وكيع بن الجراح بن مليح

الاسم	وكيع بن الجرّاح بن مليح
تاريخ الولادة	128 هجري قمري
تاريخ الوفاة	197 هجري قمري
كنيته	أبو سُفيان .
نسبه	الرُؤاسي، الرَّقاشي .
لقبه	الكوفي .
طبقته	من كبار التاسعة .

وكيع بن الجراح بن مليح كان حافظاً متقناً، وكان يفتي بقول أبي حنيفة. وقيل له: الرُؤاسي؛ لانتسابه إلى‏ بني رُؤاس، من العدنانية. وروي عنه قال: «ولدت بأبة قريةٍ من قرى‏ أصبهان»، وقيل: من السُّغْد (الصُغْد) ويقال: إنّ أصله من نيسابور .

وروي عنه أنّه قال: قال لي الرشيد: إنّ أهل بلدك طلبوا منّي قاضياً، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وصالح عملي، فخذ عهدك، فقلت: يا أميرالمؤمنين! أنا شيخ كبير، وإحدى‏ عيني ذاهبة، والأُخرى‏ ضعيفة . كما وبعث الأمين ابن الرشيد إليه أيضاً، وأقدمه بغداد على‏ أن يسند إليه أمراً من أُموره، فأبى‏ أن يدخل في شي‏ء، وتوجّه يريد مكة من ذي القعدة سنة 193 ه، فمات في طريقها .

ترجمته

كان أبوه من أصحاب الإمام الصادق ‏عليه السلام، وكان على‏ بيت المال في دولة الرشيد، ثم على‏ دار الضرب بالري . وأمّا أخوه مَليح بن الجرَّاح فكان من الرواة. وكان لوكيع أربعة أولاد، منهم: سُفيان ومَليح وعبيد، وهم من رواة أبيهم .

نقلت كتب التراجم بعض شمائله، قال أبو داود البستي: «ما أدركت رجلاً كان أخشع للَّه عزّوجلّ من وكيع» . وعن ابن حنبل قال: «إنّ وكيعاً لم يختلط بسلطان» . وروي أنّه كان يصوم الدهر، وكان لاينام حتّى‏ يقرأ حزبه في كلّ ليلةٍ ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتّى‏ يطلع الفجر فيصلّي الركعتين، وكان يقول: «من لم يأخذ أُهبة الصلاة قبل وقتها لم يكن وقّرها». وعن السائب سلم بن جنادة يقول: «جالست وكيع بن الجراح سبع سنين، فما رأيته بزق، وما رأيته مسّ - واللَّه - حصاةً بيده، وما رأيته جلس مجلسه فتحرّك، وما رأيته إلّا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف باللَّه» . بدأ وكيع بأخذ الحديث منذ صغره، فكان الثوري يدعو وكيعاً وهو غلام، فيقول: يا رؤاسي! تعالَ، أيّ شي‏ءٍ سمعت؟ فيقول: حدّثني فلان بكذا، والثوري يبتسم ويتعجّب من حفظه . وعن إسحاق بن إبراهيم - يعني ابن راهويه - يقول: «حفظي وحفظ ابن المبارك تكلّف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع يوماً قائماً ووضع يده على‏ الحائط، وحدّث سبعمائة حديث حفظاً». وعن أحمد: «كان وكيع مطبوع الحفظ، كان حافظاً حافظاً، وكان أحفظ من عبد الرحمان بن مهدي كثيراً كثيراً» .

وكان وكيع قد حدّث وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، ولمّا مات الثوري جلس وكيع موضعه . وقد عُدَّ أحد أقطاب الحديث في زمانه، يقول علي بن المديني: «نظرت فإذا الإسناد يدور على‏ ستّة، ثم صار علم هؤلاء الستّة إلى‏ اثني عشر، ثم انتهى‏ علم هؤلاء الاثني عشر إلى‏ ستة، إلى‏: يحيى‏ بن سعيد، عبدالرحمان بن مهدي، وكيع بن الجرّاح، يحيى‏ بن زكريا بن أبي زائدة، عبدالرحمان بن المبارك، يحيى‏ بن آدم» .

كان وكيع قليل السفر، واستفاد غالباً من مشايخ الكوفة. وذكروا أنّه سافر مرتين فقط، إحداهما إلى‏ عبادان حيث روى‏ أكثر من 1500 حديث ، والثانية إلى‏ مكّة بعد امتناعه من قبول منصب القضاء، وفي هذه السفرة كان مشغولاً برواية الحديث، وامتنع فقط في منى‏ من رواية الحديث. وهناك روى‏ روايةً بشأن جنازة النبي ‏صلى الله عليه وآله، فغضب عليه أهل مكّة وحكموا عليه بالقتل! فتخلّص منهم بواسطة سُفيان بن عُيَيْنَة وغادر مكّة، فكتبوا إلى‏ أهل المدينة أن يقتلوه بمحض وصوله إليهم! قال سعيد بن منصور: فبعثنا بريداً إلى‏ وكيع أن لايأتي المدينة ويمضي من طريق الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلمّا أتاه البريد ردّ ومضى‏ إلى‏ الكوفة، ثم إنّ وكيعاً بعدها تجاسر وحجّ، وأدركه الأجل ب «فَيْد» .

وذكر الخطيب أنّ وكيعاً كان راوية سُفيان الثوري . كما وعُدَّ من فقهاء الحنفية، والظاهر أنّ تردّده على‏ أبي حنيفة كان قليلاً، ولكنّه أكثر من التردّد على‏ القوم بعد أن مات أبوحنيفة، وخلفه في رئاسة الحلقة زُفَر بن الهذيل، وإن لم يكن أخذ الفقه الحنفي كلّه فجلّه من زُفر، وكان يفتي برأي أبي حنيفة . وكان يقول: «لايكمل الرجل حتّى‏ يكتب عمّن هو فوقه، وعمّن هو مثله، وعمّن هو دونه» .

قال أحمد: «صنّف وكيع كتاب فضائل الصحابة، سمعناه قدّم فيه باب مناقب علي...» وعن أحمد أيضاً قال: «عليكم بمصنّفات وكيع». ولعلّه لهذا وأمثاله اعتبره البعض رافضياً أو أنّ فيه تشيّعاً . كما نقل عنه أنّه قال في جواب سؤال عن معنى‏ حديث: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» قال: يعني من كنت نبيّه فعليٌّ وليّه .

وكان وكيع يفتي أحياناً طبقاً لفقه الإمام أبي حنيفة، فكان يعتبر شرب النبيذ حلالاً، ويشربه! وفي نفس الوقت كان مخالفاً لأصحاب الرأي ، كما كان يرى‏ أنّ الجهر بالبسملة بدعة، وكان يقول: «من شكّ أنّ القرآن كلام اللَّه - يعني غير مخلوق - فهو كافر» .

موقف الرجاليّين منه

ومع أنّه نقل روايات - بالواسطة - عن أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم، إلّا أنّه لم يلتق أو يصاحب أحداً من الائمة عليهم السلام؛ لأسباب غير واضحة لدينا، ولعلّ منها كونه كوفياً ولم يسافر إلى‏ المدينة. ولهذا فليس في البين شواهد واضحة عن علاقته أو مقدار هذه العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام، سوى‏ بعض الإشارات حول تشيّعه، وربّما لذلك لم يتعرّض له الرجاليون الشيعة . وأمّا أهل السنّة فيمكن القول: إنّ جميع أرباب الرجال والحديث منهم قد أثنوا عليه. قال النووي: «وأجمعوا على‏ جلالته، ووفور علمه، وحفظه وإتقانه، وورعه وصلاحه وعبادته، وتوثيقه واعتماده» . وقال أحمد بشأنه: «ما رأت عيني مثله قطّ، يحفظ الحديث جيداً، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولايتكلّم في أحد». وقال أيضاً: «كان وكيع إمام المسلمين في زمانه». ويقول يحيى‏ بن مَعين: «واللَّه ما رأيت أحداً يحدّث للَّه تعالى‏ غير وكيع بن الجرّاح، وما رأيت رجلاً قطّ أحفظ من وكيع» . وقال ابن عمّار: «ما كان بالكوفة في زمان وكيع بن الجرّاح أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع»، وقال مروان: «ما وصف لي أحد إلّا رأيته دون الصفة، إلّا وكيع فإنّه فوق ما وصف لي» .

وكما وثّقه البعض، فقد ضعّفه آخر، قال عنه العِجلي: «ثقة عابد صالح أديب، من حفّاظ الحديث» . وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: «ابن مهدي أكثر تصحيفاً من وكيع، ووكيع أكثر خطأً منه». وقال في موضع آخر: «أخطأ وكيع في خمسمائة حديث» . ويبدو أنّه التقى‏ الإمام الرضاعليه السلام مرّةً واحدةً، ونقل عنه معجزةً، ولهذا فقد عُدَّ من رواة الإمام الرضاعليه السلام .

من روى‏ عنهم ومن رووا عنه

روى‏ عن جماعة، منهم: أبوه: الجرّاح، أخوه: مليح بن الجرّاح، هشام بن عُروة، حسن وعلي ابنا صالح بن حيّ، ابن جُريح، مالك، عِكْرِمَة بن عمّار اليماني، الأعمش، الأوزاعي، الثوري، أبو حمزة الثمالي، إسرائيل بن يونس. وروى‏ عنه جماعة، منهم: أبناؤه: سُفيان ومَليح وعُبيد، كاتبه: يحيى‏ بن مَعين، علي ابن المَديني، إسحاق بن راهويه، عبدالرحمان بن مهدي، يزيد بن هارون.

وقد كان وكيع أحد نقّاد أسانيد الحديث، وقد وثّق جماعةً، منهم: جابر بن يزيد الجعفي، سَلَمة بن نُبَيْط، عِكْرِمَة بن عمّار، أبو وائل، حميد الأصمّ، يزيد بن إبراهيم، حَوْشَب بن عقيل، أبو نجيح المكّي . ويبدو أنّ وثاقته وجلالته محلّ اتّفاق جميع الرجاليّين من أهل السنّة ، كما وثّقه المحقّق الخوئي؛ لوقوع اسمه في سلسلة سند تفسير القمّي . وقد وردت رواياته في المصادر الروائية لأهل السنّة والشيعة .

من رواياته

نقل الطبري بإسناده إلى‏ وكيع: أنّ أُم سَلَمة قالت: لمّا نزلت هذه الآية: «إِنَّمَا يُرِيدُاللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » دعا رسول اللَّه علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي، اللّهم أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» فقالت: أُم سلمة: ألستُ منهم؟ قال: «أنتِ إلى‏ خير» .

وفاته

توفّي وكيع عن 69 عاماً، في يوم عاشوراء، من سنة 197 ه، في زمان خلافة محمد الأمين العباسي في «فيد» بين مكّة والكوفة، ودُفن هناك .