دعاة الإصلاح
الإصلاح ( Reform ) لغة : ضدّ الإفساد ، وهو من الصلاح المقابل للفساد وللسيّئة (1).
(1) راجع : المصباح المنير ص345 ،القاموس المحيط ج1 ،ص243 .
وفي القرآن الكريم : ( خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) ( سورة التوبة : 102 ) ، ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) ( سورة الأعراف : 56 ) .
فالإصلاح هو : التغيير إلى الأفضل ، والحركات الإصلاحية هي : الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني .
والإصلاح : تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها .
والإصلاح الإسلامي : إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه . ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي حثيث وبذل للجهود ، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد ، على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري .
ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله ، وإنّما من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير ، فكلاهما إسلامي ، يعني التغيير الشامل والعميق ، لكنّ الثورة تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير ، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيراً ما تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع ، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد .
ولذلك وصفت رسالات الرسل ( عليهم الصلاة والسلام ) بأنّها دعوات إصلاح ، فيقول رسول الله شعيب (عليه السلام) : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) ( سورة هود : 88 ) .
ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو : المزيل للفساد والعداوة ، والآتي بما هو صالح ونافع ، والمسالم والمصافي ، والمستقيم المؤدّي لواجباته .
وهذا هو ديدن المصلحين في الأُمّة الإسلامية ، إلاّ أنّه قلّ أن تجد مصلحاً أو مرشداً إلاّ لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً ، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً ، وليست هذه السنّة ـ أي : سنّة الاضطهاد والشقاء ـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه ، بل هي مطّردة في جميع المجاهدين لإصلاح البشرية، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة ، ويكافحون شرور الطغيان ، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة انتسبوا .
يقول الدكتور محمّد عمارة : « والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال: نجد الحركة الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية: القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الصحيحة ، ومناهج السلف الصالح » .