شروط الإجتهاد

شروط الإجتهاد: ینبغي للمجتهد أن یکون جامعاً للشروط الآتية ذکرُها حتی تکون فتواها صحیحةً منبعثةً من بطن الشریعة المقدسة. وهناک اثناعشر شرطاً لاستنباط الأحکام یجب وجودها في الفقیه والمستنبط للأحکام الشرعیة الإسلامیة.

الشرط الأوّل: معرفة آيات الأحكام

هناك اتجاهان في تحديد نطاق آيات الأحكام:

الاتجاه التحديدي

يذهب هذا الاتجاه إلى القول بأنّ لآيات الأحكام عدداً معلوماً، فمنهم من حدّد عدد آياتها بـ 300 آية، ومنهم من حددها بـ 500 آية كالغزالي[١] والرازي[٢] والعلاّمة الحلّي[٣]، وأوصلها بعض إلى ما يقارب 600 آية. [٤]. وقد مال إلى هذا الاتجاه أكثر العلماء، وذهبوا إلى أنّ معرفة آيات الأحكام تكفي في عملية الاجتهاد، ولايشكّل الجهل بالآيات الأخرى مانعا في طريق الاجتهاد.

الاتجاه التوسيعي

يذهب هذا الاتجاه إلى القول بأنّه ليس لآيات الأحكام عدد معلوم، ويمكن أن تكون أكثر آيات القرآن الكريم مصدرا لاستنباط الأحكام، ومن أصحاب هذا الاتجاه الشوكاني[٥] وابن بدران[٦] من علماء السنّة، وكان دليلهم أن لأكثر آيات القرآن الكريم قابلية أن تكون مصدرا للاستنباط.

المراد من معرفة آيات الأحكام

والمراد من معرفة آيات الأحكام معرفة معانيها، ولقد أشار الكثير من علماء الشيعة والسنّة إلى شرطية معرفة آيات الأحكام ومعرفة معانيها في الاجتهاد[٧] وهذه المعرفة تندرج تحتها معرفتان:

(1) معرفة معاني مفردات آيات الأحكام: والمراد بها معرفة ما للمفردات في هذه الآيات القرآنية من المعاني الشرعية، أو المعاني العرفية أو اللغوية. ومن هنا يتجلّى ضرورة الاطّلاع على العرف الشرعي، والعرف العام، ومصطلحات اللغة.

(2) معرفة معاني التراكيب القرآنية: ويمكن معرفة معاني التراكيب القرآنيّة من خلال قسمين: الأول: معرفة المعاني الأولية للقرآن الكريم: ويحقّق علم النحو هذا النوع من المعرفة. [٨] الثاني: معرفة المعاني القرآنية العميقة: ويمكن تصوّر جوانب كثيرة لهذا القسم، أهمّها معرفتان: الأولى: معرفة الناسخ والمنسوخ: وقد ذكر هذا الشرط أيضا علماء الفريقين من الشيعة والسنّة معا. [٩] وقد أضاف بعض معرفة المحكم والمتشابه والظاهر والمؤول ونحوها، ممّا يتوقف عليه فهم المعنى والعمل بموجبه، كالمجمل والمبين والعامّ والخاصّ. [١٠] الثانية: معرفة أسباب النزول: وهي تعني معرفة الموارد التي نزلت الآيات بشأنها. فلا شك أ نّه لايمكن الوصول إلى الهدف الأساسي للآية في كثير من الموارد دون الاستعانة بهذه المعرفة. ولذلك فقد اعتبرها الأصوليون من السنّة والشيعة شرطا للاجتهاد. [١١] ويوجد كلام في اشتراط حفظ القرآن للمجتهد. [١٢]

الشرط الثاني: معرفة السنّة

وقد ذهب إلى ذلك الأصوليون من الشيعة والسنّة[١٣]، وكما هو الحال في معرفة القرآن الكريم قد صرّح الكثير بأنّ اللازم معرفة ما يرتبط بالأحكام من السنّة. [١٤] وهناك كلام في اشتراط حفظ السنّة ومتون الأحاديث. [١٥]

الشرط الثالث: علم الأصول

يعتقد العلماء من السنّة والإماميّة أنّ معرفة علم الأصول من شروط الاجتهاد، وقد حظي هذا الشرط أهمية قصوى، حتّى صار يعد واحدا من أهم شروط الاجتهاد وركيزة أساسية في عملية الاستنباط[١٦]، وبلغ إلى حدٍّ اعتبروه ميزان الفقه ومعيارا لمعرفة ما يفسد الفقه[١٧]، بحيث لا يمكن بدونه استنباط الأحكام[١٨]، وسيّما في هذا الزمان. [١٩]

الشرط الرابع: علم المنطق

ظهر حول شرطية المنطق للاجتهاد قولان: الأول: عدم اشتراط معرفة المنطق. وقد اختار عدد من علماء الشيعة والسنّة هذا القول، فمن الشيعة الأخباريّون[٢٠] وبعض الأصوليّين، كالشهيد الثاني[٢١]، والسيّد الخوئي[٢٢]، ومن السنّة ابن الصلاح[٢٣]، والنووي[٢٤]، وآل تيمية[٢٥]، وقد استدلّ أصحاب هذا الاتجاه بدليلين: الدليل الأوّل: ليس تعلّم المنطق ومصطلحاته وقوالبه أمرا ضروريا؛ وذلك لأنّ الفكر والاستدلال يراعي قواعده بذاته. وصفوة القول: إنّ المنطق لايحتوي على شيءٍ سوى المصطلحات العلمية التي لايحتاجها المجتهد في أيّ وجه من الوجوه. الدليل الثاني: لقد جرى الاستنباط في العصور الأولى من الإسلام دون الاعتماد على المنطق. [٢٦] القول الثاني: اشتراط معرفة المنطق. وقد استقرب هذا القول كثير من علماء الشيعة؛ مثل العلاّمة الحلّي[٢٧]، والفاضل الهندي[٢٨]، والفاضل التوني[٢٩]، والوحيد البهبهاني[٣٠]، والمشكيني[٣١]، والإمام الخميني[٣٢]، ووافق عدد من علماء السنّة أيضا على هذا القول؛ مثل الغزالي[٣٣]، والرازي[٣٤]، والبيضاوي[٣٥]، والأسنوي[٣٦]، والبدخشي. [٣٧] واستدلّ أصحاب هذا القول بأ نّه لايمكن اجتناب الخطأ في الاجتهاد دون الاستعانة بعلم المنطق. [٣٨] وقد وصف الغزالي المنطق بأ نّه معيار وميزان العلوم. [٣٩] ويمكن بالتأمّل في هذا الدليل ملاحظة بطلان دليل من يذهب إلى عدم ضرورة المنطق في الاجتهاد، حيث إنّ في اعتقادهم جريان المنطق في عملية التفكير ذاتيا إشكالاً، وهو أ نّه يجب أن لا نطمئنّ بانطباق المنطق في كلّ المواضع بشكل صحيح، سيّما في المواضع التي يسلك الفكر فيها طرقا وعرة مملوءة بالعقبات ، فيجب أن نعرض الفكر على معيار منطقي باستمرار، وإلاّ وقعنا في الخطأ ؛ لأنّ الاعتماد على الجريان الآلي للمنطق إنّما يكون ويصحّ في الاستدلالات الاعتيادية والسهلة، وأمّا في الأمور المعقّدة، وفي الحالات التي تزدحم الأفكار مع بعضها، فلا سبيل للباحث سوى اللجوء إلى القواعد المنطقية. ويشير دليل القول الثاني (ضرورة المنطق) إلى هذه النقطة الأساسية، وهي أ نّه ما دام لم نعتمد على المنطق، فلا ضمان لصحّة الاستدلال في جميع الموارد. والوحيد البهبهاني يرى أنّ علم الأصول من جملة العلوم التي تكون مركزا ومجمعا لما يحصل من الشكوك والتساؤلات، وعلى هذا الأساس فإنّ الاستدلال لايستحكم فيه إلاّ بإزاء القواعد المنطقية. [٤٠] وقد ذهب في تأكيده على المنطق إلى حدٍّ اعتبر اجتناب التقليد في الفقه والعلوم المرتبطة به ـ والتي من جملتها علم الأصول ـ منوطا بالحفاظ على قواعد علم المنطق، فيقول: «... والاحتياج إليه لتصحيح المسائل الخلافية وغيرها من العلوم المذكورة، إذ لايكفي التقليد، سيّما في الخلافيات».[٤١]

المصادر

  1. المستصفى 2 : 200.
  2. المحصول 2 : 497.
  3. نهاية الوصول 5 : 170.
  4. دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام 1 : 22.
  5. إرشاد الفحول 2 : 293.
  6. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 180.
  7. إحكام الفصول : 722، المجموع شرح المهذّب 1 : 41، 42، مبادئ الوصول: 242، قواعد الأحكام العلاّمة الحلّي 1 : 526، كشف الأسرار (البخاري) 4 : 27 ـ 28، شرح الكوكب المنير : 394، شرح الأزهار 1 : 8 ، شرح البدخشي 3 : 271 ـ 272، شرح طلعة الشمس 2 : 275.
  8. قواعد الأحكام العلاّمة الحلّي 1 : 526، ذكرى الشيعة 1 : 42.
  9. نهاية السُّول 4 : 553، مبادئ الوصول : 243، ذكرى الشيعة 1 : 42، مواهب الجليل 6 : 96، نشر البنود 2 : 319، مفاتيح الأصول : 575.
  10. روضة الناظر : 191، الإحكام الآمدي 3 ـ 4 : 397، ذكرى الشيعة 1 : 42، مواهب الجليل 6 : 96.
  11. الموافقات 3 : 351، نشر البنود 2 : 319، الأصول العامة للفقه المقارن : 555.
  12. انظر : المستصفى 2 : 200، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 180، الاجتهاد والتقليد شمس الدين : 351.
  13. المستصفى 2 : 200، المحصول الرازي 2 : 498، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 170.
  14. انظر : المستصفى 2 : 200، المحصول الرازي 2 : 498، الذخيرة 1 : 145، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5 : 170 ـ 171.
  15. المستصفى 2 : 200، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5 : 171، الاجتهاد والتقليد (شمس الدين) : 351 ـ 352.
  16. راجع : القوانين المحكمة : 376، إرشاد الفحول 2 : 297.
  17. الفوائد الحائرية : 336.
  18. مناهج الأحكام والأصول : 1.
  19. الرسائل الخميني 2 : 97.
  20. الفوائد المدنية : 258، 515، 551، 570 ـ 571.
  21. رسائل الشهيد الثاني 2 : 762 ـ 764.
  22. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 25.
  23. فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1 : 203 ـ 204.
  24. المجموع شرح المهذّب 1 : 42.
  25. المسوّدة : 487 ـ 488.
  26. التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 25.
  27. مبادئ الوصول : 243، تحرير الأحكام الشرعية 5 : 110 ـ 111.
  28. كشف اللثام 10 : 25.
  29. الوافية : 252.
  30. الرسائل الأصولية : 111، الفوائد الحائرية : 336.
  31. حواشي المشكيني على كفاية الأصول 5 : 297.
  32. الرسائل الخمیني 2 : 97.
  33. المستصفى 2 : 201.
  34. المحصول 2 : 498.
  35. منهاج الوصول : 124.
  36. نهاية السُّول 4 : 551.
  37. شرح البدخشي 3 : 272 ـ 273.
  38. الرسائل الخميني 2 : 97.
  39. المستصفى 1 : 20.
  40. الفوائد الحائرية : 336.
  41. الرسائل الأصولية : 111.