إثبات الحكم
إثبات الحکم إصطلاحٌ في علم اصول الفقه يستعمل لدى الأصوليين في إقامة الدليل المعتبر على حكم شرعي، أو على موضوع الحكم الشرعي أو تحققه في الخارج، كي تترتّب عليه الآثار.
تعریف إثبات الحکم لغةً
الإثبات مصدر أثبت من ثبت: بمعنى دام واستقرّ، زيدت الهمزة فيه للتعدية[١]، ونسبة ثبوت الشيء[٢]، أي: جعله ثابتا في نفسه، أو الحكم بثبوت شيء لآخر. [٣]
موارد إستعمال الإثبات اصطلاحاً
يستعمل الإثبات لدى الأصوليين في عدّة موارد:
المورد الأول
إقامة الدليل المعتبر على حكم أو جعل واعتبار شرعي، أو على موضوع الحكم الشرعي أو تحققه في الخارج، كي تترتّب عليه الآثار.
المورد الثاني
وهو اصطلاح أخص من الأول شاع في القرن الثالث عشر لدى الأصوليين من الإمامية، ويستعمل وصفا «للأصل العملي» فيقال: «أصلٌ مُثبِت»، والمقصود منه إثبات اللوازم العقلية لمؤدّى الأصول العملية ومجاريها، كما لو شككنا في حياة زيد فنستصحبها، ولكن إذا أردنا إثبات لازم ذلك كنبات لحيته، فهذا يعدّ تمسّكا بالأصل المثبت. والمعروف عدم حجّية ذلك؛ لأنّ تلك اللوازم إنّما تثبت بالأدلّة الاجتهادية والأمارات، لا بالأصول العملية.
المورد الثالث
في مقابل الثبوت، أي لحاظ القضية في حدّ نفسها وفي حدود عالمها المفترض، وهل هي ممكنة أو مستحيلة؟ وأمّا عالم الإثبات فهو لحاظ القضية بالنسبة إلى عالم الأدلّة وهل يمكن التأكّد من صدقها أو كذبها؟ وقد اعتاد الأصوليون أن يطرحوا كثيرا من القضايا على هذين المستويين، نظير بحثهم في إمكانية الترخيص في أطراف العلم الإجمالي ثبوتا، ثمّ على فرض الإمكان ينقلون البحث إلى مستوى الإثبات، وهل دلّ الدليل فعلاً على الترخيص أو لا؟[٤] ونظير ذلك بحثهم عن إمكان الواجب المعلّق والواجب المشروط. [٥] وورد استعمال الإثبات على ألسنة الفقهاء كثيرا في إطلاقات مختلفة، ولكن هذا خارج عن علم الأصول، وسنخصّص البحث في (الإثبات) بالمعنى الأول ضمن الفقرات التالية.
المصادر الأساسية لإثبات الحكم أو الجعل الشرعي (الأدلّة الأربعة)
إنّ أدّلة إثبات الأحكام الشرعية على سعتها وتنوّعها تعود إلى المصادر الآتية:
الأول: الكتاب الكريم
وهو أوّل وأهم مصدر للتشريع الإسلامي، وحجّيته ثابتة بالاتفاق و الأخبار المتواترة[٦]، وهو قطعي الصدور لتواتره، ولكن من حيث الدلالة فتارةً يكون قطعيا وأخرى ظنياً.
الثاني: السنّة الشريفة
وهي المصدر الثاني بعد القرآن، وحجّيتها ثابتة بالكتاب الكريم، وهي تارةً تكون قطعية من حيث الصدور وأخرى لا، كما أنّ دلالتها كذلك.
الثالث: الإجماع
وهو الدليل الثالث من حيث الأهمية والترتّب، وهو حجّة على رأي الأكثر، لكن شكك في حجّيته الأخباريون[٧]، وإنّما اختلفوا في جهات: الأولى: طريق ثبوت الحجّية، هل هو العقل أم النقل؟ الثانية: هل يعدّ دليلاً مستقلاًّ كما يراه أهل السنّة، أو مجرّد كاشف عن السنّة كما يراه الإمامية؟ الثالثة: فيمن ينعقد به الإجماع، هل هو إجماع علماء الأمة أو إجماع طائفة وقوم معينين؟
الرابع: العقل
والمراد به القضايا العقلية التي يمكن أن يستنبط منها حكم شرعي، وحجّية الأحكام العقلية ذاتية، وهذه الأحكام على نوعين:[٨] الأول: ما يستنبط منه الحكم الشرعي بدون حاجة إلى ضمّ مقدّمة شرعية، ويسمّى بـ «الدليل العقلي المستقل» أو المستقلاّت العقلية. كقبح الظلم وحسن العدل وكلّ ما حكم العقل بحسنه أو قبحه حكم الشارع بوجوبه أو حرمته، وهاتان المقدّمتان عقليتان. ولكنّها قليلة جدّا. الثاني: ما يستنبط منه الحكم الشرعي مع ضمّ مقدّمة شرعية، ويسمى بالدليل العقلي غير المستقل أو «غير المستقلات العقلية»، وهي الأحكام التي تؤخذ صغرياتها من الكتاب والسنّة، كما في الاستلزامات العقلية، نحو ما يقال من: أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
تنويع أدلّة إثبات الحكم الشرعي
إنّ أدلّة الأحكام الشرعية سواء أكانت من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل على نوعين:
النوع الأول
القواعد العامة أو العناصر المشتركة في إثبات الأحكام الشرعية في مختلف الأبواب والمسائل الفقهية، كدلالة الأمر على الوجوب، أو النهي على الحرمة، أو قاعدة الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته، أو حجّية خبر الثقة، أو قاعدة الاستصحاب، أو قواعد علاج التعارض بين الأدلّة، وتسمى (القواعد العامة)[٩]، أو (العناصر المشتركة)[١٠]، وهي واسطة لإثبات الحكم الشرعي. وحيث إنّ هذا النوع من الأدلّة عام ومشترك، فيتكفّل علم الأصول بالبحث عنها؛ لأ نّه العلم بالقواعد العامة أو العناصر المشتركة لاستنباط الحكم الشرعي. [١١].
النوع الثاني
الأدلّة المختصة ببعض الأبواب والمسائل الفقهية، والذي يتكفّل بذلك علم الفقه، وهي على نوعين: فتارةً تكون كلّية، كقاعدة الطهارة، ولكنّها تختص بباب دون سائر الأبواب، وتسمى (القواعد الفقهية). [١٢]. وقد لاتكون كذلك، كالدليل الدالّ على وجوب الغسل والمسح في الوضوء وتسمى (المسائل الفقهية). [١٣] ومن الطبيعي أن يختص هذا البحث بالأدلّة من النوع الأول، وأمّا النوع الثاني فموكول بحثه إلى علم الفقه.
تقسيمات أدلّة إثبات الحكم الشرعي
لقد قسّم الأصوليون أدلّة إثبات الحكم الشرعي «العناصر المشتركة» بتقسيمات عديدة: أولها: تقسيمها بلحاظ نوع الدليل إلى: 1 ـ الدليل الشرعي (النقلي): وهو كلّ مايصدر من الشارع ممّا له دلالة على الحكم الشرعي، والمتمثّل بالكتاب والسنّة. [١٤] وقسّموه إلى: الدليل الشرعي اللفظي، كالكتاب، وقول النبي(ص)، والدليل الشرعي غير اللفظي، كفعل المعصوم وتقريره، أي: سكوت الشارع أمام سلوك فردي أو اجتماعي، والذي يسمى بالسيرة العقلائية التي تستمدّ حجّيتها من إمضاء المعصوم وتقريره إياها وعدم ردعه عنها. وأمّا الإجماع فيمكن إرجاعه إلى السنّة، بناءً على نظرية الإمامية وليس بدليل مستقلّ. 2 ـ الدليل العقلي: وهي القضايا التي يدركها العقل ويمكن أن يستنبط منها حكم شرعي[١٥]، وقد قسّموه ـ كما مرّ ـ إلى المستقلاّت العقلية والاستلزامات العقلية. ثانيها: تقسيمها بلحاظ مدى إحرازها للحكم الواقعي إلى: أدلّة محرزة تعيّن الحكم الشرعي وتكشف عنه وتسمى الأدلّة الاجتهادية أو الأمارات، وأهم الأمارات: خبر الثقة، والبيّنة، والظهور اللفظي، والقياس، والاستحسان، وأدلّة غير محرِزة لا تعيّن الحكم الشرعي ولاتكشف عنه، وإنّما تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف فحسب، وتسمى (الأدلّة الفقاهية) أو (الأصول العملية). [١٦]. وأهم الأصول العملية أربعة: البراءة، و الاحتياط، والتخيير، والاستصحاب. ثالثها: تقسيمها بلحاظ درجة الإثبات إلى: أدلّة قطعية وظنّية[١٧]، وهي تارةً بلحاظ حيثية الصدور، وأخرى بلحاظ إثباتها لذات الحكم. فباللحاظ الأول كالخبر المتواتر، فإنّه قطعي الصدور، وكخبر الثقة الذي يكون مظنون الصدور. وأمّا باللحاظ الثاني النص القرآني الصريح، فإنّه قطعي الدلالة وكظهور الخبر، والقياس، والأصول العملية. وهذه الأدلّة في الحقيقة ليست في عرض الكتاب والسنّة والعقل، بل إنّ هذه الأدلّة وسائل لإثبات صغرى الدليل الشرعي، أي لإثبات صدوره من الشارع، أو لإثبات ذات الحكم، فهي وسائل إثبات للأدلّة الشرعية، وسيأتي لها مزيد بيان لدى البحث عن طرق الإثبات ووسائله. هذه هي أهم التقسيمات، وهناك تقسيمات أخرى كتقسيمها إلى: أدلّة متفق على حجّيتها كالكتاب والسنّة، وأدلّة مختلف في حجّيتها كالقياس، إلى غير ذلك من التقسيمات.
طرق الإثبات ووسائله
وهنا بحثان: البحث الأول: أنّ الإفادة من الأدلّة في عملية الاستنباط تتوقف على إثبات صدورها من الشارع، ويتمّ إثبات ذلك بأحد طريقين: الطريق الأول: الإثبات الوجداني، والمراد به إثبات صدور الدليل الشرعي من الشارع بالعلم واليقين الوجداني، وحينئذٍ سيكون ذلك كاشفا عن الصدور كشفا حقيقيا تاما، ومن الواضح كون حجّية القطع واليقين ذاتية وليست مجعولة بجعل الشارع، وأهم وسائل الإثبات هذه هي:[١٨] 1 ـ التواتر 2 ـ الإجماع 3 ـ سيرة المتشرّعة الطريق الثاني: الإثبات التعبّدي، والمراد به إثبات صدور الدليل الشرعي من الشارع، بكون الشارع تعبّدنا بطريق معيّن وحكم بترتيب آثار الواقع عليه رغم عدم علمنا الوجداني بصدوره. [١٩] وهذا إنّما يكون في موارد الطرق الظنية أو الأمارات التي تكشف عن الصدور كشفا ناقصا، لكن باعتبارات الشارع وجعل الحجّية لها تكتمل كاشفيتها، لكنها تبقى كاشفية اعتبارية وغير حقيقية. [٢٠] هذا، وقد يراد بالإثبات الوجداني إثبات الحكم الشرعي الواقعي الأوّلي بالدليل القطعي كالعلم الوجداني، أو بالدليل الظني كالبيّنة، وبالإثبات التعبّدي إثبات الحكم الشرعي، الظاهري الثانوي. البحث الثاني: ثمّ إنّه من أجل أن تكتمل عملية الاستدلال على الحكم الشرعي، فبعد إثبات صدور الأدلّة من الشارع لابدّ من تحديد الدلالة لتلك الأدلّة، فإنّها على نحوين: النحو الأول: الدلالة القطعية، كدلالة النص، أو دلالة فعل المعصوم على عدم الحرمة وكدلالة ترك المعصوم لفعل على عدم الوجوب، وهذه الدلالة حجّة؛ لحجّية القطع الذاتية. النحو الثاني: الدلالة المظنونة، وهي بحاجة إلى اعتبار الشارع لها، كدلالة الظهور اللفظي، ودلالة الأدلة على العلّة المستنبطة في القياس الفقهي.
المرجع في الإثبات
يختلف المتصدّي للإثبات بحسب نوع المتعلّق الذي يراد إثباته: 1 ـ الحكم أو الجعل الشرعي: إنّ إثبات ذلك من صلاحيات المجتهد فحسب؛ لقدرته على فهم الأدلّة وكيفية التعامل معها، فمن ليس بمجتهد لا يحق له ذلك. 2 ـ الموضوعات: وهي على عدّة أنحاء: ألف. إذا كانت مستنبطة، كتحديد حقيقة الغناء، أو معرفة تحديد مقدار الماء الذي لاينفعل بعين النجاسة (الكرّ)، وهذا من صلاحيات المجتهد. ب. إذا لم تكن مستنبطة، فلها عدّة صور: الصورة الأولى: إذا كانت من الموضوعات القضائية، كتحديد الجاني، أو ذي الحق خارجا ـ فإثباتها من وظيفة القاضي الشرعي. الصورة الثانية: إذا كانت من الموضوعات المرتبطة بالنظام العام، فهي من صلاحيات ولي الأمر. الصورة الثالثة: إذا لم تكن ممّا تقدّم، فهي ليست من شؤون الشارع، وستأتي الإشارة إلى شيء من التفصيل في الفقرة التالية.
مراحل الإثبات الشرعي
من أجل أن تتضح منهجية الاستدلال للحكم الشرعي والمنطق الذي يعتمده، نشير إلى المراحل التي يمرّ بها بصورة إجمالية، وهي:
الحالة الأولى: إثبات الموضوعات
وهو يتوقّف على ما لايقلّ عن إنجاز خمس مراحل:
المرحلة الأولى: تحديد ما إذا كان الموضوع منصوصا عليه في الشرع بالنص الخاص، أو بالنص العام، أو مشمولاً للقواعد العامة التي قررّها الشرع لما لايعلم حكمه الشرعي الأوّلي.
المرحلة الثانية: فإن كان الموضوع منصوصا عليه بالنص الخاص أو العام فلابدّ في المرحلة الثانية من تحديد طبيعة الموضوع من ناحية كونه موضوعا شرعيا أو عرفياً.
ونقصد بالموضوع الشرعي: ما نصّ الشارع على تحديد معيّن له، كالمسافة التي يقصّر فيها المسافر صلاته الرباعية، أو شروط السارق الذي يجب عليه الحدّ.
ونقصد بالموضوع العرفي: كلّ شيء ثبت له الحكم الشرعي من دون نصّ من الشارع على تحديد خاص للموضوع، فيرجع في تحديده إلى العرف، كالماء.
المرحلة الثالثة: فإن كان الموضوع شرعيا، كان الشرع المتمثّل في نصوص الكتاب والسنّة هو المصدر الذي يرجع إليه في تحديد الموضوع، وإن كان الموضوع عرفيا كان العرف هو المرجع في تحديد الموضوع.
هذا من ناحية تحديد الموضوع من الناحية المفهوميّة وعلى المستوى النظري، وأمّا على المستوى التطبيقي ومن جهة المصداق بعد تحديد مفهومه النظري:
ألف. فقد يكون الموضوع أمرا عاديّا لايتوقّف تحديد مصداقه الخارجي إلى خبرة واختصاص، كالماء الذي يجب استعماله في الطهارة، فيكون العرف العام هو المرجع في تحديد الموضوع على مستوى التطبيق.
ب. وقد يكون الموضوع أمرا يتوقّف تطبيق مفهومه على مصداقه الخارجي، وتحديد الأمر الخارجي الذي ينطبق عليه مفهومه إلى خبرة واختصاص كمفهوم الضرر مثلاً؛ إذ يتوقّف تحديد مصداقه في بعض الأحيان على مراجعة أهل الخبرة والاختصاص، وحينئذٍ يكون المرجع في تحديد الموضوع على مستوى التطبيق رأي أهل الخبرة والاختصاص.
ج. وأيضا إذا كان الموضوع قضائيا، فهذا يقع في دائرة القضاء التي لها وسائل إثبات محدّدة، يراجع فيه بحث القضاء.
د. وكذلك إذا كان الموضوع ممّا يقع تحت دائرة الولاية العامة، فهذا أيضا له آليات خاصة في الإثبات، يراجع فيه بحث الولاية العامة.
المرحلة الرابعة: ثمّ إنّ الموضوع سواءً أكان شرعيا أو عرفيا، قد تكون له أحوال مختلفة يختلف بحسبها الحكم الشرعي، فلابدّ من ملاحظة أحوال الموضوع المختلفة وتمييز كلّ حالة عن غيرها ليتمّ تحديد الحكم الشرعي لكلّ حالة من حالات الموضوع وصفاته بحسبها.
ثمّ إنّ الحالة أو الصفة التي يكتسب الموضوع حكمه الشرعي بلحاظها قد تكون بنفسها حالة أو صفة شرعية، وقد تكون حالة أو صفة عرفيّة، فلابدّ في تحديد الحالة أو الصفة المعيّنة من مراجعة الشرع، إن كانت الصفة أو الحالة شرعية كما في وصف الشاهد بالعدالة، ولابدّ من مراجعة العرف إن كانت عرفية، كما في وصف الأنعام التي تتعلّق بها الزكاة بالسائمة.
المرحلة الخامسة: وقد يكون الموضوع موضوعا يقبل التطوّر والتغيير من ناحية ذاته، أو من ناحية صفته أو حالته التي ثبت له الحكم الشرعي بسببها، وقد يكون التطوّر والتغيير الذي يلحق بالموضوع تطورا وتغييرا طبيعيّا، كالحجر أو التراب الذي يتحوّل إلى معدن فيتغيّر حكمه الشرعي بسبب هذا التغيير، وقد يكون الموضوع موضوعا اجتماعيا، والتغيير الطارئ عليه أيضا تغييرا اجتماعيا، والتغيير الاجتماعي هذا قد يكون تغييرا خاضعا لعامل الزمن، وقد يكون تغييرا خاضعا لعوامل جغرافيّة، أو غيرهما من العوامل المؤثّرة في التغيير الاجتماعي وتطوّر الظاهرة الاجتماعية. فلابدّ للفقيه من مواكبة تغيّرات موضوع الحكم الشرعي ومتابعة تطوراته الطبيعية أو الاجتماعية قبل إبداء الرأي في حكمه الشرعي، فإذا فرغ من تحديد الموضوع في حالته التي يراد بيان حكمه الشرعي بحسبها، صحّ له استنباط الحكم الشرعي الثابت لموضوعه من أدلّته الشرعية.
هذا هو الحدّ الأدنى من المراحل اللازمة لإثبات موضوع الحكم الشرعي، وإلاّ فقد يتطلّب الأمر مراحل إضافية، وحينها لابدّ من إضافة بعض المراحل الأخرى التي سنبيّنها في الحالة الثانية لاحقا. كلّ هذا من خطوات الحالة الأولى، وهي تحديد الموضوع.
الحالة الثانية: وهي استنباط الحكم الشرعي
أي بعد الفراغ من تحديد الموضوع، فهي تشتمل غالبا على ما لا يقلّ عن سبع خطوات: [٢١] المرحلة الأولى: مراجعة مصادر التشريع وهي الكتاب و السنّة، أو العقل أو الإجماع الكاشفان عنهما ـ حسب موازين الكشف المبحوث عنها في محلّه ـ والفحص عن الدليل الخاص أو العام الذي يمكن استنباط الحكم الشرعي منه. المرحلة الثانية: فإذا تمّ العثور على الدليل الخاص أو العام فلابدّ من التثبّت من صحة سنده إذا لم يكن قطعي السند؛ وذلك من خلال إعمال القواعد الرجالية والضوابط الدقيقة المنقّحة في علم الرجال. المرحلة الثالثة: وإذا كان الدليل قطعي السند أو ثبتت صحته سندا، فلابدّ من البحث عن مدى دلالته على الحكم الشرعي المبحوث عنه، وتحديد ما يدلّ عليه من الحكم الشرعي؛ وذلك بتطبيق القواعد المثبّتة في علم الأصول في كيفية الاستفادة من دلالة الدليل لفظيا كان أو غيره. المرحلة الرابعة: فإذا تمّ تحديد دلالة الدليل الشرعي بعد الفراغ عن صحة سنده، لزم الفحص عن الدليل المعارض، فإن لم يوجد معارض للدليل أو وجد ولكن لم تتوفّر فيه شروط الحجيّة تمّ استنباط الحكم الشرعي؛ وفقا لما يدلّ عليه الدليل حسب موازين الدلالة و الظهور العرفي اللغوي. المرحلة الخامسة: وإن وجد المعارض الذي توفّرت فيه شروط الحجيّة لزم تحديد نسبة المعارض إلى الدليل، وتعيين نوع التعارض، من كونه تعارضا بدويا غير مستقرّ يقبل الجمع العرفي، أو تعارضا مستقرّا يأبى الجمع العرفي. المرحلة السادسة: إعمال قواعد الجمع العرفي إن كان التعارض غير مستقرّ، وإعمال قواعد باب التعارض إن كان التعارض مستقرّا، ثمّ الخروج بالنتيجة التي تفرضها قواعد الجمع العرفي عند التعارض غير المستقرّ، أو قواعد التعادل والترجيح عند التعارض المستقرّ. المرحلة السابعة: وعند فقدان الدليل الخاص أو العام على الحكم الشرعي وعدم العثور على شيء من ذلك في مصادر التشريع، أو سقوط الدليل عن الحجّية بسبب التعارض، يتعيّن الرجوع إلى القواعد الشرعية التي تحدّد الموقف العملي الشرعي في مثل الموضوع المبحوث عن حكمه عند فقدان الدليل هو الأصول العملية، أو الأدلّة الظنية من قياس و استحسان و استصلاح ونحوها. هذا، وقد يستدعي الأمر إضافة خطوات ومراحل أخرى نتيجة لطروّ حالات أو عناوين ثانوية وغيرها، فتبرز عناصر جديدة ممّا يزيد عملية الاستنباط و إثبات الحكم الشرعي تعقيدا وصعوبةً.
المصادر
- ↑ المصباح المنير : 80 .
- ↑ الكليات : 39.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ انظر : فوائد الأصول 4 : 18.
- ↑ انظر : نهاية الأفكار 1ـ2 : 312.
- ↑ انظر : الإحكام الآمدي 1ـ2 : 170، زبدة الأصول (البهائي) : 97، الفصول الغروية : 240 ـ 241.
- ↑ الفوائد المدنية : 51، 59.
- ↑ انظر : أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 262ـ263.
- ↑ وسيلة الوصول 1 : 707.
- ↑ دروس في علم الأصول 1 : 70.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ انظر : فوائد الأصول 4 : 309، مقالات الأصول 1 : 55، نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 21، منتقى الأصول 1 : 30 ـ 31.
- ↑ فوائد الأصول 4 : 310.
- ↑ انظر : دروس في علم الأصول 1 : 76، 203.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ انظر : أصول الفقه المظفر 1ـ2 : 50، دروس في علم الأصول 1 : 197. ربّما يطلق مصطلح «الدليل» على القسم الأول، ويطلق على القسم الثاني «الأصل».
- ↑ دروس في علم الأصول 1 : 197.
- ↑ المصدر السایق: 276
- ↑ المصدر نفسه: 288
- ↑ المصدر نفسه 2 : 275 ـ 298.
- ↑ راجع : الأصول العامة للفقه المقارن : 80 .