عناصر الحوار
علّال (أو محمّد علّال) بن عبدالواحد بن عبدالسلام بن علّال بن عبداللّه بن المجذوب الفاسي الفهري : مفكّر إسلامي مغربي كبير، ومن دُعاة الوحدة.
ولد سنة 1908 م في فاس، وتعلّم بالقرويّين، وشارك في إنشاء مدرسة تخرّج بها بعض طلائع اليقظة المغربية الأُولى، وعارض سلطات الاستعمار الفرنسية حين أرادت منح جماعة من الفلّاحين الفرنسيّين ماء مدينة فاس سنة 1928 م وحين أصدرت الظهير البربري سنة 1930 م، وهاج معه أهل المغرب، فاعتقلته السلطة وضربته ونفته إلى بلدة «تازة»، وعاد بعد سنة إلى فاس، فمنعته من التدريس.
أسّس أوّل نقابة للعمّال سنة 1936 م، وعمل في إنشاء «كتلة العمل الوطني» السرّية التي ظهرت عام 1937 م باسم «الحزب الوطني»، وأُبعد إلى الغابون منفياً لمدّة أربع سنوات، ونُقل إلى الكونغو لمدّة خمس سنوات، وأُطلق سنة 1946 م، فأنشأ «حزب الاستقلال»، وسافر إلى فرنسا فالقاهرة، وتنقّل في بعض العواصم، وعاد إلى بلاده سنة
1949 م، فمنعه الفرنسيّون من دخولها، فأقام بطنجة ودعا إلى الثورة بعد إبعاد محمّد الخامس (ملك المغرب) سنة 1953 م، وانفرد بزعامة الحزب بعد الاستقلال، وتولّى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية مدّة، ثمّ انصرف إلى المعارضة في مجلس النوّاب، ودرّس في كلّية الحقوق.
أُصيب بأزمة قلبية في «بوخارست» وهو يزور رومانيا، فتوفّي بها سنة 1974 م، ونقل جسده إلى الرباط، فدُفن بها.
من كتبه : هنا القاهرة، النقد الذاتي، المغرب العربي منذ الحرب العالمية الأُولى، دفاع عن الشريعة، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، الحماية الإسبانية في المغرب من الوجهة التاريخية والقانونية، التقريب شرح مدوّنة الأحوال الشخصية.
قال الفاسي في مجال الوحدة : «السير نحو الوحدة الإسلامية متوقّف قبل كلّ شيء على تصحيح الأوضاع فيما يرجع للعقيدة الإسلامية، وفيما يرجع للتوحيد الإسلامي وتطهير عقيدة المسلمين ودعوة المسلمين قاطبة إلى أن يخلصوا إيمانهم باللّه وأن لا يشركوا معه أحداً. وهذه العقيدة المؤمنة الخالصة هي التي سترفع عنهم كلّ عبودية إلّاعبودية اللّه عزّ وجلّ، وهي التي ستمنحهم الحرّية الكاملة، حيث إنّهم لا يستطيعون أن يخضعوا لإله مصطنع ولا لرئيس من الرؤساء، ولا يتّخذون من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه، ولا رؤساء يطيعونهم طاعة اللّه، ولا ملوكاً وزعماء وقادة ينفّذون ما يريدونه، ولو كان ضدّ الدين وضدّ مصلحة المسلمين. هذا الإيمان الحقّ، هذا التوحيد الخالص ضروري، ولا يمكن أبداً أن تتحقّق حرّية المسلمين في نفوسهم وفي مجتمعهم إلّاإذا حقّقوا هذا التوحيد الخالص. هذا ما يرجع باختصار إلى وحدة الأُلوهية.
أمّا النقطة الثانية فهي التي ترجع إلى وحدة الربوبية. فوحدة الربوبية تستوجب منّا أن لا نشرّع ولا نخضع لمشرّع في أُصول الدين وفي أُصول الشريعة إلّاللّهعزّ وجلّ، إلّا لخطابات اللّه عزّ وجلّ، إلّالكتاب اللّه وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله وأُصول الاجتهاد التي تعتبر بمثابة تلك الخطابات عند العلماء المجتهدين.
فلا بدّ للوصول إلى هذه الوحدة الإسلامية من العمل على بعث الشريعة الإسلامية، والعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، وإلغاء القوانين الأجنبية التي تسرّبت إلى العالم الإسلامي. فالفرقة التي وقعت للمسلمين لم تقع في صميم قلوب المسلمين، وإنّما وقعت في هذه الأشياء التي ثرنا عليها، بسبب جهلنا، وبسبب اقتدائنا بالغرب، وبسبب تأثّرنا بالمستعمرين، وبسبب الاستعمار الفكري الذي أصاب نفوسنا وعقولنا وقلوبنا. ولا يمكننا أن نتحرّر من سيطرة الأجنبي إلّاإذا تحرّرنا من هذه السيطرة الفكرية والعقلية. فلا يمكن لبلاد المسلمين أن تبقى تحكم نفسها بمقتضى شرائع ما أنزل اللّه بها من سلطان، بمقتضى قوانين وضعها الأجانب لبلادهم، وقد يكون فيها شيء من الخير، وقد يكون فيها شيء من العدل، ولكنّها مادامت لا تنطبق على أُصول الشريعة الإسلامية وعلى قواعدها، وما دمنا لا نحكم بها على أنّها شريعة إسلامية إلّاونحن مذنبون خارجون عن واجب المسلمين، ولا يمكن للجماعة الإسلامية في الأرض أن تتّحد اتّحاداً كاملاً إلّاإذا وحّدت شرائعها، إلّاإذا ألغت هذه التشريعات الأجنبية مهما كان أمرها، ثمّ عادت فنظرت في أمرها، وأحيت الفقه الإسلامي وتدارسته وتعلّمته، والمواطنة الإسلامية تضامن بين جميع المسلمين، «فالمسلم للمسلم كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» كما في الحديث الشريف. وقد قال صلى الله عليه و آله : «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»، فالمسلمون يد واحدة وأُمّة واحدة وجماعة واحدة، والعمل الذي يقوم به كلّ فرد منهم إنّما هو جارحة من جوارح الأُمّة بأجمعها، عضو من أعضاء الأُمّة يقوم ببعض أعمال الأُمّة، وفي الحقيقة الأُمّة هي التي تقوم بذلك، فنحن أُمّة واحدة وكتلة متّحدة : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء : 92)، (وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (سورة المؤمنون : 52). إذاً الأُمم الإسلامية كلّها - إذا صحّ أن نسمّيها أُمماً أو أن نطلق عليها شعوباً كما يعبّرون اليوم - إنّما هي في الحقيقة شعب واحد، هو الشعب المسلم من أرض الصين إلى جنوب أفريقيا».