الاضطرار
الاضطرار: وهو الحرج الذي لايمكن تحمّله عادة، کـ التيمم بدل الوضوء للمضطر. وللاضطرار أحکامٌ و مباحثُ نذکرها في هذا المقال.
تعريف الاضطرار لغةً
الاضطرار: الاحتياج إلى الشيء، وقد اُضطرَّ إلى الشيء أي أُلجيء إليه. والضرورة: اسم لمصدر الاضطرار، وهي الحاجة، ومنه: رجل ذو ضرورة، أي ذو حاجة. [١]
تعريف الاضطرار اصطلاحاً
يستعمل الاضطرار في كلمات الأصوليين في معنيين:
الأوّل: وهو الذي يكون ترك فعله موجبا للوقوع في الحرج الذي لايمكن تحمّله عادة، كما في مثال: أكل الميتة للمضطر إليها، و التيمم بدل الوضوء لمن أضرّ به استعمال الماء، وبهذا المعنى يبحث عن مسألة «حكم الاضطرار وانطباق الحكم الثانوي عليه»[٢] و«الاضطرار وحل العلم الإجمالي به»[٣] و«إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي».[٤]
الثاني: وهو الذي يكون معه الفاعل مسلوب الإرادة أي بمعنى «الضرورة» كما في السقوط من شاهق بعد الإسقاط، وبهذا المعنى يُبحث عن مسألة «تطبيق المأمور به على الفعل المضطر إليه» بشقّيها: ما إذا كان بسوء الاختيار أو لا بسوء الاختيار بل اتفاقي، ولذا قد يصطلح عليه إذا كان بسوء الاختيار بـ «الامتناع بالاختيار لاينافي الاختيار» بدلاً عن التعبير بـ «الاضطرار بسوء الاختيار لاينافي الاختيار».[٥]
الألفاظ ذات الصلة
1 ـ إكراه: وهو حمل الغير على أمر يكرهه ولايُريد مباشرته لولا الحمل عليه. [٦]
الفرق بين الإكراه وبين الإضطرار، أنّ الإكراه يستند إلى وجود قوة قاهرة تُكرِه المكرَه على القيام بعمل ما أو تركه، بينما الاضطرار قد يستند إلى عوامل خارجية تضطره إلى فعل عمل ما أو تركه.
2 ـ إلجاء: وهو عدم وجود مندوحة عن الفعل مع حضور العقل، كمن يلقى من شاهق فهو لايجد بدا من الوقوع ولا اختيار له في الوقوع ولا هو بفاعل. [٧]
الفرق بين الالجاء وبين الاضطرار بالمعنى الأوّل هو أنّ الإلجاء لايجتمع مع الاختيار، بل المُلجأ مسلوب الإرادة أصلاً، لكونه آلة محضة بيد المُلجِئ، بينما الاضطرار يجتمع مع الاختيار، فالمضطر يستطيع أن يفعل وأن يترك ما أُضطر إليه غاية الأمر أنّ الشارع رخّص له بارتكابه.
ويبدو أنّ الإلجاء هو تعبير آخر عن الاضطرار بالمعنى الثاني.
حكم الاضطرار
لم يبحث الأصوليون الاضطرار بصورة مستقلة وإنّما وقع البحث فيه خلال البحث في مقامات عدّة من علم الأصول:
المقام الأول: الاضطرار إلى ارتكاب الحرام
ويقع الكلام في هذا المبحث في جهتين:
الجهة الأولى: حكم الاضطرار وانطباق الحكم الثانوي عليه
إذا اضطر المكلّف إلى ارتكاب الحرام، مثل: أكل الميتة لمن لم يجد طعاما وخاف الهلاك، أو شرب الخمر لضرورة التداوي، فإنّه لا كلام في ارتفاع الحرمة[٨]، ويصبح الفعل المذكور مباحا، بل قد يكون واجبا إذا أدّى تركه إلى الهلاك. [٩]
وللتفتازاني كلام يشعر بوجود خلاف في ارتفاع الحرمة. [١٠]
وقد اُستدل على ارتفاع الحكم الأولي، أي الحرمة في مورد الاضطرار بعدّة أدلّة:
الأوّل: الآيات القرآنية التي تعرّضت لأحكام المضطر مثل قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»[١١]، وقوله تعالى: «...وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...». [١٢] وهذه الآيات وإن وردت للترخيص بمحرّمات خاصّة في حال الاضطرار إلاّ أ نّه يمكن استفادة العموم من عموم العلّة و مناسبة الحكم والموضوع. [١٣]
الثاني: ما ورد من رواية «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه».[١٤]
الثالث: ما ورد من أحاديث الرفع الدالّة على رفع حكم «ما اضطروا إليه»[١٥] أو «ما أُستكرهوا عليه».[١٦]
والمراد من ارتفاع الحرمة في هذه الأدلّة هو الترخيص في ارتكاب الحرام المضطر إليه لا ارتفاع أصل الملاك، فإنّ الملاك باقٍ ولايزول بالاضطرار. [١٧]
نوع الحكم المرفوع بالاضطرار
ذكر أنّ أدلّة الاضطرار ترفع الإلزام بالحكم التكليفي فقط ولا ترفع الإلزام بالحكم الوضعي، فمن أتلف مال غيره اضطرارا يسقط عنه الحكم التكليفي وما يترتّب عليه من الإثم ولايسقط عنه الحكم الوضعي وهو الضمان؛ لأنّ قاعدة: «من أتلف مال غيره فهو له ضامن» تبقى محكَّمة. [١٨]
لكن في المقابل ذهب البعض إلى أنّ الإذن الشرعي بارتكاب ما اضطر إليه ينافي الضمان وثبوت الحكم الوضعي في حقّ المضطر، فكما أنَّ الاضطرار إلى أكل الميتة لايترتّب عليه ضمان كذلك الاضطرار إلى طعام أو لباس الغير لايترتّب عليه ضمان. [١٩]
نوع الحكم الثابت بالاضطرار
ويصطلح على الحكم المتجدد الثابت بالاضطرار تارة بـ «الحكم الثانوي» وهو ما يجعل للشيء من الأحكام بلحاظ ما يطرأ عليه من عناوين خاصّة تقتضي تغيير حكمه الأولي. [٢٠]
ويصطلح عليه أخرى بـ «الرخصة» وهي ما شرعه اللّه من الأحكام تخفيفا على المكلّف في حالات خاصّة تقتضي هذا التخفيف. [٢١]
والحكم الثانوي أعم من الرخصة حيث إنَّه يشمل جميع حالات تبدُّل الحكم من إباحة أو حرمة أو وجوب او رفع حكم وضعي، بينما الرخصة تختصّ بإباحة الواجب أو الحرام. [٢٢]
لكن المحبوبي عمم الرخصة إلى تلك الأحكام، وذكر فيه التفتازاني بأ نّه خلاف اصطلاح الجمهور. [٢٣]
الجهة الثانية: تطبيق المأمور به على الحرام المضطر إليه
إذا اضطر المكلّف إلى ارتكاب الحرام فهل بالإمكان تطبيق المأمور به على الفعل الحرام فالصلاة بالثوب النجس اضطرارا أو حال الخروج من الأرض المغصوبة هل هي من مصاديق الواجب المأمور به أم لا؟
وفيه تندرج المسألة التي تبحث بعنوان: «الاضطرار بسوء الاختيار لاينافي الاختيار».
المقام الثاني: إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي
إذا عرض للمكلّف عذر وأتى بالأمر الاضطراري (الصلاة مع الطهارة الترابية مثلاً) بدلاً عن الأمر الأولي (الصلاة مع الطهارة المائية) وقع البحث فيه في وجود ملازمة بين الأمر الاضطراري وبين الإجزاء وعدم وجوب الإعادة أداءً إذا ارتفع العذر في داخل الوقت وقضاءً إذا ارتفع العذر خارجه، أو عدم وجود ملازمة في ذلك. يبدو أنّه لا خلاف بين الأصوليين في أصل الإجزاء، وإنّما الخلاف في تصويره.
المقام الثالث: الاضطرار إلى بعض الأطراف وانحلال العلم الإجمالي به
كما إذا حصل للمكلّف علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءين، ثُمّ اضطر إلى ارتكاب أحدهما بأي نحو من أنحاء الاضطرار، فوقع البحث في أنّ هذا الاضطرار هل يوجب انحلال العلم الاجمالي باعتبار أنّ الطرف المضطر إليه مؤمن عنه بالاضطرار، والطرف الآخر يجري فيه الأصل المؤمن بلا معارض، أو أنّ ذلك لايوجب الانحلال.
المصادر
- ↑ لسان العرب 3: 2301، مجمع البحرين 3: 373 مادة «ضرر».
- ↑ مصباح الأصول ج1 ق1: 211.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن: 515.
- ↑ أنظر: كفاية الأصول: 84.
- ↑ أنظر: جواهر الكلام 8: 294، فوائد الأصول 1ـ2: 447، مصباح الأصول 1 ق 2: 222.
- ↑ أنظر: كشف الأسرار البخاري 4: 647ـ648، زبدة الأصول (الروحاني) 3: 220.
- ↑ منع الموانع: 105 ـ 106، وأنظر: البحر المحيط 1: 355، تمهيد القواعد: 73.
- ↑ أنظر: التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 2: 283، فتح الغفّار 2: 71، مصباح الأصول 1 ق 2: 211، بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 84.
- ↑ أنظر: كشف الأسرار النسفي 2: 571، فتح الغفّار 3: 120.
- ↑ التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 2: 283 ـ 284.
- ↑ البقرة: 173.
- ↑ الأنعام: 119.
- ↑ القواعد العامة في الفقه المقارن: 121 ـ 122.
- ↑ تهذيب الأحكام 3: 177 كتاب الصلاة، باب في صلاة الغريق والمتوحل والمضطر بغير ذلك ح10.
- ↑ وسائل الشيعة 15: 369 كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 56 جملة ممّا عُفي عنه ح1.
- ↑ الجامع الصغير 2: 16 ح4461، كنز العمال 4: 233 ح10307.
- ↑ القواعد العامة في الفقه المقارن: 123.
- ↑ أنظر: شرح القواعد الفقهية: 213، تحرير المجلة 1: 152، القواعد العامة في الفقه المقارن: 113.
- ↑ أنظر: الحاوي الكبير 19: 201.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن: 69.
- ↑ علم أصول الفقه عبدالوهاب خلاّف: 107.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن: 69.
- ↑ التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 2: 277 ـ 278.