الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مالك بن الحارث بن عبد يغوث»

|مالك بن الحارث بن عبد يغوث (الأشتر) <ref> كتاب التاريخ الكبير 7: 311، قاموس الرجال 8: 643، تهذيب التهذيب 10: 10، الأنساب 5: 476.</ref>

|النَخَعي <ref> الجرح والتعديل 8: 207، تهذيب الكمال 27: 126، مستدركات علم رجال الحديث 6: 331، رجال ابن داود: 157.</ref>.

|الأَشْتَر <ref> الطبقات الكبرى‏ 6: 213، سير أعلام النبلاء 4: 34، الفتوح 3: 212، جامع الرواة 2: 37، البدء والتاريخ 5: 203، رجال الطوسي: 58.</ref>.

|الثانية (من المخضرمين) <ref> تقريب التهذيب 2: 224.</ref>.

'''مالك بن الحارث بن عبد يغوث''' كان من خُلَّص أصحاب الإمام علي عليه السلام ومن جند الإسلام الشجعان، وقد قال بشأنه علي عليه السلام لأهل مصر: «آثرتكم به على‏ نفسي؛ لنصحه لكم، وشدة شكيمته على‏ عدوّكم» <ref> تاريخ الطبري 5: 96، الاختصاص: 81.</ref>. وكان رئيس قومه «نَخَع»، وهي قبيلة من العرب نزلت الكوفة، ومنها انتشر ذكرهم، والنَخَع هو [[جَسر بن عمرو بن علة]]، سمِّي النَخَع لأنّه ذهب عن قومه، والنَخَع فرع من مُذحج <ref> الأنساب 5: 473، الطبقات الكبرى 6: 213.</ref>.

أدرك مالك الجاهلية وكان في اليمن، ثم انتقلت قبيلته إلى‏ المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بقليل وأسلمت <ref> تهذيب الكمال 27: 126.</ref>. وقد عدّه البرقي من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام من أهل اليمن <ref> رجال البرقي: 6.</ref>.

وكانت له مواقف في معارك المسلمين، ففي [[معركة اليرموك]] سنة 13 أو 15 ه <ref> أنظر: تاريخ الطبري 3: 394، تاريخ خليفة: 88.</ref> حيث واجه المسلمون مائة ألف من جنود الروم، وتقدّم الأشتر إلى‏ جماعة من الروم وهو في رجال من المسلمين، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم فمضى‏ إليه حتّى‏ وقف عليه، فاستوى‏ هو والرومي على‏ صخرة مستوية، فاضطربا بسيفيهما، فأطرّ الأشتر كفّ الرومي، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضرّه، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فوقعا على‏ الصخرة ثم انحدرا... فلمّا استقرّ مالك وثب على‏ الرومي فقتله... فلمّا رأت الروم صاحبهم قد قُتل خلّوا الثنية وانهزموا <ref> مختصر تاريخ دمشق 24: 18، وانظر تاريخ الطبري 3: 401.</ref>. وفي هذه المعركة فُقئت عينه، ولذا سمِّي بالأشتر <ref> سير أعلام النبلاء 4: 34، المعارف: 586، تاج العروس 7: 6.</ref>. كما كانت له مواقف في فتوح الشام <ref> الإصابة 6: 162 رقم 8335.</ref>. وسكن الأشتر الكوفة التي فُتحت سنة 15 أو 17 ه <ref> معجم البلدان 4: 491، تاريخ الطبري 3: 598.</ref>.

وكان مالك ممّن شخص مع الوليد إلى‏ المدينة بعدما استدعاه الخليفة عثمان، وكان حاضراً عند إقامة الحدّ على‏ الوليد <ref> تاريخ الطبري 4: 279.</ref>. ثم عاد مالك مع والي الكوفة الجديد [[سعيد بن العاص]]، وبسبب مواقف هذا الوالي الجديد أدّى‏ إلى‏ اعتراض كبار الناس عليه، وخاصةً لمّا اعتبر أرض العراق بستاناً لقريش! <ref> مروج الذهب 2: 337، أنساب الأشراف 6: 152.</ref>.

وإثر الرسالة التي بعثها والي الكوفة إلى الخليفة فقد نفي مالك إلى‏ الشام، إلّا أنّ معارضة مالك وأنصاره لمعاوية قد عقّدت الأُمور على‏ حاكم الشام، فشكاهم معاوية بدوره إلى‏ الخليفة، وأخيراً عاد مالك الأشتر إلى‏ الكوفة <ref> تاريخ الطبري 4: 319 - 325، أنساب الأشراف 6: 157.</ref>.

وفي تلك الأيام، وبحدود سنة 32 ه، توفِّي [[أبوذر الغفاري]] منفياً في الربذة، وعندما كان مالك الأشتر وعدد من الصحابة؛ كعبد اللَّه بن مسعود و [[حذيفة بن اليمان]] في سفرٍ لهم من الكوفة إلى‏ المدينة التقوا «اُمّ ذر» فأخبرتهم بموت أبي ذر، فجاءوا إليه وغسّلوه وكفّنوه، وصلّوا عليه ودفنوه هناك <ref> تاريخ اليعقوبي 2: 173، الاستيعاب 1: 253.</ref>.

قوله ‏عليه السلام لمّا وصل خبر موت مالك إليه: «إنّاللَّه وإنّا إليه راجعون، للَّه مالك! وما مالك؟! وهل موجود مثل مالك؟! لو كان من جبل كان فنداً، ولو كان من حجر لكان صلداً، وعلى‏ مثل مالك فلتبكِ البواكي» <ref> مختصر تاريخ دمشق 24: 24، وانظر: تاريخ اليعقوبي 2: 194، سير أعلام النبلاء 4: 34، رجال الكشّي: رقم (118).</ref>. وقوله عليه السلام أيضاً: «لقد كان لي كما كنت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله» <ref> خلاصة الاقوال: 276، 277.</ref>. وقوله أيضاً وهو يخاطبه: «وأنت من آمن أصحابي، وأوثقهم في نفسي، وأنصحهم وارآهم عندي» <ref> الغارات 1: 73.</ref>.

وما جاء أيضاً في رسالة عهده‏ عليه السلام إلى المصريّين وهو يمتدحه قائلاً: «بعثت إليكم عبداً من عباداللَّه، لاينام أيامَ الخوف، ولاينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على‏ الفجّار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج... سيف من سيوف اللَّه،... فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لايقدم ولايحجم، ولايؤخّر ولايقدّم إلّا عن أمري» <ref> المصدر السابق: 260، تاريخ اليعقوبي 2: 194، أمالي المفيد: 81، تاريخ الطبري 5: 96، الاختصاص: 80، نهج البلاغة: رسالة رقم (38)، مصادر نهج البلاغة 3: 334.</ref>.

وكان مالك من الجماعة الذين كانوا بالمدينة وأطبقوا على‏ الرضا بأميرالمؤمنين علي عليه السلام، فبايعوه على‏ حرب من حارب وسلم من سالم، وأن لايولّوا في نصرته الأدبار، فحضروا معه في مشاهده كلّها <ref> الجمل: 108، 109.</ref>.

وبعد البيعة قدم مالك الكوفة بأمر الإمام عليه السلام، ليدعو أهلها إلى‏ نصرة الإمام علي عليه السلام ضد أصحاب الجمل، وقد خطب فيهم، فممّا قال: «.... وقد جاءكم اللَّه بأعظم الناس مكاناً في الدين، وأعظمهم حرمةً، وأصوبهم في الإسلام سهماً، ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وأفقه الناس في الدين، وأقرأهم لكتاب اللَّه، وأشجعهم عند اللقاء يوم البأس» <ref> المصدر السابق: 254 - 255، تاريخ الطبري 4: 486.</ref>.

وكانت له مواقف مشهودة في الحروب التي خاضها مع أميرالمؤمنين عليه السلام، ففي حرب الجمل كانت له صولات على‏ رموز الناكثين <ref> الجمل: 350، مختصر تاريخ دمشق 24: 19.</ref>، وفي معركة صفّين كان أشبه بكابوسٍ على‏ جيش معاوية، وكان قائد المذحجيّين حيث تقدّم في صفّين وأوصل الأمر إلى‏ الانتصار المحتوم، إلّا أنّ الجماعة الذين خُدعوا برفع المصاحف على‏ الرماح منعته من هذا العمل، وتعجّب منهم مالك واضطرّ أخيراً إلى‏ الانسحاب طاعةً لأمر أمير المؤمنين‏ عليه السلام <ref> مختصر تاريخ دمشق 24: 21، وقعة صفّين: 174، 175، 490.</ref>.

وبعد معركة صفّين نصبه الإمام علي عليه السلام حاكماً على‏ ناحية الجزيرة، ثم نصبه حاكماً على‏ مصر <ref> أنظر: الغارات 1: 257، 268، أمالي المفيد: 80. وذكر خليفة بن خياط: أنّه بعد شهادة مالك ولّى‏ علي‏ عليه السلام محمد ابن أبي بكر، فسار إليه عمرو بن العاص، فاقتتلوا حتّى‏ قُتل محمد (تاريخ خليفة: 144).</ref>، حيث ورد في رواية أنّه بعد أن بلغ علياً توثّب أهل مصر عليه، قال: «ما لمصر إلّا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلناه عنها بالأمس - يعني قيس بن سعد - أو مالك بن الحارث». وكان علي‏عليه السلام حين رجع عن صفّين قد ردّ الأشتر إلى‏ عمله بالجزيرة... فلمّا انقضى‏ أمر الحكومة كتب علي إلى‏ مالك وهو يومئذٍ بنصيبين <ref> الغارات 1: 256، النجوم الزاهرة 1: 103. وانظر: تاريخ اليعقوبي 2: 194.</ref>.

ونظراً لما تقدّم يتبيّن عدم صحّة ما روي من أنّ الإمام علي غضب عليه وقلاه واستثقله، فكلّمه فيه [[عبداللَّه بن جعفر]] إلى‏ أن بعثه إلى‏ مصر، وأنّه قال: إن ظفر فذاك، وإلّا استرحت منه! <ref> تهذيب الكمال 27: 128.</ref>.

ويتّضح الأمر أكثر من هذا لو لاحظنا شهادة النبي صلى الله عليه وآله لمالك الأشتر بأنّه مؤمن<ref> معجم رجال الحديث 15: 170.</ref>. وكذلك قول الإمام الصادق‏ عليه السلام فيه حيث قال: «يُخرِج القائم ‏عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى ‏عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، و [[يوشع بن نون]]، وسلمان وأبا دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً» <ref> إرشاد المفيد 2: 386.</ref>.

لم يضعّفه أحد من رجاليي الشيعة وأهل السنّة، بل شهد الجميع بعظمته وجلالته <ref> تهذيب التهذيب 10: 10، 11، معجم رجال الحديث 15: 170، تنقيح المقال 2: 49، تاريخ أسماء الثقات: 417، كتاب الثقات 5: 389.</ref>.

=من روى‏ عنهم ومن رووا عنه <ref> تهذيب الكمال 27: 126، 127.</ref>=

روى‏ مالك عن خالد بن الوليد: أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال له: «يا خالد، لا تسبّ عمّاراً، فإنّه من سبّ عمّاراً يسبّه اللَّه، ومن ينتقص عمّاراً ينتقصه اللَّه، ومن سفّه عمّاراً يسفهه اللَّه» <ref> المسند الجامع 5: 303 ح 3585 نقلاً عن فضائل الصحابة للنسائي، رجال الكشّي: الرقم (69).</ref>.

وروى‏ عن أُم ذر أنّها قالت: لمّا حضرت أبا ذر الوفاة بكيتُ، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاةٍ من الأرض، وليس عندي ثوب يَسَعك كفناً لي ولا لك؟ ولايد لي للقيام بجهازك، قال: فابشري ولا تبكي، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول لنفرٍ أنا فيهم: «ليموتنّ رجل منكم بفلاةٍ من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين» وليس من أولئك النفر أحد إلّا وقد مات في قريةٍ وجماعة، فأنا ذلك الرجل، واللَّه ما كَذبت ولا كُذبت، فابصري الطريق <ref> الاستيعاب 1: 253 - 254.</ref>. وكذلك كان، حيث إنّ مالكاً وجماعة حضروا جنازته وجهّزوه <ref> المصدر السابق: 253، وانظر: رجال الكشّي: الرقم (118).</ref>.

مات مالك في منطقة [[القلزم]] حيث سُمَّ بأمر [[معاوية]] سنة 38 ه<ref> تاريخ خليفة: 144، تاريخ الطبري 5: 96، مختصر تاريخ دمشق 24: 24، تاريخ اليعقوبي 2: 194. و«القلزم» بينها وبين مصر ثلاثة أيام، وهي مبنية على‏ شفير البحر، وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء... واليوم هي خراب يباب (معجم البلدان 4: 387، 388).</ref>. وكان علي ‏عليه السلام قد دعا لنفسه ولمالك في آخر عهده له بالشهادة <ref> نهج البلاغة: الرسالة رقم (53).</ref>. وقد سرَّ معاوية كثيراً لموته واستبشر به!<ref> أنظر: أمالي المفيد: 83، الغارات 1: 259، أنساب الأشراف 3: 168، الأنساب 5: 476، اللباب في تهذيب الأنساب 3: 304، مختصر تاريخ دمشق 24: 24، تاريخ الإسلام 3: 593.</ref>.