الامتثال الإجمالي

الامتثال الإجمالي موضوعٌ یبحث عنه في علم اصول الفقه، ويقابله الامتثال التفصيلي، والمراد بهما هو الإطاعة والامتثال للتکليف الذي يجب عليه، والامتثال قسمان: إجمالي وتفصيلي.

الامتثال الإجمالي

وهو الامتثال الذي يعلم بعده المكلّف ـ علما إجماليا ـ بتحقق مصداق المأمور به في الخارج وإن كان لايعلم حين العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به أم لا؟ وهو المسمّى بالاحتياط، وفي قباله الامتثال التفصيلى وهو الذي يعلم المكلّف حين العمل أنّ ما يفعله مصداق للمأمور به، سواء كان بتكرار العمل أو بفعله مع ما يحتمل دخله من الاجزاء والشرائط. ولا إشكال في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي مع عدم التمكُّن من التفصيلي علما أو ظنا معتبرا؛ لانحصار الامتثال وأداء الوظيفة عندئذٍ فيه. وأمّا مع التمكن من الامتثال التفصيلي، فلا إشكال أيضا في جواز الاحتياط والامتثال الإجمالي في التوصليات؛ ضرورة أنّ الغرض من الأمر بها إنّما هو تحققها في الخارج كيفما اتفق، وهو حاصل بالاحتياط قطعا، وذلك كتطيهر الثوب المتنجس بمائين مشتبهين أحدهما مضاف. وكذلك الكلام في المعاملات بالمعنى الأخص من العقود والايقاعات، فإنّه يجوز تكرار صيغة البيع أو النكاح أو الطلاق بالعربية وغيرها، أو مع قيد آخر وخاليا عنه، لتحقق النكاح والبيع على الوجه الصحيح عند اللّه‏. وإنّما الكلام والإشكال في العبادات، حيث استشكل في جواز الامتثال الإجمالي فيها مع التمكن من التفصيلي، بل المنسوب إلى المشهور بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد[١]، بل قد يحكى عليه الإجماع، خصوصا فيما يستلزم الاحتياط التكرار. [٢] وقد يستدلّ لعدم الجواز بإخلال الاحتياط بالقربة المعتبرة في العبادة بتقريب: أنّ القربة إنّما هي إتيان العمل بقصد أمره، ومع جهل الأمر لايمكن قصده وفي موارد الاحتياط إنّما يأتي المكلّف العمل بداعي احتمال أمره لا بداعي نفس الأمر. [٣] واُجيب عنه: بأنّ القربة يكفى فيها حصول العبادة مضافا إلى اللّه‏ تعالى، وهذا المعنى موجود في موارد الامتثال الإجمالي بالاحتياط؛ لأنّ المكلّف إنّما يكرّر العمل بداعي تحقق ما هو المأمور به للمولى، ففى الحقيقة يكون الداعي هو الأمر المتعلق بالواقع، ولا دليل على اعتبار أكثر من هذا المعنى في العبادة. [٤] كما قد يستدلّ للبطلان باختلال القصد المعتبر في العبادة مع الامتثال الإجمالى، والمراد من قصد الوجه هو اتيان العمل على وجهه من الوجوب والاستحباب، وفي الامتثال الإجمالي حيث لايعلم المكلّف بمصداقية ما يفعله للأمر الوجوبي أو الاستحبابي، فلا يتمكن من قصده على وجهه. [٥] وهذا الوجه ـ كما ترى ـ إنّما يجري مع التمكن من الامتثال التفصيلي وإتيان العمل على وجهه، وأمّا مع عدم إمكانه، فلا وجه للبطلان؛ لانحصار جهة الامتثال في إتيان العمل خاليا عن قصد الوجه. وأجيب عن ذلك أيضا: بردّ المبنى ـ وهو اعتبار قصد الوجه في العبادة ـ إذ لادليل على اعتبار أكثر من قصد القربة في العبادات، بمعنى إضافته إلى اللّه‏ حتى مع التمكن من الامتثال التفصيلي، بل نفس سكوت الأخبار عن ذكر مثل ذلك مع كثرة الابتلاء بها يوجب القطع بعدم اعتباره وقد يستشكل فيه ببعض الوجوه الاخرى، واجيب عنها كذلك. [٦]

المصادر

  1. انظر: مصباح الفقيه 2 : 161، مستمسك العروة الوثقى 1 : 6 ـ 7.
  2. انظر : فرائد الأصول 1 : 419 ، كتاب الصلاة الأنصاري 1 : 175 ـ 176.
  3. فوائد الأصول 3 : 72.
  4. كتاب الصلاة الأنصاري 1 : 1175 ـ 1177.
  5. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 73 ـ 74.
  6. نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 52 ـ 53، مستسمك العروة الوثقى 1 : 7، التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 68 ـ 69.