موانع الوحدة

موانع الوحدة ما يمكنه أن يقف حائلاً دون تحقيق اتّحاد وتلائم الأُمّة الإسلامية. ومن ذلك ما يلي:

موانع الوحدة

1 - وجود المذاهب الكلامية والفقهية.

إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف، كالأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والشيعة. والشيعة تنقسم بدورها إلى زيدية وإسماعيلية واثني عشرية، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم‌؟!
والحقّ أنّ هذه المذاهب تتراءى في بادئ النظر سدّاً منيعاً بوجه الوحدة، ولكن بالنظر إلى أواصر الوحدة تبدو وكأنّها موانع ضعيفة لا تصدّ المسلمين عن التمسّك بأهداب الوحدة على كافّة الأصعدة.
أمّا المناهج الكلامية فجوهر الاختلاف فيها يرجع إلى مسائل كلامية لا عقائدية، مثلاً: أنّ الأشاعرة والمعتزلة يختلفون في المسائل التالية: هل صفاته تعالى عين ذاته أو زائدة عليها؟ هل القرآن الكريم قديم أو حادث‌؟ هل أفعال العباد مخلوقة للّٰه‌أو للعباد؟ هل يمكن رؤية اللّٰه في الآخرة أو هي ممتنعة‌؟ إلى غير ذلك من أمثال هذه المسائل، ومع تثمين جهود الطائفتين فالاختلاف فيها اختلاف في مسائل عقلية لا يناط بها الإسلام ولا الكفر، فالمطلوب من المسلم اعتقاده بكونه سبحانه عالماً وقادراً، وأمّا كيفية العلم والقدرة بالزيادة أو العينية فليس من صميم الإسلام، فلكلّ مجتهد دليله ومذهبه، كذلك القرآن هو معجزة النبي صلى الله عليه و آله وكتابه سبحانه، فليس الحدوث والقدم من صميم العقيدة، وقس على ذلك ما تلوناه عليك من المسائل.
وأمّا المناهج الفقهية فالمشهور هي المذاهب الأربعة مضافاً إلى الزيدية والجعفرية، فهذه المذاهب الستّة مذاهب فقهية، والاختلاف يرجع إلى الاختلاف في فهم الآية والرواية، فلو اختلفوا فإنّما يختلفون في فهم الكتاب والسنّة، وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على اهتمامهم بهما وإمعانهم في فهمهما، والاختلاف أمر طبيعي، خصوصاً بعد مضي أربعة عشر قرناً من عصر الإسلام.
ولكن اختلافهم في المناهج الفقهية لا يمسّ بصميم الفقه الإسلامي، فهل هناك مَن يرى صلاة الفجر ثلاث ركعات أو يرى صلاة الظهر والعصر غير أربع ركعات‌؟! وليس الاختلاف وليد اليوم، بل بدأ الاختلاف بعد رحيل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في أبسط المسائل الفقهية، كعدد التكبيرات على الميّت، إلى أعمقها، فالاختلاف الموروث إنّما هو اختلاف في فهم النصوص لا في رفض النصوص وردّها.
ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل، والسنّة تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة، ولكلّ دليله، وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية، حتّى الاختلاف في متعة النكاح، فذهب جمهور السنّة إلى النسخ والشيعة إلى بقاء الجواز، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه.

2 - وجود الاختلافات القومية.

يتشكّل المسلمون من قوميات متعدّدة من عرب وعجم وترك وبربر إلى غير ذلك من الشعوب والقبائل، ولكن هذا الاختلاف اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعاً عن وحدة الكلمة، وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاخلاف قائلاً: (يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ) (سورة الحجرات: 13).
فالاختلاف في اللون واللسان والدم والوطن وإن كانت عوامل توحّد طائفة كبيرة، لكنّها عوامل عرضية لا تمتّ إلى جوهر الإنسان بصلة، وأمّا الإيمان بالأُصول الثلاثة فهو عامل باطني ذاتي أقوى من جميع العناصر المتقدّمة.
فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوّة السحيقة يتآخيان؛ لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف؛ وأمّا الأخوان من أُمّ وأب واحد إذا كان أحدهما إلهياً والآخر مادّياً فإنّهما يتناكران.

3 - الجهل بمعتقدات الطوائف.

الحقيقة أنّ جهل كلّ طائفة بمعتقدات الطائفة الأُخرى يعدّ من أهمّ الموانع التي تشكّل حاجزاً منيعاً عن الوحدة، وهذا ليس بالأمر المستسهل، وإليك هذا المثال: إنّ الشيعة اقتداءً بالنبي وأئمّة أهل البيت لا يسجدون في الصلاة إلّاعلى الأرض أو ما ينبت منها، بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً، فبما أنّ السجود على الأرض في المنازل وحتّى المساجد المفروشة غير ميسّرة، لذا يتّخذون أقراصاً من التربة يسجدون عليها، فعند ذلك نرى أنّ بعض إخواننا من السنّة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عبّاد الوثن له! مع أنّهم لا يفرّقون بين المسجود عليه والمسجود له، فالتراب هو المسجود عليه، وأمّا السجود له فهو اللّٰه سبحانه.
وعلى ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب على ما لدى الطوائف الأُخرى من الفقه والأُصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر، وإنّما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان.

4 - الجهل بمصطلحات الطرف الآخر.

إنّ لكلّ طائفة مصطلحات خاصّة في العقيدة والشريعة، يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتب تلك الطائفة، وليس من الصحيح تفسيره اعتباطاً. ومثال ذلك اصطلاح التقية، فالتقية من المفاهيم الإسلامية، وهي سلاح الضعيف أمام القوي، فإذا خاف المسلم على ماله وعرضه ودمه من أيّ إنسان سواء أكان كافراً أو مسلماً وأراد شخص قوي سلب حرّياته، فلا محيص له إلّاكتمان عقيدته، وقد أمر به سبحانه وقال: (إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) (سورة النحل: 106)، وقد نزلت في حقّ عمّار بن ياسر، حيث أظهر الكفر وأخفى الإيمان، وجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله باكياً، فقال صلى الله عليه و آله: «لا شيء عليك»، فنزلت الآية، ولكن اصطلاح التقية يفسّر عند بعض المخالفين بالنفاق، مع أنّ بين التقية والنفاق بوناً شاسعاً، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان، والنفاق على العكس، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.

هذه بعض الموانع الماثلة أمام وحدة المسلمين، وهناك عوامل أُخرى لا مجال للبحث فيها على هذه العجالة.