عيون الأدلّة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار (کتاب)
علل وأسباب نشوء ظاهرة الصحوة، ويمكن أن تتصوّر فيما يلي :
أوّلاً :
طاقات الإسلام الذاتية التي لا تفتأ تمدّ المسلمين بدوافع التغيير، وتشدّد على الحفاظ على الهوية الحضارية بعد أن أعطتها معالمها الشاملة، بل وتدفع دائماً على الحفاظ على التفوّق أو استعادته إذا فقد.
ثانياً :
اشتداد الحملة الأُوربيّة على العالم الإسلامي بحيث استباح الغرب كلّ الثروات، واستعمر معظم البلاد، واعتدى على الهوية الثقافية، بل راح يهاجم المكوّنات العقائدية والأخلاقية، وينشر الرذائل، ويمزّق النسيج الاجتماعي من خلال عملائه الحقيقيّين أو الثقافيّين، ويزرع الكيان الصهيوني الغاصب في قلب العالم الإسلامي.
ولا ريب أنّ حملة من هذا القبيل سوف تواجه بردّ فعلٍ قوي من أُمّة يبقى الإسلام فيها حيّاً رغم عمليات القضاء عليه.
ثالثاً :
فشل كلّ الحلول والأُطروحات البديلة للمقاومة والتغيير ؛ لأنّها كانت تحمل في داخلها عناصر فشلها. لقد فشلت الأُطروحة القومية الضيّقة رغم التطبيل والتزمير، ورغم نزولها المبكّر إلى الساحة وتحقيقها الكثير من الأهداف الغربية ومسحها الكثير من السمات الإسلامية في تركيا وغيرها، ذلك لأنّها لا تنسجم مع الطبيعة الإسلامية التي تتجاوز القوميات. كما فشلت الاشتراكية ؛ لأنّها اعتمدت على أُسس إلحادية رغم تمتّعها ببعض الشعارات المنسجمة مع بعض التعاليم الإسلامية كالعدالة الاجتماعية والدفاع عن المحرومين ومعاداة الاستعمار. وفشل الشكل التركيبي (الاشتراكي القومي) أيضاً ؛ لأنّه تركيب وهمي لا ينسجم مع الحسّ الإسلامي، ولايعبّر عن أيّة إضافة معرفية.
رابعاً :
ظهور شخصيات توعوية كبرى كان لها الأثر المتفاوت في إيجاد هذه الصحوة أو مقدّماتها أو ترشيدها أو إعطائها طاقات حماسية وفكرية أو منحها الثقة بنفسها والأمل الواعد بمستقبلها الحتمي، إضافة للوعود الإلهية الحتمية بانتصار المؤمنين والمستضعفين وحلول العدل الشامل وظهور المصلح المنتظر عليه السلام.
خامساً :
دور التطوّرات والحوادث الكبرى في إذكاء هذه الصحوة، من قبيل :
1- تنامي مستوى وسائل الاتّصال والحركة المعلوماتية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
2- ارتفاع مستوى التعليم الإسلامي.
3- تطوّر أساليب الدعوة إلى الإسلام.
4- توفّر بعض أجواء الحرّية في العالم الإسلامي.
5- اشتداد حركة مقارعة الاستعمار.
6- قيام المؤسّسات الدولية الإنسانية المدافعة عن حقوق الإنسان والداعية لتنظيم العلاقات الدولية على أُسس إنسانية.
7- حدوث بعض الحوادث المروّعة كإحراق المسجد الأقصى أو هزيمة عام 1967 م.
8- انتصار الثورة الإسلامية الكبرى في إيران، وانتصار المجاهدين الأفغان على الاتّحاد السوفيتي السابق.
9- انهيار الاتّحاد السوفيتي، وتحرّر الدول الإسلامية.
وغير ذلك من التطوّرات التي ساهمت في اتّساع الصحوة الإسلامية، ونشر مفاهيمها ودعوتها في رفض التخلّف والتمزّق والعلمنة، والعودة إلى الحلّ الإسلامي الذي لا بديل له.