السيد محمد الطباطبائي
الاسم | محمّد الطباطبائي |
---|---|
الاسم الکامل | محمّد الطباطبائي |
تاريخ الولادة | 1841م/1257ق |
محل الولادة | کربلا(عراق) |
تاريخ الوفاة | 1920م/1339ق |
المهنة | عالم دینی ، مجتهد شیعه ، مصلح اجتماعی، از رهبران مشروطه |
الأساتید | |
الآثار | : منظومة في الحبوة، أُرجوزة في قاعدة لا ضرر (سمّاها ب «عقد الدرر في قاعدة لا ضرر») |
المذهب | شیعه |
محمّد بن صادق الحسيني الطباطبائي: عالم ومصلح إمامي.
كثيراً ما يقترن اسم هذا العالم المجاهد باسم رفيق دربه في الكفاح السيّد عبد اللَّه البهبهاني، حيث وسّع هذان العالمان المجاهدان من نشاطاتهما، ودخلوا في مراحل أكثر جدّية وتأثيراً في تاريخ إيران وحركة الدستور، فقد حضرا اجتماعاً شعبياً عظيماً في مسجد الشاه ليتحدّثا عن مضار الحكومة الدكتاتورية ومحاسن الحكومة الشعبية والدستورية، غير أنّ جماعة من عملاء الشاه وخدم البلاط تغلغلوا بين الناس- وذلك طبقاً لخطّة معدّة مسبقاً- من أجل تفريق هذا الاجتماع الهائل، وبدأوا بإيذائهم وإهانتهم، حتّى أنّهم أهانوا العالمين المجاهدين الجليلين، وتفاقم الحال في مسجد الشاه ذلك اليوم حتّى انتهى إلى المشاجرة والصِدام والجراح، فاضطرّ الناس إلى التفرّق للخلاص من هذه الفتنة.
وفي اليوم الثاني والعشرين من شهر آذر 1282 ه. ش اعتصم العالمان المجاهدان بمعيّة جماعة من العلماء والتجّار كالحاجّ الشيخ مرتضى متولّي مدرسة خان مروي، وصدر العلماء، والسيّد جمال الدين الأفجئي، والميرزا مصطفى ابن الحاجّ الميرزا محمّد حسن الآشتياني، والشيخ محمّد صادق الكاشاني، والشيخ محمّد رضا القمّي، وجماعة من تجّار طهران، في صحن السيّد عبد العظيم الحسني ليعلنوا بذلك احتجاجهم ومعارضتهم.
وفي أثناء الطريق وقف جماعة من أزلام النظام بوجههم، وسعوا إلى صدّهم عن هذه الحركة، وبلغ الأمر حدّ المصادمات وإطلاق النار، ولكن نتيجة لإصرار التجّار وضغوطهم وإغلاقهم محالهم التجارية، واحتمال ازدياد الاضطراب أمر عين الدولة، الحاكم العسكري لطهران آنذاك، أفراد الشرطة وعملاء الحكومة بالكفّ عنهم والسماح لهذه الجماعة أن تكمل مسيرها نحو صحن السيّد عبد العظيم، لكنّه أمر من ناحية أُخرى بأنّه إذا ما استمرّ الذين أغلقوا محلّاتهم بهذه المناسبة في إغلاقها ولم يفتحوها فإنّها ستنهب من قبل أفراد الشرطة، وفعلًا فإنّ بعضاً من التجّار لم يكترثوا لهذا الأمر الصادر، فنهب أزلام النظام بضائع محلّاتهم وسيطروا عليها.
أمّا رجال الدولة الذين كانوا مرتبطين بالأجانب، وكان كلّ منهم تحت حماية السفير الروسي أو الإنجليزي، فإنّهم- ومن أجل الحفاظ على مصالح أسيادهم الأجانب- سعوا إلى فصم عروة الاتّحاد بين السيّدين العالمين المجاهدين محمّد الطباطبائي وعبد اللَّه البهبهاني، فاستخدموا التهديد تارةً، والأطماع أُخرى، فكانوا كلّ يوم يرسلون إليهما رسالة تهديد أو وعد بمال ومنصب، وأنّهما يلقيان بأنفسهما إلى التهلكة عبر هذا الطريق الذي اختاراه. لكن هؤلاء غفلوا عن أنّ رجال الحقّ لا يهابون في طريق إيمانهم وعقيدتهم التهديد والموت والشهادة، ولا ينحرفون عن الصراط المستقيم عبر ترغيبهم ووعدهم بالمال والمنصب والجاه، وكما يقول الإمام علي عليه السلام: «فإنّهم زهّاد الليل وليوث النهار».
وقد هزّت إقامة المجاهدين الشجاعين بالري معربين عن اعتراضهما ومخالفتهما للحكومة أعماق الجماهير؛ نظراً لامتلاكهما قلوب الناس ولمكانتهما الخاصّة فيها، ومنذ
اليوم الأوّل الذي اتّجه فيه هذان العالمان نحو الري رافقهما جماعة من أنصارهما، أمّا بعد استقرارهما بالري فقد بدأت مجموعات جديدة من الجماهير تتّجه إلى الري كلّ يوم، وقاموا يلتحقون بالعالمين المجاهدين وأنصارهما، وبذلك كانت أعدادهم تزداد يوماً بعد يوم، واستمرّت بالازياد لتكوّن سيلًا جارفاً يقوى على تحطيم جدران الخصم والمخالف في ساعة الصفر.
وقد بلغ الأمر أن خالف بعض شباب العوائل الفخمة المتّصلة بالبلاط، بل وحتّى جماعة من رجال الدولة وأولاد الأُمراء القاجار، النظام الحاكم آنذاك، ولذلك غضب عليهم الملك المستبدّ وأعوانه الانتهازيّون، ففارقته تلك الطائفة وقصدوا الري والتحقوا بذلك الجمع.
وأدّى تزايد أعداد هذه الجماهير يوماً بعد آخر ولحظة بعد أُخرى، والتفافها حول قائديها المحبوبين إلى رعب الجهاز الحاكم وقلقه شيئاً فشيئاً، حتّى أنّ عين الدولة رئيس الوزراء الدكتاتور المستبدّ، ورجل بلاط القاجار المستميت الذي لم يأتِ أحداً من باب السلام والصلح أبداً، عندما رأى أنّه لا يقوى على مواجهة هذه الجماهير عن أيّ طريق كان قد فكر جدّياً بتهديد الشعب وإرعابه، فأرسل أحد عسكرييه القساة الذين كان يعتمد عليهم مع مئات الفرسان المسلّحين إلى الري للقيام بهذا التهديد والإرهاب. غير أنّ المقاتلين المسلمين الشجعان لم يخافوا من مواجهة الفرسان المسلّحين وأفراد الجيش الذي يعملون تحت إمرة الأجانب، فهم ضعفاء أمام القوى الأجنبية، وشجعان جلّادون أمام شعبهم المحروم المضطهد الأعزل وأبناء وطنهم الحفاة! وثبتوا بكلّ جرأة وصلابة أمام هذا الجحفل، وبيّنوا بقول صريح بليغ مشاكل الشعب وحرمانه، وعدّدوا مفاسد الحكومة الدكتاتورية واحدة فواحدة، وانتقدوا بشدّة إجحاف الدولة بحقوق الجماهير وتعدّيها عليها.
وأخيراً نظّم هذا الجمع بياناً ذكروا فيه مطالبهم التي أشرف عليها وأيّدها العالمان المجاهدان، وأوردوها في ثماني موادّ وأرسلوها إلى الشاه بواسطة السفير العثماني. وكانت
هذه المواد التي ثبتت جزئيّاتها في التاريخ كأوّل مطالبة بالحقوق مدوّنة، وأوّل طلب منظّم دقيق بقيام الحكومة الدستورية، عبارة عن:
1- إيجاد (دار العدالة) في أنحاء إيران، سواء في المدن أم القرى.
2- عزل علاء الدولة من حكومة طهران.
3- إرجاع الحاجّ الميرزا محمّد رضا- وهو أحد العلماء المجاهدين في أوائل نهضة الدستور وقد نفي بسبب عقائده التحرّرية- من رفسنجان إلى كرمان.
4- إعادة سدانة مدرسة خان إلى سادنها الأصلي.
5- تطبيق القوانين الإسلامية وتوسعة نطاقها في أنحاء البلد الإيراني.
6- عزل المسيو (نوز) البلجيكي عن رئاسة الكمرك والمالية، حيث لم يكن له همّة وهو في هذا المنصب المهمّ إلّاإيذاء الناس والتبذير بما في بيت المال وإتلافه.
7- تقليل الرواتب الحكومية بمقدار عشر شاهيات من كلّ تومان، والذي سنّ قبل عام واحد.
8- وأخيراً عزل عسكر كاريجي عن إدارة العربات على طريق قم. وكان هذا الرجل قد حصل على امتياز إدارة عربات طريق قم من الدولة، لكنّه كان يسيء معاملة المسافرين وخاصّة علماء قم وطلّابها، فكان يشكونه ويتظلّمون منه إلى علماء طهران، فأراد قادة نهضة الدستور أن يستميلوا علماء قم وطلّاب حوزتها وإشراكهم معهم في الثورة عبر إدراج مطلبهم ضمن هذه المطالب.
أخذ السفير العثماني مطاليب العلماء التي أصدرها ووافق عليها المئات من المتحصّنين بالري، وذهب بها إلى البلاط وسلّمها بيد الشاه، غير أنّ الشاه- وكعادته- رماها جانباً ولم يعرها أدنى اهتمام! لكن مقاومة المعتصمين في صحن السيّد عبد العظيم وطول مكوث العلماء بينهم أثار القلق لدى الشاه؛ لأنّه أُبلغ بتأزّم أوضاع هذا الاعتصام، وبأنّ جماعات جديدة تلتحق كلّ يوم بالمعتصمين، حتّى أنّ الكثير منهم قد جاؤوا من مدن بعيدة للاشتراك في هذه النهضة، وليقفوا إلى جانب المجاهدين، فخاف الشاه من ذلك وفكّر
بطريق خلاص، فأشار عليه مشاوروه ومن حوله بالموافقة على مطاليب الثائرين فوراً.
وهذا ما فعله الشاه، بل وأرسل عربته الخاصّة إلى الري لتأتي بالسيّدين المجاهدين ومرافقيهما إلى طهران بكلّ حفاوة وتكريم. بل وطلب مشاوروا الشاه منه أن يكتب رسالة يعد فيها بتأسيس دار العدل وتطبيق أحكام الإسلام.
وبهذا أنهى العلماء، وعلى رأسهم السيّد محمّد الطباطبائي والسيّد عبد اللَّه البهبهاني، اعتصامهم واتّجهوا إلى طهران، وتبعهم على ذلك من كان معهم.
أمّا العلماء فإنّهم انتظروا كثيراً بعد رجوعهم إلى طهران أن يفي الشاه بوعوده، ولكن لم يتمّ ذلك، ولذلك كتب السيّد محمّد الطباطبائي بعد مدّة رسالة إلى عين الدولة رئيس الوزراء المخالف للحكومة الدستورية في إيران يتجلّى من مضمونها ومحتواها طلب استقلال البلاد ومحبّة الشعب وعشقهم للحرّية وشموخ الشعب وافتخار الوطن وعمرانه... ومن جملة ما كتب السيّد في رسالته:
«أين تلك العهود والمواثيق؟ إنّكم تعلمون جيّداً بدمار هذا الوطن واستئصال هذا الشعب والأخطار التي تحيط به، وتعلمون جيّداً أنّ إصلاح كلّ ذلك لا يمكن إلّابتأسيس المجلس واتّحاد الحكومة والشعب ورجال الدولة والعلماء، والعجب من أنّ المرض معلوم وطريق علاجه معلوم، ثمّ لا تقدمون على ذلك!
إنّ هذه الإصلاحات التي يطالب بها الشعب ستقع عن قريب، لكنّنا نريدها أن تتمّ على يد ملكنا ورئيسنا، لا على يد الروس والإنجليز والعثمانيّين! نحن لا نريد أن يكتب التاريخ أنّ الدولة قد انقرضت مع مظفّر الدين شاه، وأنّ إيران في عهده قد ذهبت أدراج الرياح... الخطر قريب والوقت ضيّق، والآن وقد أشرف هذا المريض على الموت أيحسن تأخير العلاج؟
أُقسم باللَّه وجميع أنبيائه وأوليائه بأنّ إيران ستفنى بأدنى تهاون ومهادنة. وإذا كنت قد تعدّيت الحدّ أو سأتعدّاه فإنّي معذور؛ لأنّ إيران وطني، وكلّ اعتباري بهذا الوطن خدمتي للإسلام في هذا الوطن، وعزّتي مرتبطة تماماً بهذه الدولة.
إنّي أرى هذه الدولة تسقط بيد الأجانب فتذهب كلّ شؤوني واعتباراتي! وسأبقى محافظاً على هذه الدولة ما دام فيَّ عرق ينبض ونفس يصعد، بل وسأُقدّم نفسي قرباناً في هذا السبيل إن اقتضى الأمر.
اليوم يجب أن تلقى الأغراض الشخصية جانباً، التضحية للَّهوحده، فلِمَ هذه الأعمال باسم فلان وفلان؟!
الوقت قصير، والمطلب مهمّ، ولات حين أوهام وخيال. إنّي مستعدّ أن أتجاوز كلّ شيء، وأضع شأني واعتباري جانباً، وإذا توقّف القيام بهذا العمل على أن أكون مرتّباً للأحذية في بيتكم، أو أكون بوّاباً لداركم، فإنّي مستعدّ لذلك!
أُقسم عليكم باللَّه ورسول اللَّه أن لا تجعلوا أبناء هذا الشعب أسرى بيد الروس والإنجليز والعثمانيّين، فأين العهد؟ وأين القرآن؟ لقد كان عهدنا تأسيس المجلس.
لم يبق من عمري إلّااليسير، ولا أحظى بشيء، فحظّي في هذا العمر هو الإقدام على هذا العمل، ومنتهى أملي هو تحقيق هذا الأمر، فإمّا أن أبذل نفسي في هذا السبيل- وهو مبعث عفو وافتخار لي ولأبنائي- وإلّا فإنّ هذا الأمر إن لم يتمّ فسوف تلعننا أجيالنا القادمة، كما أنّنا لم نرضَ عن آبائنا ولا نمدحهم.
أطلب منكم بتواضع أن تقدموا على هذا الأمر- يعني تأسيس المجلس- فإنّ لتأخيره- ولو ليوم واحد- أثراً قاتلًا. لا يمكن الآن اتّقاء شرّ العثمانيّين إلّابتأسيس هذا المجلس واتّحاد الشعب والحكومة ورجال الدولة والعلماء. ولا أُطيل عليكم أكثر من هذا».
تعقيباً للهدف السامي الذي كان ينشده العالم المجاهد السيّد محمّد الطباطبائي، والذي كان يمثّل الآمال القلبية للمجاهدين وأبناء الشعب الإيراني المسلم الواعي، أرسل السيّد الطباطبائي في نفس تلك الفترة رسالة أُخرى إلى مظفّر الدين شاه، وطلب فيها من ملك البلاد أن يقدم على تنفيذ هذا الأمر المهمّ.
وجاء في هذه الرسالة:
«حضرة الملك: لمّا كنت قد أخبرتني بأنّي إذا ما دهمني أمر فلي أن أعرضه عليك مباشرة، فإنّي أُرسل هذه الرسالة، ولمّا كانت سبل الوصول إليك مغلقة بوجود ذوي الحاجات ولا يدعون مطالبهم تصل إليك، فإنّي أخبرك- أيّها الملك- بأنّ البلاد خربةٌ، والشعب قلق، والحكّام وأفراد النظام أحرارٌ في تعدّيهم على أموال الرعية وأعراضهم، وظلم الحكّام وأعوانهم لا حدّ له، فهم يأخذون من أموال الشعب ما شاؤوا، ويتبعون ما تحكم به شهواتهم وغضبهم، من الضرب والقتل وقطع الأعضاء، فمن أين حصلوا على كلّ هذه العمارات والأخشاب والأموال والأملاك في مدّة قصيرة؟! كلّ ذلك من أموال الرعية الضعفاء.
في العام الماضي أخذوا الفتيات القوجانيات مقابل ثلاثة أخماس محصول الحنطة يعطينها كضرائب، وباعوا تركمانيي وأرامنة عشق آباد بثمن باهض! فرّ عشرة آلاف قوجاني من الظلم ولجأوا إلى الروس. هاجر آلاف الرعايا الإيرانيّين إلى الدولة الخارجية فراراً من ظلم الحكّام والمأمورين، وهم يشتغلون كحمّالين، ويبذلون شرفهم وماء وجههم، ويموتون بذلٍّ وحقارة. لا يمكن تبيان ما يعانيه هذا الشعب من ظلم الظلمة في هذه الرسالة المختصرة. إنّهم يخفون كلّ هذه القضايا عنكم، ولا يدعونكم تطّلعون عليها، وعمّا قريب ستكون هذه الدولة جزءاً من الدول الخارجية، ومن المسلّم أنّكم لن ترضوا أن يكتب في التاريخ أنّ إيران قد انتهت في عهدكم، وأنّ الإسلام قد ضعف والمسلمين قد ذلّوا في ظلّ حكومتكم.
حضرة الملك: إنّ مجلس العدل، أي: المجلس المكوّن من جميع طبقات الشعب وأصنافهم، وفيه تجاب طلبات الناس، ويتساوى فيه الملك والشحّات، هو القادر على أن يقضي على كلّ هذه المفاسد، والملك يعلم أكثر من الجميع بفوائد هذا المجلس. إذا وجد مثل هذه المجلس فسترفع هذه الظلامات، وتعمر الخرائب، ولن يطمع الأجانب في البلد، ولن يستوليَ الإنجليز على سيستان وبلوجستان، ولن يحتلّ الروس المكان الفلاني، ولن يقوى العثمانيّون على التعدّي على إيران. إنّ الخبز واللحم اللذين يشكّلان قوّة الناس
الغالب وبه استمرار الحياة رديئان جدّاً ومغشوشان، وأغلب الشعب محرومون منهما. لقد أمر حضرة الملك بتحسين هذين القوتين، واستجاب بعض طلّاب الخير، لكن وللأسف لم يدع أُولئك الذين يأخذون كلّ يوم مبالغ طائلة من الخبّاز والقصّاب أن يتمّ مطلوب الخيّرين ليستريح الناس ويترفّهوا. ولا يخفى عليكم حال الجندي الذي يحافظ على الوطن والشعب، ومع هذا فلا يعطونهم حتّى نصيبهم من الرواتب والعطايا والمؤن.
لقد قضينا ثلاثين يوماً كأشدّ ما تكون في زاوية من صحن السيّد عبد العظيم حتّى صدر الكتاب بخطّ يدكم يعد بتأسيس المجلس المقصود، فشكرنا ذلك وأُقيم حفل بهيج استبشاراً بهذا الإقدام، ثمّ بقينا بانتظار الوفاء بذلك العهد المبارك، فلم نرَ للوفاء أثراً، وإنّما يتكلّمون بغير ما نريد ويهتمّون بالهوامش، بل قالوا صريحاً: إنّ هذا الأمر لا يتمّ، فإنّ تأسيس المجلس ينافي السلطنة، ولم يعلموا أنّ الحكومة الصحيحة الثابتة إنّما تكون بوجود المجلس، فبدون المجلس لا معنى للحكومة، وستكون معرّضة للزوال.
حضرة الملك: لا تجعل الأبناء الذين تولّدوا عن سلالة الملوك أباً عن جدّ أسرى فرد واحد. المطالب كثيرة، ولا أُطيل أكثر من هذا. أرجوا أن تطالعوا هذه الرسالة بدقّة، وأن تتفضّلوا بطريقة حلّ قبل انقطاع السبل؛ لئلّا تخرج البلاد من قبضتكم، ولئلّا يصبح أفراد الشعب المساكين الذين هم بمثابة أبنائكم أسرى الأجانب وأذلّاء بين أيديهم. أمركم مطاع».
وبعد أن قرأ مظفّر الدين شاه رسالة السيّد الطباطبائي أرسل له الجواب، وكان بهذا المضمون:
«حضرة السيّد محمّد المجتهد، قرأنا رسالتكم وأوكلنا تنفيذ مطالبكم إلى أتابك، وأنتم أيضاً لا تقصّروا في أداء واجبكم، واشتغلوا بالدعاء، وأطفئوا فتن الأشرار بنصحكم وموعظتكم، وأخمدوا الفوضى، وإن لم تفعلوا ذلك فسيعمّ غضبنا الجميع».
إنّ هذه الرسالة بأُسلوبها الجافّ وعبارتها المتناثرة ومحتواها ومضمونها غير المترابط والذي لا يدلّ على أدنى وجه للربط بين مطالب الرسالة، وعدم الجواب الذي ينبغي أن
يجاب به على رسالة الطباطبائي، توحي بأنّ الرسالة لم تصل بيد مظفّر الدين شاه، ويحتمل قوياً بما يقرب من اليقين أنّ عين الدولة رئيس الوزراء المستبدّ الشرس هو الذي كتب الجواب، فعبّر به عن رأي الشاه، خاصّة وأنّ العبارة الأخيرة كانت عبارة تهديد شديد، وأُولئك الذين يعرفون أخلاق الشاه العجوز وطبائعه اللطيفة، ويعلمون بالذات مدى احترامه للعلماء وأئمّة الدين بسبب معتقداته الدينية، كانوا على يقين من أنّه لا يمكن أن يكتب مثل هذا الجواب.
أمّا السيّد المجاهد، فإنّه لم يعبأ بهذا الجواب الجافّ غير المترابط والمتضمّن للتهديد، ولم يخل الساحة، بل واستمرّ في طريقه الجهادي بتصميم أقوى وإرادة أشدّ استحكاماً، فبعد ذلك لم يكتف السيّد محمّد الطباطبائي بإرسال الرسائل النارية والمثيرة إلى الشعب الإيراني في أقصى نقاط البلاد، يدعو فيها الشعب، وخاصّة الطبقة المحرومة المضطهدة إلى الثورة على الظلم، ويشجّعهم على الصمود في مطالبتهم بتأسيس المجلس، بل كان يجمع الناس حوله عدّة مرّات في اليوم، في داره أو خارجها، في المحافل والمجالس، وحتّى في الأزقّة والشوارع، ثمّ يرتقي المنبر ويوضّح ببيانه القاطع وخطابه الملتهب سبيل النجاة من الظلم والجور والتحرّر من قيود الحكّام وأزلام النظام وأفراد الحكومة واستعمار الدول الأجنبية، وكان يطلب من الناس الصمود من أجل الوصول إلى الهدف وإن بُذلت النفوس، وأن لا يخافوا الموت والشهادة التي تبعث على الفخر، وأن لا يتراجعوا حتّى النفس الأخير.
وفي جميع هذه المجابهات كان السيّد عبد اللَّه- رفيقه القريب والمجاهد إلى جانبه في مواضع الجهاد- ملازماً له، فلم يكتفِ باطّلاع الناس على مستوى واسع برسائل صديقه ورفيقه الكبير في الجهاد، بل كان هو أيضاً كالطباطبائي يخطو خطوات ثابتة في هذا الطريق، وكان يدعو الشعب المحروم كلّ يوم إلى أن يكون أكثر ثباتاً وقدرةً في مطالبته الحقّة بحقوقه المشروعة.
ومع أنّ السيّد عبد اللَّه البهبهاني كان أصغر من السيّد الطباطبائي بسنوات، لكنّه هو الآخر كان طاعناً في السن، مطّلعاً على العالَم، ذاق مرّ الحياة وحلوها، والأهمّ من ذلك أنّه
كان أحد مراجع الشيعة الكبار، وقد تصدّى لقيادة فئة عظيمة من الشعب المسلم المجاهد في ثورة الدستور، ويُعدّ أحد قادة ثورة الدستور العظماء الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل الجهاد ضدّ الظلم والظالمين، والعمل ضدّ الاستبداد وعمّال الاستعمار، والسعي من أجل تثبيت حكومة الدستور.
توفّي السيّد الطباطبائي سنة 1337 ه تاركاً بعض المؤلّفات، منها: منظومة في الحبوة، أُرجوزة في قاعدة لا ضرر (سمّاها ب «عقد الدرر في قاعدة لا ضرر»).
المراجع
(انظر ترجمته في: الذريعة 1: 492 و 23: 102، كفاح علماء الإسلام: 73- 86).