الاعتراض علی القياس

الاعتراض علی القياس: وهو القدح في الاستدلال الذي أقامه المستدل. وينقسم الاعتراض إلى صحيح وفاسد، ولذلك قام كلّ من الجويني والغزالي بتقسيمها إلی هذين. ولکن لمّا کانت الاعتراضات المذكورة متداخلة بعضها مع بعض، قسّمها ابن الحاجب وابن الهمام بأن هذه الاعتراضات تارةً بالمنع واخری بالمعارضة. ومهما يکن من امرٍ فقد اختلف الأصوليون في طريقة التعامل مع هذه الاعتراضات، فقد أعرض عنها جماعة في علم الأصول وأحالوها إلى علم الجدل كما فعل الغزالي في «المستصفى» ومنهم من ذكرها في علم الأصول باعتبار كونها من مكملات القياس الذي هو مسألة أصولية، ولهذا احتوى علم الأصول مسائل من الكلام والمنطق والعربية.

تعريف الاعتراض لغةً

اعترض الشيء صار عارضا، ويقال: اعترض الشيء دون الشيء، أي حال دونه.

تعريف الاعتراض اصطلاحاً

هو القدح في القياس الذي أقامه المستدلّ بذكر وجه من وجوه الخلل التي تعترض الاستدلال به.
والمراد بالقياس هو القياس في عرف الفقهاء وهو «مساواة فرع لأصله في علّة حكمه الشرعي» والذي يصطلح عليه في عرف المناطقة بـ«التمثيل».
وهذا البحث يبدو أنّه من مختصّات أصول فقه أهل السنّة القائلين بـ حجّية القياس، وأمّا القائلون بعدم حجّيته فهم في غنى عنه، ولذا لم نجد الظاهرية ولا الشيعة يتطرّقون له إلاّ العلاّمة الحلّي والنراقي جريا منهما على أصول فقه أهل السنّة.

المنهج في تناول مبحث الاعتراض

يذكر الأصوليون مجموعة من الاعتراضات التي يمكن أن تورد على القياس الفقهي بعد الاستدلال به، ووقع الخلاف بينهم في عددها، فقد عدّها الجويني اثني عشر ومثله فعل ابن قدامة وعدّها الرازي خمسة، والآمدي وابن الحاجب خمسة وعشرين، والبيضاوي ستّة، والشوكاني ثمانية وعشرين.
ولايوجد ضابط معيّن في تحديد عددها، ويبدو أنّ الأصوليين استخرجوها من استدلالات الفقهاء بالقياس في مسائل معينة ومن الإيرادات والاعتراضات التي واجهت الاستدلال به.
ووقع الكلام في كلّ واحد منها في صحّة الاعتراض به وعدمه، ولذلك قام كلّ من الجويني والغزالي بتقسيمها إلى صحيح وفاسد.
ولايخفى لمن يلاحظ الاعتراضات المذكورة تداخلها فيما بينها، فقد ذكر ابن الحاجب وابن الهمام رجوعها إلى الاعتراض بالمنع وبالمعارضة، باعتبار أنّ غرض كلّ مستدلّ بالقياس الإلزام بإثبات مدعاه وذكر الدليل على ذلك ودفع كلّ ما يعترض هذا الدليل، فتكون وظيفة المعترض هي الدفع بهذا الدليل وإظهار الخلل في مقدّماته أو الإتيان بما يعارض هذا الدليل، فما يذكر من الاعتراضات على القياس ترجع إمّا إلى منع الدليل من إثبات مدعاه بهدم مقدّمة من مقدّماته، أو بالإتيان بمعارض لهذا الدليل بما يمنع من صحّة الاستدلال به.
وذكر الطوفي والسبكي رجوعها إلى المنع وحده.
وانقسم الأصوليون في طريقة التعامل مع هذه الاعتراضات، فقد أعرض عنها جماعة في علم الأصول وأحالوها إلى علم الجدل كما فعل الغزالي في «المستصفى» ومنهم من ذكرها في علم الأصول باعتبار كونها من مكملات القياس الذي هو مسألة أصولية، ولهذا احتوى علم الأصول مسائل من الكلام والمنطق والعربية.
ويختلف الأحناف عن غيرهم في طريقة البحث في الاعتراضات التي تواجه العلل في القياس، فالأحناف يقسمون العلل إلى طردية ومؤثرة، ثُمّ يذكرون لكلّ علّة الاعتراضات التي يمكن أن تتوجّه عليها. أمّا غير الأحناف فلا يلجؤون إلى هذا التقسيم، بل يبحثون في تلك الاعتراضات مباشرة تحت عنوان مستقل وهو عنوان «الاعتراضات» الواردة على العلّة أو القياس أو عنوان «قوادح العلّة».

أقسام الاعتراض

يمكن أن تلحظ الاعتراضات بلحاظين، لحاظ كلّي إجمالي، ولحاظ جزئي تفصيلي:

أ ـ تقسيمها باللحاظ الكلّي الإجمالي

يذكر أنّ الاعتراضات بأنواعها يمكن أن تتوزع إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: المعارضات

وهي التي يكون المعترض فيها مسلما بمقدّمات الدليل الذي أقامه المستدلّ، فيُعترض عليه بما يناقضه.

القسم الثاني: المطالبات

وهي التي يكون المعترض فيها غير مسلم بمقدّمات الدليل ويكون في صدد الجواب عنه.

القسم الثالث: القوادح

وهي التي يكون المعترض فيها غير مسلّم بمقدّمات الدليل أيضا، لكنّه ليس بصدد الجواب عنه.

ب ـ تقسيمها باللحاظ الجزئي التفصيلي

الاعتراض الأوّل: انتقاض العلّة

وهو تخلف الحكم مع وجود ما ادعي كونه علّة له. ويمثّل له بتعليل وجوب القصاص على القاتل بعلّة العمد العدوان، فينتقض هذا المعنى في الوالد القاتل ولده، والمسلم القاتل للذمّي، فإنّ قتله له يعتبر من العمد العدوان، ومع ذلك لايثبت القصاص في حقّه.
واختلف الأصوليون في حكمه اختلافا كثيرا، فقد ذكر الشوكاني خمسة عشر قولاً فيه.

الاعتراض الثاني: عدم انعكاس العلّة

وهو وجود الحكم بدون الوصف في صورة أخرى بعلّة أخرى. ويمثّل له باستدلال الحنفي على منع تقديم أذان الصبح على وقتها بكونها صلاة لاتقصر فلايجوز تقديم أذانها على وقتها كصلاة المغرب.
فيعترض عليه: بأنّ هذا الوصف لاينعكس وذلك لوجود الحكم وهو منع تقديم الآذان على الوقت في الصلوات التي تقصر بعلّة أخرى.