الإحتياط هو الأخذ بالقدر المتیقن وهو أصلٌ من الاصول العملیة التي یتمسک بها الفقیه لاستنباط الأحکام و یجعلها للمكلّف عند الشك في الحكم الواقعي، والشرط في جریان الإحتیاط هو ما إذا کان المکلف یتردد في متعلق التکلیف و یمکن له الجمع بین أقسام التکلیف کالشک في القبلة التي تتردد بین هذه الجهة أو تلک الجهة.

تعريف الإحتیاط لغةً

هو الأخذ في الأمور بالأحزم والأوثق[١]. أو هو طلب الأحظ والأخذ بأوثق الوجوه. [٢]

تعريف الإحتیاط اصطلاحاً

ذكرت عدّة تعريفات للاحتياط، فقد عرّفه بعض بالاتّقاء عمّا يحتمل الحرمة، قال ابن حزم: «الاحتياط هو التورع في نفسه، وهو اجتناب ما يتقي المرء أن يكون غير جائز، وإن لم يصح تحريمه عنده، أو اتقاء ما غيره خير منه عند ذلك المحتاط»[٣]، وفي معناه تعريف الجصّاص[٤]، وابن عبدالسلام[٥]، والجرجاني[٦] له. والملاحظ على هذه التعاريف أنّها تأخذ جانب الترك والتحرز من الوقوع في الحرام، ولاتشمل الاحتياط للواجب والإتيان بما يحتمل وجوبه. ولذلك عرّفه الزركشي بأ نّه: «تنزيل الأمر على أسوأ الأحوال».[٧] وعرّفه الرافعي بأ نّه: «الأخذ بالأكثر».[٨] وعرّفه الكركي بأ نّه: «العمل بما يتيقّن معه براءة الذمة عند عدم وضوح الحكم الشرعي».[٩] وعرّفه البحراني بأ نّه: «فعل ما يوجب براءة الذمة على جميع الوجوه والاحتمالات».[١٠] وعرّفه النراقي بأ نّه: «الإتيان بما يخرج المكلّف عن العهدة على جميع الاحتمالات».[١١] وأوفى تعريف له تعريفه بأ نّه: إتيان محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة[١٢] أو «القيام بالفعل لأجل احتمال الوجوب، أو الترك لأجل احتمال التحريم».[١٣]

الاحتياط أصل أم دليل؟

لا خلاف عند الشيعة الإمامية في كون الاحتياط أصلاً من الأصول العملية، جعل للمكلّف عند الشك في الحكم الواقعي. [١٤] لكن يبدو من بعض أهل السنّة كون الاحتياط دليلاً بنفسه كسائر الأدلة كالاستحسان والمصالح المرسلة . فقد استدلّ به الجصّاص على أنّ ظاهر صيغة «افعل» هو الوجوب؛ لأنّه المناسب للاحتياط[١٥]، وقال عنه بأنّه أصل كبير من أصول الفقه، وقد دلّ عليه الشرع والعقل. [١٦] واستدلّ به الرازي على أنّ الأمر يقتضي التكرار للمأمور به، ووجوب الإتيان به فورا من دون تراخي. [١٧] واستدلّ به أيضا على حمل المشترك على معنييه عند عدم تعيين أحدهما[١٨]، وهو ظاهر ابن الهمام[١٩]، حيث عدّه من الأدلة، كقول الصحابي وشرع من قبلنا، غاية الأمر أ نّه يعود تارةً إلى الكتاب وأخرى إلى السنّة، فلا يصح جعله مقابلاً لهما.

الألفاظ ذات الصلة

1. الحظر

وهو الحكم في الأشياء بعناوينها الأولية بالحرمة ولزوم الاجتناب. [٢٠] يختلف كلّ من الحظر والاحتياط موضوعا، فموضوع أصالة الحظر هو حكم الأشياء بلحاظ الوظيفة الأولية بقطع النظر عن أوامر الشارع ونواهيه، بينما الاحتياط ليس من الضروري أن يكون موضوعه هو الأشياء بعناوينها الأولية، بل يجري في الأشياء بلحاظ الوظيفة الثانوية وطرو الشك في جعل الشارع حكم لها. [٢١] هذا مضافا إلى أنّ مورد أصالة الحظر هو الشبهات التحريمية، بينما مورد الاحتياط عام يشمل جميع الشبهات وجوبية أو تحريمية.

2. التوقف

وهو الامتناع عن الإفتاء بأي حكم ترخيصي أو إلزامي في موارد الشبهة. [٢٢] الفرق بين الاحتياط وبين التوقف هو: أنّ الاحتياط ناظر إلى العمل وفي مقام رفع الحيرة عن المكلّف في مقام الامتثال، أمّا التوقف فهو ناظر إلى مقام الحكم والإفتاء. هذا مضافا إلى أنّ التوقف قد يكون أبلغ من الاحتياط، فهو احتياط في مقام العمل وفي مقام الإفتاء. [٢٣] وأيضا التوقف أعمّ موردا من الاحتياط، لشمول التوقف جميع موارد الشبهة حتى الأحكام التي لا يمكن فيها جريان الاحتياط، كدوران الأمر بين المحذورين، والأحكام المشتبهة في الأموال والأعراض والنفوس. [٢٤]

3. الاشتغال

وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجَّز. [٢٥] وقد يصطلح عليه حديثا بالاحتياط العقلي بمعناه الثاني الذي ذكرناه في الأقسام. [٢٦]

الفرق بین الإحتیاط والإشتغال

يختلف كلٌّ من الاشتغال والاحتياط موضوعا، فموضوع جريان الاشتغال هو العلم بالتكليف والشك في متعلقه، كما في موارد العلم الإجمالي و قاعدة الاشتغال والشك في المحصّل، بينما موضوع الاحتياط الشك في التكليف. ولذا ذكر أنّ الكلام في الاحتياط إنّما يكون فيما لم يثبت اشتغال الذمة يقينا به، وإلاّ فلو كان المورد ممّا ثبت اشتغال الذمة به، فيكون موردا لأصالة الاشتغال والاحتياط فيه واجب. [٢٧] ويختلف كلٌّ منهما أيضا في ما هو الحاكم، فالحاكم في الاشتغال هو العقل؛ لحكمه بوجوب امتثال ما قطع المكلّف بثبوته والخروج عن عهدته، بينما الحاكم في الاحتياط قد يكون العقل وقد يكون الشرع. ويختلف كلٌّ منهما أيضا في المتعلّق، فمتعلق الاشتغال هو ذمة المكلّف، بينما متعلق الاحتياط هو العمل ولايضاف إلى ذمة المكلّف، وهذا معناه أنّ الاشتغال من شؤون التكليف، بينما الاحتياط من شوؤن المكلّف به.

المصادر

  1. لسان العرب 1 : 989 مادة «حوط».
  2. المصباح المنير : 156 ـ 157 مادة «حوط».
  3. الإحكام 1 ـ 4 : 50.
  4. أحكام القرآن 2 : 187.
  5. قواعد الأحكام 2 : 40.
  6. التعريفات الجرجاني : 29.
  7. المنثور في القواعد 2 : 40.
  8. فتح العزيز 1 : 206.
  9. هداية الأبرار : 223.
  10. الحدائق الناضرة 9 : 223.
  11. مناهج الأحكام والأصول : 242.
  12. أنوار الهداية 2 : 415.
  13. الاحتياط إلياس بلكا : 353.
  14. الأصول العامة للفقه المقارن : 486.
  15. الفصول في الأصول 2 : 100.
  16. المصدر السابق : 101.
  17. المحصول 1 : 240، 251.
  18. الإبهاج في شرح المنهاج 1 : 264 ـ 265.
  19. التحرير 2 : 282.
  20. انظر: شرح اللمع 2: 977، العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 742.
  21. انظر : فوائد الأصول 3 : 328 ـ 329، مصباح الأصول 2 : 309.
  22. انظر: شرح اللمع 2: 978، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 79.
  23. بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 79.
  24. فرائد الأصول 2 : 105، وانظر : دروس في الرسائل 2 : 398.
  25. الأصول العامة للفقه المقارن : 505.
  26. المصدر السابق : 506.
  27. جامعة الأصول : 97.