أقسام أفعال الرسول(ص)

أقسام أفعال الرسول: أفعال الرسول لها خصوصيةٌ توجب حجيته ويجب أن يتبّع، وإلا لم يکن فرق بين فعل الرسول وفعل سائر الناس، ولهذه الخصوصية يجب أن نبحث عن أقسام فعل النبي(ص) حتی تُعلم مواردُ وجوب التأسّي منها.

أقسام أفعال الرسول

تعدَّدت تقسيمات الأصوليين للأفعال، ورغم تعدُّد الاعتبارات التي قسِّمت وفقها إلاَّ أنَّه بإمكاننا أن نضمّنها في الأقسام التالية:

القسم الأوّل: هواجس النفس وحركاته البشرية اللاإرادية

كتصرُّف الأعضاء، ولا معنى للتأسي فيها؛ لأنَّه لايتعلَّق بها أمر ولا نهي، لكن يقال بدلالتها على الإباحة[١].

القسم الثاني: الأفعال الجبلِّية، كالقيام والقعود والأكل والشرب

فلا نزاع في دلالتها على الإباحة بالنسبة إلى الرسول وإلى اُمَّته[٢]. ونقل القاضي أبو بكر الباقلاني عن قوم دون تحديدهم استحباب التأسي بهذا الصنف من الأفعال[٣]، ونسب أبو حامد الغزالي هذا القول إلى بعض المحدثين، وخطَّأهم عليه؛ باعتباره لايرى دلالة لهكذا أفعال على حكم[٤].

القسم الثالث: ما احتمل خروجه عن الجبلَّة إلى التشريع بسبب مواظبته عليه بوجه خاصّ

كالأكل والشرب واللبس والنوم، فهي دون ما ظهر منها قصد القربة وفوق ما ظهر منها الجبلَّة.
وهذا القسم موضع خلاف، فقد نقل عن الشافعي فيه قولان، قول بكونه ليس تشريعا؛ ترجيحا للأصل القاضي بعدم كون الفعل تشريعا، وقول بكونه تشريعا؛ ترجيحا للظاهر من الفعل، وهو كونه تشريعا. ومُثِّل له بأنَّ الشافعي قال لبعض أصحابه: اسقني الماء قائما، فإنَّ النبي شرب قائما. ونسب حكاية الاُستاذ أبي إسحاق القول بكونه مندوبا عن أكثر المحدّثين[٥]. لكنّه حكاه في شرح اللمع والتبصرة عن الصيرفي والقفال والقاضي أبي حامد[٦].

القسم الرابع: ما ثبت كونه من خواصّه التي لايشاركه أحد

فلا تدلُّ على التشريك بيننا وبينه إجماعا، كاختصاصه بوجوب الضحى ويوم الأضحى والوتر والتهجُّد باللّيل والتخيير لنسائه[٧]. وقسَّم الماوردي والروياني هذا الصنف من الأفعال إلى الأقسام التالية:
1 ـ ما اُبيح له وحظر علينا، من قبيل جواز نكاحه أكثر من أربع.
2 ـ ما اُبيح له وكُرِه لنا أو حرم علينا، كالوصال.
3 ـ ما وجب عليه واستحبَّ لنا ، كالسواك والوتر والضحى[٨].

القسم الخامس: ما يفعله لانتظار الوحي، كابتداء إحرامه بالحجّ

فإنَّه أبهمه ولم يحدّد ابتداءه ولا نوعه حتَّى نزل عليه الوحي. ومن الواضح أنَّ هكذا فعل ليس أهلاً للتأسي، ويعدُّ ممَّا يختصُّ به الرسول[٩].

القسم السادس: ما يكون فعله من مقتضيات العقل أو مقتضيات مصالح الدنيا

وهو أيضا لا دخل له بهذا الباب[١٠].

القسم السابع: جميع الأفعال التي اُريد بها بيان حكم شرعي

ابتداء شرع، وهو جميع الأفعال التي اُريد بها بيان حكم شرعي لم يُبيَّن من ذي قبل. وقد حدَّدها السيد المرتضى بما لايصدق عليه كونه امتثالاً أو بيانا لحكم[١١].

القسم الثامن: ما يكون امتثالاً للخطاب

وذلك خاصٌّ بما هو مُبيَّن في الكتاب[١٢]، وذلك لا مدخل له في هذا الباب؛ لأنَّه من الواضح امتثال الخطاب العام الذي يتناوله ويتناولنا[١٣].

القسم التاسع: ما يفعله مع غيره عقوبة للغير، كتصرّفه بأموال الغير

ولا شكَّ في اندراج هذا الصنف من الأفعال في موضوع البحث إذا كان المستفاد منه الوجوب أو الإباحة أو الندب.
لا خلاف في أنَّ هذا الصنف من الفعل كان واجبا عليه وإلاَّ لما فعله، وإنَّما الاختلاف في وجوبه على غيره من اُمته قياسا على الرسول أو عدم وجوبه قياسا على الظاهر في أنَّه غير واجب إلاَّ عليه.
يُنقل عن الاُستاذ أبي إسحاق قوله: إذا كان الرسول أحد طرفي الفعل كالبيوع والأنكحة فهو محمول على الجواز، كما عليه جمهور الفقهاء، وإن فعله بين شخصين متداعيين أو على جهة التوسّط فهو محمول على الوجوب بلا خلاف، ويجري مجرى القضاء[١٤].

القسم العاشر: ما يفعله مع الغير عطاءً منه، من قبيل الرضخ للعبيد والنساء

فهذا أيضا يندرج في موضوع الأفعال وممَّا يمكن استفادة حكم منه، ولذلك حكي عن الرافعي استحباب أو وجوب الرضخ للعبيد والنساء والصبيان[١٥].

القسم الحادي عشر: ما عُرف بكونه بياناً لنا

ما عُرف بكونه بيانا لنا[١٦]، بصريح قوله: «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي»[١٧] و«خذوا عنّي مناسككم»[١٨] أو بقرائن الأحوال، من قبيل ورود عام أو مجمل اُريد الخصوص والتقييد فيه، من قبيل قطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله تعالى: «فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُما»[١٩] وكتيمُّمه إلى المرفقين بيانا لقوله تعالى: «فَامْسَحُوا بِوجُوهِكمْ وأيْديَكُمْ»[٢٠].
ويعرف كونه بيانا بوجهين:
أ ـ أن يتقدَّم فعله خطاب يفتقر إلى بيان ويعدم ما يمكن أن يكون بيانا له.
ب ـ أن ينصَّ على كون فعله بيانا لخطاب[٢١]. وينقسم هذا إلى عدّة أقسام:
1 ـ بيان مجمل، كبيانه لتفاصيل الصلاة الوارد الأمر بها في القرآن.
2 ـ بيان التخصيص، كنهيه عن الصلاة في أوقات مخصوصة.
3 ـ بيان نسخ، مثل ما روي من قوله: «إذا رأيتموني اُصلي جالسا فصلّوا جلوسا أجمعين» فنسخ بآخر صلاة جماعة صلاَّها جالسا دون المأمومين، وذلك للمرض الذي مات إثره[٢٢].
4 ـ بيان زيادة لاحقة لا بدَّ منها، من قبيل زيادة السنن في الطهارة.
5 ـ بيان قول محتمل كبيان ما يدلُّ بفعله على أحد المرادين من قوله[٢٣].

القسم الثاني عشر: ما لم يقترن بما يدلُّ على كونه بيانا أو غير بيان

ما لم يقترن بما يدلُّ على كونه بيانا أو غير بيان، وله قسمان:
أ ـ أن يظهر فيه قصد القربة، وقد انقسم الأصوليون في هذا إلى أقوال:
منهم من قال: إنَّه محمول على الوجوب في حقِّه وحقِّنا، كابن سريج والاصطخري وابن أبي هريرة وابن خيزران والحنابلة وجماعة من المعتزلة.
ومنهم من قال: إنَّه يدلُّ على الندب، وهو للشافعي و إمام الحرمين.
ومنهم من قال: إنَّه للإباحة، وهو مذهب مالك.
ومنهم من قال بالوقف، وهو مذهب جماعة من أصحاب الشافعي، كالصيرفي وجماعة من المعتزلة.
ب ـ ما لم يظهر فيه قصد القربة، اختلفوا فيه مثل ما اختلفوا فيما يظهر فيه قصد القربة[٢٤].

الهوامش

  1. البحر المحيط 4: 176.
  2. الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148.
  3. إرشاد الفحول 1: 165.
  4. المنخول: 225 ـ 226.
  5. البحر المحيط 4: 177، إرشاد الفحول 1: 166.
  6. التبصرة: 242، شرح اللمع 1: 546.
  7. الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148.
  8. الحاوي الكبير 20: 158.
  9. البحر المحيط 4: 179.
  10. العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 576.
  11. الذريعة 2: 587.
  12. المصدر السابق.
  13. العدّة في أصول الفقه الطوسي 2: 576.
  14. البحر المحيط 4: 180.
  15. المصدر السابق.
  16. الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148 ـ 149، الذريعة 1: 342، العدّة في أصول الفقه (الطوسي) 2: 418 ـ 419.
  17. السنن الكبرى البيهقي 2: 345، كتاب الصلاة، باب من سها فترك ركنا عاد إلى ما ترك، من حديث مالك بن الحويرث ، بحار الأنوار 82 : 279.
  18. السنن الكبرى البيهقي 5: 125، كتاب الحجّ، باب الإيضاع في وادي محسر، من حديث جابر، عوالي اللئالي 1: 215، و 4: 34.
  19. المائدة: 38.
  20. المائدة: 6.
  21. معارج الأصول: 120.
  22. الذريعة 2: 586 ـ 587، الإحكام ابن حزم 1ـ4: 457، 513.
  23. الذريعة 2: 585 ـ 590.
  24. الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 148 ـ 149.

المصادر