الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التعددية الاعلامية في العراق بعد سقوط النظام البعثي»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''التعددية الاعلامية في العراق بعد سقوط النظام البعثي''' تتناول هذه المقالة موضوع الصحافة والاعلام في العراق بعد سنة 2003 م،وتكشف عن قضية التعددية الاعلامية وتداعياتها على الواقع العراقي.
'''التعددية الاعلامية في العراق بعد سقوط النظام البعثي''' تتناول هذه المقالة موضوع الصحافة والاعلام في [[العراق]] بعد سنة 2003 م،وتكشف عن قضية التعددية الاعلامية وتداعياتها على الواقع العراقي.


[[ملف:الاعلام في العراق.png|تصغير|صورة نمطية]]
[[ملف:الاعلام في العراق.png|تصغير|صورة نمطية]]
سطر ٥: سطر ٥:
=مدخل عام=
=مدخل عام=


يكتسب موضوع التعددية الإعلامية في العراق بعد سنة 2003 أهمية خاصة من أوجه عدة، فبقدر حجم المتغير السياسي وتداعياته الداخلية اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا باتجاه تغيير أنماط الحياة العراقية المكونة أصلًا من [[تركيبة إثنية]] وقومية ومذهبية مختلفة، حاولت الاستفادة من هذا المتغير إعلاميًا في التأكيد على هوياتها الخاصة كمكون ضمن النسيج الاجتماعي العراقي فالعرب الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيون والأزديون والشبك والصابئة المندائيون، كلٌ يريد الظفر بمكتسب ما, وهى فرصة تاريخية لتأصيل وتثبيت هوياتهم الثقافية أو القومية وعلى حساب تفتيت هوية المواطنة ضمن الوحدة الوطنية للمجتمع العراقي حتى وإن كانت هويات ثانوية طائفية.
يكتسب موضوع التعددية الإعلامية في العراق بعد سنة 2003 أهمية خاصة من أوجه عدة، فبقدر حجم المتغير السياسي وتداعياته الداخلية اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا باتجاه تغيير أنماط الحياة العراقية المكونة أصلًا من [[تركيبة إثنية]] وقومية ومذهبية مختلفة، حاولت الاستفادة من هذا المتغير إعلاميًا في التأكيد على هوياتها الخاصة كمكون ضمن النسيج الاجتماعي العراقي فالعرب [[الشيعة]] و[[السنة]] والأكراد والمسيحيون والأيزديون و[[الشبك]] و[[الصابئة المندائيون]]، كلٌ يريد الظفر بمكتسب ما, وهي فرصة تاريخية لتأصيل وتثبيت هوياتهم الثقافية أو القومية وعلى حساب تفتيت هوية المواطنة ضمن الوحدة الوطنية للمجتمع العراقي حتى وإن كانت هويات ثانوية طائفية.


من جانب آخر تكتسب التعددية الإعلامية أهميتها من حجم المتغير السياسي وتداعياته الإقليمية حيث وجد 150 ألف جندي أمريكي في قلب [[الوطن العربي]] وإن لم يكن بسابقة تاريخية، فوجود الأجنبي (الأمريكي) منذ عام 1990 في الكويت وقبلها قواعده العسكرية في السعودية وقطر والإمارات، ولكن المهم هنا استهداف العراق لمواقفه من الوجود الصهيوني (الإسرائيلي في فلسطين) وإن اختلفت المواقف العربية إزاء ذلك.
من جانب آخر تكتسب التعددية الإعلامية أهميتها من حجم المتغير السياسي وتداعياته الإقليمية حيث وجد 150 ألف جندي أمريكي في قلب [[الوطن العربي]] وإن لم يكن بسابقة تاريخية، فوجود الأجنبي (الأمريكي) منذ عام 1990 في [[الكويت]] وقبلها قواعده العسكرية في [[السعودية]] و[[قطر]] و[[الإمارات]]، ولكن المهم هنا استهداف العراق لمواقفه من الوجود الصهيوني (الإسرائيلي في [[فلسطين]]) وإن اختلفت المواقف العربية إزاء ذلك.


وهناك بعد آخر، وهو البعد الدولي حيث وجود هذه الكثافة للقوات الأمريكية وما يمكن أن يشكل من ثقل دولي حيث القرب من منابع النفط والقرب من إيران العدو الإستراتيجي لامريكا، ثقل يمكن أن يديم أحادية القطبية للنظام العالمي بوجود عسكري فعلى بعد إنهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1989. والتبشير بقيم العولمة، اقتصاديًا بتفويض سلطة الدولة على التجارة الحرة، وثقافيًا للترويج لنموذج القيم الأمريكية والغربية بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهناك بعد آخر، وهو البعد الدولي حيث وجود هذه الكثافة للقوات الأمريكية وما يمكن أن يشكل من ثقل دولي حيث القرب من منابع النفط والقرب من [[إيران]] العدو الإستراتيجي لامريكا، ثقل يمكن أن يديم أحادية القطبية للنظام العالمي بوجود عسكري فعلى بعد إنهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1989. والتبشير بقيم العولمة، اقتصاديًا بتفويض سلطة الدولة على التجارة الحرة، وثقافيًا للترويج لنموذج القيم الأمريكية والغربية بالديمقراطية وحقوق الإنسان.


فهل حقق المنتج الثقافي والإعلامي والصحفي خصوصًا في العراق بعد 2003 بتعددية الصحف هذه دوره في عملية التنمية الشاملة أو في ديمقراطية الاتصال على مستوى المقروئية وحرية التعرض أو التعبير، أو مدى إمكانية إعداد وتهيئة الكوادر الإعلامية القادرة على تشكيل الصورة الذهنية للمواطن العراقي وفاعليته الحياتية وتفاعله مع المتغيرات السياسة والاجتماعية والثقافية كإحد أولويات الخطاب في الإعلام الدولي.
فهل حقق المنتج الثقافي والإعلامي والصحفي خصوصًا في العراق بعد 2003 بتعددية الصحف هذه دوره في عملية التنمية الشاملة أو في ديمقراطية الاتصال على مستوى المقروئية وحرية التعرض أو التعبير، أو مدى إمكانية إعداد وتهيئة الكوادر الإعلامية القادرة على تشكيل الصورة الذهنية للمواطن العراقي وفاعليته الحياتية وتفاعله مع المتغيرات السياسة والاجتماعية والثقافية كإحد أولويات الخطاب في الإعلام الدولي.


امتازت الصحافة العراقية منذ نشوئها وعبر مراحل تطورها في تدوينها وتسجيلها لوقائع تطور العراق السياسي الوطني والاجتماعي والفكري


=مدخل تاريخي لمميزات الصحافة العراقية=
=مدخل تاريخي لمميزات الصحافة العراقية=


تميزت الصحافة في العراق بالتعددية الإعلامية والحرية الصحفية وعمرها في ذلك يزيد على (140) سنة، فمنذ صدور أول صحيفة عراقية رسمية وهى (الزوراء) في 16/6/1869، استطاعت أن تأخذ موقعها المتقدم في المجتمع والحياة السياسية، فلعبت دورًا مؤثرًا في الدفاع عن حقوق العراقيين منذ أواخر الحكم العثماني وحتى الآن, وفي شحذ الهمم لتحقيق استقلال العراق وحريته وبلورة الرأي العام تجاه مصالح وحقوق الشعب المختلفة كالديمقراطية والحريات العامة والانتخابات البرلمانية، كما كشفت مواطن الفساد والخلل في الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي وبعده العهد الجمهوري (1958) كما لعبت دورًا في التثقيف وتعزيز الفكر التقدمي والديمقراطي. كما امتازت الصحافة العراقية ومنذ نشوئها وعبر مراحل تطورها في سرعة انتشارها وفى أنحاء العراق. وامتازت كذلك في تدوينها وتسجيلها لوقائع تطور العراق السياسي الوطني والاجتماعي والفكري. وقد صدرت عشرات الصحف في كل مراحل تاريخ العراق المعاصر، فعلى سبيل المثال صدرت خلال فترة الانقلاب الدستوري العثماني (1908 – 1914) 69 صحيفة وفي فترة (1918 – 1936) صدرت أكثر من 150 صحيفة ومجلة. ومنذ اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939) حتى قيام ثورة 14 تموز(1958) صدرت أكثر من (350) صحيفة ومجلة وبلغت في العهد الجمهوري الأول (1958 – 1963), (120) صحيفة ومجلة، مثلت مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. لقد مرت التعددية الإعلامية والحرية الصحفية في العراق بفترات مختلفة، فمن حرية نسبية إلى تقييد لتلك الحرية ليصل إلى التعطيل أو إلغاء للامتياز, وفى عام 1967 صدر قانون الصحافة والطباعة في محاولة لتأميم الصحافة وجعلها قطاعًا حكوميًا في محاولة لإلغاء تنوع الرأي والفكر وبالتالي إلغاء حرية الصحافة, وفي عام 1969, منحت الحرية للصحافة مع إعلان 11 مارس لعام (1970) والحكم الذاتي للأكراد في كردستان، وقيام الجبهة القومية التقدمية في يوليو 1973، لكن تلك الحرية النسبية والتفاعل الديمقراطي لم يستمر. ففي 1975 شُنت الحرب مع الأكراد ليتبعها التضييق على الصحف الماركسية والديمقراطية. وبانقضاء عام 1977 لم تعد بالساحة في العلن أية صحيفة أو أي فكر سوى صحف النظام وهي معدودة (الثورة، الجمهورية، القادسية، العراق، بابل) وهي كلها تمثل وجهة نظر السلطة، وهكذا هي حال أغلب النظم الشمولية الديكتاتورية.
تميزت الصحافة في العراق بالتعددية الإعلامية والحرية الصحفية وعمرها في ذلك يزيد على (140) سنة، فمنذ صدور أول صحيفة عراقية رسمية وهي (الزوراء) في 16/6/1869، استطاعت أن تأخذ موقعها المتقدم في المجتمع والحياة السياسية، فلعبت دورًا مؤثرًا في الدفاع عن حقوق العراقيين منذ أواخر الحكم العثماني وحتى الآن، وفي شحذ الهمم لتحقيق استقلال العراق وحريته وبلورة الرأي العام تجاه مصالح وحقوق الشعب المختلفة كالديمقراطية والحريات العامة والانتخابات البرلمانية، كما كشفت مواطن الفساد والخلل في الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي وبعده العهد الجمهوري (1958) كما لعبت دورًا في التثقيف وتعزيز الفكر التقدمي والديمقراطي. كما امتازت الصحافة العراقية ومنذ نشوئها وعبر مراحل تطورها في سرعة انتشارها وفى أنحاء العراق. وامتازت كذلك في تدوينها وتسجيلها لوقائع تطور العراق السياسي الوطني والاجتماعي والفكري. وقد صدرت عشرات الصحف في كل مراحل تاريخ العراق المعاصر، فعلى سبيل المثال صدرت خلال فترة الانقلاب الدستوري العثماني (1908 – 1914) 69 صحيفة وفي فترة (1918 – 1936) صدرت أكثر من 150 صحيفة ومجلة. ومنذ اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939) حتى قيام ثورة 14 تموز(1958) صدرت أكثر من (350) صحيفة ومجلة وبلغت في العهد الجمهوري الأول (1958 – 1963), (120) صحيفة ومجلة، مثلت مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. لقد مرت التعددية الإعلامية والحرية الصحفية في العراق بفترات مختلفة، فمن حرية نسبية إلى تقييد لتلك الحرية ليصل إلى التعطيل أو إلغاء للامتياز, وفى عام 1967 صدر قانون الصحافة والطباعة في محاولة لتأميم الصحافة وجعلها قطاعًا حكوميًا في محاولة لإلغاء تنوع الرأي والفكر وبالتالي إلغاء حرية الصحافة, وفي عام 1969, منحت الحرية للصحافة مع إعلان 11 مارس لعام (1970) والحكم الذاتي للأكراد في كردستان، وقيام الجبهة القومية التقدمية في يوليو 1973، لكن تلك الحرية النسبية والتفاعل الديمقراطي لم يستمر. ففي 1975 شُنت الحرب مع الأكراد ليتبعها التضييق على الصحف [[الماركسية]] والديمقراطية. وبانقضاء عام 1977 لم تعد بالساحة في العلن أية صحيفة أو أي فكر سوى صحف النظام وهي معدودة (الثورة، الجمهورية، القادسية، العراق، بابل) وهي كلها تمثل وجهة نظر السلطة، وهكذا هي حال أغلب النظم الشمولية الديكتاتورية.


=المتغير السياسي وتأثيره على التعددية الإعلامية في العراق بعد عام 2003=
=المتغير السياسي وتأثيره على التعددية الإعلامية في العراق بعد عام 2003=


ارتبطت وسائل الإعلام عمومًا ومنذ نشأتها وحتى في كل مراحلها التطورية بعلاقة جدلية مع محركات التحديث المجتمعية المتمثلة بالعوامل (السياسية وطبيعة نظمها، والاقتصادية وطريقة إدارتها، الثقافية ومحاولة تشكيل الهوية عبر الأنساق القيمية المستمدة من الدين والعرف الاجتماعي والنوع وحتى الطبقة الاجتماعية) ولا يزال هذا الارتباط مستمرًا بين هذه المحركات ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من صحافة أو تلفزيون أو إذاعة أو انترنت وحتى السينما والكتاب، فإذا كانت النظم السياسية هي الإطار الرئيسي في تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، المواطن ومؤسسات الدولة، فيما يخص الحقوق والواجبات داخليًا وعلاقة الدولة بباقي دول العالم الأخرى خارجيًا والاقتصاد في استثمار وإدارة ثروات البلاد وتسخيره لتمويل مشروعا الدولة وفق سياستها التنموية، وثقافيًا في تحديد الهوية الثقافية أو القومية عبر تبني أو تعديل أو تأصيل أنساق قيمية  وثقافية خاصة بالمجتمع المعني تشكل عمومها نمط أو أسلوب حياة يمكن أن يعبر عنه بوضوح،  وللإعلام في ذلك الدور الرئيسي والأساسي والمؤثر الفاعل في المحركات الثلاثة بوسائله ذات الفعالية خاصة في التأثير عبر تشكيل الصورة الذهنية والقومية التي يمكن أن يخاطب بها الآخر، ويمكن أن يؤثر به وفق أساسيات الخطاب ضمن التفاعل المجتمعي وإمكانية فهمه أو اندماجه في الأنساق القيمية المطروحة في نهضة المجتمعات وتحديثها من أجل دفع قيم التقدم إلى الأمام لبلوغ مراتب التنمية والتحضر، فبعد أن كان النظام السياسي في العراق نظامًا شموليًا منذ عام 1968-2003، حيث كان توجهه الإعلامي محددًا واضحًا مسخرًا لخدمة النظام وتجميل صورته عبر قناتين تلفزيونيتين وخمس صحف فقط، فحق الملكية لوسائل الإعلام مملوكة للدولة فقط وهي (جريدة الثورة والجمهورية والعراق والقادسية وبابل) كلها موجهة لخطاب النظام، ولم ترتق لمستوى الفاعلية في إحداث التنمية الشاملة كما كانت تروج وذلك لانشغال الدولة بكل أجهزتها بحروب عبثية مع إيران لمدة ثماني سنوات وغزو الكويت وحصار دام أكثر من اثني عشر عامًا شوه صورة العراق والعراقيين لأسباب واهية بمواقف ومزايدات عربية وعالمية، لم تستطيع مواجهة الحركة الإعلامية العالمية ولا حتى الدفاع عن مواقف وجهة النظر المتبناة، ولا توازي حجم كبت الحريات العامة وحرية التعبير مما نمى قوى المعارضة التي وجدت خارج العراق هربًا من بطش النظام وقسوته، حيث شكلوا طبيعة القوى الموجودة الآن في الساحة السياسية العراقية .عجزت الصحف الرسمية عن أن تكون سلطة الشعب بمراقبة أداء الحكومة وطرح ومناقشة مشكلاته المستعصية، وذلك لارتباطها برئاسة مجلس الوزراء قمة هرم السلطة التنفيذية
ارتبطت وسائل الإعلام عمومًا ومنذ نشأتها وحتى في كل مراحلها التطورية بعلاقة جدلية مع محركات التحديث المجتمعية المتمثلة بالعوامل (السياسية وطبيعة نظمها، والاقتصادية وطريقة إدارتها، الثقافية ومحاولة تشكيل الهوية عبر الأنساق القيمية المستمدة من الدين والعرف الاجتماعي والنوع وحتى الطبقة الاجتماعية) ولا يزال هذا الارتباط مستمرًا بين هذه المحركات ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من صحافة أو تلفزيون أو إذاعة أو انترنت وحتى السينما والكتاب، فإذا كانت النظم السياسية هي الإطار الرئيسي في تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، المواطن ومؤسسات الدولة، فيما يخص الحقوق والواجبات داخليًا وعلاقة الدولة بباقي دول العالم الأخرى خارجيًا والاقتصاد في استثمار وإدارة ثروات البلاد وتسخيره لتمويل مشروعا الدولة وفق سياستها التنموية، وثقافيًا في تحديد الهوية الثقافية أو القومية عبر تبني أو تعديل أو تأصيل أنساق قيمية  وثقافية خاصة بالمجتمع المعني تشكل عمومها نمط أو أسلوب حياة يمكن أن يعبر عنه بوضوح،  وللإعلام في ذلك الدور الرئيسي والأساسي والمؤثر الفاعل في المحركات الثلاثة بوسائله ذات الفعالية خاصة في التأثير عبر تشكيل الصورة الذهنية والقومية التي يمكن أن يخاطب بها الآخر، ويمكن أن يؤثر به وفق أساسيات الخطاب ضمن التفاعل المجتمعي وإمكانية فهمه أو اندماجه في [[الأنساق القيمية]] المطروحة في نهضة المجتمعات وتحديثها من أجل دفع قيم التقدم إلى الأمام لبلوغ مراتب التنمية والتحضر، فبعد أن كان النظام السياسي في العراق نظامًا شموليًا منذ عام 1968-2003، حيث كان توجهه الإعلامي محددًا واضحًا مسخرًا لخدمة النظام وتجميل صورته عبر قناتين تلفزيونيتين وخمس صحف فقط، فحق الملكية لوسائل الإعلام مملوكة للدولة فقط وهي (جريدة الثورة والجمهورية والعراق والقادسية وبابل) كلها موجهة لخطاب النظام، ولم ترتق لمستوى الفاعلية في إحداث التنمية الشاملة كما كانت تروج وذلك لانشغال الدولة بكل أجهزتها بحروب عبثية مع إيران لمدة ثماني سنوات وغزو الكويت وحصار دام أكثر من اثني عشر عامًا شوه صورة العراق والعراقيين لأسباب واهية بمواقف ومزايدات عربية وعالمية، لم تستطيع مواجهة الحركة الإعلامية العالمية ولا حتى الدفاع عن مواقف وجهة النظر المتبناة، ولا توازي حجم كبت الحريات العامة وحرية التعبير مما نمى قوى المعارضة التي وجدت خارج العراق هربًا من بطش النظام وقسوته، حيث شكلوا طبيعة القوى الموجودة الآن في الساحة السياسية العراقية .عجزت الصحف الرسمية عن أن تكون سلطة الشعب بمراقبة أداء الحكومة وطرح ومناقشة مشكلاته المستعصية، وذلك لارتباطها برئاسة مجلس الوزراء قمة هرم السلطة التنفيذية


وبعد تغير النظام في 9/4/2003 واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية، وتمت إدارة الحكم في العراق من قبل الحاكم المدني الأمريكي (كارنر) ثم (بريمر) مع إنشاء مجلس الحكم بعضوية (25) شخصية تم اختيارها وفق المحاصصة الطائفية تولى تسعة منهم الحكم لمدة شهر، وبعدها تم استلام السيادة الصورية وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة ([[إياد علاوي]]) وفي ديسمبر 2004، أجريت انتخابات صار بموجبها( [[إبراهيم الجعفري]]) رئيسًا للحكومة و[[جلال الطالباني]] رئيسًا للجمهورية، وفي 31 ديسمبر 2005 أجريت انتخابات برلمانية صار بموجبها [[نوري المالكي]] رئيسًا للوزراء ومحمود المشهداني رئيسًا لمجلس النواب.
وبعد تغير النظام في 9/4/2003 واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية، وتمت إدارة الحكم في العراق من قبل الحاكم المدني الأمريكي (كارنر) ثم (بريمر) مع إنشاء مجلس الحكم بعضوية (25) شخصية تم اختيارها وفق المحاصصة الطائفية تولى تسعة منهم الحكم لمدة شهر، وبعدها تم استلام السيادة الصورية وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة ([[إياد علاوي]]) وفي ديسمبر 2004، أجريت انتخابات صار بموجبها( [[إبراهيم الجعفري]]) رئيسًا للحكومة و[[جلال الطالباني]] رئيسًا للجمهورية، وفي 31 ديسمبر 2005 أجريت انتخابات برلمانية صار بموجبها [[نوري المالكي]] رئيسًا للوزراء ومحمود المشهداني رئيسًا لمجلس النواب.
سطر ٣٩: سطر ٣٨:
ولأن الإعلام يشكل عصب الحياة في الوقت الحاضر، كانت الولايات المتحدة أول من أدرك هذه القدرة الخارقة لتدمير العقل العراقي وتلغيمه وحشوه بقيم ورؤى ومعتقدات تخدم مشروعها الاستعماري. وتم ذلك حتى قبل تدمير البنى التحتية العراقية التي حشدت لها حكومة الرئيس جورج بوش الابن كل تقنيات الأسلحة الحديثة من الآليات والمعدات القتالية من صواريخ ودبابات وطائرات، وجندت لها مرتزقة وجنود وعملاء دفعت لهم رواتب تقدر بمليارات الدولارات. ثم ما لبث أن لجأت لنهج تكريس سياسة تعميق الفوضى الإعلامية في العراق الذي وجدته المنفذ الفعلي لخلق إعلام طائفي تحريضي يستند إلى أسس فلسفة المحاصصة المذهبية والعرقية والدينية لتحقيق أهداف المشروع الاستعماري البعيد المدى الذي يتعلق ببناء عقلية عراقية من نوع يخالف البناء الفكري المعروف فيه.
ولأن الإعلام يشكل عصب الحياة في الوقت الحاضر، كانت الولايات المتحدة أول من أدرك هذه القدرة الخارقة لتدمير العقل العراقي وتلغيمه وحشوه بقيم ورؤى ومعتقدات تخدم مشروعها الاستعماري. وتم ذلك حتى قبل تدمير البنى التحتية العراقية التي حشدت لها حكومة الرئيس جورج بوش الابن كل تقنيات الأسلحة الحديثة من الآليات والمعدات القتالية من صواريخ ودبابات وطائرات، وجندت لها مرتزقة وجنود وعملاء دفعت لهم رواتب تقدر بمليارات الدولارات. ثم ما لبث أن لجأت لنهج تكريس سياسة تعميق الفوضى الإعلامية في العراق الذي وجدته المنفذ الفعلي لخلق إعلام طائفي تحريضي يستند إلى أسس فلسفة المحاصصة المذهبية والعرقية والدينية لتحقيق أهداف المشروع الاستعماري البعيد المدى الذي يتعلق ببناء عقلية عراقية من نوع يخالف البناء الفكري المعروف فيه.


والملاحظ في حروب الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق وقبلها أفغانستان، أنه تم استثمار التقنيات الرقمية الحديثة في المجالين العسكري والإعلامي، ووظفت تكنولوجيا الاتصال والإعلام في التأثير في المتلقي وتدمير معنوياته من خلال حروب الأعصاب والحرب النفسية، ولم تستعمل أسلحة الذكاء الأمريكية عسكريًا لبسط الهيمنة على المدن العراقية وتدمير القطاعات المسلحة فحسب، بل استخدمت أيضًا كأداة للترهيب والحرب النفسية, وتم استثمارها لتدمير معنويات الجيش العراقي وإثارة الفزع والخوف عند المدنيين وترهيبهم بتقنياتها الفائقة القدرة وأصواتها العالية المدوية وأساليبها التدميرية الهائلة ولجوئها إلى الإفراط بالقسوة لتهديم البيوت والتجمعات البشرية بقصد تطبيق نظرية الرعب النفسي القائمة على فكرة "الصدمة والترويع" التي ابتدعتها الإدارة الأمريكية في احتلالها للعراق لتدمير الأعصاب.
والملاحظ في حروب الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق وقبلها [[أفغانستان]]، أنه تم استثمار التقنيات الرقمية الحديثة في المجالين العسكري والإعلامي، ووظفت تكنولوجيا الاتصال والإعلام في التأثير في المتلقي وتدمير معنوياته من خلال حروب الأعصاب والحرب النفسية، ولم تستعمل أسلحة الذكاء الأمريكية عسكريًا لبسط الهيمنة على المدن العراقية وتدمير القطاعات المسلحة فحسب، بل استخدمت أيضًا كأداة للترهيب والحرب النفسية, وتم استثمارها لتدمير معنويات الجيش العراقي وإثارة الفزع والخوف عند المدنيين وترهيبهم بتقنياتها الفائقة القدرة وأصواتها العالية المدوية وأساليبها التدميرية الهائلة ولجوئها إلى الإفراط بالقسوة لتهديم البيوت والتجمعات البشرية بقصد تطبيق نظرية الرعب النفسي القائمة على فكرة "الصدمة والترويع" التي ابتدعتها الإدارة الأمريكية في احتلالها للعراق لتدمير الأعصاب.


وهكذا حول الإعلام العسكري الأمريكي صور الحرب إلى مشهد تقني يشبه كثيرًا صور ألعاب الفيديو أو الكمبيوتر. ويتمثل مفهوم الرعب في كثافة وحجم القوة التدميرية صوتًا وإبادة جسدية. أما الصدمة فتتمثل في نتائج هذا الاستخدام، بحيث تتحول الأجواء إلى ما يربك العقل البشري من أفعال لم يكن يتوقعها أو شاهدها سابقًا من حيث القتل وحجم التدمير. وتترافق مع الأصوات المزعجة، وهي حالات اعتاد على معايشتها العراقيون بعد احتلال العراق في عام 2003 وعلى الرغم مما لعبته الولايات المتحدة من هذه التدابير الإعلامية النفسية الهدامة إلى جانب اللجوء إلى الآلة العسكرية، فإن العقلية العراقية (الشعبية) ما لبث أن فعلت فعلها الدفاعي المؤثر في ردة فعل عنيفة ترتكز على أرضية صلبة من القناعة والإرادة في المواجهة، إلى جانب أدوات وتقنيات إعلامية وعسكرية بسيطة بالمقارنة مع ما يمتلكه الجانب الأمريكي، فأصبحت مادة دسمة لدى وسائل الإعلام العالمية. والأكثر من هذا استخدامها لوسائل الإعلام بإطارها الشعبي، والذي حقق المفهوم الجديد القائل إن الإعلام بعد استخدامه لتقنياته الحديثة بات يعرف بـ"السلطة الخامسة" التي تكون مع الجمهور مباشرة بالصورة والكلمة، وبالصورة والصوت أيضًا من دون رتوش ومن دون تدخل حارس البوابة مثلما كان سائدًا في إعلام "[[السلطة الرابعة]]" التقليدي، بشكل أثر كثيرًا في سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ودحض افتراءاتها وكشف حجم خسائرها وحقيقة قوتها. وساعد في تنوير العقلية العراقية بما تتدبر به القوى الغربية فسُمِّي بـ"الإعلام المقاوم"، في إطار نظرية الفعل ورد الفعل الذي لم يكن متوقعًا وفق معطيات الواقع غير المتوازن بين أكبر دولة عظمى بالعالم وتنظيمات شعبية مسلحة وأفراد يجلسون خلف جهاز الحاسوب يوزعون صور التدمير للآلة العسكرية الأمريكية.
وهكذا حول الإعلام العسكري الأمريكي صور الحرب إلى مشهد تقني يشبه كثيرًا صور ألعاب الفيديو أو الكمبيوتر. ويتمثل مفهوم الرعب في كثافة وحجم القوة التدميرية صوتًا وإبادة جسدية. أما الصدمة فتتمثل في نتائج هذا الاستخدام، بحيث تتحول الأجواء إلى ما يربك العقل البشري من أفعال لم يكن يتوقعها أو شاهدها سابقًا من حيث القتل وحجم التدمير. وتترافق مع الأصوات المزعجة، وهي حالات اعتاد على معايشتها العراقيون بعد احتلال العراق في عام 2003 وعلى الرغم مما لعبته الولايات المتحدة من هذه التدابير الإعلامية النفسية الهدامة إلى جانب اللجوء إلى الآلة العسكرية، فإن العقلية العراقية (الشعبية) ما لبث أن فعلت فعلها الدفاعي المؤثر في ردة فعل عنيفة ترتكز على أرضية صلبة من القناعة والإرادة في المواجهة، إلى جانب أدوات وتقنيات إعلامية وعسكرية بسيطة بالمقارنة مع ما يمتلكه الجانب الأمريكي، فأصبحت مادة دسمة لدى وسائل الإعلام العالمية. والأكثر من هذا استخدامها لوسائل الإعلام بإطارها الشعبي، والذي حقق المفهوم الجديد القائل إن الإعلام بعد استخدامه لتقنياته الحديثة بات يعرف بـ"السلطة الخامسة" التي تكون مع الجمهور مباشرة بالصورة والكلمة، وبالصورة والصوت أيضًا من دون رتوش ومن دون تدخل حارس البوابة مثلما كان سائدًا في إعلام "[[السلطة الرابعة]]" التقليدي، بشكل أثر كثيرًا في سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ودحض افتراءاتها وكشف حجم خسائرها وحقيقة قوتها. وساعد في تنوير العقلية العراقية بما تتدبر به القوى الغربية فسُمِّي بـ"الإعلام المقاوم"، في إطار نظرية الفعل ورد الفعل الذي لم يكن متوقعًا وفق معطيات الواقع غير المتوازن بين أكبر دولة عظمى بالعالم وتنظيمات شعبية مسلحة وأفراد يجلسون خلف جهاز الحاسوب يوزعون صور التدمير للآلة العسكرية الأمريكية.
سطر ٥١: سطر ٥٠:
==التخريب الإعلامي==
==التخريب الإعلامي==


إذا كان الفساد حالة شاذة، فإن الأمر الخطير هو القبول به والتعايش معه. ودائمًا نجد أن مكامن الفساد والإفساد الغربي توجه نحو الثقافة العربية بهدف إشاعة الفلسفة الذرائعية البراجماتية مقابل الفلسفة العقلانية. والقصد من ذلك محو وجود الجانب المبدئي – القيمي لدى الإنسان، وتجاوز وجود مقياس موضوعي للتمييز بين الخير والشر، هذا التوجه لا يتحقق ما لم يكن هنالك تفوق على الصُعد الاقتصادية والعسكرية وكذلك الثقافية عند أصحابه مثل توجهات كهذه لفرض الغزو الثقافي وتبريره ومحاولة إلغاء الآخر وتهميشه.
إذا كان الفساد حالة شاذة، فإن الأمر الخطير هو القبول به والتعايش معه. ودائمًا نجد أن مكامن الفساد والإفساد الغربي توجه نحو الثقافة العربية بهدف إشاعة الفلسفة [[الذرائعية]] [[البراجماتية]] مقابل الفلسفة العقلانية. والقصد من ذلك محو وجود الجانب المبدئي – القيمي لدى الإنسان، وتجاوز وجود مقياس موضوعي للتمييز بين الخير والشر، هذا التوجه لا يتحقق ما لم يكن هنالك تفوق على الصُعد الاقتصادية والعسكرية وكذلك الثقافية عند أصحابه مثل توجهات كهذه لفرض الغزو الثقافي وتبريره ومحاولة إلغاء الآخر وتهميشه.


وفي المحصلة النهائية توجه تهمة للعقل العربي بالعجز في مواكبة التطور والتحديث وكذلك في عجز المثقف العربي أيضًا عن الانفتاح والتواصل مع الآخرين. بهذا الإيجاز بدأت الحملة الفكرية الغربية، ولاسيما الأمريكية منها على وجه التحديد في استعمار العراق باعتباره قمة الهرم الأهم في المنطقة، ومن ثم النزول نحو المهم في بقية بلاد العرب ومن جاورها من الدول الأخرى. لقد استندت حملة بوش العسكرية إلى التمهيد المعلوماتي في ما يتعلق بإحلال الموديل الأمريكي الجديد المسوغ لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي، وهي أهداف إعلامية مزعومة بالدرجة الأولى، وفي استخدام مفهوم الحرب النفسية ضد المواطن للتأثير فيه ومحاولة إماتة جذوة المواجهة والصمود عنده بالدرجة الثانية، ومحاولة إسباغ صفات سلبية للطرف المستهدف والتركيز على اعتبارها واقعًا حقيقيًا بالدرجة الثالثة. ويأتي هذا التوجه مجسدًا لفكرة جوبلز وزير دعاية هتلر عندما قال "أكذب وأكذب حتى يصدقني الناس"، ومثل هذا النهج طبعًا احتاج إلى أموال طائلة لشراء عقول الضعفاء من أتباع ما أطلق عليها بـ المعارضة العراقية خارج العراق وتسخيرها لصالح مشروعها وتسخير إمكانات التكنولوجيا الإعلامية والعسكرية كافة لفرض سياسة الأمر الواقع.
وفي المحصلة النهائية توجه تهمة للعقل العربي بالعجز في مواكبة التطور والتحديث وكذلك في عجز المثقف العربي أيضًا عن الانفتاح والتواصل مع الآخرين. بهذا الإيجاز بدأت الحملة الفكرية الغربية، ولاسيما الأمريكية منها على وجه التحديد في استعمار العراق باعتباره قمة الهرم الأهم في المنطقة، ومن ثم النزول نحو المهم في بقية بلاد العرب ومن جاورها من الدول الأخرى. لقد استندت حملة بوش العسكرية إلى التمهيد المعلوماتي في ما يتعلق بإحلال الموديل الأمريكي الجديد المسوغ لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي، وهي أهداف إعلامية مزعومة بالدرجة الأولى، وفي استخدام مفهوم الحرب النفسية ضد المواطن للتأثير فيه ومحاولة إماتة جذوة المواجهة والصمود عنده بالدرجة الثانية، ومحاولة إسباغ صفات سلبية للطرف المستهدف والتركيز على اعتبارها واقعًا حقيقيًا بالدرجة الثالثة. ويأتي هذا التوجه مجسدًا لفكرة جوبلز وزير دعاية هتلر عندما قال "أكذب وأكذب حتى يصدقني الناس"، ومثل هذا النهج طبعًا احتاج إلى أموال طائلة لشراء عقول الضعفاء من أتباع ما أطلق عليها بـ المعارضة العراقية خارج العراق وتسخيرها لصالح مشروعها وتسخير إمكانات التكنولوجيا الإعلامية والعسكرية كافة لفرض سياسة الأمر الواقع.
٢٬٧٩٦

تعديل