الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أحمد الوائلي»

</div>

الدكتور الشيخ أحمد بن حسّون بن سعيد بن حمّود الليثي الوائلي: عالم، أديب، شاعر، خطيب متميّز، داعية وحدة.

<br>أنهى تعليمه النظامي في سنة 1962 م، ثمّ حصل على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ثمّ التحق بكلّية الفقه التي تخرّج منها سنة 1969 م، ثمّ حصل على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن رسالته «أحكام السجون في الشريعة والقانون»، ثمّ حصل على شهادة الدكتوراه من كلّية دار العلوم ب[[جامعة القاهرة]] عن أُطروحة «استغلال الأجير وموقف الإسلام منه» سنة 1972 م.

<br>ارتقى منبر الخطابة في سنّ الرابعة عشرة، حتّى صار من أشهر الخطباء المسلمين والمنبر الحسيني في العصر الحديث، حيث أنشأ مدرسة خطابة جديدة مختلفة عن سابقتها، حيث يجمع بين البحث العلمي والخطابة الحسينية والشعر الأدبي. وقد استقطب إليه شريحة واسعة من المستمعين على مدى ثلاثة أجيال.

<br>شغل عمادة «[[جمعية منتدى النشر]]» لمدّة طويلة امتدّت حتّى عام 1979 م، وبسبب الظروف السياسية في [[العراق]] هاجر الوائلي إلى المنفى ([[سوريا]]) سنة 1979 م، ولمدّة 24 سنة.

<br>وقد شارك في أكثر من مؤتمر للأُدباء العرب في [[بغداد]] و[[الكويت]] وغيرهما.

<br>وله قصيدة مشهورة يبدؤها بالتعبير عن أمانيه في ما يمكن أن يقدّمه تجمّع الشعراء من عطاء، ويتمنّى أن تحقّق الأُمّة الانتصارات وكرامة العيش، يقول:<br>لغدٍ سخيّ الفتح ما نتجمّع‏<br>ومدَى كريم العيش ما نتوقّع‏<br><br><br>ثمّ يخاطب مهرجان الشعر، ويتحدّث عن الرسالة التي يجب أن يحملها الشعر وأصحاب الشعر، وهي تتمثّل في: تحمّل الأعباء الثقيلة، وتحقيق أماني الأُمّة، والريادة في البناء، والإبداع في الفكر ... يقول:<br>يا مهرجان الشعر عِبؤك مجهد<br>فإذا نهضت به فإنّك أروع‏<br>إنّا نريدك والأماني جسَّدت‏<br>بك رائداً يبني وفكراً يُبدع‏<br><br><br>ويرى أيضاً أنّ رسالة الشعر إزالة الأحقاد؛ لتخصب وتورق الأرض المجدبة... يقول:<br>أنا إن شذى بك مزهري فلأنّك‏<br>اللحن المحبَّب والنشيد الأروع‏<br>ولأنّ أهدافاً توحِّد أو دماً<br>غمر العروق قرابةً لا تُقطع‏<br>بالأمس والحقد اللئيم يسومنا<br>فيجفُّ فى يده الأغضُّ الأينع‏<br>فابعث بروح منك في تلعاتنا<br>لترفَّ مجدبةٍ ويُورق بَلقعُ‏<br><br><br>وتعود به الذكريات إلى الماضي، فيرسم في آفاقه ما قدّمه المسلمون من عطاء للعالم أجمع، ومن نور جلى الظلام، ومن حضارة اقترنت بالخُلُق والعفّة والورع، ومن تعامل إنساني مع شعوب البلدان المفتوحة، ثمّ يعود إلى مخاطبة المؤتمر بأنّ هذا التحليق في الماضي إنّما هو لوضع الشعراء أمام مسؤوليتهم تجاه وطنهم الذي يتعرّض للتمزيق، وتجاه هذه الحواجز التي يبنونها بين أبناء الشعب الواحد:<br>لسنا بمعهود على أبعادنا<br>يَبس فدنيانا الربيع الممرعُ‏<br>أيّ الكرائم ليس في أعناقها<br>ممّا نسجناه العقود اللمَّع‏<br>أم أيّ وضّاء وليس بجذره‏<br>قبس لنا يجلو الظلام مشعشع‏<br>سُدنا فما ساد الشعوب حضارة<br>أسمى ولا خُلق أعفّ وأروع‏<br>قدنا الفتوح فما تشكّى وطأنا<br>فكر ولا دين ولا من يتبع‏<br>حتّى الرقيق تواضعت أحسابنا<br>كرماً فأوليناه ما لا يطمع‏<br>عفواً إذا جمح الخيال فلم أجئ‏<br>للأمس أمري الضرعَ أو استرضع‏<br>لكنّها صور جلوت ليُرسم الفجرُ<br>المشرِّف والأصيل المفجع‏<br>وليستبين الشعرُ أيّ رسالة<br>يُدعى لها وبأيّ أمر يُصدع‏<br>يدعى إلى وطن يشظّي خصمه‏<br>أوصاله بيد الهباة ويقطع‏<br>والمبتلي ببنيه في نزواتها<br>تعطيه مزرعة لمن لا يزرع‏<br><br><br>يدعي ليهدم ما بنوه حواجزاً<br>ويلمّ ما قد مزّقوه ووزّعوا<br><br><br>والأبيات التالية تصف بأُسلوب أدبي رائع جراح [[الأُمّة]]، وخاصّة جرحها في [[فلسطين]]، ويقول: يكفي جراحنا ألماً أنّها تعيش على ذكريات الماضي، وأنّ الآسي (الطبيب) يلهو بها<br>ومبضغ الجرّاح يسخر منها، ونحن لا نملك أمام هذه الجراح إلّاالتغنّي! ينكأ الجراح، ويشير إلى المتاجرين بكرامة الشعوب، وإلى القدس التي لاترى سوى ضجيجنا، فتصحو على ظاهرة حركة منّا، ولكن سرعان ما تتبدّل الحركة إلى سراب، والطريق نحوها ملي‏ء بالسروج (بالعتاد)، ولكن السروج تفتقد الفارس الذي يمتطيها، وعشرون بلداً عربياً حرّاً لم تستطع أن تقف أمام يد [[اليهود]] المغلولة.

<br>ويدعو الشاعر إلى استثارة الجراح المخدّرة، وعدم الاكتفاء بشتم الخطب وإدانته، بل بالتصدّي للخطوب بشجاعة؛ لأنّ الجبان يشرب الصدى والمنبع قريب منه (لا يستفيد ممّا تتوفّر لديه من إمكانات)... يقول:<br>يا مهرجان الشعر حسب جراحنا<br>أنّ الهوى ممّا تعتّق يُكرع‏<br>ولقد نغصّ لما نقول بأنّها<br>يلهو بها الآسي ويسخر مبضع‏<br>غنّى بها نفر فألّم حُزننا<br>إنّ التغنّي بالجراح تنطّع‏<br>ولشدّ ما يؤذي الكرامة أن نرى‏<br>صوت المساوم بالكرامة يُرفع‏<br><br><br>ويذكر أنّ عقيدة السماء لو قدّمت إلى الأُمّة صافية نقية فإنّ جياع العقيدة من المنجرّين إلى التيّار المادّي سيعرفون أنّ [[شريعة السماء]] هي التي تبني الغد السعيد للإنسان ... يقول:<br>يا مهرجان الشعر مَرَّ بأُفقنا<br>وَهَج يفحُّ من السموم ويفزع‏<br>بالحقد تسقى ما علمت جذوره‏<br>وبثوب إنسانية يتبرقع‏<br>يمشي إلى الهدف الخدوع ولو على‏<br>برك الدما وغليله لا ينقع‏<br>أغرى الخطايا بالنعوت رفيعة<br>ومشى على القيَم الكريمة يقذع‏<br>فاللَّه وهمٌ والفضيلة كلّها<br>تَرَفُ وما رسمت وما تستتبع‏<br>ما الفرد إلّامعدة وغريزة<br>وسواهما أُكذوبة وتصنّع‏<br>ومشى بمعصوب العيون يقوده‏<br>يبكي إذا أوحى له ويرجّع‏<br>سوّاه من دنس فماتت عنده‏<br>فِطَر سليمات ولُوِّث منزع‏<br>وأسفَّ فاحتضن المسوخ يربِّها<br>حتّى تعملق في ذراه الضفدع‏<br><br><br>حتّى إذا الطغيان طاح بأهله‏<br>وكبا بِهِ بغي وأوشك يصرع‏<br>ألقى لنا صوراً تعدّد نعتها<br>لكنّها تنمى إليه وترجع‏<br>فانهدّ له بالفكر يخضدُ جذره‏<br>فالفكر ليس بغير فكر يقرع‏<br>وأغث جياعَ عقيدةٍ فهُمُ إلى‏<br>فكر يسدِّد من طعام أجوع‏<br>قُدهم إلى نبع السماء نِطافه‏<br>عذب وسائغ ورده لا يُمنعُ‏<br><br><br>واسلك بهم درباً أضاء محمّد<br>أبعاده وجلاه فهو المهيع‏<br>وأنا الضمين بأنّه سيعيدهم‏<br>ألقاً يمتّ إلى السموّ وينزع‏<br>وسيعرفون بأنّ ما شرع السما<br>يبني الكريم الرغد لا ما شرّعوا<br><br><br>وفي آخر مقطع من قصيدته يبلغ الذروة في توعية المخاطب على ما يحيط بالأُمّة من مخطّطات سامّة، ويحذّر من الأراقم (الأفاعي)، ومن الانجرار وراء طبول تُقرع، فأيدي قارعيها ملطّخة بدماء العراقيّين (ويقصد أيدي البريطانيّين بقرينة الأبيات التالية)؛ إذ يشير بعد ذلك إلى اشتراك العراقيّين جميعاً في مقارعة [[الاحتلال البريطاني]]، حتّى إذا أرسى السفين وتحقّق النصر حُرمت فئة من أيّ شي‏ء ونالت فئة كلّ شي‏ء، في إشارة إلى الأُسلوب البريطاني في حرمان [[الشيعة]] من استلام المسؤوليات في الدولة. ويقول: إنّ هذه الخطّة كانت بهدف إثارة التفرقة بين [[السنّة]] والشيعة، ثمّ يخاطب أُولئك الذين يستهدفون قتل الأُخوّة بين العراقيّين قائلًا: لمّوا الشباكَ فطيرنا لا يُخدع؛ لأنّ الكتاب والسنّة غرست روح الإخاء بين المسلمين ... يقول:<br>يا مهرجان الشعر إنّ ثمالةً<br>من كأس غيرك عافها المترفّع‏<br>ما آمنت بك غير أنّ ظروفها<br>تملي ولاءً بالرياء يقنّع‏<br>ولجت حماك في الرؤوس مخطّط<br>وأُعيذ قومي من لظاء مروّع‏<br>وهي التي إن أوترت أقواسها<br>في غفلة فأنا وأنت المصرع‏<br>فتوقّ أرقمها فلست بواجدٍ<br>صِلّاً على طول المدى لا يَلسَع‏<br>لا تطربنّ لطبلها فطبولها<br>كانت لغيرك قبل ذلك تَقرع‏<br><br><br>مازلت أعرف في يديها من دمي‏<br>عَلَقاً وهل تنسى ضناها المرضع‏<br>أيّام نتقسِمُ اللظى وصدورنا<br>تضرى‏ فيمنحها الوسامَ المدفع‏<br>ودماؤنا امتزجت سواه فلم تكن‏<br>فرقاً يصنّفها الهوى وينوّع‏<br>وتعانقت فوق الحراب أضالع‏<br>منّا فما ميّزت هنالك أضلع‏<br>حتّى إذا أرسى السفين وعافه‏<br>نوء زحمنا منكبيه زعزع‏<br>عُدنا وبعضٌ للسفين حبالُه‏<br>والبعض حُصّته السفينةُ أجمع‏<br>ومشت تصنّفنا يدٌ مسمومة<br>مُتسنِّنٌ هذا وذا متشيّع‏<br>يا قاصدي قتل الأُخوّة غيلة<br>لمُّوا الشباك فطيرنا لا يُخدع‏<br>غرسَ الأخاء كتابنا ونبيّنا<br>فامتدَّ واشتبكت عليه الأذرع‏<br><br><br>وفي القصيدة استحضار للماضي للانطلاق منه إلى المستقبل، حيث ترى ما تحقّق في الماضي من ازدهار حضاري كان بسبب ما في الشريعة (قرآن وسنّة) من عناصر نهوض حضاري، وهذه العناصر هي قائمة بين ظهراني المسلمين، ويمكن استئناف مسيرة الحضارة على أساس من ذلك الماضي التليد واستلهاماً من القرآن والسنّة.

<br>والقصيدة تؤكّد ما وراء الفتن الطائفية من يد معادية تحاول الانتقام من أتباع أهل البيت، ومنها نستنتج أنّ العامل الأساس في إثارة الفتنة الطائفية في العراق هم البريطانيّون، سعوا إلى ذلك قبل احتلالهم العراق، ومارسوا ذلك إبّان احتلالهم بقوّة، وحين واجهوا مقاومة النجف اضطرّوا إلى الانسحاب من العراق، ولكن بنيّة الانتقام، فوضعوا للحكم الملكي خطّة تكرّس الطائفية في الحكم، وتواصل هذا التكريس على مرّ الأعوام التالية.

<br>وإذا زال هذا الاحتكار الطائفي بعد سقوط نظام صدّام فإنّ التفرقة الطائفية لاتزال تمارس بقوّة على يد المحتلّين وبمساندة قوى إقليمية، لكنّ صوت النجف يبقى صوتاً يدعو إلى [[الوحدة الإسلامية|الوحدة]] والوئام ونبذ الطائفية، سواء على مستوى المرجعية أم على صعيد المفكّرين‏<br>والأُدباء والمثقّفين.

(انظر ترجمته في: شعراء الغري 1: 293- 302، معجم رجال الفكر والأدب 3: 1315- 1316، أُدباء وشعراء العرب 2: 38، المنتخب من أعلام الفكر والأدب: 26، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة 1: 137- 138، معجم الشعراء للجبوري 1: 95).

<br>

[[تصنيف:روّاد التقريب]]

[[تصنيف:علماء العراق]]