فتاوى متشددة في إندونيسيا: تحريم الليبرالية الدينية
عنوان مقاله | |- فتاوى متشددة في إندونيسيا:تحريم الليبرالية الدينية | زبان مقاله | عربي |
---|
فتاوى متشددة في إندونيسيا:تحريم الليبرالية الدينية
أصدر مجلس علماء إندونيسيا فتاوى جديدة تثير نقاشا حادا داخل الرأي العام الإندونيسي. ويعترض على ذلك بصورة خاصة مسلمون معتدلون وممثلو منظمات إسلامية ليبرالية. تقرير بتينا دافيد من جاكرتا.قد أفرزت الفتاوى الصادرة عن مجلس علماء إندونيسيا في إطار المؤتمر السابع خلافات حادة وصراعات فكرية محتدمة، الأمر الذي عكس مجددا وجود هوة كبيرة بين أصحاب الاتجاهات الليبرالية المعتدلة والتيارات الأصولية الجديدة المتشددة في إندونيسيا اليوم.
منع النساء من إمامة صلاة الجمعة
تتضمن الفتاوى عدة بنود، منها منع النساء من إمامة صلاة الجمعة، الأمر الذي جاء ردا من المجلس على قيام أمينة ودود بخرق هذا التابو في شهر مارس/آذار الماضي عندما أمت صلاة الجمعة في نيويورك أمام مصلين رجال ونساء.
تناولت فتوى أخرى الايمان بالخرافات وما ارتبط بها من تطبيق التعاليم الشامانية الواسعة الانتشار اليوم في أجهزة الإعلام الإندونيسية ولا سيما في التلفزيون.
وزعمت الفتوى المذكورة على أن هناك أخطارا تنبع من تلك الظواهر مما قد يؤدي إلى الانسياق في المعتقدات المبنية على تعددية الآلهة ويجعل الجن مصدرا آخر للعبادة بجانب الله.
أما أكثر تلك الفتاوى عرضة للنقد فهي الفتوى التي حرّمت الليبرالية الدينية والعلمانية والتعددية الدينية. فقد رأى علماء المجلس بأن الإيمان بهذه القيم يشكّل ارتدادا عن الإسلام لكونها تتنافى في نظرهم مع مبادىء الإسلام الحنيف.
عرّف بيان مجلس العلماء الليبرالية الدينية على أنها نمط من الفكر الإسلامي الذي لا يستند على قواعد دينية بل يدين فقط بحرية الإبداع الفكري للإنسان.
نسبية الحقيقة
أما العلمانية فقد فسرها المجلس على أنها رؤية تجعل دور الدين مقتصرا على ترتيب العلاقة بين الفرد والله لا أكثر، فيما لا ترى وجود دور لنظام الدين إزاء العلاقة بين الإنسان والآخر حيث أن ذلك الأمر يختص بالإنسان نفسه.
أما التعددية فهي في نظر المجلس فهي رؤية تتطابق فيها جميع الأديان وتعتبر تمسك كل دين بمفهومه الخاص بالحقيقة ليس إلا أمرا نسبيا، مما ينفي بالتالي احتكار دين ما للحقيقة.
وقال معروف أمين رئيس اللجنة المختصة بإصدار الفتاوى: "هناك نمط من التعددية يسمح به لكونه يعترف بواقع اجتماعي مبني على وجود طوائف دينية مختلفة داخل المجتمع الإندونيسي مما يتطلب احترامها لبعضها البعض وإنشاء علاقات طيبة بينها".
ضربة موجهة للحركات الإسلامية الليبرالية
هذه الفتوى هي بمثابة ضربة قوية موجهة للحركات الإسلامية التقدمية والليبرالية التي تزايد نفوذها كشبكة الإسلام الليبرالي (جرينغان إسلام ليبرال).
ويرى مجلس العلماء في حركة الليبرالية الدينية الرافضة لتفسير النصوص السماوية على نحو حرفي صرف تهديدا حادا لمبادئ الدين الإسلامي تريد صده حماية للمؤمنين.
سرعان ما ظهرت حركة احتجاج على تلك الفتاوى، وقد تزعمتها عدة شخصيات مثل عبد الرحمن وحيد رئيس الجمهورية السابق والرئيس السابق لأكبر منظمة إسلامية جماهيرية في إندونيسيا هي "نهضة العلماء" وغيره من المثقفين الإسلاميين كمنسق شبكة الإسلام الليبرالي أبشر عبد الله وناشطي حركة الدفاع عن حقوق الإنسان الذين طالبوا في بيان مشترك بتعديل النقاط الرئيسية للفتاوى الإحدى عشر.
واتهمت الشخصيات المذكورة مجلس العلماء بإعطاء صورة أحادية الجانب ومشوهة لمبادئ التحرر الديني والتعددية والعلمانية كما أنها حذرت بشدة من تفاقم التوجهات الاستبدادية إزاء القضايا الدينية.
أما الفتوى الأخرى التي أفرزت نقاشات محتدمة فقد وُجهت ضد مذهب الأحمدية الذي يدينه المجلس باعتباره "منحرفا" و"تضليليا" كما يراه من ناحية أصول الدين واقعا "خارج إطار" الإسلام. وبالتالي فقد اعتبر مجلس علماء إندونيسيا أنصار هذا المذهب مرتدين عن الدين الإسلامي.
وكان مجلس العلماء قد أصدر عام 1980 فتوى اعتبر فيها مذهب الأحمدية "منحرفا" وحرمه. وهناك سبب راهن لتكفير هذا المذهب مجددا وهو الهجوم الذي شنه متشددون إسلاميون معروفون بأعمال العنف على اجتماع عقده أنصار الأحمدية في مدينة بوغير الواقعة بالقرب من جاكارتا في شهر يوليو/تموز الماضي.
ضوء أخضر للجماعات الإسلامية المتطرفة؟
نقاد هذه الفتوى يخشون الآن من أن يكون مجلس العلماء قد أعطى من خلالها للجماعات المتطرفة الضوء الأخضر لارتكاب أعمال عنف أخرى ضد أنصار الأحمدية. وبناء على رأي العديد من النقاد فقد يتسبب سوء استغلال تلك الفتوى في إكساب الشرعية للهجمات الموجهة ضد الجماعات الدينية المرفوضة وضد الأقليات مما يهدد العلاقة الدقيقة الصعبة القائمة بين الطوائف الدينية في الأرخبيل الإندونيسي.
من الناحية الرسمية هناك 26 منظمة إسلامية تؤيد فتاوى مجلس العلماء، إلا أنها طالبت السكان في بيانات صادرة عنها باستيعاب الفتاوى "بتبصر" وبطرح الاختلافات المحتملة في الآراء بشكل "مدني" مبني على الحوار واللقاء.
ونظرا لتوتر الأجواء فقد حذّر معارضو وأنصار الفتاوى من احتمال تفجير الأوضاع وطالبوا بفتح حوار مكثف بين كل الأطراف المعنية لاحتواء سوء الفهم المحتمل.
والملفت للنظر أن فتاوى صادرة عن مجلس العلماء قد أفرزت للمرة الأولى نقاشات حادة للغاية في صفوف الرأي العام. صحيح أن المجلس كان قد أصدر من قبل فتاوى تقبلها البعض ورفضها البعض الآخر، إلا أنها لم تنل مثل هذا المقدار من الاهتمام.
لا شك أن الاهتمام الكبير الذي لقيه هذه المرة تفسير مجلس العلماء المتشدد لشؤون الدين لدى الرأي العام الإندونيسي يدل على ظهور نمط جديد من الوعي. فالاختلاف في الرأي إزاء هذه الشؤون بدأ يأخذ أشكالا علنية محسوسة ويطرح للنقاش بصراحة لم تكد تكون معهودة في السابق.
إن زيادة الهوة القائمة بين أنصار الفهم الليبرالي المعتدل للدين من جانب وبين المجموعات المتعددة المدينة بالتشدد والأصولية الجديدة والراديكالية الإسلامية تجعلنا نتوقع ظهور تحد كبير يتعرض له الإسلام الإندونيسي وبالتالي الديموقراطية في هذه الدولة مستقبلا.
الموقع : قنطرة
https://ar.qantara.de/content/ftw-mtshdd-fy-ndwnysy-thrym-llybrly-