حسن مأمون
حسن مأمون: شيخ الجامع الأزهر بعد فترة مشيخة الشيخ محمود شلتوت، وكان قبلها مفتياً للديار المصرية. قضى معظم حياته الوظيفية قاضياً يستعرض أدلّة الفقهاء في المذاهب الفقهية المختلفة.
مدخل حول الأزهر ومشيخته
مع تولّي أسرة محمّد علي باشا الحكم في مصر، تغيّرت عملية اختيار شيخ الأزهر، حيث كان يتمّ بتدخّل من الوالي، ومع الجهود المبذولة لتطوير جامع الأزهر وإصلاحه، ظهرت جماعة كبار العلماء سنة (1239هـ = 1911م) في عهد المشيخة الثانية للشيخ سليم البشري، ونصّ قانون الأزهر وقتها على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين جماعة كبار العلماء، حيث يتمّ اختياره بطريق الانتخاب من بين هيئة كبار العلماء المرشّحين لشغل المنصب على أن يكون حاملاً للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين مسلمين، وأن يكون من خرّيجي إحدى الكلّيات الأزهرية المتخصّصة في علوم أصول الدين والشريعة والدعوة الإسلامية واللغة العربية، وأن يكون قد تدرّج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الأزهرية، وكان ذلك يضمن ما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر من العلم والمعرفة والسمعة وحسن الخلق.
وبصدور القانون رقم 103 لسنة 1961م الخاصّ بتطوير الأزهر، ألغيت هيئة كبار العلماء وحلّ محلّها ما عرف باسم: مجمع البحوث الإسلامية، ويتكوّن من 50 عضواً على الأكثر، كان من بينهم في بداية نشأته حوالي 20 من غير المصريّين من كبار علماء العالم الإسلامي، ولا تسقط عضوية أيّ منهم إلّا بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الصحّي.
ومجمع البحوث هو الذي يقرّر إسقاط العضوية، وهو الذي يملأ المكان الشاغر بانتخاب أحد المرشّحين سواء بالاقتراع السرّي أو بأغلبية الأصوات، ويتمّ اختيار شيخ الأزهر بشكل عامّ من بين أعضاء المجمع، ويكون رئيس الجمهورية وحده هو صاحب القرار، وعلى أن يعيّن ولا يقال. ويُعيّن شيخ الأزهر في منصبه بعد صدور قرار من رئيس الجمهورية، ويعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش.
وقد جعل هذا القانون شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كلّ ما يتّصل بالشئون الدينية وفي كلّ ما يتعلّق بالقرآن وعلوم الإسلام.
مولده ونشــأته
ولد الشيخ حسن مصطفى مأمون يوم 10 من ذي الحجّة عام 1311هـ الموافق 13 من يونيه سنة 1894م بحي الخليفة بالقاهرة.
وكان والده الشيخ مصطفى مأمون إماماً لمسجد الفتح بقصر عابدين، وكان إمام هذا المسجد يُعدُّ إماماً للملك، وقد عني بتربيته منذ صغره التربية الدينية القويمة، فحفظ القرآن وجوَّده، ثمّ التحق بالأزهر الشريف، ولمّا أنهى دراسته اتِّجه إلى مدرسة القضاء الشرعي وتخرّج فيها عام 1918م. وكان إلى جانب إتقانه للعربية مُلمّاً باللغة الفرنسية، فجمع بذلك بين الثقافتين العربية والفرنسية.
مناصبــه
عُيِّن الشيخ مُوظّفاً قضائيّاً بمحكمة الزقازيق الشرعية في 10 من محرم عام 1338هـ الموافق 4 أكتوبر سنة 1919م، وفي شهر شوّال من نفس العام الموافق أوّل يوليو سنة 1920م نُقِلَ إلى محكمة القاهرة الشرعية، وفي 5 من شهر رجب لعام 1339هـ الموافق 14 مارس سنة 1921م تمّت ترقيته إلى قاضٍ من الدرجة الثانية ونُقِلَ إلى محكمة طنطا الشرعية، وفي 16 من جمادى الآخرة عام 1348هـ الموافق 18 نوفمبر سنة 1929م نقل إلى محكمة مصر الشرعية، ثمّ تمّت ترقيته إلى قاض من الدرجة الأولى في نفس هذا الشهر، ثمّ رقي إلى منصب قاض عامّ أوّل فبراير عام 1939م.
وكانت شهرته العلمية وفضائله الخلقية ومعارفه الفقهية كفيلة للفت الأنظار إليه، ولذا فإنّه ظلّ يترقّى في القضاء الشرعي حتّى صدر مرسوم ملكي بتعيينه قاضياً لقضاة السودان في 5 من ذي الحجّة عام 1359هـ الموافق 3 من يناير سنة 1941م. وقد أمضى في منصبه هذا قرابة 6 سنوات قام بواجبه فيها خير قيام. ثمّ عاد إلى القاهرة، حيث تمّ تعيينه رئيساً لمحكمة القاهرة الشرعية الابتدائية، وذلك في 27 من ربيع الأوّل لعام 1366هـ الموافق 17 فبراير 1947م، ثمّ ترقّى ليكون عضواً في المحكمة الشرعية العليا في 25 من محرّم عام 1367هـ الموافق 18 ديسمبر 1947م، ثمّ أصبح نائباً لها في 7 من شعبان عام 1370هـ الموافق 13 مايو 1951م، ثمّ عُيِّن رئيساً للمحكمة الشرعية العليا في الأوّل من جمادى الآخرة لعام 1371هـ الموافق 26 فبراير 1952م. ولمّا قربت سنّ إحالته للمعاش قام مجلس الوزراء بمدّ عمله سنة أخرى بناءً على طلب وزير العدل؛ وذلك للحاجة الماسّة إلى كفاءته. وفي 24 من جمادى الآخرة عام 1374هـ الموافق 16 فبراير سنة 1955م اقترح وزير العدل على مجلس الوزراء إسناد منصب المفتي إلى الشيخ «حسن مأمون» للانتفاع بعلمه الغزير وكفاءته الممتازة وواسع خبرته، فوافق مجلس الوزراء على تعيينه مفتياً للديار المصرية اعتباراً من أوّل مارس سنة 1955م، وظلّ في هذا المنصب حتّى 17 من ربيع الأوّل عام 1384هـ الموافق 26 يوليو سنة 1964م، حيث صدر القرار الجمهوري رقم 2444 لسنة 1964م بتعيين الشيخ حسن مأمون شيخاً للأزهر ليكون الشيخ التاسع والثلاثين في تعداد شيوخ الأزهر.
أعماله
أصدر الشيخ خلال فترة تولّيه منصب الإفتاء حوالي (12311) فتوى مسجّلة بسجّلات دار الإفتاء، وأثناء تولّيه مشيخة الأزهر ذلَّلَ الكثير من العقبات التي كانت تعترض الأزهر، ومع المناصب العليا التي شغلها فإنّه كان حريصاً على إلقاء الدروس على طلبة قسم القضاء بكلّية الشريعة. كما ظلّ رئيساً لمجلس إدارة مسجد الإمام الشافعي، وظلّ الشيخ يباشر عمله في مشيخة الأزهر حتّى تناوشته الأمراض، وأحسّ المسؤولون حاجته إلى الراحة، فاستجابوا لرغبته في التقاعد؛ حيث تفرّغ للراحة والعبادة والعلاج وإن لم يتوقّف عن البحث والدراسة والتدوين، كما ظلّ يواصل الإشراف على الهيئة العلمية القائمة على تصنيف الموسوعة الفقهية الكبرى التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وله فضل كبير في تنظيم هذه الموسوعة وكتابة ومراجعة بعض موادها الفقهية. وكان يجد لذة كبرى في الدراسات الفقهية تنسيه ما يقاسيه من أمراض وآلام.
مؤلّفاته
1- الفتاوى. وقد أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجزء الأوّل منها وطبعته دار التحرير بالقاهرة سنة 1969م.
2- دراسات وأبحاث فقهية متنوّعة، نشرها الشيخ أو راجعها في الموسوعة الفقهية الكبرى التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
3- السيرة العطرة. وهي سلسة أبحاث كتبها الشيخ وأذاعها، وهي مكتوبة على الآلة الكاتبة.
4- الجهاد في الإسلام. دراسة تناول فيها الشيخ هذا الموضوع، وقد كتبت بالآلة الكاتبة ولم تطبع.
5- تفسير موجز لسور الضحى والانشراح والقدر. وهو مكتوب على الآلة الكاتبة.
أبرز صفاته العلمية
كان الشيخ فقيهاً مستنيراً، قضى معظم حياته الوظيفية قاضياً يستعرض أدلّة الفقهاء في المذاهب الفقهية المختلفة، وكان ذا بصيرة ملهمة في فقه النصوص الشرعية والإلمام بمقاصد التشريع ومعرفة أنماط الفتوى وأسباب تنوّعها.
وفاتــه
في السابع عشر من ربيع الآخر لعام 1393هـ الموافق 19 مايو سنة 1973م انتقل الشيخ حسن مأمون إلى رحمة الله تعالى بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال.
مصادر الترجمة
- الأزهر في ألف عام، محمّد عبد المنعم خفّاجي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتّى الآن، علي عبد العظيم.
المصدر
المقال مقتبس مع تعديلات من موقع: www.dar-alifta.org