محمد مصطفى المراغي

محمّد مصطفى المراغي: من شيوخ الأزهر المعروفين ومن روّاد الإصلاح والتجديد. تولّى مشيخة الأزهر مرّتين، وتزعّم الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد وتوحيد المذاهب حتّى تتوحّد الأُمّة، وعدّل في نظام هيئة كبار العلماء، ووضع شروطاً قاسية لاختيار أعضائها، وأنشأ هيئة مراقبة البحوث الإسلامية ومراقبة الكتب التي تهاجم الدين.

الاسم محمّد مصطفى المراغي‏
الاسم الکامل أبو عبداللَّه محمّد بن مصطفى بن محمّد بن عبد المنعم المراغي الحنفي
تاريخ الولادة 1881م / 1298هـ
محلّ الولادة سوهاج / مصر
تاريخ الوفاة 1945م / 1364هـ
المهنة فقيه مصري، وشيخ الجامع الأزهر، ومن دعاة التجديد والإصلاح
الأساتذة محمّد عبده
الآثار الدروس الدينية، بحوث في التشريع الإسلامي، كتاب الأولياء والمحجورين، ترجمة القرآن الكريم إلى‏ اللغات الأجنبية وأحكامها، تفسير سورة الحجرات، تفسير سورة الحديد وآيات من سورة الفرقان، تفسير سورتي لقمان والعصر، مذكّرات في شرح المبادئ اللغوية لعلم الأُصول، الزمالة الإنسانية
المذهب سنّي

اسمه وولادته

ولد أبو عبداللَّه محمّد بن مصطفى بن محمّد بن عبد المنعم المراغي الحنفي الأزهري بالمراغة من جرجا بصعيد مصر سنة 1881 م. ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي.

قبس من سيرته

حفظ القرآن الكريم بكتّاب القرية، وتعلّم بالقاهرة، وفي عام 1904 تقدّم المراغي لامتحان العالمية، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وهي سنّ مبكرة بالنسبة إلى علماء الأزهر، ودعاه الإمام محمّد عبده إلى منزله تكريماً له، وظلّ وثيق الصلة بأستاذه متمسّكاً بنهجه في التجديد والإصلاح، وفياً له في حياته وبعد مماته.وتخرّج من الأزهر الشريف عام 1904 م، ورشّحه الشيخ محمّد عبده ضمن من اختيروا لممارسة القضاء بالسودان، فعيّن بدنقلة، ثمّ نقل إلى‏ الخرطوم سنة 1906 م، ورأس مفتشي الدروس الدينية بالأوقاف عام 1907 م، ثمّ عيّنه سلاطين باشا قاضياً لقضاة السودان سنة 1908 م، وبقي كذلك حتّى‏ عاد إلى‏ مصر سنة 1919، وتعلّم الإنجليزية في خلالها، وعمل بالقضاء الشرعي مدّة، ثمّ آلت إليه رئاسة محكمة مصر العليا، ورئاسة المحكمة العليا الشرعية سنة 1923 م، وعيّن شيخاً للأزهر عام 1928 م، فمكث عاماً، وقدّم استقالته على أثر تأخّر المرسوم الملكي بقانون الأزهر الجديد، وقد حاول رئيس الوزراء آنذاك محمّد محمود باشا إقناعه بالعدول عنها فلم يفلح، وأُعيد إلى‏ هذه الوظيفة سنة 1935 م وسط استقبال حافل، كما رأس جمعية للدفاع عن الإسلام ضدّ نشاط الإرساليّات التبشيرية.

وقد أظهر نزعة للإصلاح تجلّت في تطويره نظم التعليم ومناهجه بالأزهر وفي قوانين الأحوال الشخصية وفي المحاكم، حيث لم يلتزم في القضاء الشرعي مذهباً بعينه، بل فتح باب التلفيق في هذا المجال؛ ليتاح الأخذ من سائر المذاهب لأهل السنّة وغيرهم. كما أنشأ قسم الوعظ والإرشاد، ووضع مشروع مباني المدينة الأزهرية التي تجمع كلّياته ومعاهده ومكتبته العامّة ومساكن الطلبة، وأنشأ لجنة الفتوى في الأزهر، وأوفد بعثات أزهرية إلى أوروبّا.

أخلاقه

وصف المراغي بالصدق في القول والوعد، وسخاء اليد، ورهافة الحسّ، وشدّة الاعتزاز بالكرامة.

رسالته التي أقلقت الإنجليز

حين قامت الثورة المصرية عام 1919 وخلّفت ألفاً من القتلى، كتب المراغي رسالة بعنوان «اكتتاب لمنكوبي الثورة المصرية»، وطبع منها ألف نسخة وُزّعت سرّاً على مسؤولي القطاعات الإدارية والعسكريّين المصريّين في السودان، حيث كان يعمل كبيراً للقضاة، ولاقت رسالته استجابة كبيرة من المصريّين والسودانيّين معاً، ما أقلق الإنجليز، فقابله السير لي ستاك، ورئيس القضاء المدني مستر دن، وطلبا منه سحب رسالته فرفض، ولما وجّها إليه أمراً ردّ عليهما بغلظة، مؤكّداً أنّه ليس لأحد أن يأمره، أو يوجّهه، وأنهى المقابلة. وقد جمعت حملة اكتتابه لمصلحة ضحايا ثورة 1919 ستّة آلاف جنيه مصري، واستطاع رغم معارضة المسؤولين الإنجليز أن يوصلها إلى مصر لتوزّع على الجمعيات الخيرية الإسلامية والقبطية، لتسليمها لمستحقّيها.

مؤلّفاته

من مؤلّفاته: الدروس الدينية، بحوث في التشريع الإسلامي، كتاب الأولياء والمحجورين، ترجمة القرآن الكريم إلى‏ اللغات الأجنبية وأحكامها، تفسير سورة الحجرات، تفسير سورة الحديد وآيات من سورة الفرقان، تفسير سورتي لقمان والعصر، مذكّرات في شرح المبادئ اللغوية لعلم الأُصول، الزمالة الإنسانية.

معالم المشروع الإصلاحي عنده

يتركّز المشروع الإصلاحي للشيخ المراغي حول عدد من المحاور التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

– إصلاح الأزهر: وهي أهمّ حلقات المشروع الإصلاحي للشيخ مصطفى المراغي ، وجسّدتها مذكّرته الإصلاحية لتطوير الأزهر التي أعدّها فور تولّيه المشيخة، واستهلّها بقوله: “صار من المحتم، لحماية الدين لا لحماية الأزهر، أن يغيّر التعليم في المعاهد، وأن تكون الخطوة إلى ذلك جريئة، ويقصد بها وجه الله تعالى فلا يبالي بما تحدثه من ضجّة وصراخ، وقد قرنت كلّ الإصلاحات في العالم بمثل هذه الضجّة”.

بسطت المذكّرة واقع المؤسّسة العريقة المتردّي من كافّة الجوانب، وبيّنت مظاهر الخلل بدقّة، حتّى قال محمّد رشيد رضا: “لقد أوتي الأستاذ الأكبر في هذه المذكّرة الحكمة وفصل الخطاب”، وهو لم يقف عند حدّ التوصيف وإنّما وضع آليّات للإصلاح حدّدها في: دراسة القرآن الكريم والسنّة النبوية دراسة جيّدة وفقاً لقواعد اللغة العربية وقواعد العلم الصحيح، وفتح الدعوة إلى الاجتهاد المطلق في الأحكام الشرعية، وتهذيب العقائد والعبادات الإسلامية ممّا جدّ فيها وابتدع، وأن يدرس الفقه الإسلامي دراسة حرّة خالية من التعصّب لمذهب بعينه، وأن تدرّس الأديان والعقائد المختلفة بالأزهر، وأن يتمّ إدخال العلوم الحديثة واللغات الأجنبية إليه.

وقوبلت المذكّرة بالرفض من جانب فريق من الأزهريّين عبر عن موقفه من خلال بيان مطبوع وزع مجّاناً وضعه الشيخ عبد الرحمان عليش عضو هيئة كبار العلماء. ويكشف البيان عن تهافت المنهج النقدي وعن التردّي العلمي الذي كان عليه حال هذا الفريق الذي لم يخجل من التصريح بأنّ انعزال العلماء وجهلهم بمجريات الحياة المعاصرة “مدح لا ذمّ فيه، وهل يراد بالعالم أن يكون مبتذلاً بين العامّة”، وأنّ الاجتهاد المطلق يعدّ خطراً؛ إذ لو تمّت الدعوة إليه لادّعاه كلّ غبي جهول لا يدري من أمر الدين شيئاً ولانفتح بذلك باب شرّ لا يمكن سدّه، وأنّ الانفتاح على العلوم الحديثة أمر مستهجن بحجّة أن ّالعلماء “غير مخصّصين للبحث عمّا يجدّ في الحياة من معارف وآراء”، وأنّ الأزهر ليس مدرسة للصنائع أو مدرسة حربية.

– مشروع تقنين الأحوال الشحصية: ومن المواقف الإصلاحية للشيخ مصطفى المراغي مشاركته في صياغة مشروع تقنين الأحوال الشخصية المصرية في عشرينيّات القرن الفائت، وكان يسعى للحدّ من حرّية الرجل المطلقة في الطلاق. واللافت للنظر أنّه رغم كونه حنفي المذهب وأنّ مذهب الدولة الرسمي كان كذلك، إلّا أنّه كان مؤمناً بإمكانية الاقتباس من المذاهب غير السنّية ما يناسب العصر والمصلحة، ونقل عنه قوله لأعضاء لجنة الأحوال الشخصية: "ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنّه يوافق الزمان والمصلحة والمكان، ولا يعوزني أن آتيكم بنصّ من المذاهب الإسلامية يطابق ما وضعتم". ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان من دعاة التقريب بين المذاهب، وكان من كتّاب مجلّة "رسالة الإسلام" لسان حال جماعة التقريب.

– علاقة الدين بالعلم: وهي قضية أثيرت بقوّة في عصره، وكان له موقف رشيد منها، فلم ينكر إمكانية توظيف العلم لخدمة الدين، كأن يؤخذ بعلم الفلك لتوحيد بدايات الأهلّة القمرية، وهي الفتوى التي جرت عليه انتقادات الفقهاء الحرفيّين، لكنّه في المقابل كان يعتقد بثبات أنّه لا ينبغي أن يقحم العلم في الدين دون مسوّغ بحيث كلّما جدّ مخترع أو مكتشف علمي هرول فريق من المسلمين ليبحثوا عمّا يوافقه من النصوص الإسلامية. واستند في ذلك إلى عدم يقينية نتائج هذه العلوم وأنّه ليس من الحكمة أن نربط هذه المعارف غير القارّة بكتاب الله الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وبالطبع ليس الشيخ ممّن ينكر أنّ بعض آيات الكتاب الكريم لا تفهم حقّ الفهم إلّا بمعارف فلكية وطبيعية، ولكنّه ذهب إلى أنّ تلك لم تسق لتقرّر تلك المعارف، وإنّما نزلت للهداية والعبرة، فليس القرآن كتاب حساب أو فلك أو طبيعة، وإنّما هو كتاب هداية وتنظيم لعلاقة الإنسان بربّه وعلاقة أفراد الناس بعضهم ببعض.

– الزمالة بين أهل الأديان: ومن المعالم الإصلاحية الهامّة لدى الشيخ المراغي رؤيته بشأن الزمالة الإنسانية بين أهل الأديان، والتي صاغها في بحثه المقدّم إلى مؤتمر الأديان العالمي الذي انعقد في لندن عام (1936م). وقد شدّد فيه على أنّ الخطر الذي يداهم الإنسانية لا يأتي من أديان المخالفين وإنّما يجيء من الإلحاد ومن المذاهب الفكرية التي تزدري بالأديان، ووجّه دعوته إلى المؤمنين جميعاً لأن يعملوا على إزاحة العلل التي حالت دون تأثير الشعور الديني في التقريب بين الناس على اختلاف ديانتهم. ومن أجل تحقيق هذه الغاية اقترح إنشاء هيئة عالمية تعمل على تنقية الشعور الديني من الأحقاد، تكون مهمّتها الأساسية العمل على توجيه الوعظ الديني في جميع الأديان نحو تنقية الضمائر من الضغائن تجاه معتنقي الديانات الأخرى، والبحث عن المشتركات بين الديانات، وجعل الدعوة أو التبشير إلى الأديان قوامها العقل، وأن يعتمد في ذلك على وسائل شريفة بعيدة عن الاحتيال والإغراء وتشكيك الناس في عقائدهم.

وبالجملة: كان الشيخ المراغي رائداً من روّاد الإصلاح الإسلامي، تجاوزت دعوته الإصلاحية الحدود القطرية والأطر المذهبية، وشملت الدعوة للزمالة بين أهل الأديان جميعاً.

المراغي والتقريب

كان الشيخ المراغي قد مهّد الأجواء لحركة التقريب بمهاجمته القوية للأهواء التي تفرّق الأُمّة، فقد كان يقول: «يجب العمل على إزالة الفروق المذهبية، أو تضييق شقة الخلاف بين المذاهب، فإنّ الأُمّة في محنة من هذا التفرّق ومن العصبية لهذه الفرق، ومعروف لدى العلماء أنّ الرجوع إلى‏ أسباب الخلاف ودراستها دراسة بعيدة عن التعصّب يهدي إلى‏ الحقّ في أكثر الأوقات... أيّها المسلمون، غضّوا الطرف عن الفروق الطائفية والمذهبية، ولا تجعلوا تلك الفروق سبباً في الفرقة وسلاحاً بيد عدوّكم يخرّب به بيوتكم، ولا تخشوا أحداً في إظهار شعائر الإسلام والانتصار له».

وفاته

استمرّ المراغي في مشيخته للأزهر حتّى‏ وفاته بالإسكندرية سنة 1945 م، ودفن في القاهرة.

المصدر

(انظر ترجمته في: الفتح المبين 3: 194- 198، المعاصرون: 373- 388، الأعلام الشرقية 1: 400- 401، الأعلام للزركلي 7: 103، معجم المؤلّفين 12: 34، الأزهر في ألف عام 1: 264- 279 و 3: 503- 507، معجم المفسّرين 2: 639، موسوعة السياسة 6: 103- 104، عظماء الإسلام: 411- 412، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 1: 413- 430، موسوعة طبقات الفقهاء 14: 586- 588، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 1012- 1015، نثر الجواهر والدرر 2: 1488- 1489، موسوعة الأعلام 4: 158- 159، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 2: 146- 147).