إبراهيم حمروش

إبراهيم حمروش: رائد من روّاد النهضة الأزهرية الحديثة، وعلم من أعلام الأزهر الكبار في القرن العشرين، كانت له مواقف صلبة وشامخة، منها مواقفه الشجاعة في حرب فلسطين، وفي أثناء اندلاع المقاومة المسلّحة في منطقة القناة بعد إلغاء وزارة الوفد لمعاهدة 1936 في أكتوبر 1951. وصفه الأستاذ عبّاس محمود العقّاد في كتاب يومياته بقوله: "الشيخ حمروش بقية صالحة من بقايا المدرسة التي استفادت من قدوة أستاذها الشيخ محمّد عبده في العناية بعلوم اللغة والأدب والحكمة إلى جانب العناية بعلوم الفقه والشريعة".


ولادته وأسرته

ولد الشيخ إبراهيم حمروش في قرية الخوالد من قرى مركز إيتاي البارود في إقليم البحيرة في الأوّل من مارس سنة 1880م في أسرة عرفت بالعلم وبتولّي وظائف القضاء الشرعي، وقد كان أخوه الشيخ أحمد حمروش قاضياً، وكذلك كان عمّه الشيخ عبدالحميد حمروش قاضياً.

تكوينه العلمي

تلقّى الشيخ إبراهيم حمروش تعليماً دينياً تقليدياً بدأه في الكتّاب، ثمّ في الجامع الأزهر في القاهرة، وتخرّج في الأزهر بشهادة العالمية القديمة التي نالها عام 1906 في السادسة والعشرين من عمره. وقد كان قانون عالمية الأزهر في ذلك الوقت يقضي بالسماح لمن أمضى في الأزهر اثنتي عشرة سنة (أو أكثر) من الدراسة بأن يتقدّم لامتحان شهادة العالمية، ويحقّ لمن يحصل عليها التدريس بالجامع الأزهر. وكان لحصول الشيخ إبراهيم حمروش على هذه الشهادة بتفوّق قصّة لا تزال متداولة بسبب دلالتها على نبوغه المبكّر ، فقد كان امتحان مادّة أصول الفقه يدور على استيعاب مقدّمة كتاب "جمع الجوامع"، ولهذا كان الطلبة يعنون كلّ العناية بدراسة هذه المقدّمة ، ويتعمّقون في دراسة مسائلها من دون أن يعنوا عناية مماثلة ببقية الكتاب، ولكن الإمام عيد الرحمان الشربيني شيخ الأزهر في ذلك العام قرّر أن تكون المناقشة في مسائل الكتاب كلّه، واختار موضوع ” القياس” ليكون موضوع المناقشة، ومن ثمّ أحجم كثير من الطلبة عن دخول الامتحان، فسمح لمن يلونهم أن يتقدّموا للامتحان، فتقدّم الشيخ إبراهيم حمروش، وفاز بالعالمية من الدرجة الأولى عن جدارة ، وكان النظام المتّبع يقتضي أن يؤدّي الطالب الامتحان في أربعة عشر علماً على مدى يوم طويل ، ولكن الشيخ إبراهيم حمروش أثبت جدارته، فاستحقّ تقدير أساتذته الممتحنين بعد ثلاث ساعات فقط.

بين الأستاذية والقضاء

اجتمعت في الشيخ إبراهيم حمروش القدرة على أداء وظائف التدريس والقضاء، فقد عرف بالأستاذية المبكّرة، كما كان في مرحلة مبكّرة من حياته أيضاً من رجال القضاء المبرّزين.

بدأ الشيخ إبراهيم حمروش حياته الوظيفية عقب تخرجه مباشرة، إذ عيّن مدرّساً في الأزهرسنة 1906 وهو في السادسة والعشرين من عمره بعد حصوله على الشهادة العالمية القديمة، ثمّ انتقل للعمل بالقضاء الشرعي في 13 يونيو 1908، ولم يلبث في القضاء إلّا قرابة مائة يوم، حيث اختير مدرّساً في مدرسة القضاء الشرعي في أوّل عهدها، في الوقت الذي كان أغلب مدرّسيها من خرّيجي دار العلوم، وكان في اختياره اعتراف صريح من رجال المعارف بقدرة الأزهر على قيادة التطوير التعليمي والعلمي في هذا المجال، وبهذه الصفة تأكّدت صلته المبكّرة بالزعيم سعد زغلول باشا و بابن أخته الأستاذ التربوي الأشهر عاطف بركات باشا ناظر مدرسة القضاء الشرعي.

ومن خلال هذا الموقع الأثير درس عليه الفقه وأصول الفقه في مدرسة القضاء الشرعي مجموعة من النوابغ اللامعين في الحياة العامّة بعد هذا، من أمثال: الشيخ عبد الوهاب خلّاف، والشيخ على الخفيف، والشيخ محمّد فرج السنهوري وزير الأوقاف في نهاية عهد الملكية، والشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية، والشيخ علّام نصّار مفتي الديار المصرية، والشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية.

وبعد ثمانية أعوام من عمله بالتدريس في مدرسة القضاء الشرعي انتقل الشيخ إبراهيم حمروش من الأستاذية ليتولّى القضاء مرّة ثانية (1916)، وبقي في مناصب القضاء الشرعي فترة من الزمن، وفي هذا السلك توثّقت صلته بابن جيله الشيخ محمّد مصطفي المراغي، فلمّا تولّى المراغي مشيخة الأزهر للمرّة الأولى سنة 1928 عمل على نقله من القضاء الشرعي للأزهر، حيث كان من أبرز معاونيه في إدارته للأزهر ووضعه لمناهجه وتنظيمه لإدارة العملية التربوية التعليمية في عهدها الجديد، وقد تولّى الشيخ إبراهيم حمروش في عهدي الشيخين المراغي والظواهري مجموعة من مناصب الأزهر الكبيرة في تعاقب سريع لم يتح مثله لغيره من قبل ولا من بعد، فقد عهد إليه الشيخ المراغي بعمادة (مشيخة) معهد أسيوط الديني في 12 أكتوبر 1928، ثمّ شغل منصب المفتّش العامّ في إدارة الأزهر بالقاهرة في أوّل ديسمبر 1929، ثمّ تولّى عمادة (مشيخة) معهد الزقازيق الديني في 25 ديسمبر 1929.

عمادته لكلّية اللغة العربية

أصبح الشيخ إبراهيم حمروش عميداً لكلّية اللغة العربية في الأزهر في 12 يونيو 1931 حين أخذ الجامع الأزهر بنظام الكلّيات في عهد الشيخ محمّد الأحمدي الظواهري، وليكون بهذا أوّل عميد لكلّية اللغة العربية. وكان منصب العمادة يسمّى «شيخ الكلّية»، وهو المنصب الذي طال عهده فيه بأكثر من أيّ منصب آخر، وقد بقي فيه حتّى 24 إبريل 1944، حيث أصبح عميداً (شيخاً) لكلّية الشريعة.

وإلى الشيخ حمروش ينسب كثير من الفضل في المستوى المتميّز لكلّية اللغة العربية، فقد جعل القبول فيها مرتبطاً بامتحان قبول يختار لها أفضل الطلّاب من المتقدّمين لها.

تتويجاته الثلاثة أثناء عمادته لكلّية اللغة العربية

أثناء عمادته لكلّية اللغة العربية نال الشيخ إبراهيم حمروش تقديراً من نوع فائق لم يتكرّر لمثله، فقد اختير ليكون رئيساً للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وكان في هذا الاختيار برهان مبكّر على أن تكون للّجنة الفتوى مكانة موازية وأوسع أفقاً من منصب مفتي الديار الذي كان يتولّاه المفتي الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم.

وفي أثناء عمادته للكلّية اللغة العربية نال الشيخ إبراهيم حمروش أيضاً أكبر تقديرين علميين ينالهما أنداده، وقد جاء هذان التقديران في عامين متتاليين وإن كانت المصادر التي نشرت ترجمته لم تذكر الصواب في تاريخهما وترتيبهما، فقد اعتبر كرسيه في تأريخ عضوية المجمع أوّل كراسي المجمع، كذلك فقد نال الشيخ إبراهيم حمروش عضوية هيئة كبار العلماء في 1 يونيو 1934 برسالته عن «عوامل نموّ اللغة»، وكان حين تقدّم لعضوية هذه الجماعة شيخاً (عميداً) لكلّية اللغة العربية.

استقالته الاحتجاجية ثمّ مشيخته للأزهر

سجّل التاريخ المصري للشيخ إبراهيم حمروش وزميليه الشيخ عبد المجيد سليم والشيخ مأمون الشنّاوي موقفهم المبدئي والشجاع حين صمّمت حكومة محمود فهمي النقراشي باشا على تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخاً للأزهر على الرغم من عدم استيفائه الشروط القانونية، فما كان منهم إلّا أن استقالوا من مناصبهم التي كانت أكبر المناصب الدينية في ذلك الوقت، فاستقال الشيخ إبراهيم حمروش من عمادته لكلّية الشريعة.

و في سبتمبر 1951 اختير الشيخ إبراهيم حمروش شيخاً للأزهر في عهد وزارة الوفد الأخيرة، وقد احتفظ بهذا المنصب حتّى ما بعد حريق القاهرة وإقالة وزارة النحّاس باشا، حيث رأت وزارة علي ماهر باشا أن تبعده عن هذا المنصب من باب تهدئة الأوضاع مع البريطانيّين، ومن الطريف أنّها أعادت للمنصب الكبير سلفه في المشيخة الذي هو المفتي الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم، وكانت هذه هي أخر مرّة عاد فيها شيخ للأزهر إلى منصبه.

ويذكر التاريخ أنّ أوّل عمل وجّه إليه الشيخ إبراهيم حمروش عنايته كان هو إنهاء الخلاف حول ميزانية الأزهر بعد الخلاف الشهير الذي ترك الشيخ عبد المجيد سليم منصب المشيخة بسببه، حين قال قولته المشهورة: "تقتير هنا وإسراف هناك"، وقد تمسّك الشيخ إبراهيم حمروش بزيادة الميزانية وإعادة الدرجات التي حذفت منها، وحقّقت وزارة الوفد طلباته.

وقوفه الصريح مع الكفاح الوطني المسلّح ضدّ الإنجليز

تتمثل القيمة الكبرى للفترة التي قضاها الشيخ إبراهيم حمروش شيخا للأزهر في بعدها الوطني فقد أفتي بوضوح شديد بمشروعية الكفاح المسلح ضدّ الإنجليز في منطقة قناة السويس، ولهذا تربص به الإنجليز ولم يكن من الممكن إقالته في عهد وزارة الوفد ذات الأغلبية الشعبية، ولكنه ترك منصبه عقب خروج الوفد من الحكم مباشرة وبالتحديد في ٩ فبراير ١٩٥٢.

كانت للشيخ إبراهيم حمروش مواقف وطنية بارزة تماما، ومحددة المعالم بوضوح شديد من كل قضايا السياسة، ولهذا فقد بلغ إيمانه الوطني وتعبيره الصريح عن معتقداته الذروة في أثناء فترة الكفاح المسلح في القناة التي سبقت قيام ثورة ١٩٥٢، وقد لفتت الصحافة الإنجليزية نفسها النظر إلى خطورة فتاويه التي أحل فيها دم جنود الاحتلال البريطانيين، ولهذا فإنه لم يكن من المتوقع أن يبقي في هذا المنصب الرفيع المؤثر في ظل سطوة الاحتلال. ●

وفيما قبل معركة الشرطة (يناير ١٩٥٢) بعشرة أيام فقط نشر الشيخ إبراهيم حمروش بيانا خطيرا يعد من أروع البيانات التي عولت على الوحدة الوطنية ودورها في مجابهة المستعمر، وقد نقلته عنه هذا البيان مصادر عديدة، كما أثبت الشيخ محمد على النجار بعضا من عباراته في تأبينه للشيخ في مجمع اللغة العربية:

«أيها المصريون أتوجه إليكم في هذه الظروف التي غشيتكم فتنتها، وحزبتكم شدتها، أن تكونوا إخوانا في الوطن متآخين متحابين، رائدكم الإخلاص لبلادكم وأنفسكم «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

«وإن شر ما تبتلي به الأمم في محنتها أن تتفرق كلمتها، وأن تنحل وحدتها، وتنقطع أواصر المودة بين جماعاتها، فيشق العدو الطريق إليها، وينفذ بسهامه إلى صدور أبنائها».

«وهذه مصر، بلادكم العزيزة ووطنكم المحبوب تناديكم جميعا، شيبا وشبانا، رجالا ونساء، أقباطا ومسلمين، أن تكونوا سهاما مسددة نحو عدوها، وأن تلقوا الغاصب صفا واحدا كأنكم بنيان مرصوص، بقلوب لا تعرف إلا الوطن والدفاع عن حوزته».

«وأذكركم ـ حتى لا يغيب عن أذهانكم ـ تاريخ هذا الغاصب الرابض في دياركم، وما اعتاده من سياسة التفريق طلبا للسيادة ورغبة في السلطان وبسطا للنفوذ، لمصلحته دولا لمصلحة أحد سواه. وأذكركم جميعا مسلمين وأقباطا بماضيكم المجيد. فقد قمتم كتلة واحدة تطالبون باستقلال البلاد واستكمال حريتها، وتبوئها مكانة سامية بين الأمم. وأشهدتم العالم كله على وحدتكم وائتلافكم».

«وإني أعيذكم بالله من التفرق واختلاف الكلمة، فتضيع جهودكم الكبيرة التي بذلتموها في سبيل عزتكم وعزة بلادكم».

«واعلموا أن النصر المؤزر لقضيتنا رهن باتحاد صفوفنا واجتماع كلمتنا، ووقوفنا جميعا في وجه عدونا، حتى تظفر بلادنا بما تصبو إليه من السيادة والحرية والاستقلال، ويتمتع أهلها جميعا بالأخوة الصادقة والاطمئنان على أموالهم وأنفسهم». إدانته الصريحة لاعتداءات الجيش البريطاني على الوطنيين

حين اشتدت المواجهة بين الإنجليز والوطنيين في منطقة القناة والإسماعيلية وبدأت قوات الاحتلال تعتدي على القري المأهولة بالسكان، أصدر الشيخ إبراهيم حمروش وهو شيخ للأزهر منشورا يدعم فيه حركة الجماهير الثائرة و يؤكد على مشروعية كفاحهم المسلح ومن عبارات ذلك البيان نقتطف للقارئ قول الشيخ إبراهيم حمروش:

«إن شعب وادي النيل الباسل في كفاحه السلمي لإخراج المغتصبين المحتلين من بلاده لم يجاوز حقه الشرعي في الدفاع عن عقيدته والمطالبة بحريته. ولكن هذا الدفاع لم يرق في أعين المحتلين من الانجليز، فعملوا بكل الوسائل العدوانية على توهين وحدته، واندسوا في صفوفه يشيعون الأراجيف لتفريق كلمته. فلما واجههم الشعب وحدة متراصة، وقام في وجههم على قلب رجل واحد يطالب بحقه في الحياة الحرة طاشت أحلامهم، ولجأوا إلى القوة الغاشمة يسلطونها على الآمنين في ديارهم، وعلى النساء في خدورها، وعلى الأطفال في مهادها».

«وكلما زاد الشعب ممسكا بحقه وصبرا على هذا العنت زاد عسفهم، وتعددت مظالمهم، حتى خرجوا على كل شرعة؛ وبزوا كل ما عرف من أعمال التنكيل التي اشتهرت بها محاكم التفتيش، وما قام به النازيون من أعمال وحشية، فأزالوا القري الآمنة من الوجود بدباباتهم، وهدموا البيوت بمدافعهم الثقيلة، وشردوا النساء والأطفال الأبرياء، وانتهكوا كل الحركات، واعتدوا على المساجد والكنائس، ولم يبق جرم إلا ارتكبوه، ولا شناعة إلا فعلوها. ولم تقف شناعتهم عند حد، فراحوا يطلقون النار على حفظة الأمن ورجال الشرطة، ويقتلونهم تقتيلا في رائعة النهار، يأسرون من نجا منهم». بيان الشيخ إبراهيم حمروش عقب معركة الشرطة

ومن بيان الشيخ إبراهيم حمروش عقب معركة الإسماعيلية في ٢٥ يناير ١٩٥٢ والتي صارت فيما بعد عيدا للشرطة قبل أن تقوم فيها ثورة يناير ٢٠١١  :

«وإني باسم الأزهر علمائه وطلابه لأعلن استنكاري لهذا الإجرام الفظيع، الذي انتهكت فيه الأعراض، واستبيحت الأموال، واعتدي على حرية الإنسان وحقه المشروع في أن يطالب بحريته واستقلاله، واحتج بشدة على هذه الأعمال العدوانية التي تنافي جميع الشرائع والأديان. وأهيب بالضمير العالمي أن يثور على هذا الوضع المهين لكرامة الإنسان، وأن يهب لوقف هؤلاء المستبدين عند حدهم، ليعلموا أن في العالم ضمائر تتحرك لنصرة الحق، ونفوسا تثور للأخذ بيد العزل المكافحين لنيل حرياتهم..».

«وليعلم الإنجليز أن هذه الفظائع التي يصبونها على رؤوس أبنائنا لن تلين للشعب قناة، ولن ترده عن المطالبة بجلائهم الناجز عن وطننا العزيز، وأن وادي النيل كله لن يسكت بعد اليوم على ضيم يراد به ولن يفرط في حق من حقوقه، مهما ابتلي بالشدائد، ومهما ضحي من أرواح غالية..».

«وإني إذ أستمطر رحمة الله ورضوانه على شهدائنا الأبرار أتوجه إلى أبناء الوطن جميعا مناشدا إياهم أن يشدوا من عزائمهم، وألا يجعلوا لهذه الأحداث أثرا في نفوسهم فلا يهنوا ولا يحزنوا ولا يضعفوا، وهم الأعلون إن شاء الله. فلابد للجهاد من تضحية وللحرية من ثمن يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. موقفه المبكر والمشرف من قضية فلسطين

لم يكن موقف الشيخ إبراهيم حمروش من تأييد الكفاح المسلح ضد البريطانيين هو أول مواقفه الوطنية، فقد كانت له مواقف سابقة كثيرة، كان أبرزها مشاركته في بيان الأزهر الشريف حول فلسطين وهو بيان قوي رائع صمم كل قادة الزهر الشريف على توقيعه وشاركهم في هذا لتوقيع أعضاء جماعة كبار العلماء، وكان الشيخ حمروش أول أعضاء الجماعة (وأول العلماء من غير شاغلي المناصب العلىا يوم صدور البيان) توقيعا على هذا البيان الخطير والمشرف الذي صدر بتوقيع الشيخ مأمون الشناوي شيخ الأزهر في ذلك الوقت .

ومن هذا البيان العظيم نجتزئ للقارئ قول العلماء:

يا أبناء العروبة والإسلام:

لقد أعذرتم من قبل، وناضلتم عن حقكم بالحجة والبرهان ما شاء الله أن تناضلوا حتى تبين للناس وجه الحق سافرا، ولكن دسائس الصهيونية وفتنتها وأموالها قد استطاعت أن تجلب على هذا الحق المقدس بخيلها ورجلها، فعميت عنه العيون، وصمت الآذان، والتوت الأعناق، فإذا بكم تقفون في هيئة الأمم وحدكم، ومدعو نصر العدالة يتسللون عنكم لواذا، بين مستهين بكم، وممالئ لأعدائكم، ومتستر بالصمت متصنع للحياد، فإذا كنتم قد استنقذتم بذلك جهاد الحجة والبيان، فإن وراء هذا الجهاد لإنقاذ لحق وحمايته جهاداً سبيله مشروعة، وكلمته مسموعة، تدفعون به عن كيانكم ومستقبل أبنائكم وأحفادكم، فزودوا عن الحمى، وادفعوا الذئاب عن العرين، وجاهدوا في الله حق جهاده.

“فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً”

“الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً” تحقيق بعض الروايات غير الدقيقة في تاريخه

نسب إلى أستاذنا الأكبر الأستاذ محمد مهدي علام في ترجمته للشيخ إبراهيم حمروش في كتاب المجمعيين إن الشيخ إبراهيم حمروش استقال من مشيخة كلية الشريعة في ٢ سبتمبر ١٩٥١ثم عين شيخاً للأزهر وإماما أكبر للمسلمين وبقي في هذا المنصب حتي ٩ من فبراير ١٩٥٢ ويبدو أن سطراً أو أكثر قد سقط من هذا النص في المطبعة وتم تدارك الأمر على هذا النحو الخاطئ، ذلك أن الشيخ إبراهيم حمروش استقال من عمادة كلية الشريعة عند تعيين الشيخ مصطفي عبدالرازق شيخا للأزهر في ديسمبر ١٩٤٥ وبالتحديد في ٢٣ ديسمبر ١٩٤٥، وكان قد ولي أمر هذه الكلية في ٢٤ أكتوبر ١٩٤٤ أما ٢ سبتمبر ١٩٥١فهو تاريخ تقلده لمشيخة الأزهر.. وقد ذكر الأستاذ محمد على النجار التواريخ الصحيحة في تأبينه له، ولهذا ينبغي أن يصحح النص في كتاب المجمعيين ليصبح: استقال من مشيخة كلية الشريعة في ٢٣ديسمبر ١٩٤٥ ثم عين شيخاً للأزهر في ٢ سبتمبر ١٩٥٠.

ومن الجدير بالتكرار والإحالة هنا أنني ذكرت بالتفصيل قصة استقالة الشيخ إبراهيم حمروش من مشيخة كلية الشريعة في كتابي «كيف أصبحوا وزراء.. دراسة في صناعة القرار السياسي». قصة لقائه بالملك عند اختياره شيخا للأزهر

روي الأستاذ أحمد حمروش بعض الذكريات عن لقاء الشيخ إبراهيم حمروش بالملك فاروق حين عين شيخاً للأزهر.

«عين الشيخ إبراهيم حمروش شيخا للأزهر في عهد حكومة الوفد عام 1949 (هكذا يعتمد الأستاذ حمروش على الذاكرة بالتقريب، فيتحدث عن 1949 بينما هو يقصد سبتمبر 1950) وحضر إلى الإسكندرية لمقابلة الملك فاروق في قصر المنتزه… وكانت هذه هي المرة الأولي التي يقابل فيها الملك. دعوت الشيخ إبراهيم حمروش إلي منزلي في سبورتنج للراحة قبل ذهابه لمقابلة الملك وكنت وقتها ضابطا في الأنوار الكاشفة. كان منشغلا بموضوع الحوار الذي يمكن أن يدور في هذه الجلسة التي يتعرف فيها الملك على شيخ الأزهر الذي كان واحد من المناصب التي تحرص السراي على أن تكون في يدها، كما هو الحال في الجيش أيضا».

«كنت منفعلا بهذه الزيارة التي سيقوم فيها الشيخ إبراهيم حمروش بمقابلة الملك وانتظرت عودته في ترقب فقد كنت مشوقا لمعرفة ما سوف يدور فيها. وبعد عودته كان مستريحا لجو المقابلة وقال لي: إنه وجد الملك شابا مهذبا…. وكان انطباعه طيبا عن الحديث الذي دار بينهما.

” لاحظت وقتها أن الأصدقاء والزملاء في الجيش والجيران في السكن كانوا يقدمون لي التهنئة على مقابلة الملك للشيخ حمروش، بمناسبة تعيينه شيخا للأزهر الشريف».

«وكان تعيين الشيخ إبراهيم حمروش في وقت تصاعدت فيه حركة الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني في منطقة قناة السويس، ووقفت حكومة الوفد من هذه الحركة موقفا وطنيا لا يعاديها.”

” وبعد أسابيع من تعيينه وعقب تصاعد الكفاح المسلح وسقوط عدد من الشهداء من أبناء الجامعة، أصدر تصريحا أحلّ فيه دماء جنود الاحتلال البريطانيين.. ونشرت جريدة التايمز وغيرها من الصحف البريطانية هذا التصريح في صفحتها الأولي منبهة إلى خطر هذه الفتوي من شيخ الإسلام على الاحتلال البريطاني.”

” وبعد حريق القاهرة، وإقالة حكومة الوفد صدر أمر ملكي بإقالة الشيخ إبراهيم حمروش شيخ الأزهر الذي صرح وقتها قائلا: «جئت بلا مقدمات، وخرجت بلا مقدمات».

القيمة المجتمعية للشيخ حمروش

كان الشيخ إبراهيم حمروش متألقا في حضوره الهادئ في الحياة الثقافية ن ويذكر أنه لما أجرت جريدة المصري مسابقة عن الشيوعية و الإسلام عهدت للشيخ إبراهيم حمروش برئاسة هذه اللجنة .

وصف الدكتور محمود توفيق حفناوي وزير الزراعة وعميد كلية الزراعة وعضو مجمع اللغة العربية صالون سلفه في عضوية المجمع الشيخ إبراهيم حمروش فقال:

«… عرفته أعواما طويلة، شهدت فيها عن قرب ما كان يتحلى به من فضائل خلقية وعلمية تذكرنا بخير ما نعرف عن السلف الصالح. كان رحمه الله متفرغا للغة العربية يعشق بحوثها ويتتبع غوامض أصولها. فلم يكن النحو عنده مجموعة من القواعد يصح بها الكلام. ولم يكن بحثه في فقه اللغة وسيلة يعرف بها الفصيح وغير الفصيح ويميز به بين الخطأ والصواب، وبين المدلولات المختلفة للعبارات المتشابهة، إنما كانت عنايته بعلوم اللغة ترجع إلي شيء فوق هذا، كان مغرما بعلوم اللغة يحرص علىها لذاتها ولما فيها من استقامة التفكير ودقة التخريج، حتي أصبحت أحب الأشياء إليه. فأصبح علمه وتفكيره وقفا علىها وبلغ في إتقانه لها مبلغا لم تعهده العصور الحديثة إلا في عدد قليل من علمائنا الأجلاء».

………………………………………………………………………………….

«وكان بيته محجة أولي العلم ينهلون من مورده العذب، ويجدون ما طاب من حديث في دقائق العلم ممزوجا بفكاهة حلوة وطيب سمر. وكان الشيخ طيب النفس بعيدا عن التزمت مؤنسا للجليس لا يمل مجلسه. وفي يوم الجمعة الذي توفي بعده اجتمع الشيوخ عنده عقب الصلاة فجري البحث في تفسير قوله تعالي «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض» وأفاض الشيخ في الحديث فيها، وكان الشيخ يفسح الكلام لمن يتكلم ويعقب برأيه السديد».

«وكان ـ رحمه الله ـ عطوفا على ذوي الحاجات يسعي في قضاء حاجتهم بماله من جاه عند أولي الأمر لا يدخر وسعا في ذلك، ولقد رعي أسرا عضها الدهر بنابه وأناخ عليهم بكلكله حتى استقام أمرها، وبان رشدها».

«وتولي الشيخ إبراهيم حمروش رحمه الله القضاء. فكان فيه كما كان في كل عمل تولاه مبرزا موفقا مشهودا له بالتعمق وصدق الحكم. ولم يكن القضاء عنده عملا يؤديه. ولم يكن الفقه عنده إلا كما كان عند السلف الصالح مظهرا من مظاهر التقوى تنفذ به أوامر الله ويحترم دين الله وتثبت به مبادئ الإسلام التي أنزلها الله على الناس لتستقيم به أمور دنياهم وآخرتهم». ●

كان الأستاذ أحمد حمروش يعتز بأنه ابن عم الشيخ إبراهيم حمروش وإن كان الفارق بينهما في السن اثنين وأربعين عاما !! وهو يروي في مستهل كتابه «نسيج العمر» طبيعة العلاقات التي ربطته بهذا العالم الجليل فيقول:

«… وكان من أمتع الأوقات عندي هذه الجلسات التي أقبع فيها جالسا في صمت على أحد المقاعد في غرفة الاستقبال عند ابن عمي الكبير الشيخ إبراهيم حمروش الذي كان عميدا لكلية اللغة العربية وعضوا في مجمع اللغة العربية … وهو حوار ممتع كان يجمع بين اللغة والدين مع أسماء عرفتها وشعرت نحوها بالهيبة والاحترام… الشيخ فتح الله سليمان الذي كان رئيسا للمحكمة العلىا الشرعية، والشيخ عبدالمجيد سليم مفتي الديار المصرية، والشيخ مأمون الشناوي عميد كلية الشريعة والذي أصبح أيضا شيخا للأزهر فيما بعد، والشيخ محمود أبو العيون وغيرهم».

«كان منزل الشيخ إبراهيم حمروش الذي كان يكبرني بأربعين عاما في شارع المدفر الذي يطل على جامعي السلطان حسين والرفاعي ومن خلفهما القلعة هو بمثابة صالون أدبي وديني يلتقي فيه عدد من الشخصيات الدينية أساسا وتناقش فيه أحيانا القضايا الوطنية والاجتماعية… رأيت هناك الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين الذي كنت أتابع قراءة مجلته «الثقافة»….».

كان من الذين يطلبون العلم مدى الحياة

كان الشيخ إبراهيم حمروش من الذين عاشوا حياتهم حتى نهايتها وهم يبحثون عن العلم، وهؤلاء طراز نادر من متصوفة العلم الذين يسعد بهم من يعاشرهم كما يفيد منهم تلاميذهم، ويتأسون بهم، وقد وصف هذا الجانب من حياته الأستاذ زكي المهندس حين قال في تأبينه:

“لقد عرفت الفقيد منذ عهد بعيد وأشهد أنه لم ينقطع عن البحث والدرس فما رأيته يوما إلا عاكفا على القراءة، وما رأيته يوما إلا وبين يديه عشرات الكتب والمعاجم للدرس والبحث في اللغة والفقه. ولقد سألته مرة في أخريات أيامه عن أعز أمانيه فقال رحمه الله صحة تمكنني من مواصلة البحث والدرس. فقلت له أما يكفي علمك الواسع في مدي هذه الحياة الطويلة فقال: يا زكي بالعكس لقد بدأت أن أتعلم، وهذا في الواقع يذكرني بقولة قالها مرة أبو عمرو بن العلاء، حين سئل: إلي متي يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: مادامت الحياة تحسن به”

” والواقع أن الفقيد الكريم قضي حياته عالما معلما متعلما وهذا أقصي ما يصل إليه العالم الضليع”. فهمه الواضح للعدالة الاجتماعية

روى الأستاذ أحمد حمروش موقفا من مواقف التي حضرها مع الشيخ حمروش في قريتهم:

«أذكر خلال زيارة قام بها الشيخ إبراهيم حمروش للخوالد… وكان يجلس على المصطبة أمام دوار منزله، كما هو في لغة الريف، أن أقبل أحد الخفراء على أخي قابضا على رجل ومعه شكارة مليئة بكيزان الذرة، وهمس في أذن أخي الذي كان يشغل منصب العمدة فقال له أخي بصوت مرتفع: خذه إلى النقطة لعمل محضر. وتساءل فضيلة الشيخ إبراهيم عن السبب… فقيل له إنه لص ضبط متلبسا بسرقة الذرة من حقل أحد الناس… ولما سألهم عن أسرته وكان يعرف أهل القرية جميعا. قيل له: «إنه لا أسرة له ولا سكن ولا عمل… فطلب من أخي الإفراج عنه لأنه لا يعتبر في حكم الدين لصا، لأن ولي الأمر لم يهيئ له عملا يوفر له احتياجات الإنسان الضرورية».

«وبين دهشة الحاضرين، أصر الشيخ إبراهيم حمروش على الإفراج عنه، ومطالبتهم بأن يبحثوا له عن عمل يقيه خطر الانزلاق إلى الجريمة». آثاره

للشيخ حمروش بحث قيم في التضمين ونيابة بعض الحروف عن بعض.

كما أن له بحثا جميلا نشره مجمع اللغة العربية في «الاشتقاق الكبير». وفاته

توفي الشيخ إبراهيم حمروش في ١٤ نوفمبر ١٩٦٠