الاستعارة

مراجعة ٠٧:٠٠، ٢٥ مارس ٢٠٢١ بواسطة Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''الاستعارة''' اصطلاحٌ بلاغيٌ لها التأثير والثمرة في استنباط الأحکام الشرعية، لأنّ الثمرة ال...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الاستعارة اصطلاحٌ بلاغيٌ لها التأثير والثمرة في استنباط الأحکام الشرعية، لأنّ الثمرة المترتبة على بحث الاستعارة، كالثمرة المترتبة على مباحث الألفاظ وقواعد اللغة ومفرداتها، التي يتمكن الفقيه من خلالها فهم الكتاب والسنّة والتعرّف على أحكام الشريعة.

تعريف الاستعارة

المشهور بين اللغويين[١] والأصوليين[٢]: أنّ الاستعارة نوع من المجاز المبتني على استعمال اللفظ في غير ما وضع له بعلاقة المشابهة بين المعنى الحقيقي والمجازي، ويقابله المجاز المرسل المبتني على علاقات أخرى غير علاقة المشابهة، كعلاقة الكلّ والجزء، والسبب والمسبّب، وغيرها من العلاقات. وكلا القسمين يدخلان في المجاز في الكلمة، ويقابله المجاز في الإسناد والحذف.
وشذّ عن ذلك السكاكي المعتزلي الحنفي[٣]، ومن تبعه من الأصوليين[٤]، حيث اعتبر الاستعارة حقيقة لغوية لم يستعمل لفظها إلاّ فيما وضع له من معنى بعد تصرّف العقل وتوسيعه لدائرة مصاديقه وادّعاء فردية المشبّه للمشبّه به، فالتجوّز في تطبيق المعنى على غير واقعه الخارجي، فهو من قبيل المجاز في الإسناد[٥] ـ أي إسناد المعنى الحقيقي وتطبيقه على غيره ـ لا المجاز في الكلمة؛ لأ نّها لم تستعمل باعتقاد السكاكي إلاّ فيما وضعت له ادّعاءً، كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع، بدعوى إنّه من أفراده ومصاديقه، مستدلاً بقول الشاعر:
قامت تظلّلني من الشمس؛ نفس أعزّ عليّ من نفسي؛ قامت تظلّلني ومن عجب؛ شمس تظلّلني من الشمس.
إذ لو كانت الشمس مستعملة في غير معناها الحقيقي، لما كان معنى لتعجبه من التظليل بشمس المحبوبة عن الشمس.
وقد حاول بعض الردّ عليه بإرجاع تعجب الشاعر إلى تناسيه التشبيه؛ قضاءً لحق المبالغة في الوصف، لا لأنّ الشمس قد ظلّلت عن الشمس واقعا. [٦]
وأجيب عنه: بأنّ تناسي التشبيه يؤيّد نظرية السكاكي لا أ نّه ينفيها؛ لأ نّه أراد بذلك الإمعان في التصرّف في المصاديق، واعتبار ما ليس فردا من أفراده فردا منه، وإلاّ فلا التشبيه يكون منسيا، ولا حق المبالغة مقتضيا. [٧]
نعم، يرد على السكاكي إشكالان آخران: أحدهما: أنّ مجرد ادّعاء فردية المشبّه للمشبّه به لايخرج الاستعمال عن المجاز في الكلمة ؛ لأ نّه استعمال للفظ في غير ما وضع له لغة. [٨]
والآخر: أنّ نظريته المبتنية على توسيع المصاديق لايمكنها أن تقدّم تفسيرا مناسبا للاستعارة في خصوص الأعلام الشخصية، كاستعمال «حاتم» في الرجل الكريم، إذ ليس لهذا الاسم أفراد ومصاديق يمكن توسيعها في مرحلة الاستعمال[٩]؛ فهو اسم على مسمّى واحد وهو حاتم الطائي.
ولأجل التخلّص من هذين الإشكالين بادر أبو المجد محمد رضا الأصفهاني[١٠] ـ من علماء الإمامية ـ إلى تطوير هذه النظرية وتهذيبها، ففي خصوص المعاني الكلّية ذهب إلى أنّ الاستعمال في الاستعارة يكون بتوسيع مصاديق اللفظ لتضمّ إليها مصاديق أخرى غير مصاديقه الأصلية بعد استعماله فيما وضع له لا قبله، فلا يرد عليه الإشكال الأول؛ لأنّ اللفظ لم يستعمل إلاّ فيما وضع له، والتوسعة إنّما طرأت بعد الاستعمال.
وفي خصوص المعاني الجزئية كالأعلام الشخصية، ذهب إلى أنّ التصرّف يكون بادّعاء أنّ المعنى المجازي عين المعنى الموضوع له اللفظ، وأنّ زيدا الكريم هو نفس حاتم الطائي المعروف بكرمه، فلا يرد الإشكال الثاني من عدم وجود أفراد للأعلام الشخصية حتى يمكن التوسع في مصاديقها؛ لأنّ التصرّف في هذه المرحلة يكون بادّعاء العينية لا التوسعة المصداقية.
وبهذه الطريقة من التعديل لنظرية السكاكي استطاع الأصفهاني (محمد رضا) توسيع نظريته، لتشمل سائر أقسام المجاز المتضمّنة للمجاز في الكلمة أو الإسناد أو الحذف، ففي المجاز في الكلمة كما يمكن تطبيق فكرة الحقيقة الادّعائية على المجاز الاستعاري يمكن تطبيقها على المجاز المرسل[١١]، كإطلاق لفظة «عين» على الربيئة[١٢]، بدعوى أنّ كلّ وجودها عين ناظرة مراقبة.
وفي مجاز الحذف تقوم الكلمة مقام كلمة أخرى محذوفة، كما في قوله تعالى: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا»[١٣] بحذف الأهل وقيام القرية مقام الأهل بادعاء شيوع الخبر وانتشاره حتى عرفته القرية فضلاً عن اهلها. [١٤]
وفي مجاز الإسناد يسند الشيء إلى غير ما صدر منه، كإسناد الجري إلى الميزاب في قولهم: «جرى الميزاب بالماء» وكأ نّه هو الذي يجري، فنُزِّل منزلة الماء في الجري. [١٥]
وقد أدرك الأصفهاني (محمد رضا) ما تستلزمه نظريته من إنكار المجاز بصورة كلّية عندما قال: «ولا نكترث بأنّ تسمّي ما ذكرناه إنكارا للمجاز أصلاً ولا نتحاشى عنه بعد ما ذهب إليه الإسفراييني من المتقدمين وإمام العربية، أعني: الشيخ أبا علي الفارسي».[١٦]

الاستعارة والمجاز

المجاز: وهو ما اُفيد به ما لم يوضع له في اللغة، ومن حقه أن يكون لفظه لاينتظم معناه إمّا بزيادة، أو نقصان، أو بوضعه في غير موضعه. [١٧]

  1. الطراز 1 : 64 ـ 65، المطوّل : 353 ـ 354، مختصر المعاني : 219.
  2. الفصول في الأصول 1 : 367، اللمع في أصول الفقه : 39، المحصول الرازي 1 : 112 ـ 113، القوانين المحكمة : 10، هداية المسترشدين : 1 : 152 ـ 153، الفصول الغروية : 25، إرشاد الفحول 1 : 129.
  3. مفتاح العلوم : 477 ـ 481.
  4. مطارح الأنظار : 1 : 57، ونسبه إلى جماعة في بحر الفوائد 6 : 427، نهاية الأصول 1ـ2 : 29، تسديد الأصول 1 : 44.
  5. أجود التقريرات 1 : 88 ، الرافد في علم الأصول : 226.
  6. المطوّل : 362.
  7. تهذيب الأصول الخميني 1 : 43.
  8. القوانين المحكمة 123، فوائد الأصول 1 ـ 2 : 94، غاية المسؤول في علم الأصول : 120.
  9. مناهج الوصول 1 : 103.
  10. وقاية الأذهان : 111 ـ 113 وانظر : تهذيب الأصول الخميني 1 : 44 ـ 45.
  11. المجاز المرسل من المجاز في الكلمة أيضا.
  12. الربيئة : هو عين القوم وجاسوسهم، وإنما سمّي بها لاستقراره على ربوة الجبل ليشرف على تحركات الآخرين.
  13. يوسف : 82 .
  14. تهذيب الأصول الخميني 2 : 469.
  15. كفاية الأصول : 58.
  16. وقاية الأذهان : 113 ـ 114.
  17. العدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 29 وانظر : المستصفى 1 : 277، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 1 : 236 ـ 241، إرشاد الفحول 1 : 120 ـ 121.