نظرية الدفاع في الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الوضعي (كتاب)
أحد الحلول التي اقترحها ابن أبي الحديد المدائني المعتزلي المتوفّى سنة 656 ه للتقريب، يقول ابن أبي الحديد: بأنّ علينا أن نعمل بمقتضى قول الرسول صلى الله عليه و آله بشأن الإمام علي عليه السلام: «==علي مع الحقّ، والحقّ مع علي، يدور معه حيثما دار»==. وهذا يعني أنّ الإمام عليّاً هو الميزان، وعلينا أن نرضى بما رضي، ونرفض ما رفض، وقد رضي - وذلك بسبب الحوادث التي جرت عليه - بخلافة الخلفاء الذين تقدّموا عليه، ولذا لا ننازع أنصارهم، فالخلفاء حكموا المسلمين، وعلي قام بمهمّات الإمامة.
هذا هو رأي ابن أبي الحديد الذي يصفه أحمد أمين بأنّه يمثّل نوعاً من «التشيّع المعتدل»، وهو في الواقع يعبّر عن محاولة للجمع بين المذهبين، أي: أنّه يؤيّد إمامة علي عليه السلام وخلافة الخلفاء التي يعتقد بأنّ الإمام علي عليه السلام أقرّها.
ويمكن نقد هذه النظرية: بأنّ الشيعة توافق على الشطر الأوّل من النظرية، وهو أنّ عليّاً هو ميزان معرفة الحقّ وأنّ أتباعه على الحقّ، بل يذهب ابن أبي الحديد إلى أنّ من حارب علياً كافر ومعذّب في النار، إلّامن ثبت أنّه تاب فيما بعد، ثمّ يذكر أسماء التائبين من محاربيه. ولكن نظرية ابن أبي الحديد تحلّ البعد السياسي للمشكلة، أي: أنّه هو المرجع في الشأن السياسي، فنحن راضون بما رضي، ولكن تبقى المرجعية العلمية، فالمسلمون بحاجة إلى مَن يرجعون إليه بعد النبي صلى الله عليه و آله لتلبية احتياجاتهم العلمية في الشؤون العقيدية
والفقهية والأخلاقية وتهذيب النفس والطرق السلوكية بحسب الاصطلاح الرائج، فهل يوافق ابن أبي الحديد على القول بأنّ الإمام عليّاً والأئمّة من ولده عليهم السلام هم المرجع في أخذ الفقه والسلوك الأخلاقي (الشريعة والطريقة) وفي الكلام (العقائد)؟ إذا قال بذلك فهو لا يرى الخلفاء غاصبين للخلافة؛ لأنّه يعتقد بأنّ عليّاً رضي بخلافتهم، فهي مشروعة. ولكن ابن أبي الحديد لم يكن تابعاً لأهل البيت عليهم السلام في المسائل العلمية الفقهية والكلامية والسلوكيات الأخلاقية. صحيح أنّه يصرّح بقبوله بما ورد في «نهج البلاغة»، لكنّه يعرض جملةً من التأويلات المخالفة لظاهر ما ورد فيه من نقد وجّهه الإمام علي للخلفاء في بعض خطب «نهج البلاغة»، فهل يمكن - والحال هذه - القول بأنّه ملتزم بالفقه الشيعي؟ الظاهر هو الجواب بالنفي.