١٩٠
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١٥٩: | سطر ١٥٩: | ||
اختلفت الروايات حول عدد القتلى في معركة الجمل. وفقًا لرواية أبو خيثمة عن وهب بن جرير، قُتل من جيش البصرة 2500 شخص في معركة الجمل. في روايات أخرى، يتراوح عدد قتلى أصحاب الجمل بين 6000 إلى 25000. وذكر اليعقوبي أن العدد كان أكثر من 30000، مما يبدو مبالغة. | اختلفت الروايات حول عدد القتلى في معركة الجمل. وفقًا لرواية أبو خيثمة عن وهب بن جرير، قُتل من جيش البصرة 2500 شخص في معركة الجمل. في روايات أخرى، يتراوح عدد قتلى أصحاب الجمل بين 6000 إلى 25000. وذكر اليعقوبي أن العدد كان أكثر من 30000، مما يبدو مبالغة. | ||
أما عدد شهداء جيش الإمام فقد تراوح بين 400 إلى 5000 شخص. | أما عدد شهداء جيش الإمام فقد تراوح بين 400 إلى 5000 شخص. | ||
== إجراءات الإمام بعد الحرب == | |||
قام الإمام علي (عليه السلام) بعد الحرب بعدة إجراءات، نذكر منها بعض الأمثلة. | |||
=== التعامل مع الجرحى والأسرى === | |||
بعد هزيمة أصحاب الجمل، قال الإمام إنه لا يجب قتل الجرحى والأسرى، ولا ملاحقة الفارين وقتلهم، وأن من يغلق بابه ويضع سلاحه يكون في أمان. | |||
لم يقتل الإمام بعض الذين أسروا من جيش الجمل (مثل مروان بن الحكم، وموسى بن طلحة، وأبناء عثمان، ووليد بن عقبة)، بل منحهم الأمان وأطلق سراحهم. | |||
=== العفو عن أهل البصرة === | |||
عندما بايع أهل البصرة الإمام، قال مروان إنه لن يبايع إلا إذا أجبره الإمام، فقال الإمام: حتى لو بايعت، ستغدر. ثم انضم مروان إلى معاوية. | |||
ذهب عبد الله بن زبير وعتبة بن أبي سفيان إلى عائشة، ولم يتعرض لهم الإمام. | |||
بعد انتصاره على أصحاب الجمل، ألقى الإمام خطبة في جامع البصرة، ووبخ أهل البصرة، واعتبرهم أول من نقض العهد وأحدث الفرقة في الأمة، ومع ذلك، عفا عنهم كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل مكة، وحذرهم من الفتنة. ثم جلس وبايعه الناس. | |||
=== منع الاستيلاء ونهب الأموال === | |||
أوقف الإمام جيشه عن الاستيلاء ونهب الأموال الخاصة بأهل البصرة وأصحاب الجمل، وقال إن أموال قتلى أصحاب الجمل هي ميراث لأقاربهم المستحقين لها، وسمح فقط بما يُستخدم في الحرب. بعد ذلك، قسم الإمام الأسلحة والخيول والحمير التي هرب بها الفارون من المعركة بين أصحابه. | |||
عندما سأل أحد أصحابه الإمام: كيف يمكننا محاربتهم وسفك دمائهم، لكن أسر النساء ونهب أموالهم غير جائز؟، أجاب الإمام: لا يجوز أخذ أسير أو مال من مسلم، إلا ما كان يستخدم في القتال. ثم قال: أيكم يأخذ أمكم عائشة كغنيمة؟ فاستغفروا. | |||
كتب الإمام أخبار معركة الجمل وانتصاره على الثوار إلى أهل الكوفة والمدينة، وقام بتقسيم بيت المال بين أصحابه ورفاقه، وأقام عدة أيام في البصرة. ثم عيّن عبد الله بن عباس أميرًا على البصرة، وفي رجب (أو رمضان) من السنة 36 ذهب إلى الكوفة. | |||
== مصير طلحة وزبير == | |||
عندما كان جيش الجمل يفر، أصاب مروان بن حكم طلحة بسهم في ساقه، وتم نقله إلى بيت في البصرة، حيث توفي هناك بسبب النزيف. قيل إن مروان قال لأبان، ابن عثمان، إنه قد تخلص من أحد قاتلي والدك. في بعض الروايات، يُذكر أن طلحة كان أول مقتول في معركة الجمل. | |||
وبحسب بعض المصادر، خرج زبير، نادمًا على ما فعله، من بين أصحاب الجمل قبل الحرب. ومن رواية أخرى، يبدو أن زبير هرب من المعركة بعد هزيمة جيش الجمل متوجهًا إلى المدينة. | |||
على أي حال، عندما غادر زبير الميدان، قام عمرو/عمير بن جرموز، مع بعض من أصحابه، بملاحقته، وفي مكان يُدعى وادي السباع، قتله بشكل مفاجئ. | |||
أظهر الإمام استياءه من هذا الحدث ومقتل زبير، وعندما رأى سيفه، ذكر شجاعة زبير في حروب صدر الإسلام، وقال: هذا السيف قد أزال الحزن عن وجه رسول الله مرات عديدة. | |||
== مصير عائشة == | |||
بعد الحرب، أُخرجت عائشة من الهودج، وأُقيمت لها خيمة، ووبخها علي (عليه السلام) بسبب إحداث الفتنة، ثم أمر أخاها محمد بن أبي بكر أن يأخذها إلى البصرة. | |||
بقيت عائشة هناك عدة أيام حتى كانت ستتوجه إلى المدينة، ولكن عندما انتهت المهلة وتأخرت في الرحيل، أرسل الإمام عبد الله بن عباس إليها ليحذرها، ثم أرسلها مع عدد من نساء البصرة، اللواتي ارتدين ملابس الرجال بأمر الإمام، مع مجموعة من جنوده، برفقة محمد (أو عبد الرحمن) بن أبي بكر، إلى المدينة باحترام ومرافقة، وأعطاها 12000 (درهم أو دينار؟). | |||
لاحقًا، كلما تذكرت عائشة يوم الجمل، كانت تتمنى لو أنها ماتت قبل ذلك ولم تشهد تلك الحادثة. وعندما كانت تقرأ الآية "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ"، كانت تبكي بشدة حتى تبتل نقابها. | |||
== وجهة نظر المذاهب الإسلامية == | |||
سلوك الإمام علي في معركة الجمل أصبح مرجعًا لفقهاء المذاهب الإسلامية حول "قتال أهل البغي" وأحكام المتمردين الداخليين. | |||
كما ناقشت المذاهب الكلامية الإسلامية الوضع الإيماني لأصحاب الجمل. | |||
أيضًا، كتب مؤرخو القرون الأولى العديد من الدراسات حول معركة الجمل، ورغم أن هذه الأعمال شكلت أساسًا للأعمال اللاحقة، إلا أن معظمها لم يعد موجودًا الآن. | |||
=== وجهة نظر المعتزلة === | |||
يعتقد بعض علماء المعتزلة أن عائشة وأتباعها كانوا يهدفون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. | |||
== عوامل الحرب == | |||
لتحليل أسباب وقوع حرب الجمل أو الفتنة الناكثين، من الضروري النظر في أدلة الطرفين المتورطين في الحرب، ثم مقارنتها بالحقائق التاريخية واختيار القول الصحيح. | |||
=== وجهة نظر قادة الفتنة === | |||
في خطبة ألقاها طلحة بين أهل البصرة، حاول أن يوحي أن قيامه لم يكن من أجل الخلافة أو الملك، بل كان يهدف إلى الحصول على مساعدة أهل البصرة ليعملوا جميعًا من أجل إصلاح أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونشر طاعة الله. | |||
كما ذُكر، في معظم الخطب المنقولة عن عائشة وطلحة، كانت قضية قتل عثمان والثأر له هي أهم سبب لنقض العهد، ولكن يمكن الإشارة إلى أسباب أخرى أيضًا، منها أن طلحة لم يعتبر حكومة علي بن أبي طالب (عليه السلام) متوافقة مع نهج الخلفاء السابقين، وكان معترضًا على عدم استشارة الإمام علي له في الأمور. | |||
=== وجهة نظر الإمام وأصحابه === | |||
قبل مناقشة أسباب بدء حرب الجمل من وجهة نظر علي (عليه السلام)، يجب الانتباه إلى نقطة مهمة - أي الفاعلين الرئيسيين في الحرب. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة 172 من نهج البلاغة: "... كان طلحة وزبير يسحبون زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يسحبون جارية إلى سوق النخاسة". | |||
من هذا القول، نفهم بوضوح أن الفاعل البشري المهم في حرب الجمل لم يكن سوى طلحة وزبير، وأن عائشة كانت أكثر عرضة للاستغلال الدعائي في هذه الأثناء. | |||
=== الطموح للسلطة لدى طلحة وزبير === | |||
يوضح الإمام علي (عليه السلام) في خطبة 148 من نهج البلاغة: "كل من طلحة وزبير يأمل أن يحصل على الحكم، وقد علق عينيه عليهما ولا يعتبر رفيقه". | |||
=== نقض العهد وإشعال الفتنة === | |||
في خطبة، يأمر الإمام علي (عليه السلام) الناس بالاستعداد، ويقول: إن طلحة وزبير قد نقضوا البيعة والعهد، وأخرجوا عائشة من بيتها ليشعلوا الفتنة ويبدأوا سفك الدماء. | |||
=== الأحقاد القديمة === | |||
لا يمكن إنكار وجود أحقاد تجاه علي (عليه السلام)، لذلك يذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) سوابق هذا الأمر في بعض المناسبات، منها: | |||
أ: لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فضلني على والد عائشة. | |||
ب: لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خصني بالأخوة معه. | |||
ج: لأن الله أمر بأن تُغلق جميع الأبواب المؤدية إلى المسجد حتى باب (بيت) والد عائشة، لكن بابي لم يُغلق. | |||
د: لأنه في يوم خيبر، أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية بعد أن أعطاها للآخرين، ثم أعطاني إياها، وبتلك الطريقة حققت النصر مما أحزنهم. | |||
بالإضافة إلى ذلك، كان طلحة وزبير يأملان أن يستشيرهما علي (عليه السلام) في الأمور، حيث اعتبروا أنفسهم في مرتبة ومقام متساويين مع علي (عليه السلام)، وكانوا يأملون أنه بعد موت عثمان، سيحصلون على جزء من الحكم، لكن لم يتحقق أي من هذه الأمور، مما أدى إلى ظهور العداء السابق بينهما وأمير المؤمنين (عليه السلام). | |||
=== ادعاء الثأر === | |||
عندما وصل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) خبر أن طلحة وزبير قد قاما للثأر لعثمان، قال: لم يقتل عثمان إلا هم أنفسهم. | |||
كما ذكر مضمون هذا القول في خطبة 137 من نهج البلاغة: إنهم يريدون الانتقام لدمٍ قد سفكوه بأنفسهم. | |||
وبهذا، يقول الإمام: إن طلحة هو من أشعل الحرب حتى لا يُسأل عن قتل عثمان. | |||
عند التأمل في الفقرات السابقة، ندرك: | |||
أولاً: في معظم الانتقادات واللوم التي وجهها أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أصحاب الجمل، كان حديثه موجهًا إلى طلحة وزبير. وكأن الإمام يعتبر هذين الشخصين هما السبب الرئيسي في الحرب، وبعبارة أخرى، كانت عائشة لها دور ثانوي في هذه الفتنة واستُغلت دعائيًا من قبلهما. | |||
ثانيًا: يتضح أنه لا يوجد أي من الأسباب التي ذكرها أصحاب الجمل لأفعالهم مقنعة. خاصة عندما نعلم أن قتل عثمان والثأر له لم يكن سوى ذريعة، لأن عائشة لم تكن لها علاقة جيدة مع عثمان. وقد قيل إن عائشة كانت تأخذ قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عثمان وتقول له: لم يجف رطوبة كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد، وأنت تحرف أحكامه. | |||
لذا، نرى أن أصحاب الجمل قاموا تحت عنوان يبدو جميلًا وحقًا ضد أولي الأمر الخاص بهم، ونقضوا عهدهم وبيعتهم، في حين أن هذا العنوان لم يكن سوى ذريعة. | |||
== أهم أثر مكتوب == | |||
كتاب الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة تأليف الشيخ المفيد (متوفى 413)، فقيه ومحدث ومتكلّم شيعي إمامي، هو أهم كتاب متبقي حول موضوع حرب الجمل. | |||
== المصادر == | |||
* القرآن. | |||
* ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، طبع محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة 1385-1387/ 1965-1967، طبع أوفست بيروت (بلا تاريخ). | |||
* ابن الأثير، علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، طبع محمد إبراهيم بنا ومحمد أحمد عاشور، القاهرة 1970-1973. | |||
* ابن أعثم الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح، طبع علي شيري، بيروت 1411/1991. | |||
* ابن قتيبة الدينوري، عبدالله بن مسلم، الإمامة والسياسة، المعروف بتاريخ الخلفاء، القاهرة 1388/1969، طبع أوفست قم 1363ش. | |||
* ابن كلبي، جمهرة النسب، ج 1، طبع ناجي حسن، بيروت 1407/1986. | |||
* ابن نديم، محمد بن إسحاق، الفهرست. | |||
* محمد بن عبدالله الأسكافي، المعيار والموازنة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، طبع محمد باقر محمودي، بيروت 1402/1981. | |||
* البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، طبع محمود فردوس العظم، دمشق 1996-2000. | |||
* شيباني عصفري، خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، طبع مصطفى نجيب فواز وحكمة كشلي فواز، بيروت 1415/1995. | |||
* دينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، طبع عبدالمنعم عامر، مصر (1379/ 1959)، طبع أوفست بغداد (بلا تاريخ). | |||
* شافعي، محمد بن إدريس، الأم، بيروت 1403/1983. | |||
* سرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط، بيروت 1406/1986. | |||
* زين الدين بن علي شهيد ثان، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، طبع محمد كلانتر، نجف 1398، طبع أوفست قم 1410. | |||
* طبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري. | |||
* محمد بن حسن الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، ج 7، طبع محمد باقر بهبودي، طهران (بلا تاريخ). | |||
* حسن بن يوسف علامة حلي، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، قم 1412-1420. | |||
* علي بن حسين علم الهدى، مسائل الناصريات، طهران 1417/1997. | |||
* الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، ترجمة جعفر شهيدي، طهران 1370ش. | |||
* مسعودي، علي بن حسين، مروج الذهب. | |||
* مفيد، محمد بن محمد، الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، طبع علي ميرشريفي، قم 1374ش. | |||
* نجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، طبع موسى شبيري زنجاني، قم 1407. | |||
* حموي، ياقوت بن عبدالله، معجم البلدان. | |||
* يعقوبي، تاريخ يعقوبي. | |||
* ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، مكتبة آية الله مرعشي، قم، 1404 هـ ق. | |||
* مفيد، محمد بن محمد، الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة. | |||
== الهوامش == | |||
{{الهوامش}} | |||
[[تصنيف:الحروب]] | |||
[[تصنيف:تاريخ الإسلام]] |
تعديل