الجماعة الإسلامية في باكستان
الجماعة الإسلامية في باكستان، حركة إسلامية إصلاحية تدعو للإسلام نظاما شاملا للبشرية كافة وللمسلمين خاصة، تأسست عام 1941 في مدينة لاهور في شبه القارة الهندية، وانتخب أبو الأعلى المودودي أميرا لها، ونسبت الجماعة لباكستان بعد الحصول على الاستقلال عن الهند وإعلان قيام دولة باكستان في 28 أغسطس/آب 1947، ويمكن القول إن المودودي هو من أنجب "الجماعة الإسلامية في باكستان" بفكره السابق عليها كتنظيم، ملهما إياها بأفكاره وكتاباته بل وتجربته قبل الحركة من خلال انخراطه في حركة إحياء الخلافة الإسلامية، ثم مشاركته في جمعية إغاثة وغوث المسلمين الذين راحوا ضحية الصدامات مع الهندوس، ترسخت الجماعة الإسلامية في مختلف أرجاء باكستان وتغلغلت داخل المجتمعات بفعل الدور الذي تقوم به عن طريق نشر الكتب والرسائل وإقامة المدراس والمعاهد ومراكز لتعليم الأميين، كما امتد وجودها إلى الجامعات عن طريق الذراع الطلابي المحسوب عليها (جمعية الطلبة الإسلامية) وكانت العلاقة وطيدة بين الجماعة الإسلامية في باكستان وجماعة الإخوان المسلمين في مصر لتقارب "وجهات النظر في الأهداف والمسائل الفكرية الكبرى والتأثير والتأثر المتبادلين". ومن أبرز الأعلام المؤسسين للجماعة الإسلامية في باكستان، إضافة لمؤسسها الأول أبي الأعلى المودودي، وميان طفيل محمد، الذي عمل أمينا عاما للجماعة وأصبح أميرا لها بعد المودودي عام 1972، وقاضي حسين أحمد، الذي كان أمينا عاما للجماعة ثم أميرا لها عام 1987 خلفا لميان طفيل محمد، وخورشيد أحمد نائب الأمير ووزير سابق وعضو في المجلس النيابي، خليل أحمد الحامدي، مدير دار العروبة ومدير معهد المودودي العالمي للدراسات الإسلامية، البروفيسور عبد الغفور أحمد، وكان أمير فرع الجماعة في كراتشي، وعضو البرلمان المركزي ووزيرا للصناعات والمواد المعدنية عام 1978، وغلام أعظم، كان أمير الجماعة الإسلامية في باكستان الشرقية قبل الانفصال، وبعد خروجه من السجن أصبح أمير الجماعة في بنغلاديش،تعارض الجماعة الإسلامية بشدة الرأسمالية والشيوعية والليبرالية والاشتراكية والعلمانية وكذلك الممارسات الاقتصادية مثل تقديم الفوائد المصرفية.
نشأتها وتأسيسها
أُعلن عن تأسيس الجماعة الإسلامية في باكستان يوم 17 أغسطس/آب 1941 في مدينة لاهور قبل استقلال باكستان في اجتماع ضم 75 عضوا مؤسسا يمثلون مختلف جغرافيا البلد. عام 1943 نقلت الجماعة الإسلامية مركزها الرئيس من لاهور إلى دار السلام، وهي إحدى قرى مدينة بتهانكوت، لتعود إلى لاهور بعد استقلال باكستان يوم 28 أغسطس/آب 1947، حيث أُسس مقر الجماعة وطالبت بتشكيل النظام الباكستاني طبقا للقانون الإسلامي. وألقى المودودي خطابا شهيرا في كلية الحقوق طالب فيه بتشكيل النظام الباكستاني طبقا للقانون الإسلامي، معبرا بذلك عن تفاعل الحركة بشكل فعلي مع الشأن العام ومحاولة نقل الأفكار من فضاءات المساجد والندوات إلى الالتحام بالواقع ومحاولة التأثير فيه.[١].
جاءت نشأة الجماعة في واقع مرير نتج عن سقوط الخلافة العثمانية والفراغ السياسي الذي خلفته، فضلا عن معاناة مسلمي الهند من الاضطهاد الهندوسي بعد أن لاحت بوادر استقلال الهند وحرص زعماء الهندوس على إعطائها بعدا وثنيا، فبدؤوا بشن حملات لإكراه المسلمين على تغيير دينهم، وكان المودودي منشغلا بالكتابة والصحافة، مما جعله يعيش الأحداث متأثرا بها ومتفاعلا مع الرعيل الأول الذي وضع لبنة التأسيس. ويمكن القول إن المودودي هو من أنجب "الجماعة الإسلامية في باكستان" بفكره السابق عليها كتنظيم، ملهما إياها بأفكاره وكتاباته بل وتجربته قبل الحركة من خلال انخراطه في حركة إحياء الخلافة الإسلامية، ثم مشاركته في جمعية إغاثة وغوث المسلمين الذين راحوا ضحية الصدامات مع الهندوس.[٢].
ايديولوجيتها وأهدافها
إن الغاية الوحيدة التي لأجلها قامت الجماعة الإسلامية وتناضل وتجاهد إنما هي إقامة النظام الإسلامي ابتغاء لوجه الله تعالى وحده، وما هي بجماعة سياسية أو دينية أو إصلاحية بذلك المعنى الضيق المحدود الذي يعرفه الناس عامة للجماعات السياسية والدينية والإصلاحية، بل هي جماعة شاملة تؤمن بنظرية جامعة عالمية للحياة البشرية -الإسلام- وتريد تنفيذها فعلا في عقائد الناس وأفكارهم وأخلاقهم وعاداتهم وعلومهم وفنونهم وآدابهم ونظمهم للمدنية والثقافة والاجتماع والاقتصاد والسياسة والعلائق الدولية. وإن السبب الحقيقي الوحيد في نظر هذه الجماعة لكل ما في الأرض اليوم من القلق والاضطراب والفساد، هو انحراف أهلها عن طاعة ربهم وغفلتهم عن مسؤوليتهم في الآخرة وإعراضهم عن اتباع هدى الأنبياء وطريقتهم المثلى.[٣].
شعبيتها
ترسخت الجماعة الإسلامية في مختلف أرجاء باكستان وتغلغلت داخل المجتمعات بفعل الدور الذي تقوم به عن طريق نشر الكتب والرسائل وإقامة المدراس والمعاهد ومراكز لتعليم الأميين، كما امتد وجودها إلى الجامعات عن طريق الذراع الطلابي المحسوب عليها (جمعية الطلبة الإسلامية).
نشاط سياسي غير مستقر
مرت الحركة الإسلامية بالكثير من المحطات الهامة، وخصوصا فترة النشأة، حيث اعتقل مؤسسها المودودي وبعض أعضائها عام 1948 بعد خطاب للمودودي في كراتشي في اجتماع عام طالب فيه بتطبيق النظام الإسلامي.
شكل خطاب المودودي أول مواجهة بين الجماعة الإسلامية والسلطة في باكستان، فاعتُقل هو ورفاقه وتلقوا دعما شعبيا مؤثرا شكل ضغطا على الحكومة، فأطلقت سراح المعتقلين واستجابت لمطالبهم فيما بعد من خلال تجسيد أفكارهم الأساسية في دستور إسلامي للبلاد فأعلنت باكستان دولة إسلامية.
واصلت الجماعة ضغطها وألقى المودودي خطابا يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 1950 في اجتماع عام بلاهور، وجه فيه النقد للمقترحات الدستورية التي قال إنها تمهد الطريق للدكتاتورية، فثارت الجماهير، مما أدى بالحكومة لدعوة العلماء لاجتماع لترتيب مسودة الدستور، وكان المودودي من بين المجتمعين. [٤].
قوبلت النقاط الدستورية من طرف الحكومة بالصمت لتدخل الحركة معها في مواجهة جديدة أُعلنت بسببها الأحكام العسكرية يوم السادس من مارس/آذار 1953 واعتقل المودودي مع بعض أعضاء الجماعة وأطلق سراحهم ثم اعتقل المودودي مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام قبل أن يخفف الحكم عنه بسبب الضغط الجماهيري المؤيد له وللحركة ويطلق سراحه عام 1955.
ودخلت الجماعة في صراع مع الاشتراكيين والهندوس واللادينيين مدة 9 سنوات (1947-1956). ومع بداية 1956 استجابت السلطات الباكستانية لمطالب الحركة والجماهير بإصدار دستور إسلامي، ثم أصدرت قرارا بحظر الجماعة واعتقال المودودي و63 من قادتها وأعضائها. تنحى المودودي عن منصبه عام 1972 لأسباب صحية، وتولى بعده ميان طفيل محمد، وتعاقب بعد ذلك عدة مسؤولين على منصب أمير الجماعة.[٥].
هيكليتها
للجماعة أمير ينتخبه أعضاؤها بأغلبية آرائهم انتخابا مباشرا، هو أمير لأعضاء الجماعة الذين انتخبوه أميرا لأنفسهم بأنفسهم، ومجلس مركزي للشورى لمساعدة الأمير ينتخب أعضاءه أعضاء الجماعة لمدة ثلاثة سنوات، وعلى الأمير أن يقوم بواجباته وينفذ أحكامه دائما بمشورة مجلس الشورى. أما قيم الجماعة أي أمين سرها العام، فيعينه الأمير من أعضاء الجماعة بمشورة مجلس الشورى. وللجماعة مائتا فرع منتشرة في معظم مدن باكستان وقراها، ولكل فرع منها أمير محلي وقيم ومجلس للشورى ومكتبة لتوزيع كتب الدعوة ومؤسسة مالية -بيت المال- يدخر فيها ما يؤدي أعضاء الجماعة وأنصارها والمتأثرون بدعوتها من زكاة أموالهم السنوية وما يتبرعون به من ذات يدهم حسب ما تقتضيه الحاجة.
وهذه الفروع موزعة إلى لواءات، واللواءات موزعة إلى حلقات حسب التقسيم الإداري، ويصرف على الجميع مركز الجماعة العامة في مدينة لاهور، فعدد اللواءات أربعون، وعدد الحلقات أربع عشرة في باكستان كلها، ولكل لواء - وكذلك لكل حلقة- منها أمير وقيم ومجلس للشورى وبيت للمال.[٦].
علاقتها مع السلطة الحاكمة
الجماعة الإسلامية والعلاقة بالسلطة
شهدت علاقة الجماعة الإسلامية في باكستان بالسلطة فترات مد وجزر حسب تقييم الجماعة لسلوك السلطة الحاكمة ومستوى التفاهم بين الطرفين، وإن كان البعض يأخذ على الجماعة "براغماتيتها" و"ارتماءها" في أحضان الجيش باستثناء فترات هدن محدودة.
عرفت باكستان 5 انقلابات عسكرية أبانت عن علاقة الجماعة بالسلطة، فقد عارضت انقلاب الجنرال أيوب خان عام 1958 أول الأمر لتدعمه حين اشتعلت الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1965، وإعلان أيوب خان "الجهاد المقدس ضد الهند"، ثم عارضته بعد ذلك في تحالف مع قوى سياسية وطنية اتهمته "بتحويل النصر إلى هزيمة على طاولة المفاوضات"، وقدم أيوب خان استقالته تحت ضغط الجماهير عام 1969 وتولى السلطة قائد أركان الجيش محمد يحيى خان.
كانت علاقة الجماعة بالسلطة غير مستقرة، تارة يطبعها الود والتحالف وتارة يطغى عليها التصعيد والتوتر، إلى أن دخلت في حكومة الجنرال ضياء الحق ممثلة بوزير للإعلام، وهو الأمير ميان طفيل محمد، ولم تلبث العلاقة الودية بينهما أن تدهورت بسبب ما اعتبرته الجماعة نكوص الجنرال محمد يحي خان عن وعده بتنظيم انتخابات تضمن الانتقال لحياة سياسية مدنية.
دعمت الجماعة انقلاب برويز مشرف عام 1999، واعتبر أميرها أن " تدخل الجيش في الشؤون السياسية جاء بسبب العدوان والجرائم المدنية والسياسية التي ارتكبها كل من نواز شريف وأيوب شيخان ويحيى خان"، واصفا التدخل العسكري بالظاهرة المؤقتة.
شاركت الجماعة في أغلب الانتخابات التي عرفتها باكستان عن طريق ذراعها السياسية "حزب الجماعة الإسلامية"، وبلغ تأثيرها الانتخابي ذروته بعد أن كانت توصف بالجماعة النخبوية، لأن تأثيرها كان ينحصر في صفوف طلاب الجامعات والنقابات المهنية. إعلان
واستطاعت الجماعة الإسلامية في باكستان سنة 2002 الحصول على 53 مقعدا في البرلمان، مما جعلها القوة السياسية الثالثة في البلاد، ووصل زعيمها قاضي حسين أحمد إلى البرلمان الفدرالي وحققت فوزا كبيرا في الإقليم الشمالي الغربي (سرحد) وعاصمته بيشاور، أهلها لتشكيل الحكومة الإقليمية.
قاطعت الجماعة انتخابات 2008 معتبرة أن برويز مشرف أجرى انتخابات تحت إشرافه لضمان استمراره في السياسات التي تخدم المصالح الأميركية، وتراجع بعد ذلك التأثير الانتخابي للجماعة الذي لم ينضج بما فيه الكفاية، حيث ظل تأثيرها الانتخابي محدودا مقارنة بقدرتها على الحشد الجماهيري والتأثير في القضايا الإسلامية داخليا وخارجيا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وظهر ضعف الجماعة السياسي والبرلماني في انتخابات 2013-2018 حيث لم تحصل إلا على مقعد واحد في البرلمان، ويرى البعض أن تراجع أداء الجماعة السياسي يعود لغياب الشخصية المؤثرة والمشاكل الداخلية في مناطق مثل دير وسوات في إقليم خيبر بختونخوا، وخرجت الجماعة تقريبا من إقليم البنجاب والسند وبلوشستان وفشلت في جذب أي شخصية مؤثرة تمكنها من تعزيز موقفها سياسيا.