أحمد خان
أحمد بن محمّد متّقي خان: من زعماء الإصلاح في الهند.
يرجع نسبه إلى أُسرة أرستقراطية نبيلة، رحل أجداه من بلاد العرب إلى هراة، ومنها إلى دلهي في عهد أكبر شاه.
وقد ولد السيّد أحمد سنة 1817 م، وتوفّي والده وهو في التاسعة من عمره بعد أن ثقّفه ثقافة دينية على عادة أهل زمنه وبلده. والتحق بخدمة الحكومة أميناً للسجلات في القلم الجنائي في دلهي، ثمّ عيّن قاضياً مدنياً في فاتح بور من إقليم أكرا، وفي بجنور. وفي أثناء وجوده في هذه المدينة اندلعت نار الثورة الهندية عام 1857 م ضدّ الإنجليز. غير أنّ السيّد أحمد لم يتحرّك ساكناً مخالفاً بذلك الرأي العامّ، إذ رأى أن لا فائدة من هذه الثورة وأنّها في النهاية ستسفر عن عودة السيطرة الإنجليزية مرّة ثانية، فعمل هو وأصدقاؤه على تخليص عدد كبير من الإنجليز. ولمّا هدأت الثورة كافأه الإنجليز على خدماته مادّياً وأدبياً، واستغلّ صلته بهم فيما وضع من خطّة إصلاح.
ومن هنا رمي بالخيانة، غير أنّ بعض الكتّاب- ومنهم أحمد أمين- يرون السيّد أحمد في الهند هو أشبه شيء بالشيخ محمّد عبده في مصر بعد مفارقته السيّد جمال الدين وعودته من نفيه. الإصلاح عندهما إصلاح العقلية بالتثقيف والتهذيب، والنظر إلى الدين نظرة سماحة ويسر، والاستقلال يأتي بعد ذلك تبعاً، فلا استقلال لجاهل ولا مخرّف، إنّما عماد الاستقلال العلم، العلم بالدنيا والدين، العلم بكلّ شيء جيّد أتت به المدنية الحديثة من طبيعة وكيمياء ورياضة وفلك ونفس واجتماع ونظام حكم وإدارة. ذلك كلّه إلى جنب دين يحيي القلب ولا يقيّد العقل ويغذّي النفس ولا يشلّ التفكير، والإسلام كفيل بذلك إذا فهم على أُصوله. وكان يرى المسالمة والمصالح مع المستعمر طالما لا مقاومة حتّى مع الاتّحاد، وكيف الاتّحاد مع تفشّي الجهل واختلاط الأهواء وضعف الخلق؟! وكان يرى أنّ المأخوذ من المستعمر يمكن استغلاله في خير الشعوب وثقافتها خير استغلال، والزمن بعد كفيل بإظهار النتائج.
غير أنّ هذا المنطق الذي اتّبعه أحمد خان فيه ما فيه.
وقد وضع رسالة في أسباب هذه الثورة الهندية باللغة الأُوردية، ردّ فيها على بعض الجرائد الإنجليزية فيما ذهبت إليه من أنّ سبب الثورة تهييج الأفغان أو الروس للهنود، معتبراً أنّ حركة الثورة حركة شعبية خالصة صادرة من صميم الشعب وأنّ سببها المآسي التي عاناها الهنود من السلطات الإنجليزية المحتلّة.
من أهمّ ما جاء به أحمد خان في مجالات الإصلاح الذي كان يدعو إليه هو وضعه خطّة في التربية بدأها بإنشاء جمعية علمية أدبية في عليكرة، حيث كان قاضياً بها سنة 1861 م، كان الغرض منها نشر الآراء الحديثة في التاريخ والاقتصاد والعلوم الطبيعية وترجمة أهمّ الكتب الإنجليزية في هذه الموضوعات إلى اللغة الأُوردية، فوضع الحجر الأساس لكلّية فيكتوريا بغازي بور.
وفي سنة 1869 م زار إنجلترا، فدرس هناك نظام التربية في المدارس الشعبية والجامعات، وكتب عنها، ودعا الهنود إلى السير على نهجها والأخذ بسبل الآداب والعلوم.
وجعل من أوّل خططه بعد عودته أن ينشئ في الهند جامعة تكون للمسلمين كأُكسفورد وكمبردج في إنجلترا، تربّي الخاصّة، ثمّ هم يربّون العامّة. وبعد عناء وكدّ نجح في إنشاء كلّية عليكرة المشهورة، ثمّ أنشأ وأصدر مجلّة دورية اسمها «تهذيب الأخلاق»، عالج فيها المشاكل الاجتماعية والدينية في جرأة وصراحة، فتعرّضت حياته للخطر، وأراد أحدهم أن يطعنه بخنجر، فنجا بأُعجوبة، وظلّ على آرائه.
يقول الأُستاذ أحمد أمين عنه: «ثمّ كانت له فكرة عظيمة نافعة، وهي أن يجمع مؤتمراً كلّ عام يجتمع فيه قادة المسلمين من الأقاليم الهندية المختلفة كلّ عام في مدينة، يلقون فيه الخطب والمحاضرات عن الشؤون الإسلامية وأمراض المسلمين وعلاجها، ويصدرون
القرارات التي يرونها نافعة في ذلك، وكان الغرض الذي يرمي إليه السيّد بثّ روح الائتلاف بين المسلمين في البلاد الهندية وتبادل الآراء في خير الوسائل لترقيتهم».
ولمّا بلغ الحادية والثمانين من العمر- وذلك في سنة 1898 م- أسلم الروح لخالقه، فبكاه المسلمون والهندوس والأوربيّون على اختلاف عقائدهم وطبقاتهم ومذاهبهم الاجتماعية والسياسية.
المراجع
(انظر ترجمته في: زعماء الإصلاح: 93- 106، موسوعة السياسة 1: 94- 95، الموسوعة العربية العالمية 4: 114، خمسون شخصية أساسية في الإسلام: 286- 292).