جمعة النصر هي صلاة الجمعة اقيمت في طهران في عام 5 اكتوبر 2024 في مصلى الإمام الخميني بعد استشهاد حامل راية المقاومة وشهيد في طريق القدس وفلسطين، الأمين العام لحزب الله حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله، وعلى أعتاب الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى التي قام بها مقاتلو المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وكذلك قبل إقامة الصلاة الجمعة أقيم حفل تأبيني للشهيد السيد حسن نصر الله ورفاقه والشهيد نيلفروشان. وبعد ذلك أقيمت صلاة الجمعة بإمامة الإمام الخامنئي.

الحضور المليوني للشعب الايراني المقاوم

شارك في هذه الجمعة المباركة الأمة الإسلامية وشعب إيراني العزير من جميع أنحاء هذا البلد الشاسع بكل حماس، فبعضهم جاء إلى طهران في اليوم السابق وبعضهم جاءؤا في الليلة السابقة جنبًا إلى جنب مع المصلين الطهرانين في الحفل التأبيني لإحياء ذكرى السيد حسن نصر الله ورفقائه الشهداء وبعد نهاية المجلس التابيني اقيمت صلاة الجمعة بإمامة قائد الثورة الامام الخامنئي دام ظله الروؤف. وفي هذه الملحمة التاريخية، هتف الرجال والنساء، صغارا وكبارا، الموت لإسرائيل والموت لأمريكا. إن يوم الله هذا، الذي كان تبلوراً لملحمة الوطنية والوحدة الوطنية تحت راية الجمهورية الإسلامية ذات الألوان الثلاثة وتوجيهات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وأجد صورة رائعة ليس فقط في قلوب المصلين؛ بل في تاريخ هذه البقئة.

=خطبة الاولى لصلاة جمعة النصر

بسم الله الرّحمن الرحیم والحمد لله ربّ العالمین، والصّلاة والسّلام علیٰ سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفیٰ محمّد، وعلیٰ آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، [ولا] سیّما بقيّة الله في الأرضین. اللّهمّ إنّي أحمدك وأستعینك وأستغفرك وأتوکّل عليك. والسّلام علیٰ أئمّة المسلمین، وحماة المستضعفین، وهداة المؤمنین. قال الله تعالیٰ: {والمُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِیاءُ بَعضٍ یَأمُرونَ بِالمَعروفِ ویَنهَونَ عَنِ المُنکَرِ ویُقیمونَ الصَّلوةَ ویُؤتونَ الزَّکوةَ ویُطیعونَ اللهَ ورَسولَهُ أُولئِكَ سَیَرحَمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکیمٌ} (التوبة، الآية 71) أدعو جميع الإخوة والأخوات الأعزاء وأدعو نفسي، وأوصيهم وأوصي نفسي بتقوى الله، بمراقبة أنفسنا كي لا نتعدى حدود الله في أقوالنا وأفعالنا، وهذا هو معنى التقوى.

الاخوة والوحدة الإيمانية

لقد تناولت هذه الآية مسألة مهمّة، وهي علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، والتي يعبّر عنها القرآن الكريم بـ «الولاية»؛ ولاية المؤمنين بعضهم لبعض. وقد ورد هذا المعنى في عدّة آيات في القرآن. هذه الآية تبيّن أنّ الرحمة الإلهيّة هي ثمرة هذه الولاية وهذا الائتلاف؛ "أُولئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ"؛ أي إنّكم أيّها المسلمون إن تولّيتم بعضكم بعضًا، وتعاونتم وتآزرتم فيما بينكم، شملتكم رحمة الله [تعالى]. ثمّ يقول: "إِنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکیمٌ"؛ حيث يختم الآية بذكر عزّة الله وحكمته؛ ربما لأنّ الرحمة الإلهيّة هنا تتناسب مع عزّته وحكمته. فالرحمة الإلهيّة تشمل جميع الفضائل التي يُنعم بها الله على عباده؛ كلّ النعم، وكلّ الألطاف، وكلّ أحداث الحياة هي رحمة من الله؛ ولكنّ الرحمة في هذه الآية الكريمة، تتناسب مع "العزّة" و"الحكمة"، العزّة الإلهيّة تعني أنّ القدرة الإلهيّة تحكم الوجود بأسره، والحكمة الإلهيّة تعني قوّة وثبات جميع قوانين الخليقة؛ ربما تريد هذه الآية أن تنبّهنا إلى أن العزّة والحكمة الإلهيّة ستكون من وراء المسلمين إن هم اتّحدوا وتوحّدوا؛ فتعضدهم القدرة الإلهيّة اللامتناهية، ويستعينون بالسنن والقوانين الإلهيّة.

المقصود من ولاية المؤمنين بَعضُهُم بَعضٍ

فما المراد بهذه الولاية؟ هذه الولاية تعني ترابط المسلمين وتعاضدهم؛ وقد صار ذلك سياسة قرآنيّة للمسلمين، فسياسة القرآن تدعو المسلمين إلى اتحاد شعوبهم وجماعاتهم، وكأنّ الآية تعدهم إن هم اتّحدوا فيما بينهم؛ أن تكون العزّة الإلهيّة من خلفهم، أي إنّكم ستتغلّبون على جميع العقبات، وستنتصرون على جميع الأعداء؛ أن تكون الحكمة الإلهيّة من خلفكم يعني أنّ جميع قوانين الخليقة ستسهم في تقدّمكم، هذا هو منطق القرآن، وسياسة القرآن. تُقابل هذه السياسةَ سياسةُ أعداء الإسلام، أي المستكبرين والطغاة في العالم، إنّ سياسة هؤلاء هي «فَرّقْ تَسُدْ»، فعملهم قائم على بثّ الفرقة، وقد مارسوا سياسة بثّ الفرقة هذه بمختلف أساليب الخداع والمكر، ولا زالوا مستمرّين في ذلك، الأمر الذي يؤدّي إلى نشر الكراهية بين المسلمين، لكنّ الشعوب اليوم استيقظت. اليوم هو اليوم الذي تستطيع فيه الأمّة الإسلاميّة أن تتغلّب على مكر أعداء الإسلام والمسلمين وخداعهم.

وحدة العدو للامة الإسلامية جمعا

أقول لكم: إنّ عدوّ الشعب الإيرانيّ هو نفسه عدوّ الشعب الفلسطينيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب اللبنانيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب العراقيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب المصريّ، وهو عدوّ الشعب السوريّ، وعدوّ الشعب اليمنيّ؛ العدوّ واحد، لكنّ أساليبه تختلف من بلد لآخر. يستخدم الحرب النفسيّة في مكان، والضغوط الاقتصاديّة في مكان، والقنابل التي تزن طُنّين في مكان، يستخدم السلاح في مكان، والابتسامة في مكان. أعداؤنا يتّبعون هذه السياسة، ولكنّ غرفة القيادة واحدة، والأوامر تصدر من مكان واحد، والهجمات ضدّ الجماعات والشعوب الإسلاميّة تأتي من نفس المكان. وإذا ما نجحت هذه السياسة في بلد ما، أي إنّها آلت إلى التسلّط على ذلك البلد، ولم يعد ذلك البلد يشغل بالَهم؛ توجّهوا إلى بلد آخر. لا ينبغي للشعوب أن ترضى بذلك.

لابد للامة الإسلامية الحذر من الغفلة

كلّ شعب لا يريد الوقوع تحت حصار العدوّ المنهِك، عليه أن يفتح عينيه من بداية الطريق، أن يكون يقظًا. عندما يرى العدوّ يستهدف شعبًا آخر، عليه أن يعدّ نفسه شريكًا لذلك الشعب المظلوم والمُضطهَد، أن يعينه، أن يتعاون معه حتّى لا يحقّق العدوّ مبتغاه. إن نجح العدوّ هناك؛ انتقل إلى النقطة التالية. لقد غفلنا نحن المسلمين عن هذه الحقيقة لسنوات عديدة، ورأينا نتائج هذه الغفلة؛ اليوم لم يعد هناك مجال للغفلة. علينا أن نكون حذرين. يجب علينا أن نشدّ الأحزمة للدفاع، للسعي نحو الاستقلال، لتحقيق العزّة؛ من أفغانستان إلى اليمن، ومن إيران إلى غزّة ولبنان، في جميع البلدان الإسلاميّة والشعوب الإسلاميّة. هذه المسألة الأولى التي أردت تناولها اليوم.

طوفان الأقصى حركة، منطقيّة وقانونيّة لشعبٍ الفلسطيني

الجزء الأكبر من حديثي اليوم موجّهٌ للإخوة اللبنانيّين والفلسطينيّين الذين يواجهون التحدّيات، وهذا ما سأتناوله في الخطبة الثانية. المسألة الثانية هي أنّ الأحكام الدفاعيّة في الإسلام قد أوضحت لنا وظيفتنا؛ وكما أحكام الإسلام الدفاعيّة، كذلك دستورنا، والقوانين الدوليّة، حتّى في هذه القوانين التي لم يكن لنا تأثير في صياغتها تعدّ المسألة التي سأقوم بذكرها من المسلّمات؛ وهي أنّ لكلّ شعبٍ الحقّ في الدفاع عن أرضه، وبيته، وبلده، ومصالحه في وجه المعتدين، وهذا يعني أنّ للشعب الفلسطينيّ الحقّ في مواجهة العدوّ الذي استولى على أرضه، واحتلّ منزله، ودمّر مزرعته، وأفسد حياته؛ للشعب الفلسطينيّ هذا الحقّ. وهذا منطق قويّ تؤيّده القوانين العالميّة اليوم. مَن هم أهل فلسطين؟ مَن هم أبناء الشعب الفلسطينيّ؟ ومن أين جاء هؤلاء المحتلّون؟ للشعب الفلسطينيّ الحقّ في الوقوف في وجههم؛ لا توجد محكمة، ولا مؤسّسة، ولا منظّمة دوليّة لها الحقّ في الاعتراض على الشعب الفلسطينيّ لأنّه واجه الكيان الصهيونيّ الغاصب؛ لا يحقّ لهم ذلك. وأولئك الذين يساعدون الشعب الفلسطينيّ إنّما يؤدّون واجبهم؛ لا يملك أحدٌ، استنادًا إلى أيّ قانون دوليّ، الحقّ في الاعتراض على الشعب اللبنانيّ أو على حزب الله اللبنانيّ؛ لدعمه غزّة أو انتفاضة الشعب الفلسطينيّ؛ هذا واجبهم، وكان يجب عليهم القيام بذلك. هذا هو حكم الإسلام، وحكم العقل، والمنطق الدوليّ والعالميّ. الفلسطينيّون يدافعون عن أرضهم؛ فدفاعهم مشروع، ومساعدتهم أيضًا مشروعة.

ما قدّمه اللبنانيّون من التضحية قانونيّ وعقلانيّ ومشروع

من هنا، كانت كلّ هذه الهجمات، وعمليّة "طوفان الأقصى" - التي نُفّذت العام الماضي في مثل هذه الأيّام تقريبًا[1] -؛ كانت حركة صحيحة، منطقيّة، قانونيّة ودوليّة، وكان الحقّ إلى جانب الفلسطينيّين. الدفاع البطوليّ الذي قدّمه اللبنانيّون عن الشعب الفلسطينيّ يخضع لنفس الحكم؛ فهو أيضًا قانونيّ، عقلانيّ، منطقيّ ومشروع، ولا يحقّ لأحد أن ينتقدهم لإقدامهم على هذا الدفاع. العمل البارز لقوّاتنا المسلّحة في الليلتين أو الثلاث الماضية، كان عملًا قانونيًّا ومشروعًا تمامًا[2]. ما قامت به قوّاتنا المسلحة يُعدّ الحدّ الأدنى من العقوبة للنظام الصهيونيّ الغاصب مقابل الجرائم المذهلة التي ارتكبها ذلك النظام؛ النظام المتعطّش للدماء، النظام الذي يتصرّف كالذئاب المسعورة والكلاب الهائجة التابعة لأمريكا في المنطقة. جمهوريّة إيران الإسلاميّة ستؤدّي أيّ واجب تقتضيه هذه القضيّة بقوّة وثبات وحسم. في مقابل هذا الواجب؛ لن نتردّد، ولن نتسرّع، لن نتأخّر، لن نتساهل، ولن نتسرّع. بناءً على تقديرات القادة العسكريّين والسياسيّين؛ سنقوم بما هو منطقيّ، بما هو صحيح، وبما هو مناسب، وفي الوقت المناسب، كما حصل، وسيحصل أيضًا في المستقبل إن لزم الأمر. في الخطبة الثانية، سأتناول قضايا لبنان، وستكون الخطبة موجّهة إلى الإخوة العرب في دول المنطقة؛ لذا، سأُلقي الخطبة باللغة العربيّة. بسم الله الرحمن الرحيم. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر).

الخطبة الثانية لصلاة جمعة النصر

بسم الله الرحمن الرحيم والحَمدُللهِ رَبِّ العَالَمين، أحمَدُهُ وأستَعينُهُ، وأستَغفِرُهُ وأتوكّلُ عَليه، وأُصَلّي وأسلّمُ على حَبيبِهِ الرّسولِ الأعظم، سيّدنا محمّدٍ المصطفى (ص) وآلهِ الطّاهرينَ، لا سيّما على أمير المؤمنين، وحبيبته الزّهراء المرضيّة، والحسنِ والحسينِ سيّدَي شبابِ أهلِ الجنّة، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّدٍ بن عليٍّ باقرِ علمِ الأوّلينَ والآخرين، وجعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعليّ بن موسى الرّضا، ومحمّدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بنِ محمّدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ الزكيِّ العسكريّ، والحجّةِ بن الحسنِ القائمِ المهديّ، صلواتُ اللهِ عليهِم أجمَعين، وأُسلِّمُ على صَحبِهِ المُنتَجَبينَ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وعلى حُماةِ المُستضعَفينَ ووُلاةِ المؤمِنين.

نحنُ جميعًا مصابونَ بِشهادة دُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ

ارتأيتُ أن يكونَ تَكريمُ أخي وعزيزي ومَبعَثُ افتِخاري والشّخصيّةُ المحبوبةُ في العالمِ الإسلامي، واللسانُ البليغُ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ، سَماحَةُ السيّد حَسن نصرالله، رضوان الله تعالى عليه، في صلاةِ جُمعةِ طَهران، وسأتطرّقُ أيضًا لبعضِ النّقاط.

جنس عزاءنا على مصاب الشهداء

هذا الخطابُ موجّهٌ للأمّةِ الإسلاميّةِ جَمعاء، إلّا أنّهُ موجّهٌ بشكلٍ خَاصٍّ إلى الشّعبَينِ العَزيزَين اللُّبنانيّ والفلسطيني. نحنُ جميعًا مصابونَ ومَكلومونَ بِشهادة السيّدِ العزيز، إنّهُ لفِقدانٌ كبير، ولقد أفجعَنا بكلِّ معنى الكلمة. غيرَ أنَّ عزاءَنا لا يَعني الاكتئابَ واليأسَ والاضطراب، بل هو من سِنخ عزائِنا على سيّدِ الشهداءِ الحسين بن عليّ عليه السلام؛ يبعثُ الحياة، ويُلهمُ الدّروس، ويوقدُ العزائم، ويضخّ الآمال.

شخصيّة السيد الشهيد ونَهجَهُ، وصوتَهُ الصّادحَ، سَتبقى حاضرةً فينا أبدًا

لقد غادرَنا السيّد حسن نصرالله بجسده، لكنَّ شخصيّتَهُ الحقيقيّةَ؛ رُوحَهُ، ونَهجَهُ، وصوتَهُ الصّادحَ، سَتبقى حاضرةً فينا أبدًا. لقد كان الرايةَ الرفيعةَ للمقاومةَ في وجه الشياطين الجائرينَ والناهبين، وكان اللسانَ البليغَ للمظلومينَ والمدافعَ الشّجاعَ عنهم، كما كانَ للمناضلينَ على طريقِ الحقّ سندًا ومشجّعًا، لقَد تخطّى نطاقُ شعبيّته وتأثيرُهُ حدودَ لبنانَ وإيرانَ والبلدانَ العربيّة، وستُعزّزُ شهادَتُه الآن مدى هذا التأثير. إنّ أهمّ رسائلِهِ قولًا وعملًا، في حياتِهِ الدنيويّة، لكم يا شعبَ لبنانَ الوفيّ، كانت ألّا يساورَكُم يأسٌ واضطرابٌ بغيابِ شخصيّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي، وألّا يصيبَكُم ترديدٌ في مسيرةِ نضالِكُم. ضاعِفوا مَساعيَكُم وقُدُراتِكُم، وعزّزوا تَلاحُمَكُم، وقاوموا العدوَّ المُعتَدي وأفشِلوهُ بتَرسيخِ إيمانِكُم وتوكّلِكُم.


العدوّ الخبيثُ الجبانُ عاجزعن ضرب المقاومة الإسلامية

أعزّائي، يا شعبَ لبنانَ الوفي، يا شبابَ حزبِ الله وحركة أمل المُفعَمَ بالحماسَة! يا أبنائي، هذا أيضًا طلبُ سيّدنا الشهيد اليوم من شعبه وجبهة المقاومة والأمّة الإسلاميّة جَمعاء. العدوّ الخبيثُ الجبانُ، إذ عجزَ عن توجيه ضربة مؤثّرة للبنية المتماسكة لحزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المجاهدة في سبيل الله، عَمَدَ إلى التظاهر بالنّصرِ من خلال الاغتيالات والتدمير والقصف وقتل المدنيّينَ وحرق قلوبهم. لكن ما هي النتيجة؟ ما نجمَ عن هذا السلوك هو تراكمُ الغضب وتصاعدُ دوافعِ المقاومةِ، وظهورُ المزيدِ من الرجالِ والقادةِ والمضحّين، وتضييقُ الخناق على الذئب الدّموي، وبالتالي، إزالةُ الكيان الملطّخ بالعارِ من ساحةِ الوجود، إن شاء الله.

أيّها الأعزّة، القلوبُ المفجوعةُ تستلهمُ السكينةَ بذكر الله وطلب النّصرة منه. الدّمارُ سيُعوَّض، وصَبرُكم وثباتُكم سيُثمر عزّةً وكرامةً. لقد كانَ السيّدُ العزيزُ طوالَ ثلاثينَ عامًا على رأسِ كِفاح شاقّ، وارتقى بحزب الله خطوةً بخطوة: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح، 29). بتدبيرِ السيّد نما حزب الله مرحلةً بمرحلة، بصبرٍ وبنحو منطقيّ وطبيعي، وأبرزَ آثارَهُ الوجوديّةَ أمامَ أعدائهِ في المراحلِ المختلفةِ عَبرَ دَحرِ العدوِّ الصَّهيوني {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم، شطر من الآية 26).

حزب الله هو حقًّا شجرةٌ طيّبة

حزب الله هو حقًّا شجرةٌ طيّبة، حزب الله وقائدُهُ الشهيدُ البطلُ هو عصارةُ فضائلِ لبنانَ في تاريخِهِ وهُويَّتِه. نحن الإيرانيّون قَد عرفنا منذُ زمنٍ بعيدٍ لبنانَ وفَضائِلَه، فقد أغدقَ عُلماءُ لبنانيّونَ من فيض علمهم على إيران في العَهدين السّربِداري والصّفوِيّ خلال القرنِ الثامنِ والعاشرِ والحادي عَشرَ للهجرة، ومِنهُم محمّدُ بنِ مكّيٍّ العامليُّ الشهيد، وعليُّ بنُ عَبدِالعَالِ الكَركي، وزينُ الدينِ العامِلِيُّ الشهيد، والحسينُ بنُ عبدِالصّمَدِ العَامِلِي، وابنُه بَهاءُ الدّينِ المَعروفُ بالشَّيخِ البَهائِيّ وغَيرُهُم مِن رِجالِ الدّينِ والعِلم. أداءُ الدّينِ للُبنانَ الجَريحِ المُدمَى هو واجبُنا وواجبُ المسلمينَ جميعًا. حزب الله والسيّدُ الشهيدُ بدفاعهِم عن غَزّةَ، وجهادهم من أجل المسجدِ الأقصى، وإنزالهِم الضربةَ بالكيانِ الغاصبِ والظالم، قد خَطوا خطوةً في سبيل خدمة مصيريّة للمَنطِقَةِ بأكملِها، والعالم الإسلامي كلّه. إنّ تركيزَ أمريكا وأذرُعِها على حِفظِ أَمنِ الكِيانِ الغاصبِ ليسَ سوى غطاءٍ لسياستِهم المُتبدّدة القاضيةِ بتحويلِ الكِيانِ إلى أداةٍ للاستحواذِ على جميعِ المواردِ الطبيعيّةِ لهذهِ المنطقة واستثمارِها في الصّراعاتِ العالميّةِ الكُبرى. هدفُ هؤلاءِ تحويلُ هذا الكِيانِ إلى بوابةٍ لتصديرِ الطاقةِ من المَنطِقَة إلى بلاد الغرب، واستيراد البضائعِ والتقانةِ من الغرب إلى المنطقة. وهذا يعني ضمانَ وجودِ المغتصبِ وجعلِ المنطقة بأجمعها تابعةً له.

كلَّ ضربةٍ يُنزِلُها أي شخصٍ وأيّةُ مجموعةٍ بهذا الكيان، إنّما هي خدمةٌ للمَنطِقَة بأجمعها، بل لكلِّ الإنسانيّة

والسلوكُ السفّاحُ والوقحُ لهذا الكيانِ تجاهَ المناضلينَ ناجمٌ عن الطّمعِ بتحقيقِ هذا الهدف. هذا الواقعُ يبينُ لنا أن كلَّ ضربةٍ يُنزِلُها أي شخصٍ وأيّةُ مجموعةٍ بهذا الكيان، إنّما هي خدمةٌ للمَنطِقَة بأجمعها، بل لكلِّ الإنسانيّة. لا ريبَ في أن أحلام الصهاينة والأمريكيّين هذه إنّما هي محضُ أوهامٍ مستحيلة. فالكيانُ ليس إلّا تلكَ الشجرةَ الخبيثةَ التي اجتُثَّت من فوقِ الأرض، وقد صدَقَ قولُهُ تعالى {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} (إبراهيم، شطر من الآية 26).

الكيانُ الخبيث، المتزعزع، أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ بدعم أمريكا

هذا الكيانُ الخبيث، بلا جذور، ومزيّفٌ ومتزعزع، وقد أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ عبرَ ضخّ أمريكا الدعم له، ولن يُكتبَ له البقاءُ بإذن الله تعالى. والدليلُ الواضحُ على ذلكَ أنّه أنفق مليارات الدولارات في غزّةَ ولبنانَ منذُ عام، وأُغدِقَت عليهِ المساعداتُ المختلفةُ من أمريكا وعددٍ من الدولِ الغربية، وقد مُنيَ بالهزيمة في مواجهة بِضعة آلاف من المكافحينَ والمجاهدين في سبيل الله المحاصرينَ الممنوعينَ من أيّ مساعدةٍ خارجيّة، وكانَ إنجازَهُمُ الوحيدُ قصفَ البيوتِ والمدارسِ والمستشفياتِ ومراكزَ تجمّعِ المدنيّين.

العِصابَةَ الصهيونيّة المجرمة لن يحقّقوا النّصرَ أبدًا

واليوم فإنّ العِصابَةَ الصهيونيّة المجرمة أنفُسَهُم قد توصّلوا أيضًا إلى هذه النتيجةِ وهي أنّهم لن يحقّقوا النّصرَ أبدًا على حماس وحزب الله. يا أهلنا المقاومينَ في لبنانَ وفلسطين! أيها المناضلونَ الشُّجعان! أيها الشعبُ الصبورُ الوفي! هذهِ الشّهادات، وهذهِ الدّماءُ المَسفوكة، لا تُزعزعُ عَزيمَتَكُم، بل تَزيدُكُم ثباتًا. في إيرانَ الإسلاميّة، خلالَ ثلاثةِ أشهرٍ من صَيف 1981، جرى اغتيالُ العشراتِ من شخصيّاتِنا البارزةِ والمميّزةِ، ومِنهُم شخصيّةٌ عَظيمَةٌ مثلُ السيّد محمد بهشتي، ورَئيسُ جُمهوريّةٍ مثلُ رجائي، ورئيسُ وزراءٍ مثلُ باهنر، واغتيلَ علماءٌ مثلُ آية الله مدني وقدوسي وهاشمي نجاد وأمثالهم، وكان كلُّ واحدٍ منهم من أعمدَة الثورة على المُستَوى المحلّي أو الوطنيّ، ولم يَكُن فقدانُهُم هيّنًا، لكنَّ مسيرةَ الثّورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارَعَت.

المقاومةَ لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سيكونُ حليفَا لها

واليوم، فإنّ المقاومةَ في المنطقة لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سيكونُ حليفَ المقاومة. المقاومةُ في غزّةَ حيّرتِ العالم، وأعزّت الإسلام. لقد تلقّى الإسلامُ في غزّةَ بصدره كلَّ أنواع الخُبث والشرّ. وما مِن إنسانٍ لا يُحَيّي هذا الصّمود، ولا يَلعنُ عَدُوَّها السفّاحَ والدّمَوِيّ.

جهادَ رجالِ فلسطين ولبنان قَد أعاد الكيانَ الصهيونيَّ سَبعينَ سنةً إلى الوراء

لقد أوصلَ طوفانُ الأقصى وعامٌ من المقاومةِ في غزّةَ ولُبنان، هذا الكيانَ الغاصِبَ إلى أن يكونَ هاجسَهُ الأهمَّ حفظ وُجودِه، وهو الهاجسُ نفسُهُ الذي كانَ يُسَاورُ هذا الكيانَ في السنوات الأولى لوِلادَته المَشؤومة، وهذا يعني أنّ جهادَ رجالِ فلسطين ولبنان قَد أعاد الكيانَ الصهيونيَّ سَبعينَ سنةً إلى الوراء.

العاملُ الأساسيُّ لانعدامِ الأمن والتخلّفِ في المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الكيانِ الصَّهو امريكي

العاملُ الأساسيُّ للحروبِ وانعدامِ الأمن والتخلّفِ في هذهِ المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الكيانِ الصَّهيونيِّ وَحُضورُ الدُّولِ التي تدّعي أنها تَسعى إلى إحلالِ الأمنِ والسّلامِ في المَنطِقَة. فالمشكلةُ الأساسُ في المنطقة هيَ تَدَخل الأجانبِ فيها. دولُ المَنطقة قادِرةٌ على إحلالِ الأمنِ والسلامِ فيها. وتحقيقُ هذا الهدف العظيم والمُنقذ للشّعوب يَستَلزِمُ بَذلَ جُهود شُعوبِها وحُكوماتِها. وإنّ اللهَ مع السّائرينَ على هذا الدّرب، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج، 39). سلامُ الله على القائد الشهيد نصرِالله، وعلى البَطَل الشهيد هَنِيَّة، وعلى القائد المُفتَخَر الفَريق قاسم سُلَيماني.