مهمّة لصحوة ووحدة الأُمّة (كتاب)
الأساليب اللازم اتّباعها في تحقّق التقريب على المستوى العملي، والتي منها:
1 - ترشيد الخطاب الديني.
للخطاب الديني أُصول وقواعد سواء في المساجد أو خارجها، وهو خطاب من المفترض أن يكون دعوة للإيمان والعمل الصالح والتواصل بين المسلمين على أيّ مذهب كانوا، ممّا يضع أرضية صالحة للتقارب، (اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (سورة النحل: 125). وأمّا إذا انقلب الخطاب الديني إلى تهم وتشويه للحقائق ولمز للأئمّة ومذاهب الآخرين فهذا من شأنه أن يلحق الضرر بجميع الأطراف ويقود البعض لا شعورياً إلى التعصّب المذهبي الأعمى، ممّا يتنافى مع متطلّبات التفاهم والتقارب.
2 - نبذ العنف.
إنّ من السيّئ أن يلجأ إلى العنف باسم الدين مناصرة للمذهب، ومازالت هذه العقلية قائمة إلى اليوم، وقد ساءت هذه التصرّفات اللامسؤولة إلى صورة الإسلام الذي هو دين
رحمة وبرّ وسلام ومظلّته تغطّي كلّ المذاهب، ولا يمكن أن يحصل التقارب ما لم ينتف العنف بجميع مظاهره؛ لأنّ العنف يجلب العنف المضادّ ويدخل المجتمعات في دوّامة مظلمة.
3 - المشاركة في الحياة العامّة.
المعروف تمكين الأقلّيات المذهبية إن صحّ التعبير داخل المجتمع من المشاركة في الحياة العامّة وفي جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا يقتضي من المجتمع أن يوفّر الظروف الملائمة لهذه المشاركة. وبذلك لا يهمّش أحد بسبب انتمائه المذهبي، وتتاح الفرصة لكلّ مواطن مسلم أيّاً كان انتماؤه المذهبي لكي يجد موقعه في الحياة العامّة بعيداً عن الحسّاسيات المذهبية.
4 - تفعيل دور المؤسّسات الإعلامية.
لوسائل الإعلام دور متنام في تكوين الرأي العامّ وتوجيهه، وعلى وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أن تقوم بمهمّتها في هذا المجال؛ لتسهم في إنشاء رأي عامّ متسامح يميل إلى التقارب والمسالمة وينبذ نعرات التعصّب. وإنّ الضرر الأكبر إذا قدّمت مادّة إعلامية تشوّه بعض الأطراف، وفي أغلب الحالات تتعذّر بالتالي إمكانية التصحيح أو الردّ الموضوعي والأخوي. وهذا يؤثّر تأثيراً سلبياً، ويولّد في النفوس المرارة والكبت.
5 - التربية الأُسرية.
تقوم المرجعية التربوية بدور كبير في مجال التقريب، ففي إمكانها المساهمة الفعّالة في إزالة الصور المشوّهة عن الأطراف الأُخرى، وتهيئة أرضية صالحة للحوار. وأوّل هذه المرجعيات الأُسرة باعتبارها أُولى خلايا الاتّصال بين الفرد والمجتمع؛ إذ تستمدّ من المجتمع المبادئ والمفاهيم الإيجابية والسلبية، وتنقلها إلى أبنائها الذين يتلقّونها بحذافيرها وبدون تصفية.
6 - تفعيل دور المؤسّسة التعليمية.
يجب أن تدخل فكرة الحوار والتقارب في صميم المشروع التربوي لجميع الأطراف؛
ليصبح واقعاً ملموساً في البرامج المدرسية والجامعية، ودعوات التقريب والحوار لن تخرج عن دائرة الأماني ما لم تتجسّم في رؤية واضحة المعالم تقدّمها لطلبتنا على المقاعد الدراسية بواسطة البرامج التربوية والكتب المدرسية والمراجع الجامعية، والتشجيع على تبادل الكتب والمجلّات، وتكثيف الزيارات المتبادلة بين أساتذة الجامعات، مع مواصلة إقامة الملتقيات والمؤتمرات التي تهتمّ بالتقريب بين المذاهب الإسلامية.
والجدير بالملاحظة أنّ منهجية التقريب بين المذاهب لا يمكن أن تنجح وتقطف ثمارها المرجوة إلّاإذا وقع التركيز على أمرين: المعرفة الصحيحة، والإرادة الصحيحة.. المعرفة باعتبارها ركناً أساسياً لأدب الخلاف والتواصل الإيجابي مع بقية المذاهب الأُخرى، والإرادة باعتبارها شرطاً لتفعيل ما يتبنّاه دعاة التقريب من مبادئ وتجسيمها في الواقع الملموس، وممّا لا ريب فيه أنّ الارتقاء بالحوار وسياسة التقريب إلى مستوى الفعل والتأثير في الواقع المعايش ليس أمراً هيّناً، وعلى العلماء والفضلاء تحمّل مسؤولياتهم إزاء قضايا الأُمّة وتقوية أواصر التضامن الروحي والمادّي بين شعوبها؛ حتّى يشعر كلّ مسلم بهموم أخيه المسلم وبآماله وطموحاته؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أراد أن نكون أُمّة واحدة وأن نعبده جميعاً مخلصين له الدين متراحمين متآخين فيما بيننا: (وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اَللّهُ إِنَّ اَللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة التوبة: 72).