طبيعة العلاقة بين العقل والنقل في ضوء النصوص الدينية

من ویکي‌وحدت

طبيعة العلاقة بين العقل والنقل في ضوء النصوص الدينية تنوّعت أنظار المفكّرين الإسلاميين منذ القرون الأولى في بيان طبيعة العلاقة بين العقل والنقل وتحديدها، وبالتالي ظهرت ثلاثة اتّجاهات متعارضة في الساحة العلمية. الاتّجاه النصّي المتطرّف الذي يؤمن بأنّ العقل منافٍ للمنقول ومغايرٌ لأسس الإيمان؛ فلا يمكن الجمع بينهما، ولا يجوز التعدّي على ظاهر النصوص الدينية، وتفسيرها وتأويلها على أساس المعطيات والأدلّة العقلية، والاتّجاه العقلانيّ المتطرّف الذي جعل الدليل السمعي تابعًا للدليل العقلي ومترتّبًا عليه، وحاول استنتاج جميع المعارف الدينية المهمّة على مبنى العقل واستنتاجاته العقلية، والاتّجاه العقلاني المعتدل الذّي يرى بأنّ الدين تارةً يتمّ تبيينه على لسان العقل وآخرى على لسان النقل، فمن جهة أنّ العقل في المستقلّات العقلية وفي قضايا العلوم المتعارفة له رسالة مستقلّة والنقل يؤيّده، والنقل أيضًا له رسالة خاصّة به والعقل مصباح له، وهو اتّجاه عقلاني معتدل نشأ متأثّرًا بأئمّة أهل البيت ، فلم يُسمح للعقل بأن يتجاوز حدوده ومساحته، ولم يجمّد العقل والتعقّل والاستدلالات العقلية في مجال المعرفة الدينية واستخراجها من منابعها ومصادرها، وقد اتّضح من خلال بحثنا هذا وفق المنهج التحليلي الاستنباطي الدور التنسيقي بين العقل والوحي في مجالات متعددة وفي توليد المعرفة الدينية.

المقدّمة

إنّ القرآن الكريم - إضافةً إلى أنّه يرفع الدعوة العامّة إلى الجميع نحو التفكّر والتعقّل في أكثر من 300 آية - حثّ على التفكير، وحثّ على استخدام العقل، كما في قوله : ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [١]، وقال : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [٢]، وقال تبارك وتعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [سورة يونس: 35]، وكلّ هذا حثٌّ على استخدام العقل والتفكير في التمييز بين الآراء والأقوال؛ فإذا لم يكن للعقل اعتبار ومنزلة عند الله تعالى، فإنّ هذا الخطاب القرآني سيُصبح حينئذٍ عديم الفائدة وبدون معنى، وكذلك عندما ننظر إلى روايات أهل البيت الأطهار ، نجد أنّ للعقل أهمّيةً قصوى‏ لديهم؛ واعتبروه الحجّة الباطينة، فالنصوص الدينية من جهة تعرّف العقل والاستدلالات العقلية بعناوين مختلفة وإطلاقات متعدّدة وخصائص متنوّعة، وتبيّن لنا دور العقل في إثبات المعتقدات الدينيّة كالمبدإ والمعاد وحاجة الناس إلى الوحي والنبوّة التي لا يمكن إثباتها بالنصوص الدينية؛ وكذلك دوره المصباحي والتفسيري في فهم وتبيين النصوص الدينية وتفسيرها، ومن جهة أخرى تكشف قصور العقل ومحدوديّته، وتبيّن منزلقاته بكلّ صراحة وموارد حاجة العقل إلى النصوص الدينية أيضًا؛ حتّى نلتزم بالاعتدال والوسطية ونتجنّب الإفراط والتفريط. فنحن في بحثنا هذا "طبيعة العلاقة بين العقل والنقل في ضوء النصوص الدينية" نحاول من خلال نصوص الدينية بيان طبيعة العلاقة المتبادلة بين العقل البرهاني والنصوص الدينية من الكتاب والسنّة، ويتمّ ذلك من خلال عدّة محاور:

المحور الأوّل: تعريف المصطلحات

في هذا المحور نوضح مجموعة من المصطلحات لكي تتبيّن لنا المبادئ التصوّرية للبحث، منها:

العقل لغةً واصطلاحًا

لا شكّ أنّ العقل هو الموجّه الأساس لكلّ عملٍ واعٍ يقوم به الإنسان؛ ففي البداية نقف على تبيين مفهوم العقل وتحديده وتعريفه لغةً واصطلاحًا.

أ- العقل لغةً

العقل في اللغة العربية: مصدر عقل يعقل بفتح العين وكسره، يطلق ويراد به عدّة معانٍ منها: المعنى الأول: الإمساك والامتناع والشدّ والحبّ. [٣] المعنى الثاني: العقل نقيض الجهل، قال الخليل: «العقل: نقيض الجهل، يقال عقل يعقل عقلًا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله» [٤] المعنى الثالث: الحجر والنهي، «العقل الحجر والنهي ضدّ الحمق، وقيل سمّي عقل الإنسان عقلًا لأنّه يعقله أي يحجزه عن الوقوع في الهلكة» [٥] وهذه هي معانٍ معروفةٌ للعقل يكاد يتّفق على ذكرها أكثر أصحاب اللغة؛ إلّا أنّ هذه المعاني يمكن إرجاعها إلى أصل واحد وهو معنى الإمساك والحبس والتثبّت والمنع والعقد، وبهذه المناسبة تطلق وتستخدم في موارد متعدّدة.

ب- العقل اصطلاحًا

ذكرت للعقل تعريفات كثيرة، وإطلاقات متعددة، منها: 1- العقل قوّة غريزية إدراكية الغريزة المودّعة في الإنسان، وبها يعلم ويعقل، فهي شرط في المعقولات والمعلومات، وبها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، فالعقل بهذا المعنى ذهب إليه كثير من العلماء؛ حيث يقول الماوردي في تعريف العقل: «فالغريزي هو العقل الحقيقي، وله حدٌّ يتعلّق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصر عنه إلى نقصان، وبه يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان» [٦]. وكذلك يقول الشيخ الطوسي في تعريف العقل: «العقل غريزة يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات» [٧] 2- العقل جوهر مجرّد عن المادّة من جميع الجهات العقل وفق هذا الاصطلاح ليس أمرًا غريزيًّا محضًا، بل هو أول مخلوق روحاني خلقه الله  كعلّة بالنسبة إلى جميع المخلوقات ما دونه، وهو ذو مراتب من حيث السعة والقوّة والكمال، وهذا المعنى من المعاني المشهورة عند الحكماء والفلاسفة، إذ جعلوا العقل قسيمًا للنفس، وعرّفوه بأنّه جوهر مجرّد عن المادّة في ذاته وفعله. [٨].

جـ- إطلاقات العقل في النصوص الدينية

عندما ندقّق في النصوص الدينية نجد أنّ لهذه المفردة إطلاقاتٍ متعدّدةً، ومنها:

1- القوّة الفطرية

أطلقت في النصوص الروائية كلمة العقل، وأراد منها القوّة الغريزية أوالفطرية الموهوبة من الله تعالى، وهي كباقي القوى الغريزية والفطرية قابلة للزيادة والنقصان، أي للتطوّر والتكامل، وبها يتمّ إدراك المدركات البدهيّة، وهي حاصلة لجميع أفراد النوع في فطرتهم، وهي تقع في مقابل الحمق والسفه، كما في رواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ  حيث قال: «مَا خَلَقَ اللهُ  شَيْئًا أَبْغَضَ إليه مِنَ الْأَحْمَقِ؛ لِأَنَّهُ سَلَبَهُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إليه وَهُوَ عَقْلُهُ» [٩] وكذلك عنه  (لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى رُءُوسِ أَهْلِ تِهَامَةَ وَالْأَعْرَابِ وَأَهْلِ السَّوَادِ وَالْعُلُوجِ لأنهمْ إِذَا نُهُوا لَا يَنْتَهُونَ قَالَ وَالْمَجْنُونَةُ وَالْمَغْلُوبَةُ عَلَى عَقْلِهَا لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شَعْرِهَا وَجَسَدِهَا مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ ذَلِكَ..) [١٠] فبقرينة المجنونة والمغلوبة اى السفيهة نفهم من أن المقصود من العقل هنا العقل الغريزي، وكذلك في رواية عن أمير المؤمنين  حيث قال: «الْعَقْلُ‏ غَرِيزَةٌ تَزِيدُ بِالْعِلْمِ وَالتَّجَارِبِ» [١١] فهذه الروايات واضحة في أنّ المقصود من العقل فيها هو العقل بمعنى الغريزي (العقل الفطري في الاصطلاح) في مقابل الحمق والسّفه وبه يتم إدراك العلوم الضرورية والمعارف الوجدانية والفطرية بمجرد الإلتفات والتوجه إليها [١٢]

2- العقل الاكتسابي الفعلي

هو الذي استعدّ بحصول العلوم النظرية بعد تكامله بإدراك العلوم الضرورية والمعارف الوجدانية والفطرية، حيث جاء عن النبيّ الأكرم : «إنّ الرجل ليكون من أهل الجهاد ومن أهل الصلاة والصيام ، وممّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يُجزى‏ يوم القيامة إلّا على‏ قدر عقله» [١٣]. والمراد من هذا العقل هو العقل المكتسب بالعلم والمعرفة والعمل، وفي رواية قسّم العقل إلى قسمين: العقل المطبوع والعقل المسموع، والمراد من المطبوع هو العقل الفطري، والمسموع هو الاكتسابي كما نقل عن أمير المؤمنين : «إنّ العقل عقلان‏: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إذا لم يكن‏ مطبوع، كما لا ينفع نور الشمس وضوء العين ممنوع» [١٤] فالمقصود من "العقل الأوّل" هو العقل الذي يوجد في الإنسان بالطبع وبالفطرة ويدرك به المدركات الضروريّة والمعارف الفطرية والبديهية؛ وبه يتميّز الإنسان عن غيره ويقابله الحمق والسفه. والمقصود من العقل الثاني هو العقل المكتسب يكتسبه الإنسان من خلال التربية والتجربة والممارسة النظرية والعملية[١٥] الملاحظة: العقل الإكتسابي ليس إلا مرحلة من مراحل نفس العقل الفطري المتكامل، إلا أنه يطلق عليه العقل الإكتسابي بلاحظ مرحلة متكاملة ويستعد فيها لإدراك المدركات النظرية .

3: العقل النظري

العقل النظري هو تلك المدركات والمعارف النظرية والإكتسابية التي هي غير بديهية؛ والتي تصل إليها بالتفكر؛ وقد عبّر عنه في النصوص الدينية عن العقل الذي يتحرّك بالفكر والتّفكر؛ والفكر كما فسّر به أصحاب فن اللغة؛ بأنّه ترتيب المقدمات والأمور المعلومة الذهنيّة للوصول إلى المطلوب؛ اى هو الحركة إلى المبادى ومن المبادى إلى المطلوب [١٦] ووردت عشرات من الروايات المقصود من العقل فيها هو العقول النظرية سواء كانت في التصورات أوالتصديقات؛ منها: عن أمير المؤمنين  (ألا وإنّ‏ اللّبيب‏ من إستقبل وجوه الآراء بفكر صائب ونظر في العواقب‏) [١٧] والمراد من اللب هو العقل النظري بقرينة ْ(الفكر الصائب) وكذلك في رواية عن الإمام الصادق  حيث قال (...إنّ أُولِى الْأَلْبَابِ الَّذِينَ عَمِلُوا بِالْفِكْرَةِ حَتَّى‏ وَرِثُوا مِنْهُ حُبَّ اللَّهِ فَإنّ حُبَّ اللَّهِ إِذَا وَرِثَهُ الْقَلْبُ اسْتَضَاءَ بِهِ وَأَسْرَعَ إليه اللُّطْفُ فَإِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفَوَائِدِ فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفَوَائِدِ تَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ صَارَ صَاحِبَ فِطْنَة...) (الرازى، على بن محمد، كفاية الأثر، ص257.) فلا شك أنّ المقصود من العقل في هذه الرواية بقرينة [ الفكرة] وغيرها من القرائن الاخرى؛ هو العقل النظري؛ وكذلك في رواية عن إبى الحسن  حيث قال (يَا هِشَامُ، إنّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ دَلِيلًا، وَدَلِيلُ‏ الْعَقْلِ‏ التَّفَكُّرُ ) [١٨].

د- مقصودنا من العقل

مقصودنا من العقل في هذا البحث هو العقل البرهاني القطعي الشامل للعقل الفطري الذي به يتم إدراك العلوم الضرورية والمعارف الوجدانية والعقل الإكتسابي النظري والذي به يتم إدراك المدركات والمعارف النظرية والإكتسابية .

النصّ لغةً واصطلاحًا

النصّ لغةً

النصّ من مادة نصص يطلق على معانٍ متعدّدة، فقد جاء في مقاييس اللغة: «النون والصاد أصل صحيح يدلّ على رفع وارتفاع وانتهاء في الشيء» [ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص357]. وفي تاج العروس «أَصْلُ النَّصِّ: رَفْعُك لِلشَّيْءِ وإظهاره فهو من الرفع والظهور ومنه المنصّة … نَصَّ الشَّيْءَ (يَنُصُّهُ) نَصًّا: حَرَّكَهُ [الزبيدي، تاج العروس، ج 18، ص 179]. يقول أيضًا: النَّصُّ: الإِسْنَادُ إِلى الرَّئِيسِ الأَكبَر. والنَّصُّ: التَّوقِيفُ. والنَّصُّ: التَّعْيِينُ على شَيْءٍ مَا، وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ، من النَّصِّ بمَعْنَى الرَّفْعِ والظُّهُورِ. [المصدر السابق، ص 180]

النصّ اصطلاحًا

أمّا المقصود من النصّ في العلوم الإسلامية بشكل عامّ هو متن الكتاب والسنّة، وفي اصطلاح الأصولين المقصود منه كلّ ملفوظ مفهوم‌ المعنى من الكتاب والسنّة سواءٌ كان ظاهرًا أو نصًّا أو مفسّرًا حقيقةً أو مجازًا عامًّا أو خاصًّا اعتبارًا منهم للغالب؛ لأنّ عامّة ما ورد من صاحب الشرع نصوص. [التهانوي، كشّاف اصطلاحات، ج 2، ص 1696]. ومقصودنا من النصّ في هذا البحث هو هذا المعنى العامّ أيضًا.


المحور الثاني: اتجاهات في بيان طبيعة العلاقة بين العقل والنقل

تنوّعت آراء المفكّرين الإسلاميين منذ القرون الأولى حول بيان العلاقة بين العقل والنقل وتعريفها، وبالتالي ظهرت ثلاثة اتّجاهات متعارضة في الساحة العلمية، منها:

الاتّجاه الأوّل: الاتّجاه النصّي

يمثّل الاتّجاه النصّي عند أهل السنّة والجماعة أهلُ الحديث وبعض الأشاعرة والسلفية، كما يمثّل هذا الاتّجاه عند الشيعة الأخباريون والتفكيكيون، وأهمّ مواصفات هذا الاتّجاه أنّه يرى أنّ السند الأساسي في فهم الدين والمعارف الدينية هو النصوص الدينية، التي تشمل الكتاب والأحاديث المنقولة عن النبيّ  وأهل بيته عند نصيّي الشيعة، والكتاب وأقوال النبي  وأصحابه والتابعين عند النصيّين من أهل السنّة. الاتّجاه النصّي يؤمن بتغطية التراث المنقول لكافّة المتطلّبات المادّية والمعنوية للإنسان؛ فلا يجد أيّ ضرورة للاستعانة بالمناهج والمصادر الأخرى غير النصوص الدينية، بل يصرّ النصّيّون السنّة ويصرّحون بأنّ العقل منافٍ للمنقول ومغاير لأسس الإيمان، بحيث لا يمكن الجمع بينهما؛ فلا يجوز التعدّي على ظاهر النصوص الدينية، وتفسيرها وتأويلها على أساس المعطيات والأدلّة العقليّة. [ابن رجب، فضل علم السلف على الخلف، ص 32] وعلى هذا الأساس يدعو إلى الأخذ بظواهر النصوص الدينية، وإن أدّى ذلك إلى مخالفة صريحة مع بدهيات العقل وأوّليّات المنطق. [ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، ج 1، ص 144] إلّا أنّ الصحيح عدم تساوي هذه المدارس، حتّى في إنكارهم لدور العقل في فهم المعارف الدينية وتبيينها، فقسمٌ لا يعير أي اهتمام يُذكَر للعقل في فهم المعارف الدينية، وبالتالي ينكر وجود أيّ نوع من العلاقة بينهما، وقسم ينكر دور العقل النظري دون الضروري، وقسمٌ آخر يعطى الأولوية والصدارة للنقل على العقل، وعليه نبحث ونناقش كل واحد منهم مستقلًّا باختصار.

أ ـ مدرسة أهل الحديث (الحنابلة)

تُعدّ الحشوية والمجسّمة والظاهرية فروعًا لهذه المدرسة، والتي ظهرت قديمًا [١٩]، والسلفية الجديدة - وعلى رأسها ابن تيميّة (ت 728 هـ ) - تنتمي أيضًا إلى هذه المدرسة؛ ففي هذا النهج لا يكون العقل إلاّ أداةً لتلقّي النقل وأقوال السلف. [٢٠] والعقل البشري قاصرٌ عن أن يدرك الحقائق والمعارف الدينية، فلا يبالون بمنافاة عقائدهم الدينية للبراهين العقلية، ما دام هذا هو مقتضى الظهور العرفي البدوي للنصوص الدينية، فما خالف الكتاب والسنّة ورأي السلف فهو باطل. [٢١]. فلا مجال لذلك إلّا التعبّد [٢٢]؛ وتنكشف نظرية أهل الحديث في فهمهم للآيات المرتبطة بالصفات الإلهية، وخصوصًا الخبرية منها كالوجه واليد والاستواء، وذلك بالعمل على وفق ظاهرها. ونتيجة ذلك وقعوا في فخّ التجسيم والتشبيه؛ إذ اشتهر بأنّ البربهاري (إمام الحنابلة في عصره) لم يكن يجلس مجلسًا إلّا ويذكر فيه أنّ الله يقعد محمّدًا  معه على العرش [٢٣]! كما ينقل القاضى عياض عن سفيان بن عيينة قال: «سأل رجلٌ مالكًا، فقال: ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى﴾ كيف استوى؟ فسكت مالك حتّى علاه الرحضاء [العرق الشديد]، ثمّ قال: الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإنّي لأضنّك ضالًّا» [٢٤] وكذلك يصرح ابن تيمية: «أنّ معنى الاستواء على العرش هو: أنّ الله تعالى مستقرٌّ على العرش، وبنحو يتناسب مع جلاله وبهائه» [٢٥]. وكذلك ينقل ابن باز عن شيخه ابن تيميّة: «حكى غير واحدٍ إجماع السلف أنّ صفات الباري  تجري على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنه؛ وذلك أن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، يحتذى حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجودٍ لا إثبات كيفيةٍ، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجودٍ لا إثبات كيفية؛ فنقول: إنّ لله يدًا وسمعًا؛ ولا نقول: إنّ معنى اليد القدرة، ومعنى السمع العلم» [٢٦]، ويبدو أنّ مخالفتهم لحكم العقل البرهاني لم تقتصر على العقل النظري البرهاني فحسب، بل تعدوها إلى مخالفة العقل الضروري أيضًا، فقد عبّر الطحاوي عن عقيدته السياسية تجاه أئمّة الجور والظلم بقوله: «ولا نرى الخروج على أئمّتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله  فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة» [٢٧]

ملاحظة

يرد على هذا الاتّجاه ما يلي: أوّلًا: أنّه قائم على التصوّر الخاطئ بأنّ استخدم العقل والاستدلالات العقلية في فهم المعارف الدينية منافية للالتزام الديني للنصّ، وبالتالي ينكر وجود أيّ نوع من العلاقة بين العقل والنصوص الدينية، ومنشأ هذا التصوّر ليس إلّا ابتعادهم عن أئمّة أهل البيت  في فهم الدين وتبيين المعارف الدينية، بينما نجد أهل البيت  في تعاليمهم يستخدمون شتّى المناهج المعرفية المتناسبة في تذليل المعارف الدينية واستنتاجها، وفي ضمنها المنهج العقلي والاستدلالات العقلية، وسيتّضح ذلك في المحاور الآتية. ثانيًا: أنّهم بعد رفضهم حمل الألفاظ الموهمة للتجسيم في بعض النصوص الدينية على معانٍ كنائية أو مجازية متماشية مع القرائن العقلية الرافضة لأيّ تجسيم أو تشبيه یمسّ الذات المقدّسة، أصرّوا على الأخذ بظواهرها، حينئذٍ لن يتصوّر لها الذهن إلّا المعاني الجسمية. [٢٨]

= ب- المدرسة الأشعرية

يعدّ الأشاعرة أهمّ مدرسة نصّيّة في مجال المعرفة الدينية بما تمتلكه من تراث تفسيري واسع، ولعلّهم ابتعدوا قليلًا عن مدرسة أهل الحديث؛ لإذعانهم إجمالًا بحجّيّة الاستدلالات العقلية في جملة من المباحث الكلامية، ولكنّهم مع ذلك يقدّمون الاتّجاه النصّي على العقلي، ولا يتجرّأون على تجاوز ظهورات الكتاب والسنّة وإن كانت مخالفةً للبراهين العقلية القطعية، وهذا واضح في مسألة جواز رؤية الله وغيرها؛ ولذلك اعتمد الأشاعرة بشكل عام - وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري نفسه - النهج الظاهري في تفسير النصوص الدينية والآيات القرآنية، واختاروا طريقًا وسطًا بين التشبيه والتأويل فيما يرتبط بتفسير الآيات المتشابهة والصفات الخبرية، يقول أبو الحسن الأشعري: «قال أهل السنّة وأصحاب الحديث: ليس [الله] بجسم ولا يشبه الأشياء، وأنّه على العرش كما قال : ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اِستَوَى﴾ [٢٩] ولا نقدّم بين يدي الله في القول، بل نقول: استوى بلا كيف. وإنّه نورٌ كما قال تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة النور: 35]، وأنّ له وجهًا كما قال الله: ﴿وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [سورة الرحمن: 27]، وأنّ له يَدَين كما قال: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [سورة ص: 75]. وأنّ له عينين كما قال: ﴿تَجْرِى بِأَعْيُنِنا﴾ [٣٠]، وأنّه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: ﴿وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث، ولم يقولوا شيئًا إلّا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله ‏» [٣١] يُظهِر هذا النص جليًّا النهج الظاهري في فهم النصوص الدينية، وعدم تفعيل دور العقل البرهاني الرافض لأي مفهوم تفوح منه رائحة التجسيم أو التشبيه يمسّ الذات القدسيّة؛ لما يترتّب على ذلك من لوازم خطيرة، إلّا أنّه لأجل الهروب من الوقوع في وحل التشبيه والتجسيم وردّ المخالفين عمد إلى إضافة قيد (بلا كيف). [٣٢]

ملاحظة

أوّلًا: المشكلة الأساسية في الهندسة المعرفية التي تتبنّاها الأشاعرة في تفسير النصوص الدينية تكمن في تحكيم الظواهر على حكم العقل، وبعبارة أخرى إلغاء عنصر العقل في فهم حقائق معاني النصوص الدينيّة. وعلى هذا تصبح النتيجة الطبيعية لهذا التفكّر السطحي في التعامل مع النصوص الدينية هي: 1- جفاء العقل والانحراف عن الفهم الصحيح للنصوص الدينية، وبالتالي الوقوع في وحل التجسيم والتبشيه! 2- وأخطر من ذلك القول بنفي الحُسن والقبح العقلين، وجواز الترجيح من غير مرجّح، ونفي الاستطاعة، والقول بالجبر، وقدم كلام الله، وغير ذلك ممّا هو مذكور في كتبهم. [٣٣] ثانيًا: إذا صدق الأشاعرة بادّعائهم عدم تشبيه الصفات الإلهية وتكييفها مع مجهولية الكيفية (إذ لا يعلمها إلّا الله)، فهذا نوع من التعطيل؛ وعليه تمسي الصفات الإلهية مجرّد ألفاظ فاقدة لأي معنًى محصّل يُذكر.

جـ- المدرسة الأخبارية

تقترب الحركة الأخبارية من مدرسة أهل الحديث في التمسّك بالمنهج النصّي في تبيين المعارف الدينية وتفسير النصوص الدينية، وعدم التعاطي مع العقل في فهم الشريعة، والابتعاد عن أيّ معنًى يكون منشؤه التأويل العقلي (على حدّ قولهم). والاختلاف الجدّي بينهما هو تأكيد أهل الحديث على حجّيّة الظواهر القرآنية، بينما يذهب كثير من الأخباريين إلى إنكار ذلك، قال الشيخ الإسترآبادي: «وأنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب الله، ولا من ظواهر السنن النبوية، ما لم يُعلَم أحوالهما من جهة أهل الذكر ، بل يجب التوقّف والاحتياط فيهما» [٣٤] نعم، تؤكّد الحركة الإخبارية على التمسّك بالنهج النصّي ورفض المنهج العقلي والحطّ من شأنه بشكل واضح، فها هو الشيخ الإسترآبادي يصرّح: «إنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية». [٣٥] جديرٌ بالذكر أنّ هذه الرؤية لم يوافق عليها جميع الأخباريين، بل صرّح من تأخّر عن الإسترآبادي كالشيخين يوسف البحراني ومحسن الكاشاني بأنّ فهم القرآن الكريم ليس منحصرًا بأهل البيت ، وكذا الحال مع السنّة النبوية، فلا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الأحكام الشرعية النظرية - أصلية كانت أوفرعية - إلّا السماع عن الصادقين . [٣٦] فلازم هذه النظرية هو رفض دور العقل والاستدلالات العقلية، وعدم اعتبار الأحكام الصادرة منه على وجه الاستقلال. بخلاف المتأخّرين إذ يعتقدون بدور العقل في إطار ضيّق ومحدود، إذ يقرّ الشيخ يوسف البحراني - وهو من أقطاب الأخبارية - بأنّ العقل الفطري الخالي من الأوهام الفاسدة، له مساحة للإدراك، وإدراكاته معتبرة. وهو [العقل] قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع بها فيأتي الشرع مؤيّدًا له، (يعني إثبات الدور المفتاحي للعقل) وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها فيأتي الشرع كاشفًا له ومبيّنًا، وغاية ما تدلّ عليه هذه الأدلّة مدح العقل الفطري الصحيح الخالي من شوائب الأوهام العاري من كدورات العصبية، وأنّه بهذا المعنى حجّة إلهية؛ لإدراكه بصفاء نورانيته وأصل فطرته بعض الأمور التكليفية، وقبوله لما يجهل منها متى ورد عليه الشرع بها، وهو أعمّ من أن يكون بإدراكه ذلك أوّلًا، أوقبوله لها ثانيًا كما عرفت.

ملاحظة

يرد على المتطرّفين من الأخباريين ما ورد على أهل الحديث، وأمّا الأخبارية المعتدلة فيرد عليهم بأنّه لا دليل على التفكيك بين العقل الفطري وبين العقل الاكتسابي البرهاني في المشروعيّة، وسترى بأنّ الأدلّة قائمة على حجّية المنهج العقلي، سواءٌ كان قائمًا على المدركات النظرية أو الضرورية.

د- المدرسة التفكيكية

تُعدّ المدرسة التفكيكية من جملة المدارس التي تنتمي إلى الاتّجاه النصّي الشيعي الحديث، والتي برزت في مجال المعرفة الدينية، متأثّرةً - نوعًا ما - بتيّار الحركة الأخبارية. بُنيت هذه المدرسة على أساس أفكار السيّد موسى زرآبادي (ت 1353 هـ) وميرزا مهدي الأصفهاني (ت 1365 هـ)، فهؤلاء كانوا يعتقدون الفصل بين طرق المعرفة الثلاثة (الوحي والعقل والكشف)؛ لكي تبقى حقائق الدين وأُصول العلم مصانة بشكل صحيح، ولا تنجرف مع معطيات الفكر الإنساني والذوق البشري. [٣٧] نعم، هؤلاء أيضًا ليسوا على مستوًى واحد، بل منهم متشدّد ومنهم معتدل. وأمّا أصحاب الرؤية المتشدّدة - والتي نمت في أوساط المتقدّمين من دعاة التفكيك - فلها مطالب تظهر على العيان بالاعتراض أساسًا على العلوم العقلية والاستدلالية وإقامة البرهان، وتعتقد بأنّ إقامة البرهان لإثبات وجود الله تعالى أمر يخالف الشريعة ويبطل أمر الدين. [٣٨] ويقول ميرزا مهدي الأصفهاني في كتابه "مصباح الهدى": «إنّ استدلال الشيطان على عدم سجوده لآدم قائلًا: ﴿خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [٣٩] هو استدلال برهاني؛ إذ يعتقد أنّه لو كان البرهان حجّةً وموجّهًا، لصحّ قبول استدلال الشيطان من قِبل الله ، والحال أنّه لم يُقبل؛ فيكون دليلًا على عدم مقبولية البرهان» [٤٠]. ولكنّ استدلال الشيطان قائم على الاستحسان والمغالطة بأخذ ما ليس بعلّة على أنّه العلّة، إذ توهّم بأنّ ملاك الفضل هو الطبيعة التي خلق منها، والبرهان لا يتمّ إلّا من خلال تمام صورته ومادّته. نعم، هؤلاء لا ينكرون العقل الفطري ولديهم تفسير خاصٌّ للعقل الفطري يخالف التعريف المشهور. يقول مهدي الأصفهاني: «العقل الفطري هو الحقيقة النورية التي يفيضها الله تعالى على النفوس البشرية. والعقل بهذا المعنى لا يتوارد ولا يتعارض في شيء مع الدليل النقلي. ضرورة أنّ المعقول بهذا العقل ... إنّما هو موارد محدودة معيّنة، وهي عبارة عن موارد يستقلّ العقل ويدرك قبح شيء وحسنه الذاتيين، أو وجوب عمله وتحريمه الذاتيين بالبداهة. فعليه كلّ ما يوجد على خلافه فهو باطل بالضرورة. وأمّا الأحكام المولوية والمعارف الإلهية مثل المعاد الجسماني، فلا محصّل لفرض التعارض فيما بين العقل بهذا المعنى وبين غيره من النقل؛ لخروج كلّ ذلك عن حريم هذا النور» [٤١]

مناقشة

النصوص والمتون الدينية الدالّة على حجيّة العقل لم تفرّق بين العقل الفطري المقصود لدى التفكيكين والبرهان العقلي؛ فليس التقسيم هذا إلّا على أساس الظنّ والوهم، ولا يوجد أيّ دليل عقلي ونقلي يدلّ على هذا التقسيم المذكور وإنكار حجّية البرهان النظري.

الاتّجاه الثاني: الاتّجاه العقلاني

في مقابل الاتّجاه النصّي بجميع أنحائه تجد اتّجاه آخر يسمّى الإتّجاه العقلاني، الذي يؤمن بلزوم أن يكون للعقل مساحة مستقلّة على هذا الصعيد. نعم، هذا الاتّجاه كمخالفه ذات التيّارات المعتدلة والمتطرّفة؛ ويمكن لنا تصنيف الاتّجاه العقلي إلى عدّة مدارس حسب تنوّع الرؤى العقلية للنصوص الدينية؛ وعليه نعقد هذا المطلب في الفقرات التالية باختصار:

1- الاتّجاه العقلاني المتطرّف

لم تخلُ الساحة المعرفية ذات التوجّهات العقلية في مجال المعرفة الدينية من النزعات المتطرّفة على مرّ التاريخ، ويمكن لنا إدراج المجاميع التالية تحت هذا العنوان.

أ- المدرسة الاعتزالية.

عُرِفَ المعتزلة بأنّهم أساس التطرّف العقلي في الإسلام؛ إذ أعطوا للعقل دورًا أوّليًّا وسابقًا على الشرع، وجعلوا الدليل السمعي تابعًا للدليل العقلي ومترتّبًا عليه، أي أنّهم جعلوا الدليل العقلي أصلًا وميزانًا، والدليل الشرعي فرعًا على الدليل العقلي، حتّى ذهب القاضي إلى: «أنّ كلامه تعالى لا يدلّ على العقليات، من التوحيد والعدل ... فلو دلّ عليه لوجب كون الفرع دالًّا على أصله، ومن حقّ الفرع أن لا يدلّ على الأصل؛ لأنّ ذلك يتناقض. وكذلك فلا يجوز أن يكون دالًّا على ما يحتاج أن يعرف معناه من جهة العقل، كما نقوله في المتشابه؛ لأنّه لو دلّ عليه لكان إنّما يدلّ على خلاف ما دلّ عليه العقل؛ ولذلك نقول: إنّ العقل هو الذي يدلّ على ذلك الأمر، ونعلم أنّه تعالى أنزل ذلك الكلام لضربٍ من المصلحة» [٤٢] إذن يرى المعتزلو بأنّ العقل أصل والشريعة فرع، ولكنّ هذا لا يعني وجود تعارض بينهما، بل هما يتطابقان ومتّفقان. [٤٣] نعم، في صورة التعارض بين العقل والنقل يقدّمون العقل على النقل؛ يقول الشيخ محمد عبده: «إذا تعارض العقل والنقل أُخذ بما دلّ عليه العقل وادّعى الاتّفاق على ذلك» [٤٤] ومن مصاديق التطرّف في استخدام العقل وتقديمه على النصوص هو تفسير الآية 31 من سورة الفرقان: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمينَ‏﴾، فقد فسّرها الجيبائي المعتزلي بأنّ الله سبحانه بيّن لكلّ نبيٍّ عدوّه حتى يأخذ حذره منه، وهذا التأويل قائم على مبنى وجوب الصلاح والإصلاح، ولا يستند على دليل عقلي برهاني، والمعنى الصحيح هو أنّنا كما جعلنا هؤلاء المجرمين عدوًّا لك، كذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا منهم‏، وهذه هي من سنّتنا الجارية. إذا يبدو من البحث عن هذه التأويلات القرآنية وغيرها بوضوح أنّ الدليل العقلي المعتبر والمشروع عندهم أعمّ من البراهين العقلية، بل هو شامل لمطلق القطع حتّى المسلّمات الكلامية على حدّ زعمهم.

ب- مدرسة أبو حنيفة الإستحسانية

ظهرت هذه المدرسة - على رأسهم أبو حنيفة (ت150هـ) - على خلفية فكرة؛ عدم كفاية الكتاب والسنّة لإشباع حاجات الإستنباط، وقد أدّت دوراً خطيراً في عقلية كثير من العلماء ووجهتهم نحو الإتجاه العقلي المتطرِّف [٤٥] وهؤلاء حيث لا يجدون بياناً شرعياً يدلّ على الحكم يدرسون المسألة على ضوء أذواقهم الخاصة، وما يدركون من مناسبات، وما يتفق عنه تفكيرهم الخاص من مرجّحات لهذا التشريع على ذاك، ويفتون بما يتّفق مع ظنّهم وترجيحهم ويُسمّون ذلك إستحساناً أوإجتهاداً؛ وهذه العملية لم تقتصر على الفقه وأحكامه، بل شملت التفسير أيضاً، ولعلّ باب التفسير كان الأوسع عند أرباب الرأي، حتى قبل ظهور مدرسة الرأي الفقهية.

الاتّجاه العقلاني المعتدل

مثّل هذا الاتّجاه بشكل عامّ الحكماء والفلاسفة والمتكلمون والأصوليون الإماميون، وهذا الاتّجاه قائم على أساس فكرة أنّ النقل والعقل البرهاني كلاهما حجّة إلهية، فالأوّل حجّة ظاهرية والثاني حجّة باطنية، فمن جهة أنّ العقل في المستقلّات العقلية وفي قضايا العلوم المتعارفة، سواءٌ كانت في الحكمة النظرية أو في الحكمة العملية له رسالة مستقلّة والنقل يؤيّده، والنقل أيضًا له رسالة خاصّة به والعقل مصباح له؛ فالمعارف الدينية بشكل عامّ تارةً يتمّ تبيينها بالعقل، والنصّ يعتبر منبّهًا للعقل ومرشدًا له، وأخرى يتمّ بيانها على لسان النقل. نعم، في كثير من المسائل والفروع الجزئية يكون العقل بحاجة إلى النقل. [٤٦]

فالعقل أحيانًا يقوم بدور الميزان والمعيار في المعارف النظرية وفي أحقّية الدين وأصوله، وأخرى بدور التنوير والإرشاد في ما يتّصل بالقضايا الدينية. [٤٧] وهذا هو الاتّجاه الغالب لدى فلاسفة الإمامية، وهو الاتّجاه العقلاني المعتدل الذي نشأ متأثّرًا بأئمة أهل البيت ، الذين لم يسمحوا للعقل بأن يتجاوز حدوده ومساحته، ولم يجمّدوا الفكر والتعقّل في مجال المعرفة الدينية. ويمكن لنا ملاحظة ذروة هذه الجهود الفكرية في أفكار صدر الدين الشيرازي (ت 1005 هـ) الذي ذهب إلى الدور التنسيقي بين العقل والوحي في مجال المعرفة الدينية وقال: «حاشا الشريعة الحقّة الإلهية البيضاء أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية، وتبًّا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنّة» [٤٨]. وكذلك هذا الاتّجاه هو اتّجاه الغالب لدى متكلّمي الإمامية أيضًا، إذ التزموا الوسطية بين العقلانية الإفراطية التي وقع فيها المعتزلة، وبين النصّيّة التي التمسها عموم الأشاعرة، فنراهم قد منحوا للعقل الحجيّة الذاتية، إلّا أنّ هذا لا يعنى إعطاءه الصلاحيات المطلقة بدون قيد أو شرط، ولا يرون أيّ نوع من التعارض بين الوحي والعقل.

ومن المتكلمين البارزين الشيخ المفيد (ت 413 هـ) الذي يقول في هذا الصدد: «واتّفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكٍّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول» [٤٩]. وكذلك مشهور الأصوليين الإمامية أمثال الشيخ الطوسي وبعض المعتدلين الأشعرية أمثال القاضي الباقلاني انتهجوا هذا المنهج العقلاني المعتدل في فهم الدين وتبيينه بشكل عامّ وفهم النصوص الدينية وتبيينه بشكل خاصّ. [٥٠]

أبرز سمات هذا الاتّجاه:

أوّلًا: هذا الاتّجاه قائم على أساس أنّ النقل والعقل البرهاني كلاهما حجّة إلهية، فالأوّل حجّة ظاهرية والثاني حجّة باطنية. ثانيًا: أنّ العقل في المستقلّات العقلية وفي قضايا العلوم المتعارفة سواءٌ كانت في الحكمة النظرية أو في الحكمة العمليّة له رسالة مستقلّة والنقل يؤيّده. ثالثًا: أنّ النقل أيضًا له رسالة خاصّة به والعقل مصباح له؛ فالدين بشكل عام تارةً يتمّ تبيينه على لسان العقل وأخرى على لسان النقل. نعم، في كثير من المسائل والفروعات الجزئية، وفي فهم بواطن الأمور الغيبية يكون العقل بحاجة إلى النقل.


المحور الثالث: طبيعة العلاقة بين العقل والنقل

على أساس الاتّجاه المعتدل نحاول تحديد طبيعة العلاقة بين العقل والنصوص الدينية في حلحلة المعارف الدينية والمسائل الفكرية، في ضمن مطالب، ومنها:

المطلب الأوّل: خدمة النصوص الدينية للعقل

عندما نرجع إلى النصوص الدينيّة، ونتتبّع فيها نجد أنّها بوصفها مصدرًا رئيسيًّا للدين تركّز على العقل وتسلّط الضوء عليه وتخدمه من جهات متعدّدة، وبالتالي تتّضح طبيعة العلاقة بين النصّ والعقل ومنها:

1- العقل ودوره في تبيين المعارف

من جملة خدمات النصوص الدينيّة التي تقدّمها للعقل هي بيان دور العقل والاستدلال العقلي في فهم المعارف الدينية وتبيينها، فالقرآن الكريم وإن لم يتعرّض إلى بيان ماهية العقل في صيغته الاسمية وكلّ ما ورد فيه هو في صيغة الفعل: عقل، يعقل، نعقل، في الماضي، والمضارع، والمفرد، والجمع، وعدد هذه الألفاظ يقرب من الخمسين، ويشتمل على عشرات الآيات التي تدعو إلى التعقّل والتدبّر والنظر والتفكّر وما في معانيها، كما وردت ألفاظ مرادفة للعقل، نحو: اللبّ، الحلْم، والحجر والفواد وغيرها. [٥١] أمّا ألفاظ: الفكر، والتفكّر، والعلم، والنظر، والتبصّر، والإدراك، والتدّبر، فقد وردت مئات المرّات، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ للعقل شأنًا كبيرًا ومقامًا عظيمًا في القرآن الكريم. وأمّا لو نظرنا روايات أهل البيت  فسنجد أنّ للعقل لديهم أهمّيّةً قصوى‏، وتعرّفه تحت عناوين مختلفة بإطلاقات متعدّدة وخصائص متنوعة، وتكشف عن الآثار المذهلة التي تترتّب عليه. بخلافه المدارس الأخرى؛ فإنّ كثيرًا من علمائها أنكروا وجود أيّ رواية أو حديث صحيح يتحدّث عن العقل، وأنّ أحاديث العقل كلّها كاذبة، حيث يقول ابن تيمية: «قال أبو حاتم بن حبّان البستي: "لست أحفظ عن رسول الله خبرًا صحيحًا في العقل"» [٥٢] «قال الخطيب: حدّثنا الصوريّ، قال: سمعت الحافظ عبد الغني بن سعيد يقول: إنّ كتاب العقل وضعه أربعة: أوّلهم ميسرة بن عبد ربّه، ثمّ سرقه منه داود بن المحبّر، فركّبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة، وسرقه عبد العزيز بن أبي رجاء، فركبه بأسانيد أُخَر، ثمّ سرقه سليمان بن عيسى السجّزي فأتى بأسانيد أُخَر» [٥٣] وسيتّضح من خلال البحث أنّ هذا الموقف من بعض علمائهم في جهة مخالفة تمامًا للموقف القرآني والروائي تجاه العقل ودوره البارز في فهم المعارف الدينية، وكما يلي:

أ- إدراك الآيات التشريعية وفهمها.

إنّ فهم الآيات التشريعية وإدراكها من مختصّات الأفراد الذين يتعقّلون في أمورهم، ويريدون الصلاح والخير في حياتهم. يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [سورة الأنبياء: 10]، وكذلك يقول : ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [سورة يوسف: 2]، ﴿إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [سورة الزخرف: 3]؛ أي لكي تتعقّلوا وتتفكّروا فيه فتعلموا، وجعل الله القرآن عربيًّا وألبسه هذا اللباس رجاء أن يستأنس به عقول الناس فيعقلوه.

ب- إدراك الآيات التكوينية وفهمها

من جملة خصائص التعقّل والاستفادة السليمة من هذه الموهوبة الإلهية إدراك الآيات التكوينية وانفتاح باب الهداية، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَفي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى‏ بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‏ بَعْضٍ في الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [سورة الرعد: 4]، فالذي يتدبّر ويتعقّل يكتشف أنّ هذا النظام الجاري قائم بتدبير مدبّر وراءه، يخضع له الأشياء بطبائعها ويجريها على ما يشاء وكيف يشاء، وأمّا الذي لا يبحث ولا يستفيد من عقله فلا يدرك تلك الحقائق ولا يهتدي إليها. إذن فالعقل في هذه الآيات وغيرها هو الإدراكات التي تتمّ للإنسان مع سلامة فطرته، من حيث إنّ فيه عقد القلب بالتصديق، على ما جبل الله  الإنسان عليه، من إدراك الحقّ والباطل في النظريات، والخير والشرّ والمنافع والمضارّ في العمليات. [٥٤]

جـ- العقل الحجّة الإلهية بينه وبين عباده

ففي كثير من الروايات عبّر عن العقل بأنّه حجّة إلهية باطنيّة بين العبد وبين الله تعالى، فكما أنّ الأنبياء والأئمّة والرسل  حجّة ظاهرية من قبل الله تعالى على الناس، فكذلك العقل حجّة باطنية عليهم كما في رواية عن رسول الله : «كن مع الحقّ حيث كان، وميّز ما اشتبه عليك بعقلك؛ فإنّه حجّة الله عليك، وديعة فيك، وبركاته عندك»[٥٥] وفي رواية عن الإمام  حيث قال: «العقل رسول الحقّ» [٥٦]، وعنه  قال: «العقل شرع من داخل، والشرع عقل من خارج» [٥٧] وكذلك في عن أبي الحسن الرضا : «ما الحجّة على الخلق اليوم؟ فقال : العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه، قال: فقال ابن السكّيت: هذا والله هو الجواب» [ابن شعبة، تحف العقول، ص 450]. وفي رواية عن أبي عَبْدِ اللهِ  حيث قال: «حُجَّةُ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ النَّبِيُّ ، وَالْحُجَّةُ فيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ اللهِ الْعَقْلُ [٥٨] كما ورد في رواية طويلة عن الإمام الكاظم  قوله: «يَا هِشَامُ، إنّ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً، وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ» [٥٩]. ونفهم من هذه النصوص المستفيضة وغيرها ما يلي:

1- كما أنّ الأنبياء والرسل والأئمّة  معصومون وهم حجّة مطلقًا؛ فكذلك نفهم بالمقارنة أنّ العقول أيضًا بما هي هي في مدركاتها معصومة وحجّة مطلقًا. 2- أنّ العقل وإن كان ذا مراتب من القوّة إلى الضعف والكمال إلى النقصان، ولكنّه بما هو هو بمقدار إدراكه لا يخطئ؛ فهومعصوم وحجّة على الناس. نعم، إنّ صاحب العقل غير رسل والأنبياء والأئمّة  ليس بمعصوم؛ فلا بدّ من وضع القواعد والضوابط للأخذ بالمدركات العقلية، وقد تكفّل بذلك علم المنطق. 3- أنّ العقل بما هو هو قادر على تشخيص الحقّ عن الباطل، والقبح عن الحسن، والعدل عن الظلم، والصدق عن الكذب، ويدرك سبيل الغيّ عن الرشد، فهو من هذه الجهة حاضر عند جميع الناس. 4- أنّ هذه الروايات بإطلاقاتها لا تفرّق بين العقل الفطري والاكتسابي، وبين العقل النظري والعملي وبين كون المدركات العقلية بدهيّة أم نظريّة، وبين كونها مقطوعة أم ظنية؛ فالعقل حجّة مطلقًا في جميع إدراكاته إلّا ما خرج بالدليل، فهذه النصوص ترفض الاتّجاه النصّي بجميع أنحائه. الخلاصة: أنّ دور العقل من منظور القرآن الكريم دور هام وفاعل في شتّى مجالات الحياة، وفي كلّ الميادين، وفي مختلف المعارف والعلوم، هذا الدور الذي دعا إليه القرآن الكريم بكلّ وضوح، وتوافر عليه كثير الآيات والسور، والعقل نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، أنعم بها على الإنسان؛ إذ من خلاله يتعرّف الإنسان على أسرار خلق الله تعالى وعظيم صنعه، وبه يتوصّل إلى تصديق الأنبياء والرسل ، الذين بعثهم الله  لهدايته وسعادته، وهناك تجلّيات عقلانية في القرآن الكريم، وسنتوقف عليها في المباحث الآتية.

2- وضع القواعد لاستخدام الدليل العقلي في تبيين النصوص الدينية

من جملة الخدمات التي تقدّمها النصوص الدينية للعقل وضع الأصول والقواعد التي يتوقّف عليها تفسير النصوص الدينية وتبيينها، وتحديد مراد الشارع منها، وإسناده إليه ومن جملة هذه القواعد:

القاعدة الأولى: جواز التفسير على أساس العلم والقطع.

من القواعد المهمّة التّي جاءت في النصوص الدينية في مجال تبيين النصوص الدينية بشكل عامّ وفي تفسير القرآن الكريم بشكل خاصّ جواز التفسير والتبيين على أساس العلم والقطع، فقط وردت الأحاديث المستفيضة التي تصرّح بجواز تفسير القرآن واستخراج معارفه، وكذلك جواز إسناد ما استنبتطه من القرآن الكريم إلى الله تعالى على أساس العلم والقطع كما في الرواية: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ  قَالَ: «مَا عَلِمْتُمْ‏ فَقُولُوا، وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» [٦٠]. وكذلك عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِى عَبْدِ اللهِ : مَا حَقُّ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ فَقَالَ: أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ، وَيَكُفُّوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ، فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّوْا إلى اللهِ حَقَّهُ» [الكليني، الكافي، ج ‏1، ص 50]. فالمراد من "ما علمتم فقولوا" و"أن يقولوا ما يعلمون" صريح في جواز إسناد ما يعلمه إلى الله تعالى، والتفسير ليس إلّا تحديد مراد الله  من الآيات القرآنية وإسناده إلى الله تعالى، فهي تدلّ على جواز التفسير على أساس العلم، والبرهان العقلي من أتمّ مصاديق العلم. وكذلك في الرواية الثالثة عن الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ ، «إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ كَتَبُوا إلى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ  يَسْأَلُونَهُ عَنِ الصَّمَدِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَلَا تَخُوضُوا في الْقُرْآنِ، وَلَا تُجَادِلُوا فيهِ، وَلَا تَتَكَلَّمُوا فيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ: مَنْ قَالَ في الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [٦١] ولازم "من قال في القرآن بغير علم" جواز القول مع العلم وإسناده إلى الله تعالى. فمن هذه الروايات وغيرها نستنبط منها قاعدة، وهي جواز تفسير النصوص الدينية على أساس العلم والقطع، سواءٌ كان هذا العلم حاصلًا بالدليل النقلي أو العقلي.

القاعدة الثانية: عدم جواز التفسير بغير العلم

من جملة القواعد المهمّة التّي جاءت في نصوص أهل البيت  قاعدة عدم جواز تفسير الآيات القرآنية على أساس المدركات غير العلمية (أي الظنّيّة)، فهناك عشرات من الأحاديث المستفيضة تصرّح بعدم جواز تفسير النصوص الدينية واستخراج معارفها، وإسناد ما استنبطه منها إلى الشارع بغير العلم والقطع، كما في الرواية عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ  قَالَ: «مَنْ قَالَ في الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [ابن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 233؛ الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 199]. وكذلك الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج‏27؛ ص204). وفي الرواية الثانية عَنْ عَلِيٍّ  قَالَ: «اتَّقُوا اللهَ وَلَا تُفْتُوا النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُونَ ... قَالُوا: فَمَا نَصْنَعُ بِمَا قَدْ خُبِّرْنَا بِهِ في الْمُصْحَفِ؟ فَقَالَ: يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاءُ آلِ مُحَمَّدٍ» [٦٢]. وغيرها عشرات الروايات التي تصرّح بأنّ تفسير النصوص الدينية بغير علمٍ ممنوعٌ.


القاعدة الثالثة: الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

من جملة القواعد التي أشار إليها علماء مدرسة أهل البيت الأطهار  في مجال تذليل المعارف الدينية وجود الملازمة بين حكم العقل وبين الشرع، بمعنى أنّه متى كشف العقل بحسن الشيء ذاتًا أو قبحه ذاتًا؛ فإنّه يحكم بالدليل (اللمي) عن طريق الاستدلال من العلّة بالمعلول بأنّ الشرع يحكم باستيفاء هذه المصلحة، أو دفع تلك المفسدة، وحتّى لو لم يصلنا هذا الحكم عن طريق النقل، فإنّ العقل يؤدّي دوره باعتباره مصدرًا مستقلًّا يكشف عن حكم شرعي. ولدينا نصوص متعدّدة تصرّح بذلك، منها: ما روي عن أمير المؤمنين  حيث يقول: «لَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لَا يُضَادُّهُ في مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلَا يَزُولُ أَبَدًا، وَلَمْ يَزَلْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ، وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ، عَظُمَ [أَنْ تُثْبَتَ‏] عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أوبَصَرٍ ... فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ» [الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 396]. فالرواية صريحية في دلالتها على وجود الملازمة بين حكم العقل في الحسن والقبح، وبين حكم الشرع بالأمر والنهي. وكذلك في الرواية عَنْ أَبِى الْحَسَنِ  إذ سُئِلَ: «مَا الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ الْيَوْمَ؟ قَالَ: فَقَالَ: الْعَقْلُ،‏ يُعْرَفُ بِهِ الصَّادِقُ عَلَى اللهِ فيصَدِّقُهُ، وَالكاذب عَلَى اللهِ فيكَذِّبُهُ» [٦٣].

القاعدة الرابعة: ترجيح البراهين العقلية على الظواهر القرآنية المخالفة

من أهمّ القواعد التي وردت في نصوص أهل البيت ، وكشف عنها هي قاعدة تفسير الظواهر النصوصية المخالفة للبراهين العقلية القطعية، وحملها على معانٍ تتناسب مع مفاد الدليل العقلي القطعي بمساعدة القرائن اللبّية، وفي ضمن القواعد اللغوية والعرفية، ونقف على بعض الموارد منها:

المورد الأوّل: نفي نسبة كينونة ذات الله تعالى ومعيّته مع الأشياء.

معيّة الله تعالى للأشياء تُتصوّر بنحوين: 1- المعيّة بذاته مع كلّ شي‏ء وفي كلّ شي‏ء بلا كيفية وممازجة، بمعنى العلم والإحاطة والإشراف الكامل على الأشياء. 2- المعيّة بذاته مع كلّ شيء وفي كلّ شيء بحيث تكون محاطةً بالمكان. [الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 19، ص 84] وعلى النحو الثاني بما أنّ المكان محدود تَحْوِيهَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ، ومقدّر بالأقدار فلا يجوز أن نتصوّر معيّة الله تعالى مع الأشياء وفي الاشياء بهذا المعنى؛ لأنّ لازم هذا المعنى هو كون الله محدودًا، وكلّ محدود محدث، فقد أبطل أبديته. وعلى أساس البرهان العقلي القطعي فسّر الإمام أبو عبد الله  معية الله  مع الأشياء الواردة في الآية 7 من سورة المجادلة بالإحاطة العلمية، فقال : «في قَوْلِهِ : ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلَا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا﴾، فَقَالَ: هُوَ أَحِدٌ أَحَدِيُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ بِالْإِشْرَافِ وَالْإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ ... لَا بِالذَّاتِ؛‏ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ فَإذا كانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهُ الْحَوَايَة[٦٤] إذن نرى بوضوح أنّ الإمام  فسّر المعية في هذه الآية المباركة بالمعنى الأوّل الذي ذكرناه آنفًا، ونفى المعنى الثاني لمعية الله تعالى مع الأشياء على أساس البرهان العقلي القطعي.

تقرير البرهان

المقدّمة الأولى: إذا كان المقصود من قوله : ﴿إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا﴾ المعيّة الذاتية مع الأشياء المادّية التي لا تنفكّ من المكان. المقدّمة الثانية: والْأَمَاكِنُ محْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ؛ لازمها أن تكون الذات المحاطة بالأماكن محدودة بالأماكن المحدودة. واللازم باطل فالملزوم مثله؛ فالمقصود من المعيّة بالمكان هو بمعنى الإشراف والإحاطة العلمية والقدرة، لا بالذات.

المورد الثاني: نفي التجسيم والتشبيه والتمثّل

الجسم هو ما يشتمل على الأبعاد الأربعة؛ بإضافة البعد الزماني والمكاني المتلازمين، وهو ملازم للتركيب. والمركّب محتاج إلى أجزائه والمحتاج ممكن الوجود، وعلى أساس هذا البرهان العقلي فُسّرت الآيات التي تدلّ بظاهرها على أنّ لله تعالى جسمًا وأعضاءً كأعضاء الإنسان، وحملها على معانٍ تتناسب مع ذاته المقدسة. كما في تفسيّر اليد بالقدرة، والوجه بالأنبياء ، وحملها على خلاف المعنى الظاهري البدوي، كما عن عبد الله بن قيس عن أبي الحسن الرضا  قال: «سمعته يقول:‏ ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، فقلت: له يدان هكذا (وأشرت بيدي إلى يديه)؟ فقال: لا، لو كان هكذا كان مخلوقًا» [الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج ‏1، ص 650]. يعني لازمه  الجسمية والمخلوقية؛ لأنّ الجسمية ملازمة للتركيب؛ والمركّب محتاج، والمحتاج مخلوق وليس بواجب، وعلى هذا الأساس فسّر اليد بالقدرة، وإلّا للزم التشبيه، كما في الرواية عَنْ ظَبْيَانَ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ  فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَسَمِعْتُ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنّ لِلهِ وَجْهًا كَالْوُجُوهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَهُ يَدَانِ،‏ وَاحْتَجُّوا بِذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ‏بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ ... ثُمَّ قَالَ: يَا يُونُسُ، مَنْ زَعَمَ إنّ لِلهِ وَجْهًا كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ زَعَمَ إنّ لِلهِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ ... تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَصِفُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَوَجْهُ اللهِ أَنْبِيَاؤُهُ، وَقَوْلُهُ‏: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ‏ فَالْيَدُ الْقُدْرَةُ» [٦٥]. إذن الأئمّة  في هذه الروايات قدّموا البرهان العقلي على الظواهر القرآنيّة المخالفة لأحكام العقل، وحملوها على معانٍ تتناسب مع حكم العقل القطعي، ففسّروا اليد بالقدرة والوجه بالأنبياء؛ لأنّ حملها على المعنى الظاهري البدوي يوجب التشبيه والتجسيم، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ويمكن لنا أن نوسّع دائرة هذه القاعدة إلى الموارد التي لم يرد النصّ فيها من المعصومين ، ونعتمد عليها في تفسير الآيات القرآنية.

2- بيان محدوديّة العقل ومنزلقاته

من جملة الخدمات التي تقدّمها النصوص الدينية للعقل بيان القصور والنواقص ومحدودية العقل؛ حتّى لا يغترّ العقل بطاقاته وقدراته ويتجاوز حدّه وطوره، وحتّى نلتزم بالاعتدال والوسطية ونجتنب الإفراط والتفريط، وسنذكر بعض هذه الأمور بشكل مختصر كالتالي:

أ- العقل ومعرفة كنه ذات الله تعالى

توجد لدينا مجموعة من النصوص تنهى العقلَ عن التفكّر في كنه الذات الإلهية، وتدعوه إلى التعقّل في صفات الله  وأفعاله ومخلوقاته. منها ما ورد عن أمير المؤمنين  إذ قال: «لَمْ‏ يُطْلِعِ‏ اللهُ‏ سُبْحَانَهُ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ، وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ» [٦٦]. وكذلك في الرواية الثانية عن أَبِى جَعْفَرٍ : «إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ في اللهِ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى عَظَمَةِ اللهِ فَانْظُرُوا إِلَى عِظَمِ خَلْقِهِ» [٦٧]، فالعقل غير قادر على إدراك كنه ذاته والإحاطة بها .

ب- العقل وتفسير بواطن القرآن وتأويلاته

من الموارد الغيبية التي لا يدركها العقل، وهي بعيدة عن ساحاته الإدراكية، وقد عبّر عنها في النصوص بباطن القرآن أو علم التأويل؛ فهي من مختصّات النبيّ والأوصياء؛ كما في الرواية المشهورة عن أبي عبد الله : «عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ‏: يَا جَابِرُ، إِنَّ لِلْقُرْآنِ بَطْنًا وَلِلْبَطْنِ‏ ظَهْرًا، وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَبْعَدَ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ مِنْهُ، إِنَّ الْآيَةَ لَيَنْزِلُ أَوَّلُهَا في شَيْ‏ءٍ وَأَوْسَطُهَا في شَيْ‏ءٍ وَآخِرُهَا في شَيْ‏ءٍ، وَهُوَ كَلَامٌ مُتَصَرِّفٌ عَلَى وُجُوهٍ» [٦٨]، وكذلك في الرواية عن أمير المؤمنين : «إنّ اللهَ قَسَمَ كَلَامَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، فَجَعَلَ قِسْمًا مِنْهُ يَعْرِفُهُ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَقِسْمًا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ صَفَا ذِهْنُهُ، وَلَطُفَ حِسُّهُ، وَصَحَّ تَمْيِيزُهُ، مِمَّنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَقِسْمًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ» [٦٩] فهذه الروايات تمنعنا عن الاعتماد على العقل للخوض في بواطن القرآن وتأويلاته، والمقصود من الباطن هو المعاني التأويلية التي لا علاقة لها عادةً بمفهوم الآية؛ لأنّ هذه من مختصّات الأنبياء والأوصياء والراسخين في العلم، والعقل لا طريق له لإقامة البرهان على نفيها ولا على إثباتها؛ فيكون حكم العقل فيها حكمًا ظنّيًّا؛ وتجد أمثلةً كثيرة لها، منها: ما فسّر به ابن عربي قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ  بَيْنهَمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَان﴾ [٧٠] بأنّ "مرج البحرين" هو بحر الهيولى الجسمانيّة الذي هو الملح الأجاج، وبحر الروح المجرّد هو عذب الفرات، يلتقيان في الموجود الإنساني، ولا تتجاوز الهيولى الجسمانية على الروح المجرّدة ولطافتها، فلا يغلب أحدهما حدّه على الآخر بخاصّته، لا الروح المجرّدة تجرّد البدن وتجعله من جنسها، ولا البدن يجسّد الروح ويجعله مادّيًّا. [٧١]

جـ- العقل وتفصيل ما هو مجمل من الآيات

إنّ الله تعالى أنزل مجموعةً من الآيات، فهي مجملة بحيث لا ينبئ ظاهرها عن المراد به مفصّلًا، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعينَ﴾ [سورة البقرة: 34]، فليس فيه تفصيل عدد فرائض الصلاة وعدد ركعاتها؛ وكذا بالنسبة إلى تفصيل مناسك الحجّ وشروطه، ومقادير النصاب في الزكاة؛ إذ لا يمكن استخراجها إلّا ببيان النبيّ الأكرم ، فتكلّف القول في ذلك خطأٌ ممنوع منه. [٧٢] لأنّ الجزئيات وتفاصيل الشريعة من التعبّديات، والعقل يعجز عن إقامة البرهان في تلك الأمور، لأنّ مهمّة العقل هي إدراك الحقائق والمفاهيم الكلّية والعامّة، ففي تفصيل الشريعة لا يحقّ للعقل أن يتدخّل فيه لا إثباتًا ولا نفيًا. إذن يتّضح من خلال هذا البحث أنّ النصوص الشرعيّة لن تقصّر في تشخيص محدودية العقل ونواقصه، وبيان الموارد التي لا يحقّ للعقل الخوض فيها من دون استناد إلى النصوص الشرعية، وهذا يعدّ خدمةً كبيرة.


المحور الرابع: موارد حاجة النصوص الدينية إلى العقل

إنّ للعقل في المستقلّات العقلية وفي قضايا العلوم المتعارفة - سواء كانت في الحكمة النظرية أو في الحكمة العملية - رسالةً مستقلّةً، والنقل يؤيّده، وللنقل أيضًا رسالة خاصّة به والعقل مصباح له؛ فالدين تارةً يتمّ تبيينه على لسان العقل وأخرى على لسان النقل. نعم، في كثير من المسائل والفروعات الجزئية يكون العقل بحاجة إلى النقل. [٧٣] فالعقل أحيانًا يقوم بدور الميزان والمعيار في المعارف النظرية وفي إثبات أحقّية الدين وأصوله، وأخرى بدور المصباح والإرشاد في ما يتّصل بالقضايا الدينية. [[٧٤]. وفي إستنباط الأحكام الشرعية، وثالثةً يقوم بدور تفسير النصّ وتبيينها من خلال بعض المبادئ التصوّرية والتصديقية النابعة من المصدر الذاتي للعقل البرهاني، وسنوضّح الكلام عن كلّ واحد من هذه الأقسام.

1- الدور المعياري للعقل

لا شكّ في أنّ إثبات المعتقدات الدينية الأساسية كالمبدإ والمعاد وحاجة الناس إلى الوحي والنبوّة يتوقّف على العقل البرهاني، ولا يمكن إثباتها بالنصوص الدينية؛ والوحي والنصّ لا يخالف العقل في هذه الموارد حتّى يأتي الكلام بتقييمه بالعقل، فالنصّ والوحي لا يمكن لهما مخالفة تلك الأصول والقواعد التي يتوقّف إثباتهما عليها، فالوحي والنصّ مرهون لها في أصل إثباتها، فمثلًا الوحي لا يمكن له أن يكون داعيًا إلى الشرك وعبادة الأوثان؛ فمدّعي النبوّة إذا دعا الناس إلى الشرك فهو يكون خير دليل على كذب ادّعائه، وأحسن دليل وأوضح شاهد على نفي نبوته ورسالته.

2- الدور المفتاحي

إنّ العقل من خلال إثبات المعتقدات الدينية - كالمبدإ والمعاد، وحاجة الناس إلى الوحي والنبوّة والمعجزة وغيرها من المسائل العقدية البنيوية - يلعب دورًا مفتاحيًّا يفتح للباحث باب الشريعة. فوفق الاتّجاه النصّي المتطرّف يستغني الإنسان - بعد إثبات أصول الدين وحاجة الناس إليه وإلى المعجزة لتشخيص النبيّ الصادق عن مدّعي النبوّة الكاذب ومعرفته - عن العقل في فهم المعارف الدينية والميتافيزيقية وتبيينها بزعمهم أنّ التراث المنقول كفيل بتغطية المتطلّبات المادّية والمعنوية للإنسان كافّةً؛ فلا يجد أي ضرورة للاستعانة بالعقل، فلا يجوز التعدّي على ظاهر النصوص الدينية وتفسيرها وتأويلها على أساس المعطيات والأدلّة العقليّة. [٧٥]] وعلى هذا الأساس يدعو ابن تيميّة إلى الأخذ بظواهر النصوص الدينية، وإن أدّى ذلك إلى مخالفة صريحة مع بدهيات العقل وأوّليات المنطق [٧٦]، وكتب رسالةً سمّاها "الردّ على المنطقيين". بينما الدليل العقلي القائم على المدركات البدهية أو النظرية البرهانية يشكّل قرينةً لبّيةً متّصلةً أو منفصلةً لإطلاقات النصّ وظهوراته وعموماته، بحيث لا يمكن فهمها ولا يتّضح مرام الشارع إلّا من خلال الدليل العقلي.[٧٧]

2- الدور المصباحي

فالعقل بخلاف الاتّجاه النصّي المتطرّف لا يتحدّد دوره في خارج عن دائرة الدين، بل له دور حيوي في داخل الشريعة، وفي الفهم الصحيح للنصوص الدينية، فالعقل من خلال التفاته إلى الشواهد الخارجية والداخلية وبجمع الآيات والروايات يدرك معنى الآية، ويساعد الباحث والمفسّر في فهم النصّ الديني واستنباط القضايا والأحكام الشرعية بشكل صحيح ومعقول. وعلى هذا الأساس فإنّ العقل البرهاني له حضور مؤثّر في جميع مراحل الاستنباط من القرآن والسنّة؛ لكونه حجّةً إلهيةً. [٧٨] ولتوضيح ذلك نقول: إنّ المعارف المستفادة من النصوص الدينية على ثلاثة أنواع، وإنّ للعقل في كلّ قسم منها حكمه الخاصّ، وكما يلي: أ- هناك معارف ليس للعقل قدرة على معرفتها، وليس لديه فيها حكم لا بالنفي ولا بالإثبات، بل هو ساكت في مقابلها، في مثل هذه المعارف يكون العقل مستمعًا واعيًا لمفاد النقل فقط، وهو يعترف بأنّ تكليفه في مقابل هذا النوع من المعارف هو الاستماع والإنصات وقبول رسالة الدين ومفاده. ب- ثمّة بعض المعارف التي يكون للعقل قدرة على معرفتها، وهو يحكم فيها بالتصويب والتأييد، وفي هذه الحالة يكون البرهان العقلي إلى جانب النصّ النقلي متحدّثًا ومتكلّمًا باسم دين الله . جـ- هناك بعض المعارف التي للعقل قدرة على معرفتها، لكن يحكم فيها بالتخطئة والتكذيب، وهذا يعني أنّ البرهان العقلي يحكم بخلاف ظواهرالكتاب والسنّة. وفي هذه الحالة يكون مفاد العقل المبرهن مقدّمًا على ظواهر النصّ النقلي؛ وذلك لأنّ العقل هو بمنزلة الدليل اللبّي المتّصل أو المنفصل للكلام الإلهي، ومن الواضح أنّ استنباط حكم الدين من النصوص النقلية من دون الرجوع إلى قرائنها المتّصلة والمنفصلة أمر غير صحيح، بعبارة أخرى يصحّح العقل الفهم الخاطئ للنصوص في ضوء المعايير والموازين الراسخة. [٧٩]

3- الدور التفسيري

للعقل دور تفسيري مهمّ، فالعقل من خلال استنباط بعض المبادئ التصوّرية والتصديقية النابعة من المصدر الذاتي للعقل البرهاني وحمل النصوص التي هي مورد البحث عليها، توفّر القرائن اللبّية في فهم الألفاظ والنصوص المقدّسة وتحدد مرام الله تعالى منها. [٨٠] وقد مر علينا مجموعة من القواعد التأسيسية التي وضعها أهل البيت ، ويجب مراعاتها في تفسير النصوص الدينية وتحديد مراد الشارع منها.


الخاتمة

من خلال البحث عن تحديد طبيعة العلاقة بين العقل والنقل وصلنا إلى عدّة نتائج: أوّلًا: وجدنا ظهور ثلاثة اتّجاهات متعارضة في الساحة العلمية: الاتّجاه النصّيّ المتطرّف الذي يؤمن بأنّ العقل لا علاقة له بالمنقول، وقد يكون مغايرًا لأسس الإيمان، فلا يمكن الجمع بينهما، ولا يجوز التعدّي على ظاهر النصوص الدينية وتفسيرها وتأويلها على أساس المعطيات والأدلّة العقليّة، والاتجاه العقلاني المتطرّف الذي جعل الدليل السمعي تابعًا للدليل العقلي ومترتّبًا عليه، وحاول استنتاج جميع المعارف الدينية المهمّة على مبنى العقل واستنتاجاته العقلية، والاتجاه العقلاني المعتدل الذّي يرى بأنّ الدين تارةً يتمّ تبيينه من خلال العقل، وأخرى على لسان النقل، فمن جهة أنّ العقل في المستقلّات العقليّة وفي قضايا العلوم المتعارفة له رسالة مستقلّة والنقل يؤيّده، والنقل أيضًا له رسالة خاصّة به والعقل مصباح له، وهو الاتّجاه العقلاني المعتدل الذي نشأ متأثّرًا بأئمّة أهل البيت . ثانيًا: أنّ النصوص الدينيّة ترفض الاتّجاه الأوّل والثاني وتؤيّد الاتّجاه الثالث، فمن جهة تؤيد مشروعية العقل والبرهان العقلي في استخراج المعارف الدينية وتبيين النصوص الدينية، باستخدام القواعد والأصول العقلية الثابتة، ومن جهة ثانية فإنّ النصوص الشرعية لم تقصّر في بيان الموارد التي يقصر عنها العقل لمحدوديته ونقصه، وبيان موارد التي لا يحقّ للعقل الخوض فيها من دون استناد إلى النصوص الشرعيّة. ثالثًا: إنّ العقل أحيانًا يقوم بدور الميزان والمعيار في إثبات أحقّية الدين وأصوله، وأخرى بدور المصباح والإرشاد في ما يتّصل بالقضايا الدينية، وفي استنباط الأحكام الشرعيّة، وثالثةً يقوم بدور تفسير النصّ الديني وتبيينه من خلال بعض المبادئ التصوّرية والتصديقية. [٨١].

الهوامش

  1. [سورة آل عمران: 191]
  2. [سورة الزمر: 9]
  3. [ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 69]
  4. [ابن منظور، لسان العرب، ج 11، ص 458].
  5. [ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 69].
  6. [شبالة، حسن، العقيدة بين السلف والمتكلّمين، ص 47]
  7. [العلّامة الحلّي، شرح التجريد، ص 251].
  8. [الطوسي، تجريد الاعتقاد، ص 144؛ الشيرازي، شرح أُصول الكافي، ج 1، ص 216؛ الطباطبائي، بداية الحكمة، ص 69؛ ابن سينا، تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، ص 82]
  9. [المجلسي، بحار الأنوار، ج ‏1، ص 89].
  10. [الحرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة، ج ‏20، ص 206]
  11. [الآمدي، غرر الحكم، ص 91، ح 1746].
  12. (العلامة الحلي، إبن المطهر، شرح التجريد ،ص251)
  13. [الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 324]
  14. [ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 51، ص 416؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 342].
  15. (جوادي الآملي، عبد الله، بيان البراهين لإثبات الله ، ص 76).
  16. (الطريحي، فخر الدين؛ مجمع البحرين؛ ج3، ص444. و المصطفوي؛ حسن، التحقيق في كلمات القرآن؛ ج9، ص126.)
  17. (الآمدي، عبد الواحد ، غرر الحكم ص 178)
  18. (الكليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق، الكافي ؛ ج‏1 ؛ ص35)
  19. [آريان، شأن ودور العقل في تفسير القرآن في نظر النصّيين، ص 65]
  20. [ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج 3، ص 338 و339]
  21. [ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ج 3، ص 19]
  22. [مطهّري، أصول الفلسفة والمنهج الواقعي للعلّامة الطباطبائي، ج 5، ص 45 - 47]
  23. [ابن أبى يعلى، طبقات الحنابلة، ج 2، ص 41]
  24. [الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 8، ص 106].
  25. [ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، ج 5، ص 28]
  26. [ابن باز، مجموعة فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز، ج 24، ص 273]
  27. [الطحاوي، شرح العقيدة الطحاوية، ص 379].
  28. [الدهلكي، المنهج العقلي في التفسير، ص 916]
  29. [سورة طه: 5]،
  30. [سورة القمر: 14]
  31. [الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ج 1، ص 20].
  32. [سبحاني، نظريتان أخريان في باب الصفات الخبرية، ص 23]
  33. [الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 278]
  34. [الأسترآبادي، الفوائد المدنية، ص 104].
  35. [الإسترآبادي، الفوائد المدنيّة، ج 1، ص 104].
  36. [المصدر السابق، ص 104 و179 و270].
  37. [حکیمی، مکتب تفکیک، ص 46 و47]
  38. [جوادي آملي، منزلة العقل في هندسة المعرفة الدينية، ص 185]
  39. [سورة الأعراف: 12]
  40. [الأصفهاني، مصباح الهدى، ص 11]
  41. [الأصفهاني، مصباح الهدى، ص 62].
  42. [القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج 16، ص 354].
  43. [القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج 4، ص 174]
  44. [محمد عبده، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدينة، ص 56].
  45. [الصدر؛ محمد باقر ، المعالم الجديدة للأُصول، ص36-37.]
  46. [جوادي آملي، انتظار البشر من الدين، ص 84]
  47. [جوادي آملي، انتظار البشر من الدين، ص 84]
  48. [الشيرازي، الحكمة المتعالية، ج 9، ص 303]
  49. [المفيد، أوائل المقالات، ص 44]
  50. [الدهلكي، المنهج العقلي في التفسير، ص 200]
  51. [محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص 468 و469]
  52. [ابن تيمية، بغية المرتاد في الردّ على المتفلسفة، ص 245]،
  53. [الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 8، ص 360].
  54. [الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 2، ص 209 و240 - 250]
  55. [ العجلوني، إسماعيل، كشف الخفاء، ج٢، ص ١٣٥]
  56. [الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، ص٢٧٢]
  57. [البحريني، مجمع البحرين، ج 2، ص 1249].
  58. [الحرّ العاملي، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة، ج ‏1، ص 121].
  59. [الکلينى، الکافي، ج 1، ص 16]
  60. [الكليني، الكافي، ج ‏1، ص 42]
  61. [ابن بابويه، التوحيد، ص 91]،
  62. [الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام، ج ‏6، ص 295]
  63. [الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ‏1، ص 29].
  64. ُ[ ابن بابويه، محمد بن علي التوحيد (للصدوق)، ص: 132]
  65. [الخزاز الرازي، كفاية الأثر، ص257]
  66. [الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 413]
  67. [ابن بابويه، التوحيد، ص 458]
  68. [الحرّ العاملي، وسائل الشيعة،ج ‏27، ص 176]
  69. [المصدر السابق، ص 194].
  70. [سورة الرحمن: 19 و20]
  71. [ابن عربي، تفسير القرآن، ج 2، ص 280].
  72. [جوادي آملي، التسنيم، ج 1، ص 233]؛
  73. [جوادي آملي، انتظار البشر من الدين، ص 84]
  74. جوادي آملي، الشريعة في مرآة المعرفة، ص 204 - 208]
  75. [ابن رجب الحنبلي، فضل علم السلف على الخلف، ص 32
  76. [ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، ج 1، ص 144]
  77. [جوادي آملي، الشريعة في مرآة المعرفة، ص 210]
  78. [جوادي آملي، التسنيم في تفسير القرآن، ج 1، ص 205]
  79. [جوادي آملي، التسنيم في تفسير القرآن، ج 1، ص 205 و206 و214]
  80. [المصدر السابق، ص 214]
  81. مقالة لدكتور فدا حسين الحليمي منشور في مجلة الدليل رقم 19

المصادر

القرآن الكريم نهج البلاغة 1. ابن بابويه، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، طهران، الطبعة الثانية، 1395 هـ. 2. ابن بابويه، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا ، طهران، الطبعة الأولى، 1378 هـ. 3. ابن بابوبه، محمد بن علي، التوحيد، مؤسسة النشر الإسلامي، قم‏ المقدّسة، الطبعة الثانية، 1398 هـ. 4. ابن أبى يعلى، محمد بن محمد، طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت، 2010 م. 5. ابن تيمية، أحمد، درء تعارض العقل والنقل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1991 م. 6. ابن تيمية، أحمد، الرد على المنطقيين، مؤسسة الريان ، بيروت، 2005 م. 7. ابن تيميّة، أحمد، مقدمة في أصول التفسير، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1980 م. 8. ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2001 م. 9. ابن سينا، الحسين، تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، مطبعة دار العرب. 10. ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، 1979 م. 11. ابن قيّم، محمد، إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، السعودية، الطبعة الأولى، 1423 هـ. 12. ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 13. الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم ودرر الكلم، دار الكتاب الإسلامي، قم المقدّسة، 1410 هـ.‏ 14. الإسترآبادي، محمدأمين، الفوائد المدنية، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1426 هـ. 15. الأشعري، أبو الحسن، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، المكتبة العصرية، 1411 هـ. 16. البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1405 هـ. 17. جوادي آملي، عبد الله، التسنيم في تفسير القرآن، تعريب السيد عبد المطلب رضا، دار الأسرى، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1398 ش. 18. جوادي آملي، عبد الله، تبيين البراهين لإثبات الله، مطبعة الإسراء، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1375 ش. 19. جوادی آملی، عبدالله، منزلت عقل در هندسه معرفت دينى، نشر اسراء، 1390 ش. 20. جوادی آملی، عبدالله، شريعت در آيينه معرفت، مركز نشر اسراء، قم، چاپ چهارم، 1384 ش. 21. جوادی آملی، انتظار بشر از دين، مركز نشر اسراء، قم، چاپ یکم، 1380 ش. 22. الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت ، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1409 هـ. 23. حكيمی، محمدرضا، مكتب تفکیک، دفتر نشر فرهنگى اسلامى، تهران، 1375 ش. 24. الحلي، ابن المطهر، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الثامنة، 1419 هـ. 25. الحويزي، عبد علي، تفسير نور الثقلين، المطبعة العلمية، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1383 هـ. 26. الحمويني، إبراهيم بن محمد، فرائد السمطين، موسسة المحمودي، بيروت، 1400 هـ. 27. الدهلكي، ثناء الدين، المنهج العقلي في التفسير المطلقات والمساحات، مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، قم المقدسة، 1396 ش. 28. الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، الدار الشامية، بيروت‏، الطبعة الأولى، 1412 هـ. 29. الرازي، أبو القاسم الخزاز، كفاية الأثر، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، 1401 هـ. 30. السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، موسسة الإمام الصادق، قم المقدّسة، الطبعة الخامسة، 1423 هـ. 31. الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، هجرت، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 32. الشيرازي، صدر الدين، الحكمة المتعالية، دار إحياء التراث العربي‌، بيروت، الطبعة الثانية،‌ 1981 م‌. 33. الصدر، محمد باقر، فلسفتنا، دار المعارف للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثالثة، 2009 م. 34. الصفار، محمد بن حسن، بصائر الدرجات، مكتبة آية الله المرعشي، قم‏ المقدّسة، 1404 هـ. 35. الطباطبائي، محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن‏، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات‏، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 هـ. 36. العاملي، محمد بن مكي، ذكرى الشيعة، مؤسسة آل البيت ، قم، 1419 هـ.‌ 37. العجلوني، إسماعيل بن محمد، كشف الخفا، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1932 م. 38. الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، مطبعة العاني، بغداد، 1967 م. 39. الفيروز آبادي، مجد الدين، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع. 40. الميانجي، محمدباقر، ‌توحيد الإمامية، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، طهران، 1373 ش‌. 41. القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل، دار الكتب العلمية، 2009 م. 42. الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، دار الحديث‏، قم‏ المقدّسة، 1429 هـ. 43. المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1382 هـ. 44. المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، الطبعة الأولى، 1368 ش‌. 45. مصباح يزدي، محمدتقي، دروس في العقيدة الإسلامية، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع، قمّ المقدّسة، الطبعة الثانية، 1421 هـ. 46. المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، مهرجان الشيخ المفيد، قم المقدّسة، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 47. المجلسي، محمدباقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي‏، بيروت‏، 1403 هـ.