواجه صورتين للانحراف هما: (أ) الانحراف الذاتي: قد يكون الانحراف ذاتيا ناشئا عن قلة التحرك ووجود خلل في الذهن؛ أشار الوحيد البهبهاني إلى هذه الصورة قائلاً: «قسم يكون ذاتيا»[٤٥]. ويقول النراقي: «وهو قد يكون ذاتيا».[٤٦] (ب) الانحراف الناتج عن عوامل تأريخية: ويعبّر بعض فقهاء السنّة عن هذا الشرط بسلامة الذهن والفكر والدربة والارتياض في ضبط أصول مسائل الفقه ورد الفروع إليها. [٤٧] يجب الإذعان بأنّ الإبداعات الحديثة غير محكومة بالانحراف واعوجاج السليقة الاجتهادي، ولو أ نّها غير منسجمة مع الأساليب المتعارفة، وسوف لن يبتلى بذلك شيء سوى المستجدات في إطار منهج مغاير، بعيدا عن مقتضيات الأفكار التقليدية المتداولة، أو الأبحاث الاجتهادية الحديثة. أطلق الوحيد البهبهاني على هذا النوع من الانحراف الانحراف العرضي[٤٨]، وتبعه النراقي. [٤٩]

الشرط السادس: القدرة على ردّ الفرع إلى الأصل

إنّ حسن السليقة في ردّ الفرع إلى الأصل قاعدة الاجتهاد الأساسية وعنصر مصيري في نتائجها، لكن بما أنّ القواعد ذات تنوع كثير، ومفاهيم متفاوتة تستخدم في ميادين متعددة، فإنّ استخدامها في عمليات الاجتهاد حسّاس ودقيق جدا؛ ينبغي على المجتهد أحيانا ـ وهو في ميدان القواعد الأصولية ـ أن يجتاز حدود تلك القواعد ويلقي نظرة على القواعد الفقهية، ثمّ لا ينسى نصيبها في استنتاجه النهائي، وقد يقوم بهذا العمل مقابل القواعد الأصولية أحيانا أخرى. ذهب الى هذا الشرط جماعة من أصوليي السنّة والشيعة[٥٠]، ويظهر من بعض منعه. [٥١] وقد قال النراقي معقّبا على ضرورة عدم الانحراف واعوجاج السليقة: «... ويكون ردّه إلى الأصل صحيحا غالبا عندهم وإن لم يكن الأصل مقبولاً عند البعض».[٥٢]

المصادر

  1. المستصفى 2 : 200.
  2. المحصول 2 : 497.
  3. نهاية الوصول 5 : 170.
  4. دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام 1 : 22.
  5. إرشاد الفحول 2 : 293.
  6. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 180.
  7. إحكام الفصول : 722، المجموع شرح المهذّب 1 : 41، 42، مبادئ الوصول: 242، قواعد الأحكام العلاّمة الحلّي 1 : 526، كشف الأسرار (البخاري) 4 : 27 ـ 28، شرح الكوكب المنير : 394، شرح الأزهار 1 : 8 ، شرح البدخشي 3 : 271 ـ 272، شرح طلعة الشمس 2 : 275.
  8. قواعد الأحكام العلاّمة الحلّي 1 : 526، ذكرى الشيعة 1 : 42.
  9. نهاية السُّول 4 : 553، مبادئ الوصول : 243، ذكرى الشيعة 1 : 42، مواهب الجليل 6 : 96، نشر البنود 2 : 319، مفاتيح الأصول : 575.
  10. روضة الناظر : 191، الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 397، ذكرى الشيعة 1 : 42، مواهب الجليل 6 : 96.
  11. الموافقات 3 : 351، نشر البنود 2 : 319، الأصول العامة للفقه المقارن : 555.
  12. انظر : المستصفى 2 : 200، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 180، الاجتهاد والتقليد شمس الدين : 351.
  13. المستصفى 2 : 200، المحصول الرازي 2 : 498، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 170.
  14. انظر : المستصفى 2 : 200، المحصول الرازي 2 : 498، الذخيرة 1 : 145، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 170 ـ 171.
  15. المستصفى 2 : 200، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 171، الاجتهاد والتقليد (شمس الدين) : 351 ـ 352.
  16. راجع : القوانين المحكمة : 376، إرشاد الفحول 2 : 297.
  17. الفوائد الحائرية : 336.
  18. مناهج الأحكام والأصول : 1.
  19. الرسائل الخميني 2 : 97.
  20. الفوائد المدنية : 258، 515، 551، 570 ـ 571.
  21. رسائل الشهيد الثاني 2 : 762 ـ 764.
  22. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 25.
  23. فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1 : 203 ـ 204.
  24. المجموع شرح المهذّب 1 : 42.
  25. المسوّدة : 487 ـ 488.
  26. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 25.
  27. مبادئ الوصول : 243، تحرير الأحكام الشرعية 5 : 110 ـ 111.
  28. كشف اللثام 10 : 25.
  29. الوافية : 252.
  30. الرسائل الأصولية : 111، الفوائد الحائرية : 336.
  31. حواشي المشكيني على كفاية الأصول 5 : 297.
  32. الرسائل الخمیني 2 : 97.
  33. المستصفى 2 : 201.
  34. المحصول 2 : 498.
  35. منهاج الوصول : 124.
  36. نهاية السُّول 4 : 551.
  37. شرح البدخشي 3 : 272 ـ 273.
  38. الرسائل الخميني 2 : 97.
  39. المستصفى 1 : 20.
  40. الفوائد الحائرية : 336.
  41. الرسائل الأصولية : 111.
  42. الفوائد الحائرية : 337.
  43. المصدر السابق.
  44. مناهج الأحكام والأصول : 264.
  45. الفوائد الحائرية : 337.
  46. مناهج الأحكام والأصول : 264.
  47. انظر : المستصفى 2 : 202، المجموع شرح المهذّب 1 : 41، 42.
  48. الفوائد الحائرية : 337.
  49. مناهج الأحكام والأصول : 264.
  50. انظر : المستصفى 2 : 202، المجموع شرح المهذّب 1 : 41، 42، مناهج الأحكام والأصول : 264.
  51. روضة الناظر : 191.
  52. المصدر السابق.